انسحاب منتظم..

هل أصبحت الحديدة مفتاح السلام في اليمن؟

القوات المشتركة

تمخضت جهود دبلوماسية مكثفة من جانب الأمم المتحدة على مدى أسابيع إلى جانب الضغوط الغربية عن انفراجة في جهود إحلال السلام في اليمن عندما اتفق طرفا الصراع الأسبوع الماضي على وقف القتال في مدينة الحديدة الساحلية وسحب القوات.

ويكمن التحدي في تأمين انسحاب منتظم للقوات والجماعات المسلحة من الحديدة وسط غياب عميق للثقة بين الطرفين. ويشكل ميناء الحديدة شريان حياة لملايين من اليمنيين الذين يواجهون بالفعل خطر المجاعة.

وفي ذات الوقت يتعين على الأمم المتحدة التحضير لمناقشات مهمة تستهدف التوصل لهدنة أوسع نطاقاً وإطار عمل لإجراء مفاوضات سياسية لإنهاء الصراع.

وتخوض الحرب، المستمرة منذ ما يقرب من أربع سنوات والتي أودت بحياة عشرات الآلاف، حركة الحوثي المتحالفة مع إيران في مواجهة قوات يمنية تقاتل بدعم من التحالف بقيادة السعودية لإعادة حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف بها دوليا إلى السلطة.

ومن المقرر أن يبدأ طرفا الصراع في تنفيذ وقف إطلاق النار في الحديدة اعتبارا من يوم الثلاثاء 18 كانون الأول – ديسمبر 2018. وطرد الحوثيون حكومة هادي من العاصمة صنعاء في 2014.

وتتعرض السعودية والإمارات اللتان تقودان التحالف لضغوط من حلفاء غربيين من بينهم الولايات المتحدة وبريطانيا لإنهاء الحرب في اليمن. كما تعرضت الرياض لمزيد من الضغوط منذ قتل الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول. وتقدم واشنطن ولندن أسلحة ومعلومات مخابراتية للتحالف.

* لماذا الحديدة مهمة إلى هذا الحد؟

لأنها الميناء الرئيسي المستخدم في دخول أغلب إمدادات الغذاء لسكان اليمن البالغ عددهم 30 مليون نسمة وهي المنطقة التي تركزت فيها المعارك هذا العام مما أثار مخاوف عالمية من أن هجوما شاملا قد يتسبب في قطع خطوط الإمداد بما يؤدي إلى مجاعة.

ويعاني نحو 15.9 مليون نسمة في اليمن بالفعل من جوع حاد بسبب الحرب والانهيار الاقتصادي الذي نجم عنها.

ويسيطر الحوثيون حاليا على المدينة. وتحتشد قوات يمنية يدعمها التحالف على مشارفها بهدف السيطرة على الميناء. وتسعى تلك القوات لإضعاف حركة الحوثي من خلال قطع طريق الإمداد الرئيسي لها.

ويريد التحالف، الذي يعاني من حالة جمود عسكري في الميدان، تأمين الساحلالمطل على البحر الأحمر وهو أحد أهم طرق التجارة في العالم لناقلات النفط.

وسيطر التحالف على ميناء عدن جنوب البلاد في 2015 إضافة إلى سلسلة منالموانئ على الساحل الغربي لكن الحوثيين يسيطرون على أغلب المدن والبلدات اليمنية المأهولة بالكثير من السكان بما يشمل الحديدة وصنعاء.

ويقول محللون إن تنفيذ الاتفاق مهم لأن أي تباطؤ في الزخم الحالي قد يستغله التحالف ذريعة لاستئناف الهجوم على الحديدة.

* إلى أين وصلت الأمور الآن؟

وقال المبعوث الدولي الخاص باليمن مارتن جريفيث وقت إعلان الاتفاق يوم الخميس الماضي إن الوحدات العسكرية ستبدأ في الانسحاب من الميناء "خلال أيام" ثم من المدينة في وقت لاحق. وسيجري نشر مراقبين دوليين وستنهي الوحدات المسلحة انسحابها الكامل خلال 21 يوما.

