الدفع بقوى معادية للقضية

تحليل: هل تقف السعودية في صف أعداء الجنوب؟

مقاتلون من القوات الجنوبية خلال معارك مع الانقلابيين في الساحل الغربي لليمن

صالح أبوعوذل
كاتب وباحث وسياسي مستقل، رئيس مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات، ومقرها العاصمة عدن

أكثر من عامين مضت على تحرير عدن والمحافظات المجاورة ومنذ ذلك الحين باتت أعلام ورايات السعودية والإمارات وصور زعماء وقادة التحالف العربي تنتصب في شوارع العاصمة عدن الى جانب علم (اليمن الجنوبي)، حيث تعز عدن أول عاصمة عربية تتمكن من هزيمة المشروع الإيراني في المنطقة، عن طريق المقاومة الجنوبية الشرسة وروح الاستبسال التي أبداها الشباب الجنوبي المقاوم، بدعم من عاصفة الحزم التي جاءت لصد العدوان الإيراني وذلك عبر الحلفاء الحوثيين وقوات المخلوع صالح.

وبذا تكون عملية (عاصفة الحزم) قد اسهمت بشكل جلي في تحقيق النصر المؤزر في جنوب اليمن، وتقوية علاقة الجنوب بدول الحلف العربي وأبرزها السعودية والإمارات والكويت، الأمر الذي جعل الجنوبيين يرفعون اعلام وصور قادة دول مجلس التعاون الخليجي في الطرقات وعلى أسطح المرافق الحكومية والأهلية والمنازل.

باتت الاعلام والصور منذ عامين في مدينة عدن منتشرة بالعاصمة التاريخية للجنوب ، والمؤقتة لليمن.

فإلى جانب علم اليمن الجنوبي ترتفع اعلام الامارات والسعودية والكويت وبقية دول التحالف العربي، لكن حدثا طرأ قبل نحو شهر اثر مواجهات اندلعت في محيط مطار عدن الدولي، يقول جنوبيون انها عكرت صفو علاقتهم بالرياض، فيما لا تزال علاقتهم بالامارات كما هي، خاصة وان أبوظبي باتت قريبة من الجنوبيين وتناوئ الخصوم التاريخيين لعدن، على عكس الرياض التي تبدو انها لا تزال متمسكة بتحالفاتها السابقة، على الرغم من فشل حلفاء الرياض في تحقيق اي انتصار عسكري يذكر على حلفاء ايران في صنعاء.

في الـ21 من سبتمبر (أيلول) 2014م، كنت قد كتبت مقالة تحليلية مطولة، نشرت في الصحافة المحلية بعدن، حول مستقبل الصراع في اليمن، والمساعي التي جعلت من الزيود (قبائل وقوى سياسية) يتحالفون جميعا مع الحوثيين، لإسقاط الجنوب لمصلحة إيران العدو التاريخي للعرب.

وحقيقة فقد ابديت توقعاتي حينها بكل وضوح وذكرت أن السعودية قد تلجأ إلى دعم خيار استقلال الجنوب، لقطع الطريق على إيران، لأنه لم يعد هناك أي خيار غير ذلك، ولا يزال هذا الخيار الوحيد امام الرياض لتأمين حدودها ودفع الخطر الإيراني بعيدا عنها.

وفي تلك المقالة اجبت عن سؤال" هل تقطع السعودي يد إيران قبل ان تمتد إلى الممر الدولي الهام؟"، وكانت الإجابة كما اعتقدت ان الرياض ستدعم خيار استقلال الجنوب، من أجل التصدي للعدوان الإيراني، الذي كان محتملا.

