بعيدا عن معركة عدن الجانبية..
تقرير: ماهي أهم المعارك المشتركة لـ "السعودية والإمارات" في اليمن؟
ضاعفت الأحداث التي شهدتها مدينة عدن كبرى مدن الجنوب اليمني من الحاجة إلى دور كلّ من الإمارات والسعودية لمنع انزلاق الأوضاع في اليمن نحو المزيد من التوتّر، وخصوصا لتأطير المعركة الأساسية الدائرة في البلد، ومنع انحرافها عن الهدف الأصلي من ورائها، والمتمثّل في مواجهة الحوثيين، ومنع تسرّب إيران عبرهم إلى منطقة بالغة الأهمية جنوبي الجزيرة العربية والتصدي لمحاولتها التمركز قبالة ممر بحري ذي قيمة استراتيجية عالمية، فضلا عن منع وقوع أجزاء من البلد في قبضة تنظيمات إرهابية أظهرت دائما استعدادا لاستغلال الظرفية اليمنية المعقّدة للانقضاض على مناطقه.
وكشفت زيارة قام بها ولي عهد أبوظبي الشيخ محمّد بن زايد آل نهيان، الاثنين، إلى السعودية حيث التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمّد بن سلمان، عن صمود التحالف العربي الذي تقوده المملكة وتقوم الإمارات بدور رئيسي فيه، وتغليبه الأهداف الاستراتيجية الكبرى التي أنشئ لأجلها بعيدا عن المعارك الصغيرة والأحداث الجانبية مثل أحداث عدن الأخيرة.
ورغم عمق الخلافات التي فجّرتها سيطرة قوات المجلس الانتقالي على عدن بين أطراف يمنية سبق أن اشتركت في مواجهة الحوثيين إلى جانب التحالف العربي، إلّا أنّ كلاّ من أبوظبي والرياض أظهرتا هدوءا فريدا في التعاطي مع الحدث فسّره متابعون للشأن اليمني بثقتهما في حلّ المشكلة عبر الحوار نظرا لما للطرفين معا من علاقات وثيقة وكلمة مسموعة لدى غالبية الفرقاء اليمنيين.
وإثر لقائه الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان في منى بالسعودية، أكد ولي عهد أبوظبي الشيخ محمّد بن زايد على دعوة الرياض إلى الحوار، معتبرا أنّه السبيل الوحيد لتسوية الخلافات.
وتقول الباحثة اليمنية فاطمة أبوالأسرار لوكالة فرانس برس إنّ السعودية بحاجة إلى القوات الجنوبية القتالية المدربة من الإمارات.
وتضيف “إن كان السعوديون بحاجة إلى الفوز في المعركة ضد الحوثيين المدعومين من إيران، فعليهم تشجيع الحوار والمصالحة بين الحكومة والانفصاليين”، في إشارة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي المطالب باستعادة دولة الجنوب التي كانت قائمة قبل توحيد شطري اليمن سنة 1990.
ويحمّل العديد من الملاحظين حكومة الرئيس الانتقالي عبدربّه منصور هادي مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع في عدن، فبحسب هؤلاء، ساهمت سياسات حكومة الرئيس عبدربّه منصور وفشلها في ضبط الأوضاع وتحسين الأحوال المعيشية والأمنية بالمدينة في إذكاء النوازع الاستقلالية للجنوبيين.
ويتحدّث الجنوبيون أنفسهم عن المطعن الرئيسي في سياسة الرئيس عبدربّه منصور متمثّلا في شراكته الوثيقة مع جماعة الإخوان المسلمين بكل ما لديها من نوازع سلطوية وأهداف عابرة لحدود اليمن ومرتبطة بأهداف التنظيم الدولي الأمّ للجماعة.
وبحسب هؤلاء فإنّ خضوع جزء كبير من القوات المسلّحة المصنّفة باعتبارها “جيشا” وطنيا لإمرة القيادي الإخواني محسن الأحمر الذي يشغل منصب نائب للرئيس، يمثّل أكبر دعم للإرهاب وتمكينا له في اليمن وهدرا للجهد الكبير الذي بذله التحالف العربي في مواجهته بالبلد.
وسبق للقوات الإماراتية أن قامت بدور مزدوج في مواجهة تنظيم القاعدة بمناطق في جنوب اليمن سواء بمشاركتها المباشرة وقيادتها لمعارك استعادة تلك المناطق وعلى رأسها معركة استعادة مدينة المكلاّ مركز محافظة حضرموت بشرق اليمن، أو بتدريبها وتسليحها لقوات محلّية واجهت التنظيم بفعالية.
ويقول خبراء أمنيون إنه من المستحيل التخلي عن الدور الإماراتي في اليمن ما سيشكّل أيضا ضربة كبرى لجهود مواجهة التنظيمات الإرهابية هناك. ولا تخفي السعودية قلقها على تلك الجهود، حيث حذّر نائب وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان من أن المعارك في عدن تعطي فرصة ليس فقط للحوثيين بل أيضا لمجموعات جهادية مثل القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية.
وأعلنت الإمارات الشهر الماضي تنفيذها خطة لإعادة نشر قواتها في اليمن لـ”أسباب استراتيجية وتكتيكية”، دون أن يعني ذلك أنها بوارد الانسحاب وترك اليمنيين لمصيرهم، ما سيعني أيضا تعقيدات كبيرة للسعودية المعنية بشكل استثنائي بالملف اليمني وتفاصيله الأمنية والسياسية وامتداداته الاستراتيجية.
وتعتبر الرياض الحوثيين تهديدا استراتيجيا يرقى إلى مستوى التهديد الذي يمثّله حزب الله اللبناني في المنطقة. وتبدو اليمن أرضية لحرب السعودية بالوكالة مع طهران، مع تعزيز المتمردين الحوثيين هجماتهم بالصواريخ والطائرات دون طيار على المدن السعودية. ويرى رايان بول من مركز التوقعات الاستراتيجية الأميركي “ستراتفور” أن اليمن “كانت حربا بالاختيار للإمارات، ولكنها لم تكن كذلك للسعودية”.
ويؤكد المحلل في مجال الأمن أوليفييه غويتا أن انسحاب الإمارات من اليمن فيما لو تمّ كان سيشكّل “ضربة للتحالف بقيادة السعودية في اليمن وسيكون من الصعب على الرياض أن تستبدل الإمارات”.
ويضيف “الرياض تحتاج إلى دعم الإمارات لدفع الانفصاليين (المجلس الانتقالي) اليمنيين للقدوم إلى الرياض والمشاركة في الحوار”، مؤكّدا “في ما يتعلق بالسعودية في اليمن، فإن أفضل نتيجة يمكن أن تأمل بها هي التعادل مع الحوثيين”، مضيفا “كان يجب أن يتحقق النصر في العام الأول من الحرب. ولكن الأمر تحوّل إلى مستنقع مثلما حدث مع الولايات المتحدة في فيتنام”.
ولا تريد الرياض أن يصرفها الخلاف في عدن عن معركتها الأساسية مع الحوثيين، وبالتالي مع إيران، ولهذا دعت الخارجية السعودية الأطراف المتنازعة في عدن إلى حوار طارئ في المملكة. وأكد قادة المجلس الانتقالي الجنوبي استعدادهم للحوار والمشاركة في الاجتماع، بينما ينتظر أن تؤدي الإمارات دورا مفصليا في تليين المواقف خلال الحوار المرتقب ما يسهّل على السعودية الوصول إلى النتائج التي ترجوها.