أكثر المناطق غرابة
سقطرى ضمن أهم المواقع البحرية العالمية
في 7 أغسطس الماضي تلقى سكان محافظة أرخبيل سقطرى اليمنية في المحيط الهندي (أقصى جنوب شرقي اليمن) خبرا وقع على مسامعهم كالصاعقة، إذ قتل أحد السكان آخر بالسلاح، في واقعة هي الأولى منذ 42 عاما في الأرخبيل المكون من 4 جزر. فمحافظة أرخبيل سقطرى، الواقعة في نهاية خليج عدن على بعد 500 كم من الشاطئ اليمني، كانت دوما هادئة، على عكس بقية اليمن، الذي يعيش اضطرابات أمنية جراء الحرب.
حياة مسالمة
جراء الحرب يتساقط يوميا قتلى وجرحى في أرجاء اليمن، لكن الوضع ليس كذلك في سقطرى، لذا عندما قتل أحد سكانها قريبا له بالسلاح حظيت الواقعة باهتمام كبير في الجزيرة الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية. آنذاك، قالت شرطة سقطرى إن “حادثة القتل جنائية بين طرفين من قبيلة واحدة، تشاجرا على مساحة أرض، وكانت بحوزتهما أسلحة، ودفع الوضع المتأزم بينهما إلى إطلاق النار”.
المهندس في نظم المعلومات، إسكندر السقطري، وهو من سكان مدينة حديبو، عاصمة سقطرى، قال “شعرنا بالرعب حين وصل إلى مسامعنا خبر الحادث، فمنذ ولدت في الجزيرة لم أسمع عن إطلاق رصاص ومقتل شخص”. وأضاف إن “تفاصيل الحياة مسالمة وهادئة في الجزيرة، التي أقرت الحكومة اليمنية عام 2013 تحويلها إلى محافظة (3650 كيلومترا مربعا) بعد أن كانت تتبع محافظة حضرموت (جنوب شرق)”.
وأوضح إسكندر “نحن كسقطريين نعيش في سلام داخلي، والعلاقات المجتمعية والعادات والتقاليد الموروثة تجعلنا مجتمعا متقاربا ومتآلفا، وفي حال نشب خلاف بين اثنين منا نعود إلى أهل الحل والعقد من الحكماء في الجزيرة.. إن السكان نشأوا على الحياة الهادئة والجميلة المستمدة من سلام وصفاء الجزيرة نفسها”.
لا يحتفلون بالسلاح
على خلاف اليمنيين، الذين يرون في حمل السلاح جزءا من شخصية وهيبة الرجل، فإن سكان سقطرى، البالغ طول شريطها الحدودي حوالي 300 كم، يعتبرون ذلك أمرا مقززا ويبعث على الريبة. ودرجت العادة في أفراح اليمنيين وأعراسهم على إطلاق الرصاص الحي، ليتحول الأمر، وخصوصا في شمال اليمن، إلى استعراض ناري، فكل فرد يحاول إظهار جودة سلاحه وتميزه في إطلاق الرصاص.
بينما لا يوجد إطلاق للرصاص مطلقا في الجزيرة، التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو)، ضمن قائمة المواقع البحرية العالمية ذات الأهمية البيولوجية والتنوع النادر. كما تم تصنيف الجزيرة من قبل اليونسكو كأحد مواقع التراث العالمي عام 2008، ولقبت بأكثر المناطق غرابة في العالم، نظرا إلى التنوع الحيوي الفريد وإلى أهمية البيئة في الجزيرة.
حياة تختلف عن باقي المدن اليمنية
ويمتلك عدد محدود من أهالي الجزيرة السلاح، وبعضهم لا يزال يحتفظ ببنادق من عهد الاحتلال البريطاني (1835 – 1967)، لكن الكثير من هذه البنادق معطوبة ودون ذخائر. وعن اختلاف ثقافة السلاح في سقطرى قال ثجاج الشزابي، وهو مدون وناشط بيئي من الجزيرة، إن “الطبيعة المسالمة للسكان دفعتهم إلى تكوين انطباع بأن حمل السلاح أمر يحط من شرف الرجل، ودلالة على أن شخصيته ضعيفة ويحاول أن يكملها بحمل السلاح. من يحملون السلاح هم جنود الأمن والجيش أثناء عملهم”.
وتابع الناشط اليمني قائلا إن “الجزيرة لا توجد فيها حيوانات مفترسة، وهذا من الأسباب الرئيسية التي لم تدفع السكان إلى اقتناء السلاح. كل من يعيش على الجزيرة مسالم، الإنسان والحيوان على حد سواء، ولذلك لا توجد جرائم قتل أو سطو أو اعتداء”.