لكن السعودية، ظلت ترقب المشهد اليمني عن بعد وقرب في آن واحداً، وإلى اين تؤول الأوضاع، وقامت بتقديم دعم عسكري ضخم لميليشيات قبلية وحزبية في مأرب، لكن ميليشيات الحوثي وقوات صالح تركت مأرب وركزت جل جهودها نحو عدن، واستمرت السعودية في دعم الميليشيات القبلية الموالية في مأرب إلى أن شنت قوى العدوان اليمن الشمالي عدوانها الثاني على الجنوب، الذي كاد ان يسقط في يد إيران، لولا رجال الجنوب الذين وقفوا سدا منيعا امام اطماع العدوان الشمالي، وافشلوا انقلابا في عدن نفذته قوات موالية للمخلوع صالح.

واستعرضت ميليشيات الإخوان في صحراء مأرب بالمركبات العسكرية السعودية، وأعلنت استعدادها لقتال الحوثيين على الرغم من اصدار قيادة الجماعة بيانا أكدت فيه انها لن تنجر إلى الصراع الطائفي حينها.

شعرت السعودية بالخطر حينما اتجه الحوثيون وقوات المخلوع صالح نحو عدن العاصمة وباب المندب، وحينها دشنت على الفور (عاصفة الحزم) التي اطلقتها في الـ26 من مارس (آذار) 2015م، لتساند قوات التحالف العربي الجنوبيين وتمدهم بالمال والسلاح، وبالمقابل قدم الجنوبيون تضحيات كبيرة جدا، كان ثمنها هزيمة حلف ايران في اليمن ودحره من الجنوب.

لكن بالتأكيد كانت الكلفة ستكون أقل فيما لو ذهبت الرياض في وقت مبكر نحو دعم استقلال الجنوب، ودعم بناء دولة جنوبية قوية على شريط البحر العربي الهام، بدلا من الرضوخ لابتزاز اليمن الشمالي، او على الاقل فعلت مع عدن مثل ما فعلت مع مأرب، فعدن صمدت وصدقت فيما مأرب باتت مثيرة للشكوك والريبة وان لم يوجه الساسة السعوديون اتهامات للحليف الإخواني بالخيانة واستنزاف دول التحالف العربي.

وبدلا من ان تجبر السعودية حلفاءها في شمال اليمن على حسم المعركة ضد الانقلابيين، انجرت وراء اطماع قوى الشمال في الجنوب الغني بالثروات التي سرقها المخلوع صالح لأكثر من ربع قرن، ويبدو ان محسن يريد اكمال ربع قرن آخر في نهب الثروات الجنوبية.

الصراع على الجنوب بات اليوم على اشده، فالكثير من الاطراف اليمنية والاقليمية باتت في صراع يتشكل رويدا رويدا، لكن السعودية بدلا من ان تذهب نحو الجنوبيين ذهبت نحو طرف معادٍ لقضيتهم، بل انه شارك بقوة في حرب اجتياح الجنوب الأولى، ويعمل ضد تطلعاتهم المنشودة وحقهم في استعادة دولتهم السابقة كاملة السيادة على ترابها الوطني.

يؤكد الجنوبيون ان بلادهم بحاجة إلى حليف إقليمي، حالها كحال أي بلدة في العالم، لكن الرياض يبدو انها لم تعِ بعد ان الجنوب للجنوبيين فقط، وان محاولة العودة عن طريق قوى صنعاء العدوانية، خطأ كارثي عليها، فهذه القوى التي تدعمها الرياض فشلت في احراز أي تقدم عسكري في فرضة نهم، او احياء تعز، ولن تستطيع احراز أي تقدم في الجنوب الرافض لها والذي يراها (اي قوى صنعاء) عدوة مثلها مثل الحوثيين والمخلوع صالح.

وعلى الرغم من مرور نحو شهر على احداث مطار عدن الدولي، الا ان الوضع في عدن بات مقلقا للجنوبيين، فكل شيء في هذه المدينة تدهور ولم يعد هناك ذلك الاستقرار للأوضاع في العاصمة، الأمر الذي يعده سياسيون بانه مقدمة لمحاولة فرض مشاريع ضد تطلعات الجنوبيين، وهو ما يعني أيضا إطالة الحرب وإعلان فشل السعودية في تحالفها لإعادة الشرعية في اليمن.

