في الوقت الذي يأمل فيه اليمنيون التزام جماعة الحوثي وحكومة الشرعية بتنفيذ ما تم الاتفاق عليه بينهما في مشاورات السويد، فإن الملفات المعلقة والمهام اللاحقة تظل هي الأصعب والأكثر تعقيداً، فالأزمة ذات إبعادٍ سياسية وطائفية ومناطقية معقدة، وتتصل مباشرةً بصراعات إقليمية مستفحلة، والمسار نحو استعادة السلام المفقود ما زال شاقاً وطويلاً ومحفوفاً بالعقبات.
بفارق الصبر يتطلع اليمنيون إلى قيام فرقائهم المتحاربون باستكمال تنفيذ الاتفاقات التي توصلوا إليها في المباحثات التي أجروها خلال ديسمبر 2018 في السويد، وتمتد تطلعات اليمنيين وآمالهم إلى عقد جولة، أو جولات جديدة، من المفاوضات تقود إلى إحلال السلام ووقف الحرب المشتعلة منذ أربعة أعوام.
جاءت المباحثات التي جرت بين وفد يمثل الحكومة الشرعية المدعومة من التحالف العربي بقيادة السعودية، ووفد من حكومة الحوثيين الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية صنعاء وأجزاء واسعة من البلاد، في وقتٍ احتدمت فيه المعارك في عدة جبهات، ووصلت فيه الأوضاع الإنسانية الناتجة إلى درجة من السوء بات معها اليمن موطناً لأكبر أزمة جوع في العالم، حيث بات أكثر من عشرين مليون يمني، أي ثلثي عدد السكان، يعانون من انعدام الأمن الغذائي، ويكابد 1,8 مليون طفل سوء التغذية.
انعقدت المفاوضات خلال الفترة من 6 إلى 13 ديسمبر في منطقة ريمبو بمقاطعة ستوكهولم بدعوة ورعاية من الأمم المتحدة عبر مبعوثها إلى اليمن مارتن جريفيثس، وتركزت على إجراءات بناء الثقة بين الطرفين والتوصل إلى تفاهماتٍ تفضي إلى معالجة الأوضاع الإنسانية الحرجة، وذلك كتمهيد ضروري لجولة أخرى من المباحثات تتناول القضايا الجذرية ممثلة في مسائل السياسة والحكم ووقف الحرب وتحقيق السلام.
اتفاق الحديدة
بخلاف خمس جولات من المفاوضات التي انعقدت بين الطرفين خلال السنوات الماضية وانتهت بالفشل وعدم تحقيق تقدم يذكر في الموضوعات المتفاوض عليها، فقد انعقدت مفاوضات ستوكهولم في أجواء إيجابية بين المتحاورين، واتسمت بإبداء الطرفين المتباحثين، وخاصة الحوثيين، بعض المرونة، وخرجت بوثيقة تفاهمات أطلق عليها اسم «اتفاق ستوكهولم.»
أهم ما تم الاتفاق عليه في المباحثات هو وقف إطلاق النار فوراً في محافظة الحديدة، التي تضم الميناء الرئيسي بالبلاد، بالإضافة إلى ميناءين آخرين هما «الصليف» و»رأس عيسى» النفطي. وشمل الاتفاق الانسحاب التدريجي المتبادل والسريع لقوات الطرفين من الموانئ الثلاثة ومن عاصمة المحافظة (مدينة الحديدة) بإشراف أممي، على أن تتولى الأمم المتحدة مراقبة امتثال الأطراف بالتزاماتهما عبر لجنة تنسيق مشتركة برئاستها.
وفي سبيل إنهاء سيطرة الحوثيين الكاملة على موانئ الحديدة، أعطى الاتفاق الأمم المتحدة دوراً قيادياً في عمليات الإدارة والتفتيش في هذه الموانئ. كما انتزع الاتفاق مسؤولية أمن الموانئ الثلاثة من الحوثيين لصالح قوات الأمن المحلية، ونص على توريد إيراداتها إلى البنك المركزي للمساهمة في دفع مرتبات موظفي الدولة المتوقفة منذ ما يزيد من عامين. وتعمد الاتفاق أن تكون الترتيبات المتفق عليها محددة زمنياً، فوقف إطلاق النار يبدأ فوراً، وقد بدأ بالفعل في 18 ديسمبر، وتستكمل عملية إعادة الانتشار في الموانئ الثلاثة والأجزاء الحرجة من المدينة في غضون أسبوعين من دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ. ويتم استكمال إعادة الانتشار خلال مدة أقصاها 21 يوماً. بيد أنه وبعد أربعة أسابيع، لم يتم إحراز أي تقدمٍ ملموس، حيث يتمثل تفسير الحوثيين للاتفاق بتسليم الميناء إلى سلطة ميناء ما قبل الحرب، بينما تطالب حكومة هادي بالانسحاب الكامل للحوثيين من الحديدة.
