وسائل إعلام أمريكية..
تقرير: الذكاء الاصطناعي وإعادة تشكيل النظام العالمي

إعادة تشكيل التصنيع وإدارة الطاقة والنقل الحضري
يشير تسارع الاتجاهات في الذكاء الاصطناعي إلى اضطراب جيوبولوتيكي كبير في السنوات المقبلة. ومثلما مكَّنت عملية الكهربة [استخدام الكهرباء في إدارة الأشياء] الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى من الصعود، فإن الذكاء الاصطناعي يتأهب لإعادة تشكيل النظام العالمي. حيث تشير التوقعات إلى أن الذكاء الاصطناعي سيضيف 15.7 تريليون دولار إلى الاقتصاد العالمي بحلول عام 2030.
والآن ترتبط آفاق استدامة القدرة التنافسية العالمية بصورة مباشرة بتصنيع الذكاء الاصطناعي. ومن المتوقع أن يعمل الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي على إعادة تشكيل التصنيع وإدارة الطاقة والنقل الحضري والإنتاج الزراعي وأسواق العمل والإدارة المالية.
فالحكومات التي تستطيع أن تُنمِّي بنجاح ثقافة الابتكار المدمر سوف تتموضع استراتيجيًّا لتولي عجلة القيادة في القرن الحادي والعشرين. وعلى النقيض من ذلك، فإن الحكومات التي تقاوم الذكاء الاصطناعي سوف تواجه مستقبلاً رهيبًا.
معركة الجبابرة
أما على المستوى البحثي، فلا تزال الولايات المتحدة تستثمر في الذكاء الاصطناعي وغيره من التقنيات المستجدة. فالمؤسسة الوطنية للعلوم (NSF) تستثمر حاليا أكثر من 100 مليون دولار سنويًّا في أبحاث الذكاء الاصطناعي. فيما أعلنت وكالة مشاريع البحوث المتطورة الدفاعية (داربا) مؤخرًا استثمارًا بقيمة ملياري دولار في مبادرة تسمى (AI Next ) والتي تهدف إلى تعزيز التفكير السياقي والتكيفي. وفي هذه الأثناء، أنشأ الجيش الأمريكي مركزًا جديدًا للذكاء الاصطناعي المشترك (JAIC) ليشرف ويخدم على جهود الذكاء الاصطناعي في وكالة الدفاع.
ولكن بما أن الولايات المتحدة أسست لقيادة قوية في مجال اكتشاف الذكاء الاصطناعي، فمن المحتمل– وبشكل متزايد– أن تهيمن الصين على تصنيع الذكاء الاصطناعي. فبالإضافة إلى خبرة الصين في آلات المصانع والإلكترونيات والبنية التحتية والطاقة المتجددة ، فإن حكومة البلاد تركز بشكل متزايد على قيادة الذكاء الاصطناعي.
ووفقًا لرئيس جوجل السابق "كاي- فو لي"، فإن نظام الابتكار الصيني يرعى نوعًا من الاحتكار الاقتصادي العالمي الذي سيجبر الدول في أنحاء العالم على اختيار إلى جانب من ستصطف. ربما لي سيعرف ذلك. فبعد إتمامه درجة الدكتوراه في التعرف على الحديث في جامعة كارنيجي ميلون، استمر في قيادة أبحاث الذكاء الاصطناعي في مؤسسات أبل وأبحاث ميكروسوفت وجوجل الصين، ويشرف الآن على الاستثمار في رأس المال المغامر في بكين .
وكما يشير لي، فإن قوة الاقتصاد الصيني هي تآزر مثمر بين السياسات الحكومية وقوى السوق. ولا تتمتع الصين بقدرات تجارية متقدمة في مجال الذكاء الاصطناعي فحسب، بل الأهم من ذلك أنها تمتلك استراتيجية وطنية متماسكة. وعلى عكس الولايات المتحدة، أصبحت حكومة الصين مستثمرة إلى حد كبير في الاستفادة من الذكاء الاصطناعي لدفع اقتصادها الهائل. وتقوم استراتيجية الصين التي تقودها الدولة على أكتاف الشركات الاقتصادية الوطنية الصينية: بايدو وعلي بابا وتينسنت (BAT) التي تبذل جهدًا طويل الأمد لإعادة هيكلة سوق التكنولوجيا العالمية.
