المشهد اليمني في ذكرى ثورة فبراير

اليمن: لا تأتي الثورات إلا بفواجع الحرب

مقاتلون من القوات الجنوبية خلال معارك مع الانقلابيين في ذو باب

عبدالوهاب العمراني (صنعاء)

لعلها لعنة الزمان وعبقرية المكان لليمن بأن تحول الأنظمة العربية الملكية إلى جمهوريات العسكر العربية قد تم بين عشية وضحاها بينما في اليمن استغرق الأمر حرب ثماني سنوات عجاف، وفي جمهوريات العسكر هذه تبدلت الأنظمة في ثورات "الربيع العربي" بما فيها العراق بينما في اليمن لازال زعيم الفساد يدير آخر الحروب في عهده لنحو أربعة عقود اندلعت فيها أكثر من عشرة حروب!

في الحالة اليمنية لازالت نفس النًخب التي انقسمت بدورها واختلفت حول توزيع الثروة والكعكة، ووأده ثورة الربيع العربي في نسخته اليمنية بركوب ميلشيا الحوثي والتي تحالفت مع من يفترض ان الثورة قامت ضده. ولعل هذه المناسبة بعد ستة سنوات من تلك الثورة تضع هؤلاء في وضع محرج ومتناقض فكيف يتحالفون مع من شن ضدهم ستة حروب ويحتفلون في نفس الوقت بالثورة ضده؟

الآن بعد تقهقر الظاهرة الحوثية يمكن القول بأن هذه الحرب هي مهر الوحدة المؤجل فإذا كانت ثورة 26 سبتمبر ميلاد الجمهورية الأولى فثورة فبراير ميلاد الجمهورية الثانية.

وكلا الثورتين، سبتمبر وفبراير، كانت إيران والسعودية طرفا مهما فيهما. لكن اختلفت ادوار الإقليم واختلف طرفا الصراع في الداخل وفي كل الأحوال وئدت الثورة اليمنية الأولى بمصالحة شكلية توارى وإنطفاء وهج الثورة.

كما ان الهجمة الإقليمية والدولية لوأد ثورة فبراير أفرزت مبادرة خليجية سيئة الصيت تحمل بذور فنائها في طياتها. فقد منح من لا يملك إلى من لا يستحق حصانة غفرت له ما تقدم وما تأخر من فساد وظلم وأجرام بل ويراد له ومن تحالف معهم رسم ملامح المستقبل، ومن هنا فأي دور لطرفي الانقلاب مستقبلي هو استخفاف بتضحيات هدا الشعب المنكوب ويفترض إقامة عدالة انتقالية لمحاسبة من تلوثت يده بضحايا الثورة.

ليس الحوثيون فقط من ركبوا موجة الثورة بل تسلل كثيرون من صلب النظام السابق فيما يُعرف بالدولة العميقة وهذا بالمناسبة تعبير مجازي فلا يوجد دولة حتى يقال عميقة والاصح ان الاربعة عقود الماضية شهدت بناء نظام واستخبارات وجيش عرمرم من قوت الشعب لقتل أحلامه فلم تبنَ دولة أساساً.

ثمة من ركب الموجة من بقايا النظام الذين انقسموا بدورهم بين مجموعة زعيم الفساد والحوثيين او حتى الشرعية علهم يحضون بموقع في الترتيبات الجديدة منهم عسكريون ومدنيين ومثقفين وسفراء وانتهازيين، سواء كانوا هؤلاء بشخوصهم او من خلال أحزاب سياسية، وما يسمى بأحزاب المشترك هي من تواطأ في كل مراحل الثورة ابتداء من المشاركة والترحيب بالمبادرة الخليجية السيئة الصيت مرورا بمراحل فترة المرحلة الانتقالية وصعود نجم الميلشيا من إسقاط دماج وعمران مرورا بسقوط العاصمة صنعاء وما أعقب ذلك من تطورات دراماتيكية.

