كما يُشاع

هل يُفضّل الناس معرفة المستقبل حقًّا؟

الذين يفضلون أن يبقوا جاهلين هم أكثر نفورًا من المخاطر

علاء الدين السيد (القاهرة)

سواءً كنت من المتفائلين أو المتشائمين، اتضح أن معظم الناس يُفضّلون البقاء في العلم بالحاضر، بدلًا من التسلل لأخذ لمحة عن المستقبل، فوفقًا لبحث شارك فيه أكثر من ألفي مشارك، ظهر أن أكثر من 85% من الناس لا يرغبون في معرفة ما إذا كان زواجهم سينتهي بالطلاق أم لا. ليس هذا فحسب؛ بل إن هناك نسبة مقاربة لأناس يُفضلون عدم معرفة وقت وفاتهم.

ولا يتعلق الأمر فقط بالتفاؤل والتشاؤم، أو الحزن والسعادة، إذ إنّ غالبية المشاركين في الدراسة فضلوا الجهل بالمستقبل، وإن كان الأمر متعلقًا بأمور مُفرحة كهدايا أعياد الميلاد على سبيل المثال.

عالم المعلومات

ورغم أننا في عصر المعلومات، حيث «فكرة الحصول على مزيد من المعلومات، هي دائمًا أفضل، بالإضافة إلى أنّ الكثير من التكنولوجيا التي تدور حولنا تُؤكد هذه الفكرة»، كما يقول جيرد جيجيرينزر، من معهد كاكس بلانك للتنمية البشرية، وهو باحث مُشارك في الدراسة التي بين أيدينا، والتي تقول شيئًا مُختلفًا عما يُفترض أن عصر المعلومات يقود إليه، وهو أنّ الناس ربما لا يرغبون حقًّا في مُطالعة المستقبل.

ونُشرت الدراسة في مجلة  «Psychological Review» المتخصصة. وتشتمل على دراستين من الدراسات التي  تعقد وجهًا لوجه بين الباحثين والمشاركين، واحدة منها جرت في إسبانيا، والأخرى كانت في ألمانيا، وفي كل من الدراستين طُلب من أكثر من ألف مشارك الإجابة عن سلسلة من الأسئلة الافتراضية، خمسة منها كانت حول أحداثث سلبية، مثل ما إذا كنت تريد أن تعرف متى سوف تموت، وعما إذا كان زواجك الحديث سوف يستمر أم لا، بالإضافة إلى خمسة أسئلة حول الأحداث الإيجابية، مثل ما إذا كنت تريد معرفة جنس الجنين قبل الولادة، أو نتيجة مباراة لكرة القدم.

وكشفت نتائج الدراسة الألمانية أن ما يقل قليلًا عن 88% من المشاركين قالوا إنهم لا يريدون معرفة متى سوف يموتون، بينما قال ما يقرب من 87% إنهم لا يريدون أن يعرفوا ما إذا كان زواجهم سيفشل وينتهي بالطلاق أم لا، وأوضح ما يقرب من 90% من المشاركين أنهم لا يريدون معرفة توقيت وفاة شريكهم.

على النقيض من ذلك، قال أكثر من 59% إنهم لا يريدون أن يعرفوا مسبقًا ما هي الهدية التي ستقدم لهم في أعياد الميلاد، وأوضح حوالي 57% من المشاركين أنهم لا يريدون أن يعرفوا ما إذا كانت هناك حياة بعد الموت أم لا، في حين أن ما يقرب من 77% لا يريدون أن يكشف لهم شخص ما عن نتائج مباراة كرة قدم قبل أن يشاهدوها، إلا أن معرفة جنس الطفل لم يجري رفضه إلا من خلال ما يزيد قليلًا على 40% من المشاركين. ومن بين كل هؤلاء، 1% فقط الذين فضلوا إلقاء نظرة على المستقبل.

وعندما أجريت الدراسة نفسها في إسبانيا كانت النتائج متشابهة جدًّّا، رغم أن الإسبانين كانوا أقل اهتمامًا في الحفاظ على جنس الجنين مفاجأة، بينما كان الألمانيون أقل قلقًا بشأن الحفاظ على التشويق فيما يتعلق بهدايا عيد الميلاد.

البقاء في الظلام

ولمحاولة كشف النقاب عن العوامل التي تعزز الرغبة في البقاء في الحاضر بالكليّة، وعدم معرفة المستقبل؛ طلب فريق الباحثين من المشاركين الإجابة عن مجموعة متنوعة من الأسئلة التي تهدف إلى سبر أغوار مواقفهم تجاه المخاطر. وتشير النتائج إلى أن أولئك الذين يفضلون أن يبقوا جاهلين هم أكثر نفورًا من المخاطر، وأكثر عرضة للاشتراك في التأمينات المختلفة.

ومن بين العوامل المهمة التي تؤثر في هؤلاء كان عامل السن، فالأفراد الأكبر سنًّا كانوا أقل حرصًا على معرفة ما إذا كان هناك حياة بعد الموت، أو فيما يتعلق بسبب وموعد وفاة شريكهم في الحياة.

ووفقًا للقائمين على هذه الدراسة، فإن نتائجها تدعم فكرة أن كلًّا من تجنب المشاعر السلبية والحفاظ على عنصر المفاجأة، هما أمر متجذر في الهدف المشترك المتمثل في تجنب الشعور بالأسف. ومع ذلك، أشار الباحثون إلى أن أولئك الذين يحضرون شعائر دينية مختلفة، هم أكثر عرضة تجاه محاولة معرفة ما يخبئه المستقبل.

هناك قيم أخرى إلى جانب معرفة كل شيء سوف يحدث، وهذه القيم هي قيم عاطفية إلى حدٍّ كبير. لذلك، ومن أجل تجنب المشاعر السلبية التي قد تنشأ من المعرفة المسبقة مثل كاساندرا، أو للحفاظ على مبدأ المفاجأة والفرح، فإننا لا نفضل معرفة المستقبل، طبقًا لما ذكره جيجيرينزر، نقلًا عن أسطورة «كاساندرا» اليونانية، التي جرى لعنها من قبل الإله أبولو بلعنة تتمثل في رؤية المستقبل بدقة، لكنها لن تكون قادرة على إقناع الآخرين بالاستجابة لتحذيراتها.

مزيد من الأبحاث

ديفيد دانينج أستاذ علم النفس في جامعة كورنيل، والذي لم يشارك في هذه الدراسة، وصف نتائجها وما توصلت إليه بـ«المثيرة للاهتمام»، لكنه في نفس الوقت أكّد ضرورة سبر أغوار فكرة أن الأسف والندم هما السبب الرئيسي وراء عدم رغبة الناس في معرفة المستقبل.

كما أنّه لفت إلى أنّ ردود المشاركين في الدراسة، هي «مجرد نظريات وافتراضات سابقة»، مُوضحًا أن الناس ليست لديهم قدرة على التنبؤ بردود أفعالهم في الحالات التي تنطوي على المشاعر الحقيقية. وضرب على ذلك مثلًا باستطلاع آراء النساء الحوامل بالفعل، لمعرفة النسبة المئوية لمن يردن منهن أن يعرفن ما إذا كن سينجبن ذكرًا أم أُنثى.