قدم الجنوب منذ الاستقلال الأول، تضحيات كبيرة، جراء مواقفه الداعمة للخليج، وابرز تلك التضحيات اغتيال الرئيس سالمين، الذي رفض مشاريع السوفيت، وبدأ بحث علاقة مع الاشقاء في الخليج، ليتم اغتياله.

وقف الجنوب إلى جانب الكويت ضد العدوان الذي شنه نظام صدام على هذا البلد الجار، وكان ثمن هذا الموقف هو دعم صدام لنظام صنعاء في عدوانه هو على الجنوب، والكثير من الاحداث التي تؤكد ان الجنوب - كان ولا يزال - حليفا استراتيجيا لأشقائه في الخليج، على عكس اليمني الشمالي، بفعل الارتباط الجيني بفارس.. وأعتقد ان ساسة الرياض يدركون تماما شكل الترابط الجيني بين صنعاء وطهران.

كل الوقائع تثبت ان اليمن الشمالي لن يكون حليفا للرياض، حتى لو قدمت لهم نصف ثرواتها، فالحرب الحالية أوجدت شرخا اجتماعيا لا يمكن عالجه مهما كان.

ولكن ما الذي يجب على السعودية فعله؟

فقد كان على السعودية ان تحتضن الجنوبيين، الحلفاء الذين اثبتت الحرب صدقهم وجديتهم في التصدي للمشروع الإيراني، وبعثت لهم وعودا حقيقية، تؤكد صدق تصريحات الساسة السعوديين، لكن الرياض فاجأت الجميع بتنصيب الجنرال علي محسن الأحمر نائبا للقائد الأعلى لقوات الجيش ثم نائبا للرئيس، وتطيح بخالد بحاح، عقب حملة اعلامية تبنتها جماعة الإخوان.

لم تكف الرياض عن دعم الأحمر الذي صوره الاعلام على انه الرجل القوي القادر على هزيمة الانقلابيين في الشمال، لكنها ساهمت في دعم ميليشيات عسكرية يؤكد مسؤولون في عدن انها لا تخضع لقيادة المنطقة العسكرية الرابعة.

لا تزال السعودية تعتقد ان الاحمر هو الحليف التاريخي لها، الذي من الممكن ان يحقق انتصارات ضد قوات الانقلابيين، لكن الأحمر فشل في احراز اي تقدم في جبهة نهم شرق صنعاء ولا تزال بلدة صرواح بمأرب بيد الحوثيين وقوات المخلوع منذ اكثر من عامين.

لكن ترى ما هو موقف السعودية من قضية الجنوب؟

لا يبدو ان الرياض قد وصلت إلى قناعة بان في مصلحتها دعم إقامة الدولة الجنوبية، وهي تخشى أن يصبح اليمن الشمالي دولة فقيرة تكون عبئا على الرياض، وهو ما لا تتمناه.. وتعتقد السعودية ان بقاء اليمن موحدا، هو بقاء نصيب الأسد من ثروات الجنوب للشمال.

هذا التوجه السعودي كشف عنه السياسي السعودي عبدالله الفوزان، الذي اكد في مقالة نشرتها صحيفة "الرياض" الرسمية الأولى في المملكة.

قال الفوزان بصريح العبارة "ليس في مصلحتنا إقامة دولة جنوبية"، وهو خطاب فيه نبرة انقلاب على حلفاء الرياض من الجنوبيين.

ونعت الفوزان الجنوبيين بالانفصاليين مع انه اعترف بانهم يسعون لاستعادة دولتهم السابقة "اليمن الجنوبية".

وهاجم الفوزان المقاومة الجنوبية التي قاتلت تحت راية علم اليمن الجنوبي بالقول" هم موجودون منذ بدأت عاصفة الحزم وأفعالهم وأقوالهم تكشف نواياهم ونوايا من يدعمهم".

