رغم غضب الإخوان..
تقرير: دور الإمارات البارز في محاربة الإرهاب باليمن
تظل قضية الحرب على الإرهاب في اليمن، أبرز القضايا الإقليمية والدولية، لما تمثله هذه المساحة الجغرافية من أهمية، خاصة في ظل التأكيد على استغلال تنظيم الإخوان الإرهابي المتحكم في الحكومة الشرعية اليمنية للتنظيمات المتطرفة في الحرب ضد خصومه السياسيين.
وتشير تقارير غربية إلى أن نظام صنعاء السابق، استمر باستغلال التنظيمات الإرهابية في تصفية خصومه الجدد، وابتزاز الغرب، للحصول على دعم مالي وعسكري، حتى إن تلك التقارير أكدت أن نظام علي عبدالله صالح، كوّن رصيداً مالياً ضخماً من الدعم الدولي لمحاربة الإرهاب في اليمن.
حروب مزيفة
لم يخض نظام صالح وحلفاؤه من تنظيم الإخوان، أي حرب حقيقية ضد الإرهاب، بعد أن قدم نفسه للأمريكان كحليف في محاربة الإرهاب، بل على العكس من ذلك تماماً، فكلف النظام رجال الدين في التنظيم، للقيام بحملات مناصحة لعناصر تنظيم القاعدة، ناهيك عن أنها وجهت اتهامات على نطاق واسع لنظامه بدعم التنظيمات الإرهابية بالأموال والأسلحة.
في عام 2011، والذي شهد مطلعه انتفاضة شعبية ضد نظام صالح، وجدت التنظيمات الإرهابية مجالاً للتوسع والتوغل وإقامة إمارات إسلامية في الجنوب، وتحديداً في أبين وشبوة، فأوجد ذلك مقاومة محلية تمثلت في اللجان الشعبية، التي شكلت بداية في لودر، وقارعت التنظيم الإرهابي عسكرياً وانتصرت عليه، قبل أن يقوم الأخير بهجمات انتقامية ضد القبائل.
حظي التنظيم بدعم كبير من بعض القوى اليمنية، حتى أن قيادات بارزة تابعة له كانت معتقلة في السجن المركزي بصنعاء شديد التحصين وتمكنت من الفرار، ووجهت حينها الاتهامات لوزير الداخلية الإخواني عبده حسين الترب.
انتكاسة القاعدة
وعلى إثر أزمة 2011، تقول تقارير محلية إن قوات أمنية في أبين العاصمة الإقليمية للمحافظة زنجبار، حاصرت عناصر تنظيم القاعدة، التي وجدت نفسها بعد نحو عام قادرة على التمدد صوب بلدة لودر. وفي مايو (أيار) 2012، ووجد تنظيم القاعدة أمامه مقاومة شرسة من قبائل لودر التي انخرطت في تشكيلات مسلحة لمواجهة التنظيم المتطرف الذي يضم في صفوفه مقاتلين أجانب من جنسيات مختلفة، وانتهى القتال بهزيمة تنظيم القاعدة، بعد مقتل وجرح المئات من الطرفين.
وعلى إثر انتكاسة التنظيم في لودر، توسعت دائرة المواجهة حتى اقتربت قبائل أبين وشبوة من القضاء على التنظيمات الإرهابية، غير أن الحسابات السياسية والعسكرية لحكومة اليمن الجديد، حالت دون ذلك، ففضل تنظيم الإخوان الذي استلم الحكم من صالح في عام 2012 أن يناصح قادة تنظيم القاعدة للتسليم بدلاً من قتالهم، غير أن انقلاب الحوثيين وشنهم الحرب على حكومة هادي، ساهم في بروز التنظيمات الإرهابية من جديد، واحتلالهم مدناً يمنية من بينها وادي حضرموت، الذي احتله تنظيم القاعدة لأكثر من عام، قبل أن يخرج إثر عملية عسكرية واسعة أشرفت عليها دولة الإمارات العربية المتحدة.
هادي وتحالفاته
دخل نظام هادي في تحالفات علنية مع تنظيمي القاعدة وداعش، غير أن هذا التحالف جعل الكثير من الأطراف الغربية والإقليمية تراجع مواقفها الداعمة لحكومته، على الرغم من الدعم القوي له في حربه ضد الحوثيين الموالين لإيران.
