التوعية أول خطوات الإدماج
المغرب: التطرف النسوي.. السياقات والمخارج
وجدت الجماعات الإرهابية الأرضية مهيأة لتستقطب العنصري النسوي المغربي بحسب عدد من الباحثين في العلوم السياسية، لا سيما مع عدم تمكين المرأة من الاندماج في بعض مجالات الحياة خصوصا في الجانب السياسي، حيث كان غيابها لافتا في انتخابات مجلس النواب. ويرى المحلّلون أن من أسباب انضمام المرأة إلى صفوف التنظيمات الإرهابية أنها شديدة الارتباط بالقرابة الدموية، لكنها ظهرت في الفترة الأخيرة بصورة جديدة تقطع مع الصورة النمطية القديمة للمرأة داخل التنظيمات الإرهابية، لتتحول من ضحية ذات دور ثانوي إلى مجندة بشكل اختياري تلعب دورا كبيرا في المناورة والتمويه مما جعلها تشارك في قيادة الجماعات الإرهابية التي تنتمي إليها. في المقابل، سجلت المرأة المغربية شبه حضور داخل أجهزة الغرفة الأولى للبرلمان، وقد شدد البعض على أن تواجد المرأة في مراكز صنع القرار يكاد ينحصر في كونها مجرد شعار انتخابي. ويبدو أن سدّ المنافذ على التنظيمات الإرهابية حتى لا تجد ثغرات تنفذ منها إلى المغربيات وتقوم بتجنيدهن يتطلب إدماج المرأة وتمكينها من العيش.
من نافلة القول التأكيد أن المغرب اجتهد كثيرا في تمثّل ونشر الإسلام الوسطي المعتدل ومساهماته الكثيرة في مكافحة التطرف والسير حثيثا في نبذ التعصب والعمل على تشجيع حوار الثقافات والأديان وأجمع خبراء في التخطيط الاستراتيجي أن المملكة المغربية نجحت في إعادة ترتيب الأولويات المصاحبة لتجفيف منابع التطرف عبر مقاربات واقعية بأذرع أمنية وبيداغوجية تهتمّ بالتّنموي والتربوي والاجتماعي درءا لخطر خصوبة الإرهاب داخل تربة البلد، وأكد هؤلاء أن المغرب استطاع أن يقي إلى أبعد الحدود النساء كنواة أصيلة للأسرة المغربية وعليها المعتمد في بناء شخصية الأبناء والسهر على تربيتهم.
ويعتقد عبدالإله السطي، الباحث في العلوم السياسية والجماعات الإسلامية، في حديثه لـ”العرب”، أنه لا يمكن الفصل في الفكر المتطرف بين ما هو ذكوري وبين ما هو أنثوي، فالفكر المتطرف يجد ملاذه كل ما توفرت البيئة التربوية والتنشئة الاجتماعية الحاضنة له، ولكن في ما يتعلق بالفعل المتطرف أو العمل الإرهابي بشكل عام فهو مرتبط عادة بالرجال، لما يحتاجه من قوة جسدية وتخطيط واقتحام وإلى ما ذلك من أفعال تتطلب جهدا بدنيا.
المقدمات والسياقات
من هنا نتساءل حول المقدمات والسياقات المرتبطة بموضوع التطرف بصيغة المؤنث، فكرة تطرق إليها إدريس الكنبوري، الباحث المغربي في شؤون الجماعات الإسلامية، عند حديثه لـ”العرب”، موضحا أن تجنيد النساء في الجماعات الجهادية مرتبط بالتحوّل الذي حصل في الفكر السلفي الجهادي تجاه قضية النساء بشكل عام والجهاد النسائي بشكل خاص منذ أن نشر يوسف العييري، مؤسس الفرع السعودي لتنظيم القاعدة، كتابه “دور النساء في جهاد الأعداء” بدأ التيار السلفي الجهادي العالمي في تجنيد النساء، وكان تنظيم القاعدة أول من قام بذلك.
وفي المغرب بدأت هذه الظاهرة مع جماعة أنصار المهدي عام 2007 التي كان من ضمنها أربع نساء، لكن هذه الظاهرة بقيت محدودة جدا في المغرب، ويعتقد محدثنا، أن ظاهرة الجهاد النسائي ليست مطروحة بحدّة في المغرب كما هي في مجتمعات أخرى، لذلك فإن السياسة الدينية للدولة لا تميز بين الجنسين.
