للروائي الروسي ليو تولستوي

«الحرب والسلم».. إلياذة العصور الحديثة

الحرب في اليمن

البيان (أبوظبي)

تعد «رواية الحرب والسلم»، للروائي الروسي ليو تولستوي (1828- 1910)، من روائع الأدب الكلاسيكي، منذ نشرها كاملة عام 1869 وحتى يومنا هذا. إذ نشرت في المرة الأولى سنة 1865 إلى سنة 1869، في مجلة «المراسل الروسي» باللغة الروسية، وتمثل أسطورة الأدب الروسي والعالمي. وهي عمل ملحمي يتناول بالتفصيل، أحداث احتلال فرنسا لروسيا، وتأثيرات عهد نابليون ومجتمع القيصر، من خلال عيون خمس عائلات روسية أرستقراطية.

ويرى بعض النقاد، أنها من أعظم الروايات في تاريخ الأدب، كما عدها البعض، ملحمة نثرية تقف إلى جانب إلياذة هوميروس الشعرية. ووازن الناقد البريطاني إدوارد جارنت بين إلياذة هوميروس ورواية «الحرب والسلم»، ورأى أن الإلياذة تفوقها في الجمال والتركيز.. غير أنها ترجح على الإلياذة، من ناحية السعة والشمول وتعقد الاهتمامات الإنسانية.

أربعة مجلدات

واللافت أن «الحرب والسلم»، صدرت في القاهرة، أخيراً، في طبعة شعبية جديدة، عن الهيئة المصرية العامة لقصور الثقافة، ضمن سلسلة ذاكرة الكتابة في أربعة مجلدات، ثمنها عشرون جنيهاً مصرياً، أي ما يقل عن أربعة دولارات. وتولت نقل هذه الرواية إلى العربية، نخبة من أسرة «دار اليقظة العربية للتأليف والترجمة والنشر»، وذلك من ترجمات فرنسية وإنجليزية، وجرت مراجعة الترجمة على الأصل الروسي.

حكاية تاريخية

تدور أحداث رواية الحرب والسلم قبل 60 عاماً من الزمن الذي كتبت فيه، وتحدث فيها تولستوي مع الأجداد الذين عاشوا خلال الحرب واحتلال الفرنسيين لروسيا عام 1812. وتتناول الرواية عدداً ضخماً من الشخصيات، وهو ما يقارب الـ160 شخصية، بعضها شخصيات تاريخية وبعضها الآخر خيالي:

روس وغير روس. وتركز الرواية بشكل رئيس على خمس أو ست شخصيات، هم الذين توفر اختلافات شخصياتهم وتجاربهم قوة دافعة للرواية، مع التفاعلات المتبادلة التي سبقت وعاصرت وأعقبت، الحرب النابليونية.

تبدأ أحداث الرواية عام 1805، خلال حكم القيصر ألكسندر الأول، حفيد كاثرين العظمى، وحتى احتلال الفرنسيين لروسيا عام 1812، في عهد نابليون. ويتعرف القارئ إلى الأحداث التاريخية والاجتماعية، عبر تفاصيل تداخل علاقات خمس عائلات أرستقراطية: آل بزوخوف، آل بولكونسكي، آل روستوف، آل كوراجين، آل دروبيتسكوي.

حالات وعناصر

تتصف عائلة آل بزوخوف بالثراء الواسع وبتفكك الروابط الأسرية، أما آل بولكونسكي. فإضافة إلى ثرائهم، خدموا في بلاط كاثرين العظمى، بينما يتمثل ثراء أسرة آل روستوف في موسكو، بالعقارات والأراضي، من دون توافر المال.. وذلك مع ترابط أسري قوي، حتى وإن كانوا يعيشون الحياة بلحظتها، بلا اعتبار لمواردهم. ويثير أبناء عائلة آل كوراغين الثلاثة الكثير من التساؤلات، وهناك أخيراً عائلة آل دروبيتسكوي التي تجمع بين أصول نبيلة وضيق الحال.

