خلاصة بحث..

رسائل إعلام حماس وإيران.. مستقبل العلاقة

حماس أمام خيار صعب بين إيران ومصر ملخصه الصراع بين الغذاء والسلاح

ميدل ايست أونلاين (لندن)

على الرغم من أن التصريحات السياسية لقيادات حماس، تشي بنوع من التوجهات المحتملة لها في العلاقة مع إيران، بعيد انتخاب قيادة جديدة للحركة، فإن المنصات الإعلامية لحماس أو المنصات الإيرانية والمقربة منها، ربما تكشف بعضا من طبيعة العلاقة المستقبلية بين الطرفين.

لم تُخفِ قناة العالم الإيرانية احتفاءها بانتخاب السنوار قائدا لحماس في قطاع غزة، وقد أبرزته في عدة تقارير صحفية منشورة على موقعها الإلكتروني، ومنها: "السنوار رجل الخلطات العسكرية والأمنية"، "من هو القائد العام لحركة حماس في غزة يحيى السنوار؟"، و"السنوار قائدا عسكريا للقسام: تفعيل المقاومة المسلحة وأسر جنود الاحتلال"... إلخ. لكن الغريب أن قناة العالم لم تأتِ على ذكر إيران في أي من تقاريرها عن انتخابات حماس وما تبعها، ولم يرد حتى ذكر لمباركة إيران لانتخاب قيادة جديدة لحماس.

لم تكترث قناة "المنار" التابعة لحزب الله -من جانبها- كثيرا بانتخابات حماس الداخلية، واكتفت بنشر خبر بسيط على موقعها الإلكتروني، مفاده أن حركة حماس تنتخب يحيى السنوار رئيساً لمكتبها السياسي في قطاع غزة خلفاً لإسماعيل هنية.

خلاصة بحث (إيران وحماس.. ما بعد انتخابات المكتب السياسي)، ضمن الكتاب 124 (مايو/أيار2017) (إيران والإخوان الشيعة القطبيون) الصادر عن مركز المسبار للدراسات والبحوث- دبي.

أما الإعلام السوري، وتحديدا الإلكتروني منه، فهو الآخر لم يكترث بانتخابات حماس، مجرد أخبار تتحدث عن انتخاب قيادة جديدة والتقديرات الإسرائيلية للوضع في غزة بعد انتخاب السنوار، لكن لا ذكر للموقف السوري في مسألة الانتخابات، أو أي علاقة بين النظام السوري وحركة حماس.

بناء عليه، يمكن القول: إن تجاهل الإعلام المقرب من المحور الإيراني لانتخابات حماس، وغياب أية تصريحات ترحيبية بالقيادة الجديدة، وتحديدا على المنصات الإلكترونية، ربما هو انعكاس لطبيعة العلاقة بين الطرفين، والقائمة حاليا على الترقب والمراجعة وإعادة ترتيب الأولويات.

لكن، ماذا عن إعلام حماس؟ وكيف يقدم إيران وحلفاءها في المنطقة، خصوصا بعد انتخاب السنوار لقيادة الحركة في غزة؟

ما زالت وسائل إعلام حماس وإيران وحلفائها في المنطقة، لا تعطي إشارات محددة حول طبيعة العلاقة المستقبلية بين هذه الأطراف، فمجمل منشوراتها إخبارية دون أية أبعاد تحليلية، كان من الممكن أن تعكس توجهات أي من الأطراف في المرحلة المقبلة، خصوصا بعد انتخاب قيادة جديدة لحركة حماس، دون أن يصدر عن القيادة الإيرانية أي تعليق أو ترحيب أو موقف حيالها.


السيناريوهات المحتملة

يضع الباحث والأكاديمي الإيراني المختص بالشؤون الاستراتيجية حسن احميدان في مقالة له بعنوان: "خيارات حماس في العلاقة مع ايران" ما يمكن وصفه بأنه تقييم لتجربة حماس القائمة على المصلحية، ومن بين هذه السيناريوهات عودة حماس لما يسميه "حاضنة المقاومة الإقليمية"، ويستند في ذلك لتصريحات قيادات في حماس تظهر تراجع خطاب الحركة المعادي للنظام السوري والمناصر لمعارضته، كما رفضت حماس التدخل العسكري للولايات المتحدة ضد النظام السوري. زد على ذلك، أن وفدا من حماس بقيادة محمد نصر قد زار طهران، وكان الهدف الواضح يتمثل بتجسير الهوة بين الجانبين.

ويتوقع احميدان "أن تحصل انقسامات عمودية في حماس بين جناحيها العسكري والسياسي. في هذه الحالة ستزداد الهوة بين إيران وحلفائها من جهة، وحماس من جهة أخرى، وسوف تخسر حماس الدعم الإيراني -غير المشروط، حسب محمود الزهار- لتتلقى دعما مشروطا يفقدها استقلالها ويجرها لتسير على خطى فتح".

سيناريو آخر يرى أن القائد الجديد لحماس يحيى السنوار يواجه خيارا صعبا، وعليه أن يختار بين إيران ومصر، ملخصه الصراع بين الغذاء والسلاح، فإلى أي حد سيستطيع السنوار أن يوفق بين معادلة مصر وإيران؟ معادلة الحفاظ على علاقات جيدة مع مصر لضمان تلبية احتياجات قطاع غزة من أبسط ضروريات الحياة، وبين الخضوع للضغط الواضح من جانب الجناح العسكري للتسلح من إيران، وهو المقرب أساسا من الجناح العسكري لحماس.