وفي سابقة هي الأولى في نوعها ألقى الأمن المغربي في أكتوبر 2016، القبض على عشر نسوة مواليات لتنظيم داعش، وأفاد بيان وزارة الداخلية آنذاك، أنه تم تكليف بعض عناصر هذه الخلية بمهمة “تجنيد نساء بهدف تعزيز صفوف داعش بالساحة السورية العراقية تماشيا مع استراتيجيته التي تهدف إلى توسيع دائرة الاستقطاب داخل مختلف الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية، لتعزيز دولة خلافته المزعومة”.
وأصبح مؤخرا لدى التنظيمات الإرهابية اتجاه حثيث نحو تجنيد شابات ونساء، من أجل القيام بأعمال تخريبية، كما حدث مع مجموعة من الخلايا الموقوفة من قبل الأجهزة الأمنية بالمغرب في شهر أكتوبر 2016، ويؤكد الباحث المغربي، أن هذا التوجه جاء نتيجة تضييق الخناق على التنظيمات المتطرفة، وتجفيف مختلف منابعها في المغرب جراء حذر الأجهزة الأمنية، وتدخلاتها الاستباقية التي آتت أكلها بدرجة كبرى جراء اعتقال عد كبير من المجندين وتفكيك العديد من الخلايا النائمة.
وبالرجوع إلى بيان وزارة الداخلية نجده يوضح أن المشتبه فيهن اللواتي بايعن الأمير المزعوم لما يسمى بالدولة الإسلامية انخرطن في الأجندة الدموية لهذا التنظيم، وذلك من خلال سعيهن للحصول على مواد تدخل في صناعة العبوات الناسفة من أجل تنفيذ عملياتهن.
ووفقا للبيان، فإن شقيق إحدى الموقوفات “سبق ونفّذ عملية مشابهة في العراق، خلال مطلع السنة الجارية”، أي أن البيئة المحيطة بالعنصر النسوي يمكن أن تكون عنصر شحن لفكرهن الذي عادة ما ينساق عاطفيا وراء الأقرباء وهذا ما أكدته العديد من التقارير بأن التحاق النساء بالتنظيمات الجهادية يكون نتيجة مباشرة أو غير مباشرة لقرابة دم أو نسب كالجهادية فتيحة المجاطي زوجة كريم المجاطي المغربي الذي كان عضوا في تنظيم القاعدة إلى أن قتل بالسعودية في العام 2005.
مشاركة النساء في مراكز صنع القرار شعار انتخابي
كل ذلك أدى إلى الدفع بهذه التنظيمات الإرهابية المتطرفة إلى إعادة ترتيب استراتيجياتها عبر الدفع بنساء مغرر بهن لهذا المستنقع، وذلك عبر تجنيدهن وتدريبهن على مهام قيادية، بل الأكثر من ذلك حسب عبدالإله السطي، إمدادهم بتقنيات صنع وتركيب المتفجرات، كما وقع مع الخلية النسائية الموقوفة، وهو أسلوب جديد بدأت تسلكه هذه التنظيمات، عبر تمكين المرأة والزج بها في المخططات الإرهابية، من أجل التعويض عن الخسائر البشرية واللوجيستية التي منيت بها هذه التنظيمات في المغرب.
وهذا ما يدفعنا لتغيير تلك الصورة النمطية للمرأة داخل التنظيمات الإرهابية، التي غالبا ما توصف بالاضطهاد والدور الثانوي، الأمر الذي أضحى يتنافى مع تقديرات العديد من التقارير الدولية في عدد النساء المجندات بشكل اختياري داخل تنظيم الدولة الإرهابي.
ويرى الباحث السطي أن العنصر النسوي في ظل الاستراتيجيات الجديدة لهذه التنظيمات انتقل من دور المساند إلى دور الفاعل، قصد تعزيز المخططات الإرهابية، لما تلعبه المرأة من دور كبير في المناورة والتمويه في مواجهة الأجهزة الأمنية.
مجهودات مبذولة
اعتبرت أحداث مايو 2003 الإرهابية التي ضربت الدار البيضاء نقطة فارقة في تعامل الدولة المغربية مع ظاهرة التطرف على جميع المستويات، إذ دشن العاهل المغربي الملك محمد السادس عملية إصلاح شاملة وإعادة هيكلة المجال الديني بالمغرب، ومنها تأطير عمل المرشدين والمرشدات في المساجد تحت رقابة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وكانت تجربة تأهيل المرشدات مهمة في زيادة وعي النساء المغربيات بأمور دينهن الوسطي المتسامح، حيث لم يقتصر دور هؤلاء المرشدات في الوعظ والتوعية الدينية داخل المساجد بل وَلَجْنَ مساحات أخرى من مستشفيات وسجون وجمعيات وغيرها من المؤسسات للحد من الفكر المتطرف ومحاصرته في المهد.
