يقدمه "الإخوان" كمتهم أول للجنوبيين..

تحليل: هادي رئيس "انتقالي".. إلى أين سينقل اليمن؟

الرئيس اليمني الراحل علي صالح يسلم خلفه الرئيس الحالي عبدربه هادي علم الوحدة

القسم السياسي

يجاهد القيادي في الحراك الجنوبي (ع ، س) في اقناع متابعيه على فيس بوك بأن الصراع في الجنوب هو بين المجلس الانتقالي الجنوبي من طرف والرئيس عبدربه منصور هادي والقوى الجنوبية المتحالفة معه من طرف آخر، ليبرئ ساحة اطراف يمنية كانت هي صاحبة اليد الطولى في معاناة الجنوبيين طوال ربع قرن، وفي طليعتها حزب الإصلاح الذي شرع لنظام صالح الحرب الأولى على الجنوب من خلال فتوى التكفير الشهيرة التي أصدرها وزير العدل حينها عبدالوهاب الديلمي، وهي الفتوى التي يقول سكرتير صالح، احمد الصوفي، إنها اجازت قتل المستضعفين الجنوبيين.

فقد برأ قيادي في الحراك الجنوبي الموالي للرئيس اليمني عبدربه منصور هادي حزب الإصلاح اليمني من كل الجرائم التي ارتكبها في اعقاب تسميته لأعداء الجنوب بأنهم "الحوثيون واتباع عفاش"، الأمر الذي تعمد تجاهل الطرف الثالث في الحروب التي شنت على الجنوب وهو حزب الإصلاح صاحب فتوى التكفير الشهيرة التي اجازت للشماليين اجتياح الجنوب.

ويصور القيادي الحراكي، الخلاف في الجنوب بأنه بين القوى الجنوبية والرئيس هادي.. زاعما أن لا احد يشكل خطرا على الجنوب غير الحوثيين واتباع الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، الأمر الذي يقول جنوبيون إنه يوحي بأن هناك من يحضر لجولة عنف جديدة في عدن، بدعوى الدفاع عن شرعية الرئيس هادي.

المجلس الانتقالي الجنوبي المفوض شعبياً، أكد في جميع بياناته أنه لا يختلف مع شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، غير ان قوى جنوبية تؤكد أن القرار الرئاسي أصبح مصادرا في يد قوى متطرفة تساهم في اضعاف شرعيته واظهارها للعالم بأنها حكومة ضعيفة لا تسيطر على اي جزء من الجنوب المحرر.

محرر قسم الرصد والتحليل في مكتب صحيفة (اليوم الثامن)، حاول الاجابة عن عدد من التساؤلات، أبرزها إلى ان تسير الأمور في اليمن، وإلى اين يريدها الرئيس الانتقالي عبدربه منصور هادي ان تذهب؟.

هادي من النائب إلى الرئيس

طوال ربع قرن كافأ الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح، هادي الذي شارك في الحرب الأولى على الجنوب الى جانب قوات شمالية باعتباره طرفا معزوما في احداث الـ13 من يناير 86م، بمنحه منصب وزير الدفاع ثم نائب الرئيس (دون صلاحيات) لنحو 20 عاماً، قبل ان تدفع به أزمة العام 2011م، إلى منصب رئيس اليمن، بانتخابات توافقية رفضها الجنوبيون وصادروا صناديق الاقتراع حينها.

برر الجنوبيون السبب في مقاطعتهم لانتخاب هادي رئيسا لليمن، بأنهم يرون ان الاتفاق على تعيينه رئيسا لليمن هدفه الأول ان يشرعن لقوى الاحتلال اليمني احتلال الجنوب ومصادرة الثروات، فهادي يراه قطاع واسع من الجنوبيين جزءا من المشكلة وعليه ان يكون جزءاً من الحل، من خلال الاعتراف بخطأ الحرب العدوانية والتي جاءت نتيجة الانقلاب على كل اتفاقية الوحدة اليمنية.

مؤتمر الحوار وإقصاء الطرف الجنوبي

مضى هادي في حكم اليمن، ودعا لعقد مؤتمر حوار يمني عقد خلال العامين (2013 - 2014)، غير ان هذه الحوار لم ينته الا بعد ان اقصى هادي وفريقه الفريق الجنوبي المشارك في المؤتمر بقيادة القيادي الجنوبي البارز محمد علي أحمد، وهو الاقصاء الذي دفع جنوبيين حينها إلى مهاجمة هادي ووصفه برئيس الجمهورية العربية اليمنية.