وجد الحوثيون ضالتهم، خلال عامين، في تراجع المواقف الغربية في دعم حكومة هادي، ليقدموا أنفسهم على أنهم مناهضون للتنظيمات الإرهابية، غير أن هجمات دامية ضربت عدن عقب التحرير، أشارت أصابع الاتهام إلى الحوثيين، وتنظيم الإخوان حلفاء الشرعية.
هجمات عدن
لعل أبرز تلك الهجمات هو الهجوم الذي وقع في الـ6 من أكتوبر (تشرين الأول) 2015، أي بعد أقل من ثلاثة أشهر من تحرير عدن، واستهدفت فندق القصر، مقر حكومة خالد بحاح، بالإضافة إلى هجمات أخرى استهدفت مقرات التحالف العربي، عقب ذلك نشطت التنظيمات الإرهابية في عدن، على نحو متزايد، حيث تعرضت مراكز تجنيد المقاومة لعمليات انتحارية، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عنها، ما أدى إلى مقتل المئات أغلبهم مجندون شباب.
وعلى وقع هذه الهجمات، وجد تحالف دعم الشرعية في اليمن بقيادة المملكة العربية السعودية، نفسه أمام خطر أشد من الخطر الحوثي، لتأخذ القوات المسلحة الإماراتية على عاتقها معركة تطهير أحياء في عدن كانت معقلا للتنظيمات الإرهابية، من بينها المنصورة وكريتر.
اعتمدت الإمارات على قوات عسكرية حديثة "أطلق عليها قوات الدعم والإسناد"، وأطلقت أبوظبي عملية عسكرية سميت بـ"الحزام الأمني" لتأمين عدن.
إنجازات الإمارات
كان مارس (اذار) هو موعد انطلاق العمليات العسكرية ضد القاعدة، فنجحت الإمارات في تأمين مدن عدن، ولحج، وأبين، وشبوة، وساحل حضرموت، الذي كان إمارة إسلامية استمرت لأكثر من عام.
وعلى وقع هذه النجاحات الأمنية، تدخلت الولايات المتحدة بعمليات عسكرية نوعية وإنزال جوي في شبوة وأبين والبيضاء، وهي العمليات التي تقول واشنطن إنها حققت نجاحات كبيرة، ضمن جهود الحرب على الإرهاب.
لعبت الإمارات وهي الشريك الفاعل في التحالف العربي، دوراً رئيسياً ومحورياً في القضاء على التنظيمات الإرهابية، غير أن ذلك لم يرق لبعض الأطراف التي تتهمها تقارير غربية بالوقوف وراء نشاط الجماعات الإرهابية، وهو ما يتضح جلياً في وادي حضرموت، الذي يعد المعقل الأخير لتنظيم القاعدة، بالإضافة إلى أجزاء من محافظة البيضاء.
التدخلات الإقليمية حالت دون استكمال الحرب على الإرهاب وتأمين حضرموت، والذي تزايدت فيه مؤخراً العمليات الإرهابية.
جهود ضائعة
لكن ما يبدو مثيراً للقلق هو تلك التطورات العسكرية التي وقعت في شبوة وأبين، عقب تعرض المحافظتين لغزو عسكري من قبل قوات تتبع تنظيم الاخوان، هذا الاجتياح يتضح أنه أعاد جهود مكافحة الإرهاب إلى نقطة الصفر، خاصة في محافظة شبوة وأجزاء من أبين، باستثناء لودر التي تشهد مناورة على حدودها بغية السيطرة عليها من قبل قوات تتبع وزير الداخلية اليمني أحمد الميسري، الأمر الذي قد يؤسس لصراع قبلي مستقبلاً، فيما إذا عزم الميسري على دخول لودر، في ظل حديث تقارير على أن القيادي في تنظيم القاعدة الخضر جديب أصبح يقود قوة عسكرية تتبع الميسري، بعد أن قاد في عام 2012، ميليشيا مسلحة من تنظيم القاعدة، وهو ما قد يفتح الباب على مصراعيه لصراع قبلي.
