بعد تهديدات واشنطن
هل توقف إيران دعمها للحوثيين؟
شهدت الأيام القليلة الماضية تطورات مهمة، لعل أبرزها تعرض الفرقاطة السعودية «المدينة» لهجوم إرهابي، أثناء قيامها بدورية مراقبة غرب ميناء الحديدة، من قبل 3 زوارق انتحارية تابعة للميليشيات الحوثية، ما أدى إلى استشهاد 2 من أفراد طاقم السفينة، وإصابة 3 آخرين حالتهم مستقرة. وبالنظر إلى هذا الهجوم نجد أنه جاء في محاولة يائسة من جانب المتمردين لخلق حالة من عدم الأمان في منطقة باب المندب الاستراتيجي، خاصة بعد النجاحات المهمة التي حققتها الشرعية في الفترة الأخيرة، فيما يتعلق بالسيطرة على ميناء المخا ومحيطها، وصولاً إلى أعتاب الحديدة، وهو ما مثل ضربة قوية ضد الانقلابيين وداعمتهم الرئيسة إيران، حيث تُوقف هذه النجاحات أحد أهم خطوط تهريب الأسلحة الإيرانية للحوثيين وحلفائهم.
ويعد أسلوب الهجوم الذي وقع على الفرقاطة السعودية هو الأسلوب نفسه الذي اتبعه تنظيم القاعدة من قبل، عندما نفذ العملية الإرهابية في عام 2000 على «يو إس إس كول» الأميركية، الراسية في ميناء عدن في ذلك الوقت، كما قام بعملية أخرى بعدها بعامين، وتحديداً في ذكرى المدمرة كول، عندما استهدف التنظيم ناقلة النفط الفرنسية «ليمبورج» في عام 2002 بينما كانت قبالة سواحل اليمن.
وكانت الميليشيات الحوثية قد استهدفت في أكتوبر الماضي السفينة الإماراتية المدنية «سويفت» التي كانت في إحدى رحلاتها المعتادة من وإلى مدينة عدن، لنقل المساعدات الطبية والإغاثية، وإخلاء الجرحى والمصابين المدنيين لاستكمال علاجهم خارج اليمن.
ومن الواضح أن الهجوم الإرهابي علي المدمرة السعودية قد أثار القلق والغضب ليس على المستوى الإقليمي فحسب بل تعدى ذلك إلى المستوى الدولي، ولعل أقوى رد جاء من واشنطن التي اعتبرت أن الهجوم كان يستهدف أيضاً السفن الأميركية في المنطقة، وتهديد الملاحة الدولية في مضيق باب المندب الذي يعد من أهم الممرات المائية العالمية، وهو ما توعدته بالرد المناسب، بل ولم يستبعد الرئيس الأميركي دونالد ترامب استخدام الحل العسكري للرد، كما أصدر البيت الأبيض تصريحاً شديد اللهجة، أكد فيه أن تجربة إيران الصاروخية، والهجوم على الفرقاطة بباب المندب، لن يمرا بلا رد.
وعلى الفور صدرت تحذيرات إيرانية لجماعة الحوثي من اعتزام القوات الأميركية شن هجمات مماثلة للعملية الأخيرة، التي اشترك في تنفيذها، ولأول مرة، قوات المارينز، واستهداف عناصر وقيادات القاعدة في منطقة رداع بالبيضاء. وأكدت مصادر يمنية أن طهران شعرت بقلق بالغ بعد إعلان وزارة الدفاع الأميركية أن الهجوم الانتحاري الذي استهدفت به ميلشيا الحوثيين الفرقاطة السعودية كان المقصود منه إحدى السفن الحربية الأميركية، كما أصاب الميليشيات الانقلابية الذعر، واعتبرت الإعلان بأنه بمثابة تمهيد أميركي لتوجيه ضربة ما ضد الميلشيات الحوثية باعتبارها جماعة إرهابية، تهدد الملاحة البحرية في مضيق باب المندب وسواحل البحر الأحمر.
وفي محاولة للإبقاء على وجودها وعدم الاصطدام بالقوة العظمى، سارعت جماعة الحوثي وحليفها صالح بالتهرّب من ارتباطها الوثيق بإيران، وجاء ذلك من خلال إعلان رفضها الكامل لما أسمته الربط بين ما يحدث في اليمن وبين الخلافات الأميركية السعودية مع إيران في المنطقة.
وقالت في بيان: «إن أي محاولات لربط ما يحدث في اليمن بإيران وبرنامجها النووي والصاروخي، عبارة عن مكايدة سياسية غير شريفة، تهدف إلى الإيحاء بأن ما أسمته «صمود الحوثيين وحلفائهم» مرتهن ومرتبط بإيران، بغية إيجاد مبرر لعدد من القوى الدولية للتدخل في البحر الأحمر والسواحل والأراضي اليمنية».