وفي هذا الإطار نتساءل هل محاربة التطرف الأنثوي بمرشدات إناث يمكن أن يكون ذا فعالية، وفي إجابته قال إدريس الكنبوري، إن قياس الفعالية يخضع لمؤشرات، وفي غياب الدراسة العلمية التي ترصد مخرجات التجربة ونتائجها من الصعب تقييم تجربة المرشدات، التي هي تجربة لا تزال في بدايتها، وأعتقد أن السنوات المقبلة ستظهر مدى نجاعتها، خصوصا إذا تمّ تعميمها على عدد من المناطق والأقاليم.
واعتبرت ممثلة هيئة الأمم المتحدة بالمغرب العربي ليلى الرحيوي، أنه تصعب السيطرة على ظواهر التطرف التي ليس لها مثيل والتي تهدّد السلام في العالم ككل بشكل كبير. وأكدت أن حقوق النساء والفتيات تتأثر بشكل مباشر وغير متناسب بالنظر إلى كونهن الطرف الأضعف في الصراع بسبب التمييز وعدم المساواة الهيكلية للمجتمعات التي تحول دون استقلاليتهن وتضعهن في الصفوف الأولى عند الأزمات.
وشددت الرحيوي على أن إشراك المرأة والعمل على تعزيز المساواة بين الجنسين يمثّلان، في عالم يضع التطرف فيه خضوع المرأة في صلب أيديولوجيته، قوة لإرساء سلام دائم.
وتبقى تجربة المملكة المغربية في التحسيس والمصاحبة والوقاية من التطرف وخصوصا الأنثوي رائدة، وفي هذا الصدد أكد إدريس الكنبوري لـ”العرب” أن المغرب أطلق منذ عام 2004 مشروعا لإعادة هيكلة المجال الديني، وكان من بين الخطوات التي تم اتخاذها تعيين مرشدات للتوعيـة بالـتدين المعتدل والعمل على تحصين المواطنين من مزالق التطرف والعنف، وهي تجربة استفاد منها الرجال والنساء.
وأشار ذات الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، إلى الدور الذي تقوم به إذاعة محمد السادس للقرآن الكريم وقناة التلفزيون التي تحمل نفس الاسم، والتي تسعى إلى التعريف بقيم الإسلام السمح، وهما موجّهتان إلى الأسر ويتابعها النساء بشكل أكبر، وهذا جزء من مواجهة التطرف الذي يمكن أن يستهدف النساء.
والملاحظ أن هناك مجهودا أمنيا كبيرا يبذل في المغرب من أجل محاربة التطرف بشتّى أنواعه، كما أن المقاربة التي ينتهجها في مكافحة الإرهاب أعطت أكلها، وهذا ما تثبته الوقائع على أرض الميدان، لكن بالموازاة مع ذلك حسبما أكده عبدالإله السطي، فلا زالت نزعات التطرف قادرة على التوغل في أفكار بعض النساء والشابات، والدليل هو عدد الخلايا التي تم توقيفها هذه السنة، الأمر الذي يمكن إيعازه لضعف الثقافة التعليمة ومستوى الوعي لدى الشباب المغرر به.
وخلص السطي الباحث في العلوم السياسية والجماعات الإسلامية، في حديثه لـ”العرب” إلى أن المغرب لا يزال أمامه عمل كبير في تطوير المناهج التعليمية والتوعوية ونشر قيم التسامح والتعايش والاختلاف لمقارعة فكر التطرف في صفوف الشابات بصفة خاصة، هذا إلى جانب الشق الاجتماعي الذي يلعب دورا مهما في التصدي لأيّ أفكار متطرفة قد تتسلل للأوساط النسائية المقموعة والمهمشة اجتماعيا، وحسب محدّثنا فإدماج المرأة وتمكينها من أدوات العيش الكريم قد تكون أيضا من العوامل المساهمة في الحد من ظاهرة التطرف النسائي وسهولة تجنيد العنصر الأنثوي من قبل الجماعات الإرهابية.