تعز والأسرى
طرح الطرفان المتباحثات رؤاهما لمعالجة الأوضاع في محافظة تعز، التي تعيش معاركة طاحنة منذ ثلاث سنوات، وتعاني من حصار مطبق يفرضه عليها الحوثيون، وخرجا بما أسموه «إعلان تفاهمات حول تعز»، الذي ينص على تشكيل لجنة مشتركة من الطرفين تضم ممثلين من المجتمع المدني بمشاركة الأمم المتحدة لتولي مسؤولية هذه الملف، وشرح المبعوث الدولي أن اللجنة ستعمل على تخفيف الوضع في المحافظة، وبحث فتح ممرات إنسانية للسماح بالمرور الآمن للسلع والأشخاص، والحد من القتال، والبدء في عمليات إزالة الألغام، والإفراج المتبادل عن السجناء.
وتوصل الطرفان إلى آلية تنفيذية لتفعيل اتفاق سابق بينهما بشأن تبادل الأسرى، ويتوقع أن يتبادلا بموجب هذا الاتفاق الإفراج عن أكثر من 15000 أسير ومعتقل ومحتجز لديهما.
إخفاقات التفاوض
فشل المتباحثون في التوصل إلى اتفاقاتٍ بشأن موضوعات بناء الثقة الأخرى في أجندة المفاوضات، وهي: موضوع مطار صنعاء، ووضع البنك المركزي اليمني، فقد تمسك الحوثيون بمطلبهم بإعادة فتح مطار صنعاء المغلق منذ مارس 2015 بأمر من دول التحالف، الذي تقوده السعودية، واقترح الوفد الحكومي فتح المطار للرحلات الداخلية فقط، أن يكون مطار عدن، الذي تسيطر عليه الحكومة الشرعية، هو المطار الدولي الرسمي للبلاد وتهبط فيه الرحلات الدولية القادمة من مطار صنعاء أو المتوجهة إليه لخضوعها لإجراءات للتفتيش ومنح تأشيرات المغادرة والوصول قبل مواصلة رحلتها، وهو أمر رفضه الحوثيون، ليبقى هذا الملف معلقاً، بجانب ملف البنك المركزي الذي كانت الحكومة الشرعية قد نقلته من صنعاء إلى العاصمة المؤقتة عدن في سبتمبر 2016م. وعلاوةً على ذلك، ظلت الحكومة تطالب الحوثيين بتوريد إيرادات المحافظات التي يسيطرون كشرط لدفع مرتبات الموظفين في تلك المحافظات. وحسب ما أعلن جريفيثس فقد وافق الطرفان على معاودة الاجتماع في نهاية يناير من العام الجديد 2019.
الحديدة.. الاختراق الأهم
تمثل النجاح الكبير والاختراق المهم الذي حققته مباحثات السويد في الجزء المتعلق بالحديدة، فهذه المحافظة، التي يسيطر عليها الحوثيون منذ ثلاث سنوات، هي المحور الأبرز في الأزمة اليمنية، وظلت مركزاً أساسياً للصراع الدائر هناك ومحل اهتمام دولي متعاظم بسبب موانئها الثلاثة وموقعها الإستراتيجي على البحر الأحمر، وهي شريان الحياة الحيوي للبرنامج الإنساني الذي يعتمد عليه ملايين اليمنيين في ظل أوضاع الحرب الحالية.
وظلت الحكومة الشرعية وحلفاؤها في دول التحالف العربي يتهمون الحوثيين باستغلال موانىء المحافظة لاستقبال الأسلحة القادمة من الخارج، وخاصة من حليفتهم الأساسية إيران، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية الواصلة عبر البحر الأحمر، بل ونهبها، إضافة إلى تهديد الملاحة الدولية في المنطقة.