يصعب توقع خطوات حماس القادمة، سواء باتجاه إيران أو حتى باتجاه الداخل الفلسطيني، ومن ذلك مثلا، مشروع وثيقة حماس التي تسربت للصحافة والإعلام قبيل انتخابات القيادة الجديدة لحماس، والتي تضم -بحسب صحيفة "الشرق الأوسط"- اعتراف حماس بحدود عام 1967، لكن دون الاعتراف بإسرائيل، وستكون الوثيقة دستور حماس القادم بعد أن صيغت من قبل كل دوائر حماس السياسية والدعوية والعسكرية، وأجريت عليها تعديلات في اجتماعات عقدت في الدوحة بمشاركة مشعل وهنية وموسى أبو مرزوق، وتنتظر مصادقة المكتب السياسي الجديد لحماس بعد انتخابه. هذه الوثيقة تعني -مما تعنيه- تقاربا في المشروع السياسي لحماس مع مشروع منظمة التحرير، وكأنها تشي بتقارب الحركة مع الخط السياسي العام لمجموع الدول العربية، لكن التقديرات بفشل حماس من التقارب مع دول الخليج، كما سبق الإشارة لذلك، ربما تضع أكثر من تساؤل على مستقبل هذه الوثيقة.

تتضمن وثيقة حماس الجديدة إشارات واضحة على عدم ارتباطها بحركات أخرى، في مؤشر على انفصالها عن حركة الإخوان المسلمين، وهي تحاول أن تتكيف في ذلك مع حالة الانتكاسة التي أصابت الإخوان في مصر ومناطق أخرى، وقد يكون هذا ثمرة توافق حمساوي- مصري جاء بعد لقاءات حركة حماس بمسؤولين مصريين في 23 يناير (كانون الثاني) الماضي، وبناء عليه أعلنت حماس أنها فتحت صفحة جديدة في علاقاتها مع مصر، بحسب ما صرح به القيادي في الحركة إسماعيل هنية، وقد تُرجِم ذلك فعليا بفتح معبر رفح لعدة أيام، بالإضافة إلى سماح المصريين بإدخال سلع غذائية وسيارات ومواد بناء تدخل القطاع لأول مرة.

الانفصال عن حكومة الوحدة

الواضح، بعد أقل من شهر على انتخاب هيئة قيادة جديدة لحماس تخبط هذه القيادة في قراراتها، فقد سبق أن أعلنت الحركة عن نيتها تشكيل حكومة فلسطينية جديدة لها في قطاع غزة، والانفصال عن الحكومة الوطنية المشكلة بالتوافق مع فصائل منظمة التحرير، لكن الحركة نفت على لسان عضو المكتب السياسي خليل الحية نيتها الانفصال عن حكومة الوحدة الوطنية الحالية برئاسة رامي الحمد الله، هذه التصريحات تتعارض مع ما سبق وصرح به عضو المكتب السياسي للحركة صلاح البردويل من أن كتلة حماس البرلمانية تبحث عن صيغة جديدة لإدارات الوزارة في قطاع غزة.

ما من شك بأن الجناح العسكري لحماس معني بعلاقات متينة مع إيران، لضمان تدفق السلاح والتدريب ومجمل التعاون العسكري، في مقابل ذلك، فإن قيادة حماس السياسية معنية أيضا بتحسين علاقتها بالنظام المصري ومجمل دول الخليج، خصوصا بعد أزمة الإخوان في مصر؛ لضمان دخول احتياجات القطاع من البوابة المصرية، إضافة إلى محاولة الحصول على دعم سياسي وربما مالي -إن أمكنها ذلك- من دول الخليج، وتخفيف حالة الاصطفاف الطائفي التي فرضتها طبيعة علاقة حماس بقطر وتركيا، والتي لا تختلف كثيرا عن رؤية المملكة العربية السعودية ودول خليجية أخرى، في التعاطي مع المسألة الإيرانية وتدخلاتها في المنطقة العربية. وربما يوحي هذا كله، بأن قيادة حماس الجديدة ستحاول الحفاظ على توازن المصالح والعلاقات مع كل الأطراف: "مصر وإيران ودول الخليج"، وعلى الرغم من كل التحليلات السياسية التي تتوقع تقارباً حمساوياً- إيرانياً، خلال الفترة القادمة بقيادة يحيى السنوار، باعتباره الأقرب لخط العسكر في حماس، فإن أي محاولة للإخلال بتوازن المصالح، ربما ستكلف حماس الكثير على صعيد علاقتها بمصر ودول الخليج.

محاولة كسر العزلة
من جانب آخر، حماس ليست معنية بالتصعيد مع إسرائيل، خصوصا في ظل انشغال المحيط العربي بأزمات سوريا والعراق وليبيا، وقد يكون الحديث عن ميثاق جديد لحماس أكثر تصالحا مع الجوار والداخل الفلسطيني وإسرائيل، بمثابة كسر لعزلة حكمها في قطاع غزة، خصوصا بعد تصاعد أزمات القطاع كالكهرباء وغلاء المعيشة، في مقابل تراجع الدعم الخارجي لحماس وسعيها لتعويضه من خلال فرض ضرائب على سكان القطاع المحاصرين، في ظل بطالة مرتفعة وصلت إلى حد (55%). فهل ستستطيع قيادة حماس الجديدة أن تدير شبكة علاقاتها المعقدة مع محيطها والداخل الفلسطيني، وتحافظ على التوازن الذي يحمي مصالحها؟