ويبدو ان الفوزان قدم خدمة مجانية للجنوبيين عندما كشف عن توجه المملكة وموقفها من قضية الجنوب، مع ان الكثير من ساسة الرياض أكدوا على موقفهم الداعم لقضية الجنوب.

وقال الفوزان" من مصلحتنا أن تبقى اليمن موحدة، وأن تبقى مصادر الثروة في (الجنوب) لليمنيين كلهم.

ويبدو ان على قادة الجنوب مخاطبة السعودية ومعرفة موقفها من قضية الجنوب، خاصة في ظل الانتصارات التي يحققها الانفصاليون الجنوبيون ضد الموالين لإيران في الساحل الغربي لليمن.

هل يا ترى هذا هو موقف المملكة العلني بحكم انه منشور في صحيفة الرياض الرسمية، أم أنه مجرد رأي فقط لكاتب لا يعرف شيئاً عن اليمن الا ما يقوله ويردده قادة الإخوان في الرياض وغيرها.

الخطأ الذي قد يكلف الرياض كثيرا هو محاولتها دعم أي قوى مناهضة لتطلعات الجنوبيين، الامر الذي قد يؤجج الصراع في المنطقة وقد تدخل الكثير من الأطراف الدولية، فالجنوب موقع استراتيجي مهم، واذا أصرت الرياض على البحث عن حليف شمالي، فيه من الخطأ الكارثي على مستقبل المنطقة برمتها.

ما كتبه الفوزان يؤكد ان السعودية أرادت إيصال أكثر من رسالة عبر صحيفة الرياض، وقد ربما هي رسالة تطمين للقوات الشمالية، خاصة وان هناك معلومات تؤكد تقديم قادة القوات الحكومية في مارب اشتراطات بعدم القتال ضد الحوثيين وقوات المخلوع صالح، ما لم تطمئن على نصيبها من نفط شبوة وحضرموت وميناء عدن.

ويمكن تكون محاولة لدحض مزاعم صالح بان التحالف العربي اتى لدعم استقلال الجنوب، لكن في كل الأحوال السعودية لا تزال ممسكة بطرف يكن العداء للجنوب، ومستعد هذا الحليف للتحالف مع الحوثيين وصالح في حالة فشل في الحصول على نصيبه من كعكة الجنوب.

فالجنوبيون لم يقاتلوا دفاعا عن هادي فقط، بل كان دفاعهم عن وطنهم، ضد عدو خارجي يريد إعادة احتلال بلادهم مرة خرى، لكن عقب تحرير بلادهم ذهب القوات الجنوبية نحو مدن شمالية، لاستكمال معركة التحرير، لكنها لا تزال تتمسك باستقلال الجنوب، وترى ان قتالها في الشمال هو دفاعا عن الوطن العربي الكبير وانتصارا للتحالف العربي الذي اتى لإنقاذ المنطقة من براثن إيران.

اما اذا كانت السعودية، تصر على اجبار الجنوبيين على الوحدة، التي تعرضت بلادهم بسببها لعدوان شمالي متكرر، فهذا سوف يولد المزيد من الأحقاد وقد يدفع المنطقة كلها نحو عدم الاستقرار، والرياض ليس بوسعها استقبال المزيد من اليمنيين الفارين من الجوع والحروب على أراضيها، خاصة وان هناك من يؤكد بان السعودية قد ضاقت ذرعا باليمنيين المتواجدين في أراضيها، حاليا.

أرى انه من المستحيل ان يقبل الجنوبيون بقاء وضع بلادهم هكذا، والحلول الترقيعية لن تجدي نفعا، فالدعم المالي ليس كافيا ان تستقر الأوضاع في اليمن والجنوب، ما لم يكن هناك حلول جذرية تعيد الاعتبار للجنوب الذي ظلم وقتل وسحل اهله ونهبت مقدرات بلادهم من قبل قوى الشمال المتطرفة.

*رئيس تحرير صحيفة اليوم الثامن