حضارة اليمن في خطر..

تقرير: كيف يمول الحوثيون حربهم في اليمن ؟

إرث اليمن الحضاري والتاريخي والأثري

علي رجب

بات إرث اليمن الحضاري والتاريخي والأثري في مهب أطماع ونهب الحوثي منذ الانقلاب المسلح على السلطة في سبتمبر 2014، الذي نفذته ميليشيا الحوثي، تلك الميليشيا القادمة من عصور الفوضى والدماء مدت أيديها الآثمة للماضي وتاريخه، فسرقته ونهبته ودمرته، ورفعت السلاح في وجه حاضره السعيد، فأحالته بؤسًا وأحزانًا، وخربت ما يحتاج إلى سنوات طوال من العمل الحثيث والإعمار الجاد لإعادته إلى ما كان عليه. 

إيسيسكو تدين

في إدانة لنهب ميليشيا الحوثي للتاريخ وتدميره للتراث، أدانت المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو» قيام الميليشيا بنهب مخطوطات تاريخية من مكتبة زبيد الوقاعة في القلعة التاريخية بمدينة الحديدة على الساحل الغربي لليمن.

وقال المدير العام لـ«إيسيسكو» الدكتور عبدالعزيز التويجري: «إن المخطوطات والكتب المنهوبة تُمثل تراثًا نفيسًا يوثق تاريخ مدينة زبيد التي كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر الميلادي».

وأكد أن سرقة هذا التراث تعتبر عملًا إجراميًّا بحق التراث الحضاري اليمني، ومخالفة خطيرة للمواثيق والإعلانات الدولية الخاصة بحماية التراث الحضاري والمحافظة عليه.

ودعا المدير العام للإيسيسكو الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، خاصة اليونسكو، إلى التدخّل لإجبار ميليشيا الحوثيين على إعادة ما نهبته من مكتبة مدينة زبيد، باعتباره جزءًا من التراث الثقافي للإنسانية جمعاء، والذي تنص اتفاقية لاهاي المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاعات المسلحة على تجريم الاعتداء عليه.

حضارة اليمن في خطر

و«زبيد» هي واحدة من المدن الساحلية في منطقة تهامة غرب اليمن، وهي مدينة دائرية محصنة مع أربعة أبواب متبقية، والتي تم تزويدها بالمياه، من خلال قنوات واسعة النطاق، كما تعد أول مدينة إسلامية في اليمن، فقد اختطها «علي محمد بن زياد» مؤسس الدولة الزيادية «أول دولة إسلامية يمنية» في العام 204هـ، وكانت قبل ذلك التاريخ عبارة عن ثلاث قرى صغيرة هي المنامة، النقير، وجبيجر.

والعمارة المحلية والعسكرية في زبيد وخطتها الحضرية جعلتها موقعًا أثريًّا وتاريخيًّا، إضافة إلى كونها عاصمة اليمن من الثالث عشر حتى القرن الخامس عشر، لعبت المدينة دورًا مهمًّا في العالم العربي والإسلامي لقرون عديدة؛ بسبب الجامعة الإسلامية، ونظرًا لمكانتها العالمية، فقد أصدرت منظمة اليونيسكو عام 1993 قرارًا باعتبار المدينة معلمًا حضاريًّا تاريخيًّا ضمن معالم التراث الإنساني العالمي، وفي مارس من العام 1998، صنفت ضمن المدن التاريخية العالمية.

ومن أهم مساجد زبيد جامع الأشاعر، والذي يُعتبر من العمائر الدينية المهمة في زبيد، ويذكر ابن الأثير أنه قد تم تأسيسه في عام 10هـ 631م، في حين تُشير مصادر أخرى إلى أنه أسس سنة 8هـ ، على يد جماعة من قبيلة الأشاعرة ومنهم أبوموسى الأشعري؛ لذا نسبت تسميته إلى تلك القبيلة.

ومع ذلك، فإن التراث الأثري والتاريخي المتميز لمدينة الزبيد قد تدهور بشكل خطير في السنوات الأخيرة؛ حيث  أكدت تقارير عديدة نهب ميليشيا الحوثي للمدنية واتخاذها ثكنات عسكرية، ما يُعرضها للخطر بفعل الحرب الدائرة في اليمن.

وتوثق المخطوطات والكتب المنهوبة لتاريخ المدينة التي كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر، وتُمثل موقعًا تاريخيًّا وأثريًّا كبيرًا على مستوى الوطن العربي.

وأُدرجت حاضرة زبيد التاريخية على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر في عام 2000، لكن الخطر يتضاعف حاليًّا عليها بسبب ممارسات الميليشيات التي تسعى لضرب ثقافة وتاريخ هذا البلد العريق.

مدينة تاريخية ملغمة

وخلال الشهور السابقة، نشرت «سكاي نيوز»، تقريرًا قالت فيه، إن جماعة الحوثي الإرهابية زرعت مئات الألغام في مدينة «زبيد» التاريخية والتابعة لمحافظة الحديدة، وكانت في القرن الثالث عشر عاصمة اليمن، وتلك المدينة أدرجتها منظمة «اليونيسكو» عام 1993 ضمن المدن التاريخية، وأطلقت عليها المدينة دائرية الشكل، خاصة أن زبيد تعتبر أول مدينة إسلامية في اليمن عام 204 هـ.