أثبت الواقع بأن طرفي الانقلاب لا يريدون سلاما إلا من خلال شرعتهم وبقاء السلاح للهيمنة على كل اليمن لتبقى الظاهرة الحوثية الثلث المعطل في اقل الأحوال، بدليل أن الخطوات الأحادية التصعيدية عبارة عن هروب للأمام بينما الشعب يهرول للمجهول. فتشكيل ما يسمى بالمجلس الرئاسي وحكومة حزيز عديمة الصلاحيات، ليست فقط حسابات خاطئة وتناقض بين شعاراتهم وإعلامهم وإيقاع الشارع بل يمكن القول بأن طرفي الانقلاب كانوا ضحية المراهنة على فرضية التفاوض الذي ينتهي بالتقاسم بعد كل هذه الحروب ابتداء بالحروب الستة وانتهاء باغتصاب السلطة وإفساد المرحلة الانتقالية التي كانت على أعتاب الاستفتاء على الدستور، غير مدركين بأن التفاوض قد لا يتم أصلا حتى لو قدموا تنازلات ما لم يتم الانسحاب أولا وتسليم السلاح وهذا بوجهة نظر الحوثيين تحديدا كمن يسلم رقبته لغريمه. فمسوغات واقع الحال اليوم تختلف عن عشية مفاوضات سويسرا او الكويت، الم نقل بأنه ما كان ممكنا بالأمس قد يصبح صعباً اليوم، وما كان صعبا اليوم قد يكون مستحيلاً في الغد فدوام الحال من المحال!

ما يميز الذكرى السادسة لانبلاج ثورة 11 فبراير هو ان الحرب في اليمن غدت في ذروتها بعد أكثر من عامين على سقوط صنعاء وزاد من عزلة اليمن وتناقصت سيادته المفقودة أصلاً. فأول من فرط بالسيادة وسن عمليات طائرة بدون طيار وقال "شو نعمل جاءت من السماء!" هو نفسه من شن ستة حروب عبثية وتحالف معهم نكاية بقوى أخرى وإفساد الفترة الانتقالية على خلفية أحقاد شخصية ليس إلا.

وفتح أبواب جهنم على اليمنيين، واللافت يريد هؤلاء او يعتقدون بأنه قد يكون لهم دورا في رسم ملامح المستقبل، بمعنى تأسيس لصراع مستدام أطول زمناً وعنفاً من الحرب الأهلية في الستينيات.

فإذا كانت ثورة الجرعة للحوثيين قد أنتجت حربا يمنية إقليمية فليس من المستبعد ان تنتهي بطريقتين، أما بتدخل دولي وحرب أميركية إيرانية مسرحها اليمن، او "بالتفاوض" من موقف ضعف "للشرعية" يسفر عن "توافق" شكلي على الورق هو بمثابة تقاسم للسلطة تحت عنوان التوافق سينتهي هو الآخر بحرب طويلة، لكنها هذه المرة حرب أهلية بدون مفردة "العدوان". وستشهد اليمن فترة اغتيالات وتصفيات وسيكون البقاء للأقوى حيث لا سقف للمرجعيات كما هو اليوم نحتكم إليه، فلسان حال الميلشيا وأنصارهم في الإقليم إيجاد حل للحوثي وشرعتنه وتطويع كل الحلول وما يسمى بالمجتمع الدولي لإعطاء الأولية ليس لإيقاف الحرب بل وجعل مكون الحوثي شوكة في خاصرة اليمن والمنطقة، وان يشارك في رسم ملامح المستقبل بسلاحه وان يكون الطرف المعطل ليصاب اليمن بعاهة وحروب أهلية للأبد. وقد تكون الحرب الأهلية في الستينيات اقل زمنا ومأساة العراق لثلاثين عاما وكذا الحرب في سوريا مجرد نزهة مقارنة بحرب أهلية في اليمن مفترضة بناء على مسوغات ومعطيات الواقع. فالظروف الذاتية والموضوعية التي افرزتها تناقضات عقود من تراكم الفساد والعبث تعكس للأسف نظرة تشاؤمية لحرب لا تبقي ولا تذر.

 

عبدالوهاب العمراني

دبلوماسي يمني وكاتب سياسي