تعزيز الممارسات الشيعية..

تقرير: لماذا يسعى الحوثيون إلى طمس تاريخ اليمن؟

تسليط الضوء لأغراض دعائية على الانقلابات العسكرية الكبرى

نيويورك

يحاول الحوثيون لفت الأنظار إليهم خلال الأسابيع الأخيرة، عبر طرح المزيد من المبادرات الاستعراضية؛ حسب تقرير إخباري نشرته صحيفة “لوموند” الفرنسية.

بين إطلاق الشائعات حول وقف وشيك لإطلاق النار مع المملكة العربية السعودية، وتسليط الضوء لأغراض دعائية على الانقلابات العسكرية الكبرى التي أُحبطت في أغسطس الماضي، والإعلان عن إطلاق سراح الأسرى من جانب واحد، تتفاوت روايات الحوثيين؛ فوَفقًا للجنة الدولية للصليب الأحمر، أطلق الحوثيون سراح 290 سجينًا بموجب اتفاق توسَّطت فيه الأمم المتحدة لإلغاء التصعيد في البلاد.

يأتي هذا النشاط بعد أن وجدت المجموعة المسلحة المدعومة من إيران نفسها في قلب الأحداث الدولية، بعد أن كانت مجرد جماعة هامشية في المعادلة الإقليمية، وذلك إثر الضربة التي استهدفت مواقع النفط السعودية؛ ضربة يدَّعي الحوثيون أنهم مَن قاموا بتوجيهها ردًّا على السعودية التي تشن حربًا عليهم منذ مطلع عام 2015، وإذا صح هذا الكلام فيبدو أن الحرب تدخل مرحلة جديدة.

أمراء حرب

الوقائع على الأرض، كما تشير الصحيفة، تؤكد بسط الحوثيين سيطرتهم على جزء قليل من الأراضي اليمنية، إلا أن تلك الأراضي تُشكل موطن غالبية السكان في اليمن، وبعد مرور خمس سنوات على وصولهم إلى صنعاء تمكَّن هؤلاء المتمردون من تعزيز سيطرتهم على تلك المناطق، بفضل اقتصاد الحرب وعمليات التهريب التي نشطت بسبب ظروف الحصار المفروض عليهم؛ ما أسهم في إثراء قادة الحوثيين وبروز طبقة أمراء الحرب.

ليس هذا فحسب، بل إن ظروف الحرب قد جعلت السكان أكثر استسلامًا واعتمادًا على سلطة الحوثيين، بينما أسهمت حالة الصراع المستمرة في تخلِّي اليمنيين البسطاء عن أي مطالب تتعلق بمسائل الحكم وإدارة المناطق التي يقطنونها. لقد تمكَّن الحوثيون من إحكام قبضتهم على المؤسسات القائمة؛ بل وإنشاء مؤسساتهم الخاصة، متشبثين أكثر بالسلطة.

ممارسات طائفية

على الرغم من أن الدعم الإيراني لهذه الجماعة كان واضحًا منذ البداية، خصوصًا على مستويات التدريب والخبرات وتسليم دفعات جديدة من الأسلحة تتمثل في الطائرات دون طيار أو الصواريخ التي سمحت للحوثيين بتهديد الرياض وبتكلفة منخفضة؛ فإن ذلك يتزامن أيضًا مع الاستيراد الممنهج والتدريجي لأيديولوجية الجمهورية الإسلامية بين صفوف هذه الحركة المتمردة، والتي تعتنق في الأصل إسلامًا يختلف إلى حد كبير عن ممارسات الشيعة الإيرانية؛ لكننا اليوم نلاحظ بوضوح انتشار تلك المعتقدات والممارسات، خصوصًا بين الأجيال الأحدث سنًّا من الحوثيين.

في المقابل تنشط في الجبهات الجنوبية فئات وجماعات مسلحة مناهضة للحوثيين فكريًّا وعقائديًّا، تستمد أيديولوجيتها من أفكار راديكالية متطرفة. وفي ظل التردد الدولي في وضع حد للحوثيين حتى الساعة، تنمو المخاوف من تحول الصراع إلى طائفي يقوده قطبان، سُني وشيعي، يستلهمان تجارب أخرى شهدتها المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية.