وبسبب الأهمية الاستثنائية للحديدة، كانت الحكومة الشرعية، ومن خلفها دول التحالف، قد أعلنت عزمها على تحرير المحافظة وركزت عملياتها العسكرية خلال عام 2018 لتحقيق هذا الهدف، ويبدو أن النجاحات العسكرية التي حققتها قوات الشرعية بمساندة طيران وقوات التحالف في الأشهر الماضية كانت عاملاً أساسياً دفع الحوثيين إلى طاولة المفاوضات وفرض عليهم تقديم ما قدموه من تنازلات في هذا الملف كخيار أقل سوء بالنسبة إليهم من فقدان المحافظة بالكامل في المعارك العسكرية.
وعموماً، يبدو أن الحوثيين أتوا إلى هذه المفاوضات وهم أضعف مما كانوا عليه في جولات المفاوضات السابقة، وذلك بسبب الضغط العسكري الذي تزايد عليهم بشكلٍ ملحوظ في الحديدة وفي محافظة صعدة، معقلهم الرئيسي، إضافة إلى الضعف الذي أصاب سلطتهم جراء انفضاض شراكتهم مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح وقواته، وتحول هذه الأخيرة لصف المعارك ضدهم، فضلاً عن استمرار العزلة الدولية، وتفاقم الأزمة الإنسانية والانهيار الاقتصادي الذي باتت تعاني منه اليمن بعد أربعة أعوام من الحرب.
ولكن الطرف الآخر ممثلاً في الحكومة الشرعية، لم يكن أفضل حالاً، فقد أتى أيضاً إلى مفاوضات السويد مدفوعاً بضغطٍ دولي تزايد عليه وعلى التحالف العربي بقيادة السعودية، خاصة بعد اغتيال الصحفي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية باسطنبول. فقد لفتت هذه الحادثة النظر إلى ممارسات النظام السعودي، في حرب اليمن التي أودت بحياة أكثر من 60 ألف شخص، وتسببت في أكبر أزمة إنسانية في العالم، حسب تأكيدات الأمم المتحدة.
وتأكيداً للأهمية، التي أولاها المجتمع الدولي لمباحثات السويد وضرورة إنجاحها، قام وزير خارجية المملكة المتحدة، جيريمي هانت، بزيارة المتحاورين في لحظة حاسمة من مباحثاتهم، كما شهد الأمين العام للأمم المتحدة، انطونيو جوتيريس، اليوم الأخير من المفاوضات، كما كان سفراء الدول الراعية للعملية السياسية في اليمن حاضرين أيضاً، وفي مقدمتهم سفراء الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي وسفراء دول الخليج باستثناء قطر. وعقب انتهاء المفاوضات صوّت أعضاء مجلس الأمن الدولي في 21 ديسمبر بالإجماع على مشروع قرار بريطاني بشأن اليمن أكد دعم وتأييد المنظمة الدولية لاتفاق السويد، وشدد على ضرورة التزام الأطراف المعنية به، ونص على نشر مراقبين دوليين في الحديد إنفاذاً لما جاء في القرار.
القضايا المؤجلة
لكن القضايا السياسية الأكثر حساسية في الملف اليمني ظلت مؤجلةً ومعلقةً لجولة أو جولات أخرى من المفاوضات يتوقف عقدها على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه بشأن إجراءات بناء الثقة، وكان الطرفان المتحاوران في السويد قد توقفا أمام اتفاق إطارٍ لبحث هذه الموضوعات تقدم به المبعوث الدولي، واتفقا على مناقشته في الجولة القادمة.
ويستند الإطار على ما يسمى المرجعيات الثلاثة، وهي: المبادرة الخليجية التي وقعتها أطراف الصراع اليمني إبان ثورة الربيع العربي في 2011م، ونتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي انعقد في 2013 و2014، وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة، بما في ذلك قرار مجلس الأمن 2216 لعام 2015، والذي يؤكد دعم المنظمة الدولية لشرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، ويطالب الحوثيين بسحب قواتهم من المؤسسات الحكومية ومن العاصمة صنعاء وجميع المناطق التي استولوا عليها، والتخلي عن الأسلحة التي استولوا عليها، والتوقف عن جميع الأعمال التي تندرج ضمن نطاق سلطة الحكومة الشرعية في اليمن.
في الوقت الراهن، الوضع على ما هو عليه؛ لا يزال الحوثيون يسيطرون على معظم الأجزاء الشمالية من اليمن وبعض المناطق الساحلية، بما في ذلك الحديدة، في حين أن أجزاء أخرى من البلاد تخضع لسيطرة حكومة الرئيس هادي، الذي فقد معظم دعمه بين السكان، مما يجعل التوصل لحلٍ مستدام أكثر صعوبة.
-عن موقع (فنك) المغربي - الايام