ويشير هذا البيان بالفعل إلى مدى الذعر الذي تشعر به الجماعة الحوثية، فدعم إيران للحوثيين واضح، وتوجد عشرات الأدلة على وجوده منذ سنوات طويلة، ولعل آخرها نجاح القوات الجوية الإماراتية العاملة ضمن قوات التحالف العربي في اليمن، أوائل الأسبوع الماضي، في تدمير طائرة عسكرية إيرانية من دون طيار في منطقة شمال المخا قبل إطلاقها من منصة متنقلة، كانت معدّة لاستهداف قوات الجيش اليمني والمقاومة الشعبية التي شاركت في عمليات استعادة مدينة المخا ومينائها.
وكانت السلطات الأسترالية قد أعلنت قبل ذلك مصادرة سفينة تحمل مجموعة من الأسلحة المضادة للدروع، المهربة قبالة الساحل اليمني، قالت إنها: «صنع إيراني».
ونشرت الحكومة الأسترالية صوراً لشحنة الأسلحة التي تم مصادرتها، والتي أظهرت أسلحة خفيفة مضادة للدروع، تم تصنيعها في إيران، ما يشير كذلك إلى أن طهران كان لها يد في عمليات تهريب السلاح في أعالي البحار إلى القرن الإفريقي وشبه الجزيرة العربية.
وتضم الأسلحة، مجموعة من 9 قاذفات صاروخية (آر بي جي)، كانت من بين آلاف الأسلحة التي صادرتها الفرقاطة الأسترالية.
كما أكد تقرير آخر صدر في عام 2015 من مركز «أبحاث التسلح في الصراعات»، وهي مؤسسة خاصة لمراقبة الأسلحة، أن الأدلة المتاحة تشير إلى «خط أنابيب سلاح واضح يمتد من إيران إلى الصومال واليمن، يتضمن النقل عن طريق المراكب الشراعية، يحمل كميات كبيرة من الأسلحة إيرانية الصنع والأسلحة التي يظهر أنها تأتي من المخزونات الإيرانية».
وطيلة سنوات، كانت إيران تخضع لسلسلة من العقوبات الدولية التي تحظر عليها تصدير الأسلحة، وقالت الولايات المتحدة في كثير من الأحيان «إن طهران قد انتهكت العقوبات في دعم قوات بالوكالة في العديد من الصراعات، تشمل العراق وسوريا واليمن والأراضي الفلسطينية». وفي عام 2013، أوقفت البحرية مركباً شراعياً آخر قبالة السواحل اليمنية، واكتشفت أنها تحمل صواريخ وقاذفات مضادة للطائرات تطلق من على الكتف، بنادق وخراطيش أسلحة رشاشة، ومتفجرات بلاستيكية سي4، ومعدات للرؤية الليلية ومعدات عسكرية أخرى.
وأمام كل هذه الحقائق، وغيرها، هل يمكن تصور أن إيران يمكنها التخلي عن أحلامها بإقامة بؤرة توتر تهدد استقرار المنطقة، من خلال تأسيس قوام مشابه لحزب الله في لبنان، يتمثل في الجماعة الحوثية في اليمن، من أجل تفادي العقاب الأميركي أم أنها ستواصل دعمها للحوثيين؟
انفلات أمني وأخلاقي
في إطار حالة الفوضى التي تعيشها العاصمة اليمنية صنعاء، والتي يباركها الحوثيون وحليفهم صالح، قتل رجل أعمال يمني كبير، هو علي عبد الله قاطن، برصاص مسلحين الأسبوع الماضي بمنطقة الحثيلي، بعد أن قام مسلحون مجهولون باعتراض السيارة، وأطلقوا عليه النار، وأدى الحادث إلى مقتل نجله علوي.
وجاء ذلك وسط حالة مخيفة من الانفلات الأمني الكبير والخطير في العاصمة، إذ انتشرت عصابات السطو المسلح في عدد من الأحياء تمارس الاعتداء والنهب والسرقة في وضح النهار وأمام مرأى الناس.
على صعيد آخر، تواصل العصابات الحوثية عمليات عرقلة إيصال المساعدات واستهداف المدنيين في مناطق مختلفة من البلاد، بل وترفض أي جهود تقوم بها الجهات الإغاثية لإمداد المحتاجين بالمساعدات، وتقوم العصابات الإرهابية باحتجاز هذه المساعدات والاستيلاء عليها.
كما قام مسلحون تابعون إلى جماعة الحوثي بهجوم على مخازن تابعة للتموين الطبي في مدينة ذمار، وسط اليمن، وصادروا شحنة مساعدات دوائية قدمها الصليب الأحمر الدولي مساعدةً لمستشفيات المحافظة.