صراع سُني- شيعي

في هذا المشهد المجزَّأ، تجد الجماعات الجهادية مرتعًا لها؛ خصوصًا في المناطق الجنوبية التي شهدت نزاعات مستمرة وتضارب مصالح.. في يونيو الماضي شنَّ “القاعدة” في شبه الجزيرة العربية عدة هجمات هناك، كما استفاد الجهاديون من الصراع بين القوات الموالية لحكومة هادي ومجلس الحكم الانتقالي في الجنوب، فسيطر “القاعدة” على بعض المناطق الجنوبية وقام بزيادة نفوذه وشن دعاية مضادة وصلت إلى حد سماع اسم تنظيم الدولة الإسلامية يتردد وبقوة هناك.

في ظل حالة عدم الاستقرار التي يشهدها اليمن اليوم؛ خصوصًا في المناطق الجنوبية، يحتفظ تنظيم القاعدة بمساندة مجموعات جهادية أخرى قادرة على الوجود والتأثير والتوظيف في تلك المناطق، وتحاول تلك الجماعات الاستفادة من توظيف الأجيال الأحدث سنًّا وتغذيتها بالأفكار الجهادية انطلاقًا من معرفات طائفية تستند إلى معطيات الصراع التاريخي بين السُّنة والشيعة.

وتخلص الصحيفة الفرنسية إلى أن استيراد الممارسات الإيرانية الشيعية إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون سينجم عنه حتمًا تعميم للخطاب السُّني الراديكالي في أماكن أخرى. وعلى الرغم من أن اليمن عرف عبر الزمن تنوعًا مذهبيًّا، ونجت التعقيدات الطائفية تاريخيًّا من محاولات التقسيم؛ فإن هذا الشبح يعود وبقوة اليوم إثر استيراد الصراع السُّني- الشيعي بوجهه الأكثر قتامة إلى هذا البلد.

الحوثيون .. يسعون إلى طمس تاريخ اليمن

لم تتوقف جرائم الحوثيين في اليمن على إزهاق أرواح الأبرياء أو تحطيم البنية التحتية لليمن فقط، بل امتدت إلى تخريب “ثقافة الشعب اليمني” وتاريخه؛ سواء عبر فرض مناهج تعليمية غريبة عن المجتمع اليمني، أو عبر طمس التاريخ والهوية؛ إما بالتدمير وإما بالسرقة. فقد قام الحوثيون بالتعدي على القلاع الأثرية والمتاحف، وامتدت أيديهم أيضًا إلى نهب الآثار وسرقة التراث.
أما السرقة فقد قالت وكالة الأنباء اليمنية: “إن ميليشيات الحوثي نهبت المخطوطات والكتب التاريخية والعلمية، ونفائس نادرة تحتوي على تاريخ وحضارة اليمن القديمة، وذلك من مكتبة زبيد الواقعة في القلعة التاريخية بالمدينة التابعة لمحافظة الحديدة”.


مكتبة زبيد التاريخية


وقال مصدر محلي للوكالة: “إن ميليشيات الحوثي لم تكتفِ بنهب الكتب والمخطوطات الأثرية، بل قامت بنهب المولِّد الكهربائي الخاص بالمكتبة”، ومن المعلوم أن حضارة زبيد التاريخية أُدرجت على قائمة التراث العالمي المهدَّد بالخطر في عام 2000، لكن الخطر يتضاعف حاليًّا عليها؛ بسبب ممارسات الميليشيات التي تسعى لضرب ثقافة وتاريخ هذا البلد العريق”.


وأما التدمير فقد أثبتته منظمة “مواطنة” لحقوق الإنسان ( وهي منظمة يمنية مستقلة)؛ فقد أصدرت تقريرًا بعنوان “تجريف التاريخ“، في نوفمبر 2018، وثَّقت فيه جزءًا من الانتهاكات والاعتداءات التي نفذتها ميليشيات الحوثي ضد المعالم الحضارية والأثرية في اليمن؛ إما بقصفها وإما بتحويلها إلى ثكنات عسكرية.


وأبرز التقرير الميداني للمنظمة الحقوقية اليمنية، الذي شمل تسع محافظات، اهتمام الحوثيين بالسيطرة على القلاع والقصور التاريخية؛ لما لها من أهمية استراتيجية في المعارك العسكرية، كاشفًا عن استخدامهم المعالم الأثرية حصونًا عسكرية؛ لشن هجماتهم انطلاقًا منها.
كما عرض تقرير المنظمة عددًا من الأدلة؛ بينها هجوم الحوثيين على موقع القفل في صعدة، وقصر دار الحجر في لحج، وقلعة القاهرة في تعز، وغيرها.