إن اقصاء الطرف الجنوبي هو بسبب تمسكه بمخرجات مؤتمر القاهرة الذي اقر ان يقسم اليمن الى اقليمين بحدود العام 1990م، وهو ما اعتبرته قوى شمالية انفصالا سلسا يحققه هادي للجنوبيين.

وحاول هادي ان يؤكد للقوى اليمنية الشمالية موقفه الثابت والداعم للوحدة اليمنية، عندما أصر على تقسيم اليمن الى ستة اقاليم اربعة في الشمال واثنين في الجنوب.

اعتقد هادي أن المحافظة على الوحدة سيدفع الجميع للإبقاء عليه في الحكم أطول فترة ممكنة، واستطاع ان يلعب على رؤوس الثعابين كما فعل سلفه صالح، غير ان الثعابين التي حاول هادي الرقص عليها، ما لبثت ان رقصت في القصر الجمهوري ودار الرئاسة في يناير من العام 2015م.

اعتقد هادي ان ادخال الإخوان والحوثيين في حرب طويلة سوف يستنزفهم، غير ان الجماعة الأولى كان لها موقف مغاير من الحرب وأصرت على ان تكون الحزب السياسي الوحيد الذي يدعي الحفاظ على الوحدة اليمنية.

كان الحوثيون يحاصرون القصر الجمهوري وبيت الرئيس في حين كان الإخوان يخوضون حوارات مع الحوثيين واتباع صالح، في محاولة للتوصل الى اتفاق على رئيس جديد خلفا لهادي الذي كان حينها في حكم المنتهي، خاصة بعد ان قدم استقالته الى مجلس النواب من رئاسة اليمن، وهي الاستقالة التي لم يتم البت فيها نظرا لانقسام المجلس بين الشمال والجنوب ورفض الجنوبيين الانخراط في عقد جلسة برلمانية للبت في موضوع استقالة هادي.

 أظهر هادي عجزه في مواجهة الأطراف التي طالما وفر لها كل الإمكانيات وأبرزها جماعة الإخوان التي مكنها من سلطة القرار في صنعاء، باعتبارها القوى التي ازاحت صالح من الحكم، غير ان هذه القوى سرعان ما انقلبت على هادي واعلنت تحالفها مع الحوثيين.

موقف الخليج

كانت دول الخليج تراقب الوضع في اليمن، والطيران الإيراني يهبط بشكل يومي في مطار صنعاء الدولي، الأمر الذي اضطرها الى القيام بتحرك وان كان ثمنه الدخول في حرب طويلة ضد التمدد الإيراني.

نجحت الإمارات، عن طريق حلفاء بصنعاء، في اخراج هادي من منزله في شارع الستين بصنعاء صوب عدن، التي وصلها ليعلن عن سحب استقالته من رئاسة اليمن ويبدأ مرحلة جديدة، كان شعارها تحرير صنعاء.

واتخذ هادي عدن عاصمة مؤقتة لبلاده، في حين كانت إيران تشجع الحلفاء الحوثيين على التحرك صوب الجنوب واحتلاله، واوهمتهم ان الجنوب قد أصبح موالياً بعد ان خدعها بعض الحلفاء الذين فروا قبيل الحرب الى سلطنة عمان.

إلا ان الجنوبيين كان لهم القول الفصل في التصدي للعدوان الشمالي المتكرر عقب عدوان سابق في منتصف تسعينات القرن الماضي.

ظن الجنوبيون ان لا خيار امامهم سوى المواجهة العسكرية والتصدي لجحافل الغزو الشمالي، وكان الانتصار حليفهم بدعم واسناد من دول التحالف العربي بقيادة السعودية.

إخماد أول انقلاب في عدن

نجحت القوات الجنوبية في اخماد أول محاولة انقلاب في عدن تمثل في القضاء على تمرد عبدالحافظ السقاف، وهو التمرد الذي كان هدفه السيطرة على عدن واعتقال الرئيس هادي.

تقدم الحوثيون في اواخر مارس صوب عدن، وهب الجنوبيون في معركة التصدي للعدوان الجديد، قبل ان يطلق التحالف العربي بقيادة السعودية عاصفة الحزم للقضاء على الحوثيين وايقاف تقدمهم صوب الجنوب.

هادي لم يستوعب الدرس

عقب تحرير الجنوب، ظن الجنوبيون أن هادي الرئيس الذي ينحدر من بلادهم، قد استوعب دروس خذلانه من مختلف القوى اليمنية، وظنوا أيضا ان عهدا جديداً قد رسمه الانتصار الذي تحقق بنهر من الدماء الزكية، غير ان هادي كافأ الجنوبيين بتعيين جنرال الحرب علي محسن الأحمر نائبا للقائد الاعلى للقوات المسلحة تلاه بتعيينه نائبا للرئيس.

