تحليلات

أكثر من ورقة مناورة

تقرير: الإرهاب ميراث جيني وتراث سياسي في الدوحة

الشيخ عبد الله بن خالد

رواد سليمان (أبوظبي)
يشكل تورط قطر في دعم الإرهاب منذ سنوات طويلة ركيزة أساسية أو وسيلة من وسائل العمل "الدبلوماسي" بمعناه النابوليوني الصرف، ذلك أن الدوحة لا تزال تعتبر أن الدبلوماسية "حرب ولكن بطرق أخرى"، وهي التي تتصنع اليوم الصدمة بعد اتهامها الصريح بالإرهاب، وترفض "بشدة وحزم الاتهامات الجزافية" كما يحلو القول لوزير خارجيتها، ورثت الإرهاب في جيناتها البيولوجية منذ فترة طويلة، وارتقت به إلى السياسة المتكاملة.

ولكن الإرهاب في قطر، أكثر من ورقة مناورة أو سلاح ضغط على الأجوار أو المنطقة، ذلك أنه يكاد يتطابق مع الحمض النووي لصناعة القرار في الدوحة، والأدلة على ذلك أكثر من أن تنجح قناة مثل الجزيرة، أو وسائل إعلام مثل الصحف والمواقع والمنصات الكثيرة التي تملكها قطر في دحضها أو تفنيدها.

يعرف القطريون طبعاً ويعرف الخليجيون أن اسم الأمير الحالي تميم لم يكن مطروحاً لا من قريب ولا من بعيد لتولي مقاليد الأمور خلفاً لوالده الشيخ حمد بن خليفة، لاعتبارات عديدة وكثيرة، أبرزها ترتيبه داخل العائلة الحاكمة، وتوازن القوى داخلها، ولكن تميم وجد بفضل تضافر مجموعة من العوامل العائلية الصرفة التي يعرفها القاصي والداني في قطر نفسه ولياً لعهد والده، بعد إزاحة كل المرشحين السابقين، خاصة مشعل الابن البكر للشيخ حمد، أو الشيخ فهد، وحتى جاسم شقيق تميم الأكبر في السن، والذي وجد نفسه مجرداً من ولاية العهد فجأة، أو كما تقول الرواية الرسمية "تنازل لشقيقه عن ولاية العهد" في 2003.

ومن الأسماء البارزة التي كانت مرشحة لولاية العهد، حتى قبل انقلاب الشيخ حمد بن خليفة على والده، كان الشيخ فهد بن حمد المرشح الطبيعي لتولي هذه المسؤولية بعد ارتقاء حمد ولي العهد إلى عرش الإمارة وخلافة والده الأمير الأسبق خليفة بن حمد الذي انقلب بدوره على ابن عمه الأمير السابق أحمد بن علي آل ثاني.

وفي الوقت الذي كان الشيخ حمد يسعى إلى إنهاء انتقال السلطة، بانقلاب البلاط أولاً ثم تعيين فهد ولياً لعهده، ولكن الأمير الشاب نسف أحلام والده والتسلسل الهرمي للسلطة، بكشف ميولاته المتطرفة.

ولي العهد في أحضان طالبان

ومثل كل أمراء قطر، كان فهد طالباً غير متفوق أو مجدّ في دراسته في الكيلة العسكرية البريطانية الشهيرة ساندهيرست، ولكنه تسبب في عاصفة مدوية في الدوحة وفي العواصم الكبرى، وعواصم المنطقة بعد اكتشاف ولائه لحركة طالبان الأفغانية، وانتقاله من بريطانيا إلى مدارس طالبان في باكستان لاستكمال "تحصيله" في مدارس الأفغان والباكستانيين.

وإلى جانب ولاية العهد، كلفت المغامرة الأفغانية والباكستانية، الشيخ فهد الخروج من المشهد القطري، بما في ذلك انتماءه الرسمي للأسرة الحاكمة في الدوحة، واختفى اسمه تقريباً من الأدبيات الرسمية المعتمدة من قبل الفرع الحاكم من عائلة آل ثاني حالياً، خاصة أن الشيخ فهد يُذكر كثيراً بمتشدد آخر، كان أكبر وأخطر، ولا يزال خطيراً على قطر وعلى حكومتها، الشيخ غير الشقيق لحمد وعدوه اللدود قبل الانقلاب المفاجئ الشيخ عبد العزيز بن خليفة المتشدد دينياً، والذي رفض في السابق تعيين حمد ولياً للعهد، ما كلفه بعد الانقلاب في 1995، النفي إلى الخارج، رغم شبكة العلاقات الكبرى التي كان يملكها في الدوحة عند إشرافه على وزارة النفط في عهد الأمير المخلوع والده.