كما كشفت المنظمة عن أن مدينة براقش التاريخية في مأرب التي تضم معابد بارزة، حولها الحوثيون عام 2015 إلى مكان لتخزين الأسلحة؛ مما عرضها للقصف.
ومن بين المواقع الأخرى التي ذكرها التقرير؛ الحصن في كوكبان، ومسجد الهادي في صعدة، والمتحف العسكري في عدن، ودار الحجر في صنعاء، حيث استخدم الحوثيون مدفعية ودبابات لقصف الموقع؛ مما تسبب في إصابته بأضرار بالغة.


وأمام هذه الهجمة الهمجية لم يكن أمام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة “إيسيسكو” إلا إدانة نهب المخطوطات والكتب التاريخية والعلمية والنفائس النادرة، وكذلك تدمير التراث والقلاع الأثرية في بيان واضح، أكدت فيه قيمة هذه المخطوطات والكتب المنهوبة، فهي توثق تاريخ المدينة التي كانت عاصمة اليمن من القرن الثالث عشر إلى القرن الخامس عشر، وتمثل موقعًا تاريخيًّا وأثريًّا كبيرًا على مستوى الوطن العربي، وأكدت أيضًا جريمة الحوثيين بتبديد هذا التراث الإنساني النادر.


وتعليقًا على ذلك، قال المدير العام لـ”إيسيسكو”، الدكتورعبد العزيز بن عثمان التويجري: “إن سرقة هذا التراث تعتبر عملًا إجراميًّا بحق التراث الحضاري اليمني، ومخالفة خطيرة للمواثيق والإعلانات الدولية الخاصة بحماية التراث الحضاري والمحافظة عليه”.
ودعا التويجري الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، وبخاصة “اليونسكو”، إلى التدخُّل؛ لإجبار ميليشيات الحوثي على إعادة ما نهبته من مكتبة مدينة زبيد، باعتباره جزءًا من التراث الثقافي للإنسانية جمعاء، والذي تنص اتفاقية لاهاي المتعلقة بحماية الممتلكات الثقافية في فترات النزاعات المسلحة على تجريم الاعتداء عليه.


لا يُمكن أن نَعُدَّ الآثارَ شيئًا ثانويًّا، فهي تحتل مكانةً عظيمة في تكوين هوية المواطن، وتعريفه بتاريخه وحضارته وقيَم أجداده وطُرق حياتهم؛ الأمر الذي ينعكس إيجابًا على زيادة الانتماء لدى المواطنين لبلدهم وحضارتهم، ويُسهم في تقريبهم من تاريخهم، كما يُعزز غرس القيم الوطنية؛ مما يَنتُج عنه التلاحم القوي بين أبناء الشعب الواحد.
تُساعد المحافظة على الآثار على المحافظة على التاريخ؛ باعتبارها مصدرًا رئيسيًّا لحفظ تاريخ البلاد وتاريخ الشعوب التي عاشت فيها، وتعكس حضارتها الأصيلة التي قامت فيها منذ القِدَم.


من آثار اليمن.


لهذا يحرص الحوثيون على تحويل الهوية اليمنية المتسامحة إلى هوية متصارعة؛ عبر تحويل الصراع السياسي على السلطة إلى صراع ديني (سُنة وشيعة)، وفي سبيل تحقيقهم ذلك يعمدون إلى طمس التراث المادي والممتلكات الثقافية؛ مما يفقد اليمن إرثه المتنوع، سواءً أكان باستخدامهم القلاع الأثرية لأغراض عسكرية، أم باستهدافها وإلحاق أضرار متفاوتة بها، أم بالاستيلاء عليها وبيعها خارج اليمن؛ لتمويل عملياتهم العسكرية.


ويبدو أن الحوثيين يحملون موقفًا عدائيًّا من التاريخ غير المتسق مع فكرهم، مثلهم مثل “داعش”، فكما دمَّر “داعش” المدن الثقافية والتاريخية بسوريا هاهي ميليشيات الحوثي تُدمِّر الكثير من الممتلكات الثقافية في مناطق سيطرتها باليمن.