الاستخبارات الأمريكية وإيران..
من الاحتواء إلى الاستباق: لماذا يغيّر قانون استخبارات 2026 قواعد المواجهة مع إيران
يُعدّ إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي لقانون تفويض الاستخبارات لعام 2026 خطوة تشريعية روتينية، بقدر ما يعكس تحوّلًا نوعيًا في مقاربة واشنطن للأمن القومي. فالقانون، بتوقيته ومضامينه، يشير إلى إدراك متزايد داخل المؤسسة الأمريكية بأن خريطة التهديدات لم تعد تقليدية، وأن الخصوم باتوا يعملون عبر الحروب الهجينة والعمل الرمادي واختراق المجتمعات المفتوحة من الداخل.
إقرار مجلس الشيوخ الأمريكي لقانون تفويض الاستخبارات لعام 2026 وإحالته إلى الرئيس دونالد ترامب للتوقيع لا يُعدّ مجرد إجراء تشريعي دوري، بل يمثل لحظة مفصلية في إعادة تعريف أولويات الأمن القومي الأمريكي. فالقانون، بتوقيته ومضمونه، يعكس إدراكًا متزايدًا داخل المؤسسة الأمريكية بأن البيئة التهديدية العالمية دخلت طورًا أكثر عدوانية، وأن أدوات الردع التقليدية لم تعد كافية للتعامل مع خصوم يعملون خارج قواعد الاشتباك الكلاسيكية.
إن هذا التحول لا يرتبط بحدث عابر، بل هو نتيجة تراكم خبرات أمنية واستخباراتية أظهرت أن أنظمة معادية باتت تستثمر في العمل الرمادي، والحروب الهجينة، واختراق المجتمعات المفتوحة من الداخل.
ما الذي يعنيه القانون فعليًا؟
قانون تفويض الاستخبارات هو الإطار الذي يحدد صلاحيات وميزانيات وأولويات مجتمع الاستخبارات الأمريكي، من وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) إلى وكالة الأمن القومي (NSA) والاستخبارات العسكرية. ونسخة 2026 تحمل بصمات واضحة لتغير في التفكير الاستراتيجي، أبرزها: تعزيز الاستخبارات الهجومية بدل الاكتفاء بالتحليل الدفاعي. وتوسيع أدوات الحرب السيبرانية والهجينة. وتشديد الرقابة على الاختراقات الأجنبية داخل الولايات المتحدة. وتركيز خاص على الأنظمة السلطوية المعادية التي تستخدم الإرهاب والتجسس والتضليل كسلاح دولة.
هذا التحول يعكس قناعة مؤسسية بأن المعركة لم تعد تدور حول جمع المعلومات فقط، بل حول تعطيل التهديد قبل اكتماله، وكسر سلاسل القيادة والتأثير في مراحلها المبكرة.
إيران في قلب المعادلة
رغم أن نصوص القوانين الأمريكية نادرًا ما تسمي خصومًا بشكل مباشر، إلا أن نظام الملالي في طهران حاضر بوضوح في خلفية هذا القانون. فقد كشفت السنوات الأخيرة تصاعدًا غير مسبوق في النشاطات الاستخباراتية الإيرانية داخل الغرب، إلى جانب شبكات تأثير وتجنيد تعمل تحت غطاء ثقافي وإعلامي، وعمليات سيبرانية استهدفت بنى تحتية أمريكية وأوروبية، فضلًا عن استخدام الاغتيال والترهيب ضد معارضين في الخارج.
إقرار القانون في هذا التوقيت يعني أن واشنطن لم تعد تتعامل مع طهران كملف نووي فقط، بل كنظام أمني عدائي يعمل بمنطق الحرب غير المعلنة، ويستثمر في الفوضى وعدم الاستقرار كأداة نفوذ.
رسالة سياسية إلى ترامب… وإلى العالم
إحالة القانون إلى ترامب تحمل دلالة مزدوجة. أولًا، تقييد هامش المناورة السياسية أمام أي محاولة للعودة إلى سياسات التساهل أو الصفقات الجزئية. وثانيًا، فرض إجماع مؤسسي يجعل من الصعب تجاوز تقييمات مجتمع الاستخبارات. وبمعنى آخر، حتى لو تغيّرت اللهجة السياسية أو تبدّلت الأولويات التكتيكية، فإن الآلة الاستخباراتية الأمريكية باتت مهيأة لمواجهة طويلة الأمد، تُدار بمنطق الدولة العميقة لا المزاج السياسي العابر.
ما الذي يقلق نظام الملالي؟
أخطر ما في قانون 2026 ليس الميزانية، بل العقيدة التي يقننها: الانتقال من الاحتواء إلى الاستباق. ومن الاكتفاء بالاستجابة اللاحقة إلى تحييد الشبكات في طور التشكّل. ومن الدبلوماسية الأمنية إلى الضغط الاستخباراتي المنهجي. هذا التحول يضرب جوهر استراتيجية طهران القائمة على العمل في الظل، والإنكار، واستغلال الثغرات القانونية في الدول الديمقراطية، ويقوّض قدرتها على المناورة تحت عتبة الحرب المعلنة.
توصيات مباشرة لصنّاع القرار
يبقى التحدي الجوهري في تحويل هذا الإطار التشريعي إلى خطوات تنفيذية فاعلة تتجاوز حدود النصوص إلى الواقع العملي. ويشمل ذلك توسيع التعاون الاستخباراتي مع أوروبا بشأن التهديد الإيراني العابر للحدود، وإدراج شبكات النظام الاستخباراتية غير الرسمية ضمن أنظمة العقوبات، ودعم قوى المعارضة الديمقراطية الإيرانية بوصفها مصدرًا استخباراتيًا شرعيًا. كما ينبغي ربط أي مسار دبلوماسي مستقبلي مع طهران بسلوكها الاستخباراتي الخارجي، لا بالنووي فقط.
الخاتمة
قانون تفويض الاستخبارات لعام 2026 هو إعلان صامت بأن مرحلة الغموض قد انتهت. الرسالة واضحة: الولايات المتحدة لم تعد تراقب فقط، بل تستعد لإعادة تشكيل ميدان الصراع الاستخباراتي. وبالنسبة لنظام الملالي، فهذه ليست مجرد ورقة تشريعية، بل نذير مرحلة أكثر صرامة، وأقل تسامحًا، وأشد كلفة.