"داعية" في أفريقيا

وبعد إقالته من مناصبه ومحو صورته من الإعلام ومن الوثائق الرسمية المصادق عليها من قبل العائلة الحاكمة، أصبح الشيخ فهد حسب بعض المصادر "داعية" في أفريقيا خاصة، و"يحظى بتقدير واهتمام عدد من المسؤولين في الدول الأفريقية الفقيرة"، مثل مالي، والنيجر، وتشاد، وغيرها وهي التي تشهد في الوقت نفسه، ومنذ سنوات أيضاً ارتفاع منسوب التطرف، وتمدد الحركات الإرهابية فيها من مالي إلى نيجيريا.

وفي الدوحة لا يقتصر الأمر على الشيخ فهد، أو الشيخ عبد العزيز، أو بعض الشيوخ الذين تضمنتهم القائمة التي نشرتها السعودية والإمارات، ومصر، والبحرين، ذلك أن شقاً واسعاً من الأسرة الحاكمة كان ولا يزال يعتبر نفسه منتمياً للإسلام المتشدد أو المتطرف، ولا تمثل التطورات الأخيرة وانفجار بالون الإرهاب الذي ظلت تنفخ فيه الدوحة منذ 40 سنة، ثم تحولت إلى حاضنته في ربع القرن الماضي، وحولته إلى سياسة دولة شبه رسمية يكشف تفاصيل حضور الإرهاب في DNA حكام قطر، قبل أن يكون الأمر مناورة سياسية أو محاولة ضغط أو تحقيق مكاسب.

وزير في خدمة الإرهاب

وبالنظر إلى القائمة التي أثارت حفيظة الدوحة، وهزت كل الشبكات الإرهابية والمتواطئة بعنف، وبالتدقيق في الأسماء القطرية خاصة، فإنه لا يُمكن القول إن بعض الأسماء مثل وزير الداخلية السابق عبد الله بن خالد بن حمد آل ثاني، الذي شغل مناصب وزارية كثيرة منذ بداية التسعينيات، وحتى قبل وصول الأمير حمد إلى السلطة بعد انقلابه في 1995، ويعد الشيخ عبد الله بن خالد، وزير الأوقاف السابق، ووزير الدولة للشؤون الداخلية، ووزير الداخلية القطري، أحد أقدم الذين تقلدوا مناصب رسمية في الدوحة، بعد أن ظل وزيراً بلا انقطاع من 1992 إلى 2013، في إنجاز يشترك فيه مع الوزير القطري ورئيس الحكومة السابق الشهير حمد بن جاسم بن خليفة آل ثاني.

ويكفي النظر إلى القائمة التي وضعتها الدول الأربع المتضررة من الإرهاب القطري، لإدراك خطورة الدور الذي لعبه هذا الرجل على امتداد سنوات طويلة، في تمويل، وتدريب، ونسج العلاقات والمسارات المناسبة والداعمة للإرهاب، خاصة في ظل الاتهامات الكثيرة التي طالته أمريكياً وأوروبياً منذ 2003، بدعم الإرهاب وتسهيل عبوره عن طريق الدوحة في اتجاه العراق، وحتى باكستان وأفغانستان، وتامين حركة مسلحين بين قطر ودول أخرى، خاصةً شيخ محمد العقل المدبر لعمليات 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

ولكن الأخطر في هذا الشخص، ليس ميوله الخاصة، أو قناعاته ودعمه الإرهاب والتطرف تمويلاً واحتضاناً في مزرعته الشخصية مثلاً كما قالت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في تقرير صادم نشرته في مارس (آذار) 2003، أنه عضو المجلس الذي شكله الأمير السابق حمد بن خليفة في 1997، بهدف حل مشاكل الحكم وخلافات الأجنحة، وضمان حقوق وامتيازات الأمراء والشيوخ، ويعد الشيخ عبد الله من المحسوبين على الجناح الموالي لأميرقطر السابق الشيخ حمد بن خليفة، ما يكشف العلاقات الغامضة والمتشعبة التي نسجتها قطر على امتداد السنوات وليس اليوم أو أمس مع العالم الخلفي المظلم للقرار السياسي، عبر الشبكات الإرهابية، والمنظمات المتطرفة التي وجدت في الدوحة منذ أواخر 2010، الحاضنة الأولى والممول السخي، بما ينفي أي تنكر وتنصل اليوم من الصلات والعلاقات والمصالح الكثيرة والخطيرة التي جمعت الدوحة بالإرهاب، والذي جاءت القائمة الأخيرة لتسلط الضوء عليه بما يسقط ورقة التوت التي كانت تحتمي بها الدوحة على امتداد السنوات الماضية.
123

التعليقات

شروط التعليقات
- جميع التعليقات تخضع للتدقيق.
- الرجاء عدم إرسال التعليق أكثر من مرة كي لا يعتبر سبام
- الرجاء معاملة الآخرين باحترام.
- التعليقات التي تحوي تحريضاً على الطوائف ، الاديان أو هجوم شخصي لن يتم نشرها

المزيد من الأخبار