حتى الكتب اليمنية التاريخية لم تنج من الاعتداءات الحوثية، ففي يوم 11 يناير 2016، قصفت الجماعة الانقلابية مؤسسة «السعيد»، وهي من أهم المؤسسات الثقافية في اليمن، وتسبب هذا القصف في احتراق آلاف الكتب والأوراق والوثائق التاريخية.

كما أكد السفير محمد الجابر «سفير المملكة العربية السعودية في اليمن» في تصريحات صحيفة، على تعرض نحو «27» متحفًا للسرقة والإهمال، وطالب بحماية بعض الأماكن التي يُجرى البحث بها عن الآثار، ولا بد من إيقاف التنقيب عن الآثار في ظل غياب السلطة الشرعية.

وعمليات تهريب الآثار اليمنية مستمرّة، ومنها: أقدمُ نسخة من القرآن الكريم كتبت على جلدِ غزال، وكذلك أقدمُ نُسخة من التوراة وغيرِها من الآثارِ النادرة.

الانتهاكات التاريخية.. عرض حوثي مستمر 

كما نشرت وكالة «رويترز» البريطانية خلال الأسابيع الماضية تقريرًا وثائقيًّا تبين فيه كم الانتهاكات التي ارتكبها الحوثي ضد تاريخ وآثار اليمن، وتقول إن هناك ما يقرب من 6000 منزل أثري مبني بالطوب اللبن في صنعاء يعود تاريخها إلى ما قبل القرن الحادى عشر، تم تدميرها بالكامل على يد تلك الجماعة.

وأشارت، إلى أن تدمير الحوثي للآثار اليمنية طال مناطق كثيرة  في مأرب، منها  قلعة «القاهرة» الأثرية، ومعالم زبيد المدرجة على قائمة «اليونيسكو» للتراث العالمي، كما ألحقت أضرارًا بالغة بمباني صنعاء القديمة التي يعود تاريخها لأكثر من 2500 سنة.

كما تُعد محافظة لحج وحضرموت من أكثر المحافظات اليمنية التاريخية، وسعى الحوثي إلى أن يدمر معالمها التاريخية، ففي بداية عام 2015 أقدمت عناصر حوثية على هدم عدد كبير من المنازل التاريخية القديمة التي يعود تاريخها للسنوات الأولى من هجرة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بحسب ما قاله التلفزيون  اليمني الرسمي حينها.

فضلًا عن كل ما سبق، دمر متحف ذمار بشكل كلي، وهو متحف إنساني يحمل الكثير من تاريخ اليمن وآثاره وحضارته، حيث إن بعثة أمريكية عملت لثلاثين سنة لإعادة تأهيله، إلا أن تلك الجهود ذهبت أدراج الرياح، ولم تقف الكارثة عند هذا الحد، بل تمت سرقة متحف عدن؛ حيث بلغ ما تم تهريبه وسرقته وتدميره من الآثار نحو 4000 قطعة، بحسب تصريحات صحفية لإدارة المتاحف.

وفي 3 فبراير 2016، قصفت جماعة الحوثي مبنى المتحف الوطني في مدينة تلة السلال بمحافظة تعز، ما أسفر عن حرق مخطوطات أثرية يرجع عمرها لمئات السنين، وعدد كبير من الوثائق العسكرية التاريخية النادرة، إضافة إلى ذلك دمرت الجماعة 12 موقعًا أثريًّا، واحتلتها وحولت أغلبها لثكنات عسكرية تابعة لميليشياتها.

كما تعرض معبد جين الهندوسي في عدن الذي بُني قبل أكثر من مائة عام أيضًا للهدم من قبل شخصيات ترى أن وجود المعبد فيه مخالفة للتعاليم الإسلامية.

كما تعرضت كنيسة «سانت جوزيف» في حي البادري، بكريتر، التي بُنيت عام 1852 للعبث والتدمير من قِبَل عناصر الحوثيين، وفقًا لمصادر إعلامية، نقلت أن الحوثيين خطّوا شعاراتهم على جدران كنيسة «شيلدن» التي بُنيت عام 1952، إبان الاستعمار البريطاني لعدن.

كما تشهد محافظة إب، الخاضعة للحوثيين، عمليات نهب وتنقيب عشوائي لآثار ونقوش قديمة من قِبَل عصابات ومافيا على علاقة بالحوثيين، في ظل سعي تلك الميليشيا لطمس الهوية التاريخية لحضارة اليمن عن طريق نهبها لتلك الآثار وبيعها لدول أجنبية.

 

وكان سفير اليمن في واشنطن الدكتور أحمد عوض بن مبارك، قد اتهم شخصيات ومؤسسات أمريكية بدعم وتمويل استمرار الحرب في اليمن من خلال شراء القطع الأثرية المسروقة.

وقال بن مبارك في مقال نشرته صحيفة الواشنطن بوست الثلاثاء 8 يناير إن تقاعس الولايات المتحدة تجاه عملية شراء القطع الأثرية المسروقة من اليمن يُسهم في تمويل الحرب، وأضاف «على الرغم من تزايد وعي واشنطن حول عمليات تمويل الإرهاب بواسطة بيع الآثار فإن أسواق الولايات المتحدة تظل مفتوحة على مصراعيها للآثار المسروقة بسبب الصراع في اليمن».