وعلى ضوء التحركات الأخيرة في تخوم أبين، تحدثت تقارير إخبارية عن إعادة انتشار قامت بها القوات المسلحة الإماراتية في عدن، الأمر الذي فتح باب التساؤلات حول "مستقبل الحرب على الإرهاب، فيما إذا كان انسحاب القوات المسلحة الإماراتية صحيحاً".
استمرار العمليات الإماراتية
وعلى الرغم من نفي تلك المزاعم، إلا أن جهود الإمارات في محاربة الإرهاب تشدد عليه مراكز أبحاث غربية، من بينها معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والذي أكد ضرورة تشجيع الإمارات في الاستمرار بجهود محاربة الإرهاب، رداً على حملات إعلامية ممنهجة تشرف عليها التنظيمات المتطرفة بينها تنظيم الإخوان.
وحذر المعهد من مغبة السماح لقوات مأرب التمدد صوب ساحل حضرموت، معتبراً أن ذلك قد يشجع تنظيم القاعدة أكثر، لكن في كل الأحوال جهود الإمارات يجب أن تحظى بدعم شعبي وسياسي خاصة في الجنوب المحرر المهدد بالسقوط مجدداً في قبضة التنظيمات الإرهابية، فالخيار البديل هو العودة إلى نقطة الصفر.
مخاوف أمريكية
ويؤكد المعهد الأمريكي على أن مأرب أصبحت معقلاً رئيسيا لتنظيم القاعدة، الأشد تطرفاً في الجزيرة العربية. وأثارت صور لوجود عناصر القاعدة تقاتل في صفوف القوات الموالية لهادي، خلال توغلها صوب الجنوب، مخاوف أمريكية من أن كل الجهود التي قدمت في سبيل القضاء على تنظيم القاعدة في الجنوب أصبحت على كف عفريت، في ظل تداخل أطراف إقليمية وراء دعم التطرف لإدخال الجزء المحرر من اليمن في أتون الفوضى.
الحوثيون، من جانبهم، أبرموا صفقات تبادل مع تنظيم القاعدة، مقابل الإفراج عن قيادات حوثية بارزة، حيث أفرج الحوثيون عن قيادات بارزة في تنظيم القاعدة كانت معتقلة لدى جهاز المخابرات اليمني في صنعاء، وهذه الصفقة، كشفت أن الكثير ممن تم الإفراج عنهم متورطون في هجمات إرهابية ضد مصالح غربية، ظهر البعض منهم في شبوة خلال أغسطس (آب) الماضي، الأمر الذي اعتبر نسفاً لكل تلك الجهود التي بذلت في الحرب على الإرهاب.
غضب الإخوان
دور الإمارات في مكافحة الإرهاب أثار غضب تنظيم الإخوان، وهو ما انعكس على التناول الإعلامي للتنظيم عقب السيطرة على شبوة، لكن ذلك عزز من ضرورة وجود أبوظبي كحليف استراتيجي للعالم في محاربة الإرهاب.
وكثف الإخوان من مطالبهم بإخراج الإمارات من التحالف الذي تقوده الرياض، إلا أن الرياض أكدت على أهمية وجود أبوظبي كحليف استراتيجي في محاربة التمدد الإيراني والتنظيمات الإرهابية.
لا يتوقع أن تطرأ أي متغيرات على جهود الحرب على الإرهاب في جنوب اليمن، والترتيبات العسكرية والأمنية التي يجري الحديث عنها، قد تعزز ذلك، وقد تمنح أبوظبي خيارات أقوى وأكبر في المضي بالمشروع، خاصة في ظل وجود عامل رئيس في مكافحة الإرهاب، والمتمثل في القوات الجنوبية التي نجحت في تحقيق انتصارات كبيرة ضد الإرهاب، بعد أن اعتمدت أبوظبي على قادة عسكريين جنوبيين لهم باع طويل في الحرب على التنظيمات المتطرفة.
بقاء الإمارات في جنوب اليمن المحرر من الحوثيين، ودعم توجهاتها في القضاء على الإرهاب مسألة استراتيجية، في ظل تزايد التجاذبات الإقليمية والدولية للسيطرة على الجنوب بموقعه الاستراتيجي الهام.
-24