معركة على جبهتين..

تحليل: لماذا معركة اليمن والخليج في الحديدة؟

قوات العمالقة الجنوبية في معركة الحديدة

أمين الوائلي

تأخذ معركة تحرير مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي على البحر الأحمر بُعداً سياسياً مهماً، يمثل دافعاً قوياً لإنجاز الكثير على الأرض عسكرياً. إضافة إلى كونها معركة وطنية تستنفر العزائم لدحر مليشيا الكهنوت عن أهم مركز حضري في الساحل الغربي وإقليم تهامة.

وهي ليست معركة الحديدة فحسب، بل اليمن. وليست معركة اليمن فحسب، بل والخليج العربي في وجه مليشيا المد ووباء التمدد الإيراني وصولاً إلى البحر الأحمر وممر التجارة والملاحة الأهم.

تقدمت قوات التحرير بغطاء جوي فعال، خلال يومين، متوغلة شمالاً من جهة الجنوب والشرق متجاوزة الجامعة والمطار، وخسرت المليشيا عملياً الجبهة الشرقية وتنحصر بصورة متزايدة إلى الداخل وسط المساكن والسكان.

على جبهتي الحرب والسياسة

في البعد السياسي يمكن النظر إلى معركة تحرير الحديدة باعتبارها المجال الرئيس الآن، بالإضافة إلى صعدة والبيضاء، ليمارس التحالف العربي والقوات اليمنية المشتركة الجهود العسكرية الضاغطة على حلفاء إيران وأدواتها، ودفع الحوثيين إلى طاولة الحوار السياسي -الممكن والمطروح من البداية- تحت طائلة الخسائر العسكرية والميدانية التي تتكبدها المليشيات المستنزفة على أهم المحاور والجبهات، شمالاً في صعدة، وغرباً في الحديدة، وإلى الوسط في البيضاء.

يدفع التحالف العربي بالمزيد من قواته وعتاده نحو الخطوط الأمامية لمضاعفة تقدم حلفائه على الأرض وتطويق المليشيات المتبقية والمتمترسة وسط الأحياء السكنية بمدينة الحديدة. وتوجهت المزيد من الكتائب النوعية المقاتلة إلى خطوط المواجهة الأمامية من قوات المقاومة الوطنية وألوية العمالقة. ولعب الطيران المقاتل للتحالف دوراً كبيراً في التمهيد للقوات المجحفلة وإطلاق معركة التحرير، يوم جمعة الثاني من نوفمبر الجاري، على بعد أقل من 30 يوماً من حلول موعد المفاوضات المفترضة في السويد، بحسب إعلانين أمريكي وأممي.

وزحفت قوات المقاومة الوطنية المشتركة، العمالقة وحراس الجمهورية والقوات التهامية، خلال يومين على مواقع مهمة ومداخل رئيسية، موسعة انتشارها جهة الشرق والشمال الشرقي بالتزامن مع اختراق تحصينات المليشيات الحوثية في الأحياء الجنوبية وبموازاة الساحل/الكورنيش.. بالتوغل أكثر شمالاً في المدينة، وتجاوزت المعركة جامعة الحديدة، يوم الجمعة، بينما طرقت القوات البوابة الشرقية الرئيسية ممسكة بشاهد قوس النصر. والسبت خسرت المليشيا الجبهة الشرقية بصورة فعلية.

حسابات ضاغطة

تشكل الخسائر البشرية المتزايدة واحداً من عوامل الضغط باتجاه الممانعة والتمترس الانتحاري للمجاميع المقاتلة، فقد خسرت المليشيات العشرات من مقاتليها امتلأت بهم المشافي في المدينة، وتم نقل قتلى ومصابين إلى خارجها في باجل وحتى ذمار وصنعاء.

وسوف تفتقد المليشيات إلى خدمات خط رئيس للنقل والتعزيزات وحتى الفرار بعد إحكام السيطرة وقطع خط صنعاء الحديدة. ليتبقى أمام المليشيات منفذ وحيد باتجاه الشمال، ولن تتمتع به لوقت طويل، مع اعتزام القوات المشتركة التمدد من جهة الشرق والشمال إلى تطويق المدينة ومحاصرة المجاميع الحوثية داخلها في مواجهة خياري الاستسلام أو القتل.

الحسابات السياسية تقاطع مع حسابات معركة عسكرية وطنية؛ تستكمل تحرير ما تبقى من الموانئ اليمنية ومناطق الساحل التهامي تحت سيطرة المليشيات الموالية لإيران، والالتقاء مع قوات الجيش المتقدمة من جهة الشمال في جبهة حرض، للإطباق على المليشيات الحوثية المنكفئة على نفسها أكثر فأكثر في معاقلها الجبلية المحصورة والمحاصرة في مساحة تتقلص باستمرار مع تقدم كبير يحققه لواء العروبة في مران خلال الساعات القليلة الماضية، متزامناً مع إطلاق عملية عسكرية كبيرة في البيضاء وسط البلاد.

معركة اليمن.. والخليج

العامل الأهم والحاسم في معركة اليمنيين الناجزة أو قيد الإنجاز في الأثناء، يتمثل في الالتقاء على هدف كبير ومعركة مصيرية مشتركة انطلاقاً من الساحل الغربي، بامتياز الانسجام الحاصل في الجهود الميدانية والعسكرية ومجهودات التحالف العربي- الضامن الأهم لتكاتف وتكامل الشركاء اليمنيين في معركة اليمن والخليج معاً.. معركة التحرير وإنقاذ أكثر أو أكبر ما يمكن إنقاذه من بلادهم وبصدد البحث عن صيغة ما لبناء دولة ضمن جيرانها وجوارها ومجالها العربي الحيوي.

هي ساعات مصيرية: يتحدد على ضوء مجرياتها وما تؤدي إليه من نتائج؛ مسير ومصير اليمنيين واليمن واستقرار المنطقة والخليج، على ضوء ما تسفر معركة كبيرة ليس ضد الحوثيين بل وداعميهم ومموليهم الإقليميين، بالرؤية إلى ما بعد انجلاء المعركة.. حرباً على جبهات الحرب.. أو سلماً على طاولة الحوار المتأرجح بين الرغبات والضغوط من جهة وممانعة وتعنت المليشيات المقامرة من جهة ثانية.