تبدأ أحداث الرواية من مدينة سانت بطرسبرغ عام 1805، مع بداية اجتياح نابليون غرب أوروبا. ومن ثم تخوف روسيا إزاء ذلك. ويقدم تولستوي العديد من شخصيات الرواية في حفل اجتماعي. إذ يجري التعرف إلى شخصيات كل أسرة من الانتهازيين ومقتنصي الفرص والوصوليين.

نتعرف في العمل إلى انطلاق تحركات قوات الجيش الروسي مع حليفة روسيا، آنذاك، الإمبراطورية النمساوية. ويذهب كل من الشاب الطموح والذكي أندرو بولكونسكي والفتى المتهور نيكولاس روستوف، إلى الجبهة. وبينما يصاب أندرو بجرح وتنقطع أخباره عن أسرته ويعتبر من ضمن القتلى، يصبح بيير بزوخوف، الشاب غريب الأطوار، الوريث الشرعي لوالده الثري، فيتزوج الفتاة الجميلة هيلين كوراجين في عجالة.

وسرعان ما يكتشف بيير خيانتها له. ثم يدعو عشيقها إلى المبارزة، ويحاول الخروج من إحباطه بالانضمام إلى الماسونية. وفي موسكو، تتصادف عودة أندرو إلى أسرته، مع ولادة زوجته ليزا، والتي تفارق الحياة ما إن تضع مولودها. ويكرس أندرو وقته لابنه ولإدارة العقار. كما تحاول هيلينا استسماح بيتر وطلب العفو عنها، وبعد مضي فترة زمنية، يغفر لها.

يدرك أندرو عبثية فكرته، لدى زيارته سانت بطرسبرغ، القاضية بمقابلة الإمبراطور وإطلاعه على المخطط العسكر الذي وضعه. وهناك يقابل ناتاشا، من أسرة روستوف، ويرتاح لها. وسرعان ما يطلب يدها للزواج. إذ لا تتأخر في الموافقة على ذلك. لكن والد أندرو يعارض الزواج ذاك. فيسافر إلى الخارج لمدة عام. وتتداخل القصص وتحاك الدسائس، هنا وهناك، بين الأقارب والمعارف، تبعاً للغايات والمصالح.

تقدم في مجريات أحداث الجزء الثالث من الرواية، عمليات بدء معركة بورودينو عام 1812، والتي يحتل نابليون على إثرها، موسكو، مع وقوع خسائر كبيرة في الأرواح لدى الطرفين. وتقصف القوات الفرنسية عقار الأمير بولكونسكي الذي يصاب بذبحة صدرية، إذ يفارق الحياة عقبها. كما يتعرف القارئ إلى شخصية القائد نابليون، المتعجرف والنرجسي، الذي يدير المعركة مع عدد من الجنرالات المحنكين.

سرد ومشاهد

تنفتح الرواية على صفحات سرد موسع عن طبيعة الحرب في بورودينو، بعد عودة بيير إلى الجيش، ومشاهدته أرض المعركة التي بدت له كالمجزرة، حيث اكتست بجثث القتلى من الجانبين. وما إن يدخل نابليون موسكو، حتى يشرع بيير في التخطيط لقتله. وتتطور أحداث الرواية مع الحرب، ليعاد إعمار موسكو بموازاة موت الكثيرين.

وتنتهي الرواية بجدال بين بيير ونيكولاي، حول سلبيات الإمبراطور ألكسندر الذي استغرق في الدين، تاركاً البلاد في أيدي حفنة من الاندفاعيين. وينوه بيير إلى مبادرة الإمبراطور ببعض التغييرات في النظام، في حين يصر نيكولاي على الدفاع عنه بتعصب.

بطاقة

الكونت ليڤ نيكولايڤيتش تولستوي (9 سبتمبر 1828- 20 نوفمبر 1910)، من عمالقة الروائيين الروس. ومن أعمدة الأدب الروسي في القرن التاسع عشر. والبعض يعده من أعظم الروائيين على الإطلاق. وهو روائي ومصلح اجتماعي وداعية سلام ومفكر أخلاقي. اعتنق أفكار المقاومة السلمية النابذة للعنف، وتبلور ذلك في كتابه مملكة الرب بداخلك، وهو العمل الذي أثر في غاندي ومارتن لوثر كينغ في جهادهما الذي اتسم بسياسة المقاومة السلمية المناوئة للعنف.