خيارات الحرب والسلام

الأزمة اليمنية بعد عامين: تثبيت الشرعية وردع إيران

متقاعدون جنوبيون يطالبون يحتجون للمطالبة بصرف رواتبهم في عدن

محمد علي السقاف (لندن)

في شباط (فبراير) ٢٠١٢، انتخب عبد ربه منصور هادي للمرة الأولى رئيساً لليمن من أصول جنوبية منذ توحيد دولتي الجنوب والشمال في أيار (مايو) ١٩٩٠. ولا شك للحظة واحدة في أن هادي لو كان يعلم الأخطار والتحديات التي ستواجهه كرئيس لليمن لما قبل ترشيحه كرئيس توافقي، وأجزم بأن الرئيس السابق علي عبدالله صالح كان سيرفض قبول ترشيح نائبه للرئاسة بعد ما أظهره لاحقاً من قدراته الكبيرة في إدارة الدولة، لأن صالح كان يعتقد أنه الوحيد الذي يستطيع الرقص على رؤوس الثعابين وفق تعبيره الشهير.

ومن حسن الطالع أن الرئيس هادي بحكم منشأه الجنوبي لم يكن يعتبر جزءاً من النخب العسكرية والقبلية المتصارعة على السلطة في صنعاء والتي بلغت ذروتها ضد نظام صالح في عام ٢٠١١، مما سهل له أن يصبح رئيساً توافقياً ويفوز في الانتخابات الرئاسية بغالبية أصوات مريحة لم يحصل عليها سلفه. وقد لاقى طلبه بالتدخل العسكري تجاوباً سريعاً من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لحماية اليمن والشرعية الدستورية من السقوط كاملة بأيدي الانقلابيين الحوثيين وجماعة علي صالح.

ولعل من المهم بمكان ملاحظة أن انطلاق «عاصفة الحزم» تزامن مع تمدد المجموعة الانقلابية الى عدن للسيطرة عليها مع ما يعني ذلك من الهيمنة على باب المندب، الشريان الرئيسي للتجارة العالمية وأحد الممرات المهمة لنفط الخليج العربي.

إن انقلاب الحوثيين وصالح على الشرعية الدستورية واستيلاءهم على مؤسسات الدولة جاءا على اثر صدور مخرجات الحوار الوطني والانتهاء من إعداد مسودة الدستور للدولة الاتحادية والتي رأى الانقلابيون فيها تهديداً مباشراً لمصالحهم وخطراً محدقاً على الأقلية الحاكمة التي هيمنت لعدة عقود على السلطة في اليمن قبل الوحدة اليمنية وبعدها.

وقد يستغرب البعض كيف يقف الحوثيون وصالح ضد مخرجات الحوار وينقلبون عليه وهم شركاء في صياغته؟

في الحقيقة، الإجابة عن هذا التساؤل بكل بساطة تكمن في الموروث السياسي للحكم لهذه الجماعات التي تقبل بالمشاركة في صياغة أي اتفاقات والتوقيع عليها ثم الانقضاض وإلغاء ما تم الاتفاق عليه، كما حدث على مستوى اتفاقية الوحدة لعام ١٩٩٠ أو على «وثيقة العهد والاتفاق» لشباط (فبراير) ١٩٩٤ التي أشعلت حرب ١٩٩٤ ضد الجنوب للحيلولة دون تنفيذها، ومؤخراً في «اتفاق السلم والشراكة» الذي صاغه الحوثيون أنفسهم لتسوية الأزمة بينهم وبين السلطة الشرعية والمكونات السياسية في اليمن ووقع في أيلول (سبتمبر) ٢٠١٤ تحت إشراف جمال بن عمر المبعوث السابق للأمم المتحدة في اليمن.ولعل غياب الموقف الحازم من جانب الإدارة الأميركية السابقة من الحوثيين وصالح وقبولها اللقاء بهم اثناء مشاورات مؤتمر الكويت وعدم صدور إدانات حازمة وصريحة للإجراءت الانفرادية من جانب الحوثيين وصالح بخصوص تشكيل «المجلس السياسي الأعلى» لإدارة البلاد ثم تشكيل ما سمي «حكومة إنقاذ» اعتبرها الانقلابيون بمثابة اعتراف غير مباشر بهم كسلطة أمر واقع من الإدارة الأميركية وذلك على خلفية حرص الرئيس أوباما على عدم الدخول في مواجهة مباشرة مع إيران في نهاية ولايته أو المساس بالاتفاق النووي معها.