القرن الصيني؟
تدرك حكومة الصين– بشكل صحيح– أن الذكاء الاصطناعي أمر حاسم لنموها المستقبلي. حيث قامت الصين بتصنيع أجهزة الكمبيوتر والإلكترونيات والهواتف الذكية والبنية التحتية وتقنيات الاتصالات والحواسيب العملاقة، والآن تضع بكين نصب عينها على الذكاء الاصطناعي على نطاق المنظومة. وهذا يشمل المركبات ذاتية القيادة (AV)، والمعدات الطبية المتقدمة والروبوتات والتقنيات المالية.
وحتى وقت قريب، كان معظم ابتكارات الذكاء الاصطناعي التي تنشرها الصناعات الصينية "تصاعديًّا" وليس "تخريبيًّا".
ولكن هذا أيضًا يتغير. فمع وصول قطاع التكنولوجيا في الصين إلى قدرٍ وافرٍ من الخبرة والموهبة ورأس المال مما يؤهلها لإعادة ترتيب المستويات العليا للقوة العالمية. وفي الواقع، تخطط الحكومة الصينية لقيادة العالم في مجال الذكاء الاصطناعي بحلول عام 2030، معلنة عن أكثر من 110 مليار دولار من صفقات الدمج والاستحواذ على التكنولوجيا منذ عام 2015.
تتوقع الصين توسيع قيادتها في تصنيع الذكاء الاصطناعي من خلال الاستفادة من البيانات الوفيرة والنماذج الأولية السريعة. ذلك أن اقتصاد الإنترنت المتنامي في البلاد يولد بيانات أكثر بكثير من أي بلد آخر، مستفيدًا من السرعة والتنفيذ وجودة المنتجات، لا سيما من خلال شركاتها التكنولوجية. ومع المدفوعات المتنقلة الفورية، على سبيل المثال، توفر البنية التحتية للهاتف المحمول في الصين تسونامي كبير من البيانات لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي.
هيمنة الذكاء الصناعي التصنيعي
السؤال الحقيقي الوحيد اليوم هو: أي نظام اقتصادي سيكون أكثر نجاحًا في عصر الذكاء الاصطناعي التصنيعي؟ الولايات المتحدة ذات السوق الحرة أم الصين الاشتراكية؟
بعد قرنين من الهيمنة الغربية على التكنولوجيا والابتكار، بدأت الأدوار تتحول الآن، فأصبح نموذج التخطيط الصيني شديد الكفاءة قوةً لا يستهان بها. وحتى مع قيام عمالقة التكنولوجيا الخمسة الكبار في الولايات المتحدة – وهم: أمازون وفيسبوك ومايكروسوفت وأبل وجوجل – بإعادة تعريف الرأسمالية الغربية ، فإن الصين تخترع نوعًا من "القومية التقنية".
وبينما تحتفظ الولايات المتحدة بهيمنة كبيرة على تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، فإن الموارد مجزأة والقيادة الوطنية ضعيفة. وحتى في الوقت الذي أقر فيه الكونجرس في الآونة الأخيرة تشريعات تنص على إنشاء لجنة للأمن القومي تختص بالذكاء الاصطناعي، ما زالت الولايات المتحدة تفتقر إلى رؤية متماسكة. ربما تكون المشكلة الأكثر صعوبة هي الفجوة العميقة بين القطاعين العام والخاص. ففي أعقاب تسريبات "إدوارد سنودن "، يتخلى خبراء التكنولوجيا الآن عن الحكومة، حذرين من التورط مع مجمع صناعي عسكري غامض.
إن المشكلة الرئيسية التي تواجه الولايات المتحدة والاقتصادات المتقدمة الأخرى هي نوع من الأصولية السوقية التي تقلل من قيمة المشاريع الخيالية التي تقودها الحكومة. ولكن بعد نصف قرن من النظرية الاقتصادية الكلاسيكية الجديدة بقيادة الولايات المتحدة، يثبت نموذج التخطيط الصيني أنه أكثر فعالية من الناحية الاستراتيجية في تسليم البضائع. وبينما تفكر الولايات المتحدة في الدورات الانتخابية، تعيد الصين تشكيل ميدان اللعب، مما يعجل من تدهور النظام العالمي الذي يقوده الغرب.
والواضح هو أن الدول الغربية بحاجة إلى قيادة جديدة على مستويات متعددة. ومثلما بنى جيل ما بعد الحرب نظامًا عالميًا ليبراليًّا ، فإن الديمقراطيات القديمة اليوم بحاجة إلى رؤية جديدة ومقنعة لمجتمع عالمي شديد التطور تكنولوجيًّا. وهناك حاجة ملحة لجيل جديد من القادة الأصغر سنًا والأذكى، والأهم من ذلك: المثقفين تكنولوجيًّا.