مهرجان المبصر عبدالله البردوني
صنعاء تستعد لتوديع عامها الثقافي الأسوأ
تودع العاصمة اليمنية صنعاء العام 2016 الذي وصف بأنه الأسوأ ثقافيا، بمهرجان للاحتفاء بشاعر اليمن الكبير عبدالله البردوني بمبادرة من قبل عدد من الشعراء اليمنيين يومي 28 و29 ديسمبر الجاري بعنوان “المبصر”، وعن أهداف هذه الفعالية يقول الشاعر عبدالرقيب الوصابي رئيس المهرجان، “إن المجتمعات التي تسعى بوعي صوب تكريم رموزها الإبداعية وعباقرتها ورواد منجزها الإنساني والحضاري هي في الأصل مجتمعات تمتلك رغبة أكيدة وهمة أصيلة وواعية، تنحو باتجاه تجاوز تعثراتها الوجودية، وتعتزم بإصرار مغادرة الإخفاقات الآنية التي تتجلى كدالة عليها في لحظة ضعف عابر، وهي في الآن ذاته مجتمعات تمتلك الجرأة الحقيقية لتحقيق قفزة حضارية طويلة تمنحها – بثقة مبصرة- حق اللحاق بركاب المجتمعات المتحضرة”.
ويشير الوصابي إلى أن “مهرجان المبصر عبدالله البردوني” يأتي من أجل “الاحتفاء بمعجزة الشعر العربي عبدالله البردوني، وإعادة قراءته من جديد كمحاولة جادة لاكتشافه بوعي اللحظة الراهنة، واستنطاق منجزه الإبداعي والفكري بما يتواءم مع سياقات العصر ومتطلباته”. وعن توقيت المهرجان في نهاية عام دفع فيه المشهد اليمني ضريبة باهظة للحرب، يقول الوصابي “البردوني شاعر مختلف، يعي ذاته وعيا عميقا، ويعي العالم من حوله ببصيرة ثاقبة ترهف السمع إلى إيقاع الكون وتستبصر الآتي بوضوح الرؤيا وعمقها وامتدادها في الزمكان، وهو ذلك الوعي المختلف الذي سيجعل قصائده الشعرية ومقولاته الفكرية تنفتح على قراءة متنوعة ودلالات شتى، توحي إلى أحداث الغد وتحولات المستقبل، وتحفز في أعماقنا جدية التمثلات الواعية لكتابات وقصائد الشاعر البردوني، وذلك ببساطة لأن منجزه الإبداعي والفكري سيظل متوهجا في ذمة القراءة والتأويل المستمر، ولأنه كتب في الماضي ما يصح للحاضر وما يجوز للآتي أيضا”.
ويتابع مدير المهرجان “لعل في ذلك وغيره ما يحفز فينا همة عالية للإفادة من رؤى الشاعر الاستباقية والاستشرافية بقصد الخروج من عنق الزجاجة، وتكريس التعايش والتخفيف من صراع سياسي عديم الجدوى، وهو الحلم الإبداعي الذي سيمنحنا طاقة حقيقية واستعدادا مبكرا لاستثمار الآتي والتحرر من أزمات الماضي الكئيب بوعي جاد وعميق وبصيرة متقدة تنسى وننسى معها أن نموت”.
فعاليات نوعية
يلفت الوصابي إلى أن منظمي الفعالية يطمحون إلى التواصل مع العالم من خلال ترجمة الكثير من مقولات البردوني الفكرية إلى لغات عالمية كالإنكليزية والفرنسية والألمانية، كما تم توزيع وتلحين وغناء ثلاث قصائد من قصائد الشاعر البردوني وهي “أنسى أن أموت” و”إصرار وأحزان” و”أغنية من خشب”.
ويلفت الوصابي إلى أن فقرات مهرجان المبصر متنوعة ومتعددة إذ ستتم فيها إقامة ندوة نقدية تتوزع محاورها بوعي نقدي واستراتيجية معرفية بقصد سبر اغوار تجربة البردوني الشعرية والفكرية وتسليط الضوء على مكامن لم يهتد إليها بعد الدرس النقدي حول منجز الشاعر، وكذلك سيتم تدشين موقع المبصر، وتأسيس مكتبة رقمية تضم كل منجزات البردوني للعالم وكذلك إطلاق قناة اليوتيوب الخاصة بالمهرجان، والتي سيقع تغذيتها بالكثير من اللقاءات وقصائد المحتفى به، إضافة إلى ما تم إنتاجه من قبل منظمي المهرجان.
ويقام خلال يومي هذه الفعالية مرسم حر يجتمع فيه الفنانون لرسم أحلام البردوني وطموحاته للعالم عبر الضوء واللون، وكذلك سيقع عرض فيلم وثائقي عن الشاعر وتحولاته الشعرية والمعرفية وتشظيات نضاله الواعي في سبيل الحرية والانعتاق، وتأتي كل الفعاليات، كما يقول الوصابي، “سعيا إلى إنتاج خطاب مكثف كرسالة للسلام نوجهها للعالم من خلال الاحتفاء بالبردوني”.
كتب مخفية
تدور الكثير من التساؤلات في الوسط الثقافي اليمني بشكل متجدد عن مصير كتب البردوني التي اختفت أو أخفيت عقب وفاته بشكل مباشر، وعن هذه الكتب المخفية وهل سعى منظمو مهرجان “المبصر البردوني” للبحث عنها، يقول رئيس المهرجان لـ”العرب” “بالنسبة إلى ما يتعلق بكتب البردوني المفقودة وكذلك بعض كتبه التي لم يهتد إليها مثل كتابه ‘شاعرية الزمان والمكان في الشعر العربي’ وكذلك ‘الجديد والمتجدد’ و’الجمهورية اليمنية’ الذي يعد تتمة لكتاب ‘اليمن الجمهوري‘، إضافة إلى ديوانين شعريين، أثرنا هذا الموضوع بجدية ومنهجية وعملنا على تتبع خيوطه على أكثر من اتجاه عبر دور النشر وكذلك من خلال أصدقائه وكتبته والكثير من أقاربه ونكاد نصل إلى منتهى هذه الخيوط التي أسميها خيوط المتاهة، تلك التي تؤكد على استثنائية البردوني وريادته وجرأته المعرفية”.
يتابع ضيفنا “لا يزال التقصي قائما ومع كل جهد نبذله في هذا الاتجاه تتكشف خفايا وأسرار، ومؤشرات البحث والتقصي تؤكد أن مجموعة من كتب البردوني ومعظمها كتب فكرية فقدت في سياقات متعددة، بعضها اختفى في توقيت يسوده القمع والقهر وتكميم الأفواه، والبعض منها فقد، وكل المؤشرات تؤكد أن هذه الكتب للبردوني قد دفع بها للطباعة في دار نشر عربية، كالكتاب الذي أشرت إليه آنفا ‘شاعرية الزمان والمكان في الشعر العربي’، وأشعر أن هذا المنجز المعرفي فيه عدة أجزاء حاول فيها البردوني تفهم بنيتي الزمان والمكان من خلال قراءة مدونة الشعر العربي وكذلك كتابه الآخر الجديد والمتجدد”.