ابتزاز واستغلال ملايين الدولارات من وكالات الإغاثة..

تقرير دولي: الاقتصاد اليمني بين عجز الحكومة وطغيان المتمردين

حوثيون

اليمن

منذ أكثر من خمس سنوات، يكافح اليمنيون وشركاؤهم الخارجيون من أجل التغلُّب على المتمردين الحوثيين الذين يسيطرون فعليًّا على شمال اليمن الأكثر اقتضاضًا بالسكان. وعلى الرغم من كل الجهود؛ فإن المتمردين الحوثيين لا يزالون يتمددون أكثر في الشمال، ويزداد الغضب الشعبي ضد الحكومة الشرعية في الجنوب؛ وهو ما يتناقض مع الهدف المنشود في أية عملية مكافحة تمرُّد في العالم، ويجعل السؤال عن أفضل الممارسات لدحر التمرد أو تحجيمه أكثر إلحاحًا.

إن النقطة الأساسية في حملة مكافحات التمرُّد ليست مجرد قتل المتمردين والقبض عليهم؛ ولكن أيضًا تحسين الظروف المعيشية، ودعم الحكومة في تقديم الخدمات للناس والقضاء على أي دعم للتمرُّد. وهي أمور لم تتمكن الحكومة الشرعية اليمنية من تحقيقها بعد؛ إذ لا يزال الصراع العنيف في البلاد يعطِّل النشاط الاقتصادي والصادرات -على محدوديتها- بشدة، إلى جانب الأضرار الكبيرة التي لحقت بالبنية التحتية وتعليق واسع للخدمات العامة الأساسية.

وعلى الرغم من إمكانية نمو الاقتصاد اليمني بنسبة تتراوح بين 2 و2.5٪ سنويًّا على مدى عامَي 2020 و2021، حسب توقعات البنك الدولي؛ فإن ذلك النمو سيكون أقل بكثير من المعدلات اللازمة لإعادة الإعمار أو لمواجهة تحديات التنمية البشرية، الأمر الذي يُنذر بإطالة أمد الصراع وتمدُّد المتمردين الحوثيين؛ بل وحتى تعزيز المجموعات الإرهابية من خلال استغلال المظالم الاجتماعية والاقتصادية للترويج لقضاياهم، وكذلك اجتذاب المجندين الذين يتوقون للحصول على مصدر دخل.

تتطلب تدابير مكافحة التمرد الفعالة مجموعة من الأدوات؛ من أهمها تقليل الدعم الملموس للمتمردين، والالتزام والدافع من جانب الحكومة الشرعية، ووجود قوة لمكافحة التمرُّد، ووجود جهات خارجية فاعلة تدعم جهود مكافحة التمرُّد؛ وذلك حسب دراسة متعمقة لمنظمة “راند” المبنية على دراسات حالة لواحد وأربعين تمرُّدًا في العالم منذ الحرب العالمية الثانية.

ولكن، بالنظر إلى سياسة الحكومة اليمنية في مكافحة التمرُّد نرى أنها لم تحقق كثيرًا من ذلك؛ فالمتمردون الحوثيون لا يزالون يُحكِمون سيطرتهم على العاصمة صنعاء، حيث توجد المقرات الرئيسية للشركات الكبرى؛ مثل شركة “بترومسيلة” النفطية، وكذلك المؤسسات الإيرادية الضخمة؛ مثل شركة الاتصالات اليمنية، ناهيك بسُبل الدعم المالي الإيراني المقدم بطرق مختلفة؛ منها الوقود.

ابتزاز واستغلال ملايين الدولارات من وكالات الإغاثة هما أحد الأساليب التي يعزز بها الحوثيون نفوذهم أيضًا؛ حيث وجد تحقيق لوكالة “أسوشييتد برس”، في فبراير الماضي، أن نحو 133 مليون دولار من إجمالي 370 مليون دولار لم تتم مراجعتها في التحويلات النقدية المباشرة التي قدمتها الأمم المتحدة إلى المؤسسات الحكومية، والتي يسيطر عليها الحوثيون في الغالب. كما أن الحوثيين كانوا قد طالبوا في وقت سابق بضريبة بنسبة 2٪ على جميع المساعدات التي تُقدم إلى اليمن، وهو ما يتناقض مباشرةً مع المبادئ الإنسانية الدولية.

لا يؤدي الفشل في تقليل الدعم الملموس إلى المتمردين الحوثيين إلى تعزيز نفوذ التمرُّد وتقويض الحكومة الشرعية أكثر فأكثر فحسب، بل يهدد ملايين اليمنيين الذين يتضورون جوعًا من الحصول على المساعدات المهمة من وكالات الإغاثة؛ حيث قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأمريكية، مؤخرًا، إن المانحين وجماعات الإغاثة يخططون لتعليق المساعدات الإنسانية إلى المناطق اليمنية التي يسيطر عليها الحوثيون في الأشهر المقبلة إذا لم تتوقف المجموعة عن إعاقة تقديم المساعدات.

إن الوظيفة الاقتصادية والإنمائية في مكافحة أي تمرُّد تشمل الإغاثة الإنسانية الفورية وتوفير الخدمات الأساسية؛ مثل المياه المأمونة والصرف الصحي والرعاية الصحية الأساسية وتدعيم سُبل العيش والتعليم الابتدائي، بالإضافة إلى برامج طويلة الأجل لتطوير البنية التحتية لدعم الزراعة والأنشطة الصناعية والتعليمية والطبية والتجارية. وتشمل أيضًا الجهود المبذولة لبناء القدرة الاستيعابية للاقتصادات المحلية وتوليد إيرادات حكومية ومجتمعية من النشاط الاقتصادي.

وعلى الرغم من أن اتفاق الرياض، في نوفمبر من العام الماضي، قد نصّ في بعض بنوده على التوجه نحو تنفيذ الوظيفة الاقتصادية والإنمائية تلك؛ فإن أيًّا منها لم يُنفَّذ، ولا يزال السكان المحليون في شمال اليمن وجنوبه يفتقدون الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء وتعليم وخدمات صحية واتصالات، ولا تزال السلطات المحلية في حالة تخبُّط، كما لا تزال جهود شركاء اليمن الخارجيين تتعرَّض إلى العرقلة والتفتيت؛ وهو ما يؤكد من جديد كما في عشرات التمرُّدات حول العالم أن الحكومة هي الفاعل الأكثر أهمية في مكافحة التمرُّد، ولا يمكن للشركاء الخارجيين أن يعوِّضوا أبدًا النقص في الإرادة أو العجز أو السلوك المضاد من جانب الحكومة المدعومة.

qposts