وحشدت الإمارات آلافا من القوات اليمنية على مشارف الحديدة، وتتألف تلك القوات من انفصاليين جنوبيين، ووحدات محلية من السهول الساحلية المطلة على البحر الأحمر، وكتيبة يقودها أحد أقرباء الرئيس اليمني الراحل علي عبد الله صالح.

وستشرف لجنة ترأسها الأمم المتحدة وتضم أعضاء من الطرفين على عملية انسحاب الوحدات المسلحة. وقالت الأمم المتحدة إنها ستلعب دورا رئيسيا في الميناء لكن الاتفاق لم يحدد من سيتولى إدارة المدينة.

وفي تعليقات تشير إلى احتمال نشوب القتال في الحديدة مجدداً، قال كل من الطرفين إنه سيدير المدينة في النهاية.

وطلب جريفيث من مجلس الأمن الدولي الإسراع بإصدار قرار يؤيد نشر بعثة مراقبة قوية يرأسها الميجور جنرال الهولندي المتقاعد باتريك كامييرت.

ويعمل المبعوث أيضا على تنفيذ خطوات أخرى لبناء الثقة من خلال حل قضايا لا تزال عالقة من الجولة الماضية من محادثات السلام ومنها إعادة فتح مطار صنعاء ودعم البنك المركزي.

* ما هي الخطوة التالية نحو السلام؟

من المقرر عقد جولة محادثات ثانية في يناير كانون الثاني بهدف إعداد إطار عمل للمفاوضات وهيئة حاكمة انتقالية.

ويقول محللون إن الحوثيين الذين ليس لهم شعبية في الجنوب يريدون دوراً قوياً في الحكومة اليمينة، وإعادة بناء محافظة صعدة معقلهم في شمال البلاد.

ويقول المحللون إن السعودية بوسعها قبول دور سياسي للحوثيين إذا ألقوا السلاح. وتقول الرياض إنها لا تريد قرب حدودها حركة مسلحة مثل جماعة حزب الله اللبنانية المتحالفة مع إيران.

وقال ادم بارون المحلل في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية "سيكون من المهم حين نتقدم إلى الأمام أن يتم ضم الفصائل الرئيسية التي لا تزال مستبعدة من العملية حتى الآن".

وقبل الحرب، كانت الأحزاب والجماعات المسلحة اليمنية صعبة المراس كثيرة العدد، وازدادت عددا بدرجة أكبر منذ عام 2015، وأصبح لكل منها أجندة خاصة. وأحيت الحرب أيضا توترات قديمة بين شمال وجنوب اليمن اللذين كانا بلدين منفصلين في الماضي وتوحدا في كيان واحد عام 1990 تحت حكم الرئيس الراحل علي عبد الله صالح.

وعبر الانفصاليون في الجنوب عن استيائهم بشأن تركز الموارد في الشمال. وثار غضب بعض الشيعة الزيديين بعدما أصبح موطنهم في الشمال يعاني من الفقر، وشكلوا في أواخر التسعينيات جماعة الحوثي التي حاربت الجيش، وأقامت روابط مع إيران. وشكل متشددون إسلاميون جناحا لتنظيم القاعدة.

وأجبرت احتجاجات ضخمة مؤيدة للديمقراطية في عام 2011 صالح على التنحي بعدما انقلب عليه بعض من حلفائه السابقين ووقع انشقاق في الجيش. وانتخب نائبه هادي لفترة انتقالية لمدة عامين للإشراف على انتقال ديمقراطي لكن العملية انهارت.

وفي عام 2014، سيطر الحوثيون على صنعاء بمساعدة موالين لصالح وأجبروا هادي على تقاسم السلطة. وعندما طرح دستور اتحادي رفضه الحوثيون والانفصاليون الجنوبيون على السواء. وألقى الحوثيون القبض على هادي في عام 2015 لكنه تمكن من الهرب إلى عدن ثم دخل التحالف الحرب لنصرة هادي.

المصدر