وقد اثار هذا التعيين موجة من الغضب الجنوبي، نظرا لدور الاحمر الدموي في قيادته للحرب الأولى على الجنوب والتي اطلق حينها عليه لقب (علي كاتيوشا) لهول ما امطر به سكان بالجنوب من قذائف الكاتيوشا.

فقد عاد هادي للتحالف مع القوى اليمنية التي كانت سببا في وصول الحوثيين الى صنعاء دون اي مقاومة تذكر، وهم الاصلاحيون والقوى المتحالفة مع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، الذي قتله الحوثيون اواخر العام المنصرم بعد ان قاد مقاومة مسلحة ضد تواجدهم في صنعاء.

اتباع صالح عادوا للقتال في صف القوى اليمنية المناهضة للحوثيين، غير ان هادي لا يزال بعيدا عنهم، على عكس الإخوان الذين نظموا تظاهرات مناوئة للتحالف العربي في تعز، وهم ذاتهم من يمكنهم هادي من السلطات العسكرية والمدنية والبعثات الدبلوماسية.

يجمع الكثير من الكتاب اليمنيين على أن الإخوان كان لهم الدور الأبرز في وصول الحوثيين إلى صنعاء دون قتال وذلك ابان الانتفاضة ضد نظام صالح، ناهيك عن ان الجماعة سارعت للتحالف مع عبدالملك الحوثي عقب سقوط عمران، عقب زعمها ان السعودية تريد ضرب التنظيم الإخوان في اليمن بتهمة انه ارهابي.

الحرب باسم هادي

إن الأخطاء التي ارتكبتها ادارة هادي تتمثل في التعيينات التي كان الهدف منها ضرب الاطراف التي تريد ان يكون لها موقف مناهض من مشاريع التقسيم، فالإخوان يتحكمون بالقرار الرئاسي عن طريق مدير مكتب الرئيس.

وقد ساهم مدير مكتب هادي في السيطرة على كل مقاليد الحكم باليمن وابرزها القرارات، ومنها مؤخرا تعيين محافظ إخواني لجزيرة سقطرى خلفا للمحافظ السابق الذي توفي في ظروف غامضة.

وهذا القرار اثار ضجة كبيرة، دفع قيادات عسكرية وسياسية الى تقديم استقالتها احتجاجا على تعيين إصلاحي في قيادة السلطة المحلية للجزيرة.

رفضت ادارة هادي كل المساعي في انتشال العاصمة عدن من وضعها المزري، بل ان حكومة الشرعية تفاخرت أكثر من مرة بأنها تحاصر عدن حتى لا تكون هناك مقومات دولة تشجع على انفصال الجنوب عن اليمن.

حملات الإخوان

استطاع الإخوان وعن طريق مكتب هادي اطلاق حملة اعلامية مناهضة للتحالف العربي على الرغم من الدعم العسكري واللوجستي الذي تقدمه السعودية والإمارات، الا ان هذه الحملة تقول العديد من المصادر انها ممولة قطرياً، والأخيرة على خلاف مع دول الخليج التي قاطعتها بفعل سياستها الداعمة للإرهاب في اليمن والمنطقة العربية.

تشير الكثير من المصادر إلى ان هادي غض الطرف عن الكثير من الممارسات وابرزها الحملات المناهضة للتحالف العربي ناهيك عن صمته حيال الفساد المالي والإداري وافتعال الازمات في المشتقات النفطية ورفض التاجر المورد تزويد الجنوب بالمشتقات النفطية، مشترطا ان يكون للإخوان موطئ قدم في عدن.

نهب الأموال

وتؤكد مصادر سياسية ان قادة عسكريين على صلة برجل أعمال إخواني قاموا خلال العامين الماضيين باقتطاع رواتب جنود تلك الألوية، الأمر الذي اثار حالة من الجدل عن مصير تلك الاموال التي تستقطع على الجنود.

 وتزعم مصادر عسكرية ان هذه الأموال تذهب إلى صندوق مالي خاص بتنظيم سياسي يمني، غير ان مصادر أخرى رجحت ان الأموال تذهب إلى قادة الألوية في عدن.

وامام واقع الفساد والفشل الاداري في عدن، يبدو ان الرئيس هادي المنتخب (مؤقتا) يقود اليمن نحو الفشل، خاصة في ظل سعي الكثير من الاطراف الاقليمية للدخول في الصراع اليمني، وهو ما يعني ان هادي ربما يترك اليمن دولة فاشلة، خاصة وان الكثير من القوى المتحالفة معه سعت خلال السنوات الثلاث الماضية إلى افشال اي شكل من اشكال بناء الدولة في عدن.