ثم استدرك موضحا أنه “توجد حالات محدودة من الجنح والجرائم الصغيرة في الجزيرة، لكنها أقل من 1 بالمئة، وأغلبها مخالفات بسيطة، وبعض السرقات، التي يقف وراءها مختلون عقليا”. ولسكان سقطرى لغة خاصة (السقطرية) يتحدثون بها، وبرلمانات لحل مشاكلهم، وهي موجودة على مستوى كل قرية وتجمع سكاني، وتسمى “مسلهم”. والبرلمان موقع تجتمع فيه قبائل لمناقشة الأوضاع، وفيه يدرس الحكماء والأهالي مشاكلهم حتى يخرجوا بحل، كما هو الحال في قضية القتل “غير المتعمد” التي شهدتها الجزيرة العام الماضي، حيث انتهت بالصلح.
استقرار أمني
أغلب سكان سقطرى، البالغ عددهم قرابة 150 ألف نسمة، يعملون في الزراعة ورعي الماشية والصيد. واستقرار الوضع الأمني في سقطرى، واتساع مراعيها الخضراء، دفعا المزارعين إلى إطلاق أغنامهم وأبقارهم وإبلهم في السهول والوديان، دون خشية من أن تتعرض إلى السرقة أو أي اعتداء من الآخرين.
ومع كل صباح يفتح سعيد أحمد حظيرته لتنطلق المئات من الأغنام في الجزيرة، وعند المساء تعود إلى الحظيرة دون أن تتخلف أي منها. ويقول “لا أخشى على أغنامي من سكان الجزيرة، فهنا لا يعتدي أحد على حق أحد، وكل المواشي مملوكة ومعروف مالكها”.
وبلغ استقرار الوضع الأمني في سقطرى إلى حدّ أن المواطنين لا يغلقون سياراتهم إلا في ما ندر، فالمدينة المحدودة داخل الجزيرة، تجعل التفكير في سرقة سيارة أمرا غير مجد.
وبحسب أحمد “إذا سُرقت سيارة فمن غير الممكن أن يستفيد منها السارق، فالمناطق محدودة، ولا يمكن تهريبها إلى خارج الجزيرة إلا عبر الميناء الصغير للجزيرة وهو خاضع للأمن، ولا يُمكنك أن تبيعها أجزاء (تشليح)، فكل ورش تصليح السيارات لا تتعامل بهذا الطريقة، وهي محدودة”.
وتجذب جزيرة سقطرى السياح من كافة أنحاء العالم، وكانت معزولة ومحظورة على السياح إلى أن افتتحت الجزيرة أمامهم في العام 1999. وأنعمت الطبيعة على الجزيرة بالجمال والسحر، حتى أن ثلث الحياة النباتية الموجودة في جزيرة سقطرى (أكثر من 900 نوع) لا يمكن العثور عليه في أي مكان آخر من العالم، إذ يشتهر أرخبيل سقطرى بالنباتات الفريدة والتنوع البيولوجي، ومثال على ذلك شجرة “دم العنقاء” وهي نوع من أشجار التنين، ورمز لنباتات سقطرى.
وأطلق اليمنيون اسم “دم التنين” أو “دم العنقاء” على تلك الأشجار التي يعرف اسمها العلمي بـ”Dracaena cinnabari” نظرا إلى ما يخرج منها من سائل أحمر يشبه الدم. واقترن اسم الشجرة باسم الجزيرة لشهرتها وأهميتها منذ أقدم العصور، وهي تنمو في أعالي الجبال، ويتراوح ارتفاعها من 6 إلى 9 أمتار.
ويتحدث أهالي الجزيرة عن شقوق في ساقها، تسيل منها مادة لزجة حمراء اللون تترك حتى تجف ثم تجمع وتعد للتصدير. ويدخل ذلك النوع من الأشجار النادرة في الكثير من الصناعات البدائية في الجزيرة، كما يستخدم كعلاج لبعض الأمراض.
وصف الاتحاد الدولي لصون الطبيعة في جزيرة سقطرى بأنها “غالاباغوس المحيط الهندي”. كما أن الجزيرة من أهم أربع جزر في العالم من ناحية التنوع الحيوي النباتي، وتعتبر موطنا للآلاف من النباتات والحيوانات والطيور المستوطنة، وهي بذلك تعتبر أهم موطن لأشجار اللبان المشهورة في العصور القديمة، حيث يوجد في العالم بأكمله 25 نوعا من اللبان، منها تسعة أنواع مستوطنة في جزيرة سقطرى. ويشمل الأرخبيل إلى جانب جزيرة سقطرى الرئيسية ثلاث جزر صغيرة أخرى هي درسة، وسمحة، وعبد الكوري، بالإضافة إلى جزيرتين صخريتين صغيرتين.