ظروف قاسية..

من أجل مستقبل أفضل..أطفال اليمن بلا مدارس يتشبثون بالتعليم

الشتاء درس قاس لتلاميذ الابتدائي

صنعاء

طلب العلم في الصين أهون من طلب العلم في العراء في فصل الشتاء في اليمن حيث يحضر الأطفال دروسهم تحت البرد والأمطار، الأمر الذي يدفع بعضهم إلى ترك الدراسة بسبب الفقر والظروف الصعبة بعد أن يصبح الشتاء درسا قاسيا عليهم.

الشتاء في اليمن ليس درسا يتلقونه تلامذة الابتدائي في اليمن، بل هو فصل قاس من الصقيع يعيشه هؤلاء الأطفال وهم يتلقون دروسهم في العراء أو تحت الأشجار في الأكواخ والخيم البلاستيكية وخرابات المدارس.

ففي فناء مدرسة مدمرة في منطقة الرحبة في الضاحية الشمالية للعاصمة صنعاء، يفترش حوالي 400 تلميذ وتلميذة في المرحلة الابتدائية الأرضية الباردة لتلقي دروسهم دون ملابس متينة أو غذاء ساخن يحميهم من البرد، سلاحهم الذي يدفعهم إلى العودة كل يوم هو تشبثهم بتلقي دروسهم.

يقول معين عبدالرب، وهو تلميذ في “مدرسة يحيى مذكور” لوكالة أنباء “شينخوا”، “ليست لدينا ملابس تقينا من البرد، لكننا سنواصل تعليمنا على الرغم من العقبات”.

2 مليون طفل ممن هم في سن الدراسة خارج المدرسة ويتعرض تعليم 3.7 مليون طفل آخر للخطر لأسباب عديدة

ويقطع معين عبدالرب، مثل كثير من التلاميذ، مسافة طويلة سيرا على الأقدام كل صباح لحضور الصف، ويحضر الكثير من هؤلاء الأطفال إلى المدرسة حفاة، لا يملكون أحذية ولا معاطف بسبب الفقر المدقع.

الرحلة إلى المدارس ليست سهلة، إذ يواجه الأطفال مخاطر القتل على الطريق، وخوفا على سلامة أبنائهم، يختار الكثيرون من الآباء إبقاء التلاميذ في المنازل.

ويتلقى الطلاب دروسهم في العراء في فناء المدرسة منذ اندلاع الحرب الأهلية في أواخر عام 2014 التي تسببت في خراب الكثير من المدارس، وأصبحت اليوم خارج الخدمة، وما ظل منها في حالة جيدة سكنه النازحون أو تحول إلى ما يشبه الثكنات العسكرية. وأصبح الآلاف من الطلاب من الذين يصرّون على التعلم يتلقون الدروس

بالقرب من الجدران المتهالكة لتلك المدارس المدمرة، حيث تزداد مخاوف الطاقم التربوي من أن تجبر الظروف القاسية الأطفال على ترك المدرسة والتحوّل إلى الشارع.

 
وشهدت الفترة الماضية تسرب الكثير من الأطفال من الفصول الدراسية وانخراطهم في سوق العمل، جرّاء استمرار النزاع وارتفاع معدلات الفقر لما يزيد على 300 في المئة مقارنة بسنوات ما قبل الحرب.

تقول الحكومة اليمنية، إن 4.5 مليون طفل حرموا من التعليم منذ أواخر 2014، ما يعني أنّ جيلا كاملا من الأطفال يواجهون مستقبلا مظلما بسبب الحرمان من الدراسة.

وقالت ممثلة يونيسف في اليمن سارا بيسلو نيانتي “بعد مرور ثلاثين عاما من المصادقة على اتفاقية حقوق الطفل، من غير المقبول أن يكون

التعليم وغيره من حقوق الطفل الأساسية بعيدة المنال عن الأطفال في اليمن وكل ذلك بسبب عوامل من صنع الإنسان”.

ويشتكي الطالب حسن مهدي، من ظروف المدرسة المدمرة والبرد القارس أثناء الدراسة في الهواء الطلق، قائلا “نعاني كثيرا من البرد وليست لدينا ملابس تدفئنا”، كما لم تكن هناك طاولات أو كراس للمعلمين الذين يجلسون على الأرض الباردة أيضا لتعليم الأطفال.