ثم كانت مبادرة الوزير كيري الأخيرة التي حاول من خلالها قبل نهاية ولاية الديموقراطيين في السلطة عمل اختراق ديبلوماسي لحل معضلة الأزمة اليمنية باقتراح تنازل هادي الرئيس الشرعي عن سلطاته الدستورية لمصلحة نائب له يتم التوافق عليه بين أطراف الصراع اليمنية. وقد تمت مواجهة هذه المبادرة بالرفض المباشر من جانب السلطة الشرعية لعدم تشاور كيري معها وتحفظت دول مجلس التعاون أيضاً عليها، لأن ذلك سيعني بكل بساطة شرعنة الأمر الواقع وإفراغ «عاصفة الحزم» من أهدافها التي دعت دول التحالف العربي الى التدخل العسكري لحماية الشرعية الدستورية وإيقاف التغلغل الإيراني في المنطقة حماية لأمن دولها، لأن في وسع نائب الرئيس الذي ستنتقل اليه صلاحيات الرئيس هادي أن يستغل صلاحياته الرئاسية بأن يطلب من دول مجلس التعاون إنهاء تواجدها في اليمن بالطريقة نفسها التي استدعاهم بها الرئيس هادي

أمام انسداد الحل السياسي للأزمة اليمنية رغم المساعي الحثيثة لاسماعيل ولد الشيخ ممثل الأمين العام للأمم المتحدة في اليمن للتقريب بين وجهات نظر الأطراف المتنازعة يبدو أن التوجه العام يسير نحو تغليب الحسم العسكري كمخرج للأزمة.

ومع تولي دونالد ترامب الرئاسة الأميركية وموقفه المتشدد نحو إيران قد يؤدي ذلك الى أحد الافتراضين التاليين: دعم التوجه المنادي بالحسم العسكري وذلك بعد استعداد الإدارة الأميركية الجديدة لتلبية كافة احتياجات المملكة من الأسلحة على اثر نجاح زيارة الأمير محمد بن سلمان لواشنطن والانتصارات الأخيرة التي تحققت بتحرير المخا والاستعداد لمعركة تحرير الحديدة ومينائها الذي يستخدمه الانقلابيون لتهريب السلاح الإيراني اليهم.

أما الخيار السلمي فيمكن أن يعود من جديد الي الواجهة إذا أقرت واقتنعت إيران بأن دعمها العسكري والسياسي للانقلابيين لم يعد مقبولاً عربياً بعد مؤتمر القمة العربي الأخير في الأردن الذي شهد مصالحات بين المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى مع بعض الأنظمة العربية الموالية لإيران وذلك لشعور هذه الدول بأن التهديد الإيراني في المنطقة لا يطاول فقط دول الخليج العربية بل يهدد الأمن القومي العربي.

إن تحديات السلام أكبر بكثير من تحديات الحرب ومن أجل بناء سلام دائم في اليمن والجزيرة العربية يتطلب ذلك من دول الخليج النظر بجدية فائقة الى كيفية حل القضية الجنوبية، بما يلبي طموحات شعبها الذي تشرف جغرافية أراضيه على موقعين استراتيجيين مهمين في باب المندب وخليج عدن والمحيط الهندي وما تمثله من أهمية كبرى لدول الخليج وللعالم بأسره.