المدرسون يعانون أيضا من هذه الظروف القاسية وعدم انتظام الرواتب، لكنّ قلوبهم على الأطفال الصغار الذين يرتعشون من البرد وسوء التغذية، حيث يصعب استيعاب الدروس، وإذا كانت الفصول الدافئة أهون، فإن الشتاء أكثر قسوة على الأطفال، يقول المعلم طه حسين، “يعاني التلاميذ والمعلمون من الدروس في الهواء الطلق خلال فصل الشتاء… إنها أوقات عصيبة للغاية”.وقالت يانتي “مع استمرار عدم دفع رواتب المعلمين لأكثر من عامين، فإن جودة التعليم أصبحت أيضا على المحك”. ويعيش حوالي 1.2 مليون طفل في اليمن في 31 منطقة مشتعلة بالنزاع، بما في ذلك الحُديدة وتعز وحجّة وصعدة، في أماكن تشهد عنفا شديدا بسبب الحرب.

وفي منطقة الكشار التابعة لمحافظة تعز يتلقّى التلاميذ دروسهم في العراء وتحت الأشجار مستخدمين ركبهم بدلاً من الطاولات لوضع دفاترهم وكتبهم لعدم توفّر كراسي للجلوس عليها، ما يساهم في زيادة نسبة التسرّب المدرسي.

يقول التلميذ وضّاح الذي يشكو من الفقر وقلة الإمكانيات، “من حقي أن أجلس على كرسي يقيني آلام الظهر وحتى البرد، وطاولة تساعدني على الكتابة ومتابعة الدروس”.

ويصرّ المعلمون على عقد الدروس للطلاب بالوسائل المتاحة، فيستعملون اللافتات البيضاء بدل اللوح، يقول المعلم عبدالسلام المحمودي، إن “عدم توفر كراس للتلاميذ ينعكس سلباً على قدرة التلميذ على فهم الدروس”. ويضيف، أن هذه الظروف ساهمت في “توقّف عدد من التلاميذ عن الحضور، بسبب غياب الأثاث بشكل رئيسي”، لافتا إلى أن هذه المشكلة “تزداد عاماً بعد عام”.

الوضع ليس أفضل حالا تحت الخيام البلاستيكية التي تزداد بردا في الشتاء وحرارة في الصيف، والأطفال هناك بالكاد يحاولون فهم ما يقدّمه لهم المعلمون، وهم يرتعشون من
البرد لكن الابتسامة كانت تعلو وجوههم، ويزدادون نشاطا إذا كان اليوم مشمسا ودافئا.


وفي شهر فبراير نشرت اللجنة الدولية التابعة للأمم المتحدة تقريرا مصورا تعرض فيه الواقع المؤلم الذي يعيشه أطفال اليمن جرّاء النزاع الذي دمر البنية التعليمية، ووضع مستقبل هؤلاء الأطفال على المحكّ. ويشكّل البرد تهديدا حقيقيا

للأطفال الذين يدرسون في العراء ليصبحوا فريسة سهلة لموجات الصقيع، وأمراض الشتاء لاسيما مع توقف بعض المنظمات الدولية عن تقديم الدعم للعيادات الحكومية.

وبحسب إحصائيات منظمة اليونيسف، فإن حوالي 2 مليون طفل ممن هم في سن الدراسة أصبحوا خارج المدرسة، في حين يتعرّض تعليم 3.7 مليون طفل آخر للخطر بسبب عدم

دفع رواتب المعلمين ولم يعد من الممكن استخدام مدرسة واحدة من بين خمس مدارس في اليمن كنتيجة مباشرة للصراع. وأشارت اليونيسف في تقرير نشرته في سبتمبر الماضي إلى أن “الأطفال يواجهون خارج المدرسة مخاطر متزايدة من جميع أشكال الاستغلال بما في ذلك إجبارهم على الانضمام إلى القتال وعمالة الأطفال والزواج المبكر”.

وتقول صحيفة إندبندنت البريطانية نقلا عن تقرير “لجنة الإنقاذ الدولية”، إنه حتى لو كانت الحرب التي دامت خمس سنوات باليمن قد انتهت اليوم، فإن الأمر سيستغرق عقدين من الزمن كي يصل أطفال ذلك البلد الفقير إلى مستوى أقل من سوء التغذية الذي عانوه قبل النزاع.

يقول مدير لجنة الإنقاذ الدولية في اليمن فرانك مكمانوس، “سوء التغذية ليس شيئا يمكنك الشفاء منه.. فهو يقصر الطول ويحدّ من الفرص ويؤثر في كيفية النمو”.