ماكينة إعلامية لصنع الأخبار والشائعات..

تقرير: "السلوك المهني".. كيف تحوّلت ميثاق يكرس الترهيب باليمن؟

ميثاق شرف إعلامي حوثي بمهمة عسكرية

صنعاء

احتفت وسائل الإعلام التابعة للحوثيين بإصدار “ميثاق شرف إعلامي” في صنعاء يختلف عن مدونات السلوك المتعارف عليها في باقي دول العالم، إذ حدد الحوثيون مهمة هذا الميثاق بأدبيات خاصة تخفي تحت شعارات القضايا الوطنية المشروع الخاص بإحكام قبضتهم على اليمن. 

أطلقت وزارة الإعلام الحوثية في صنعاء “ميثاق الشرف الإعلامي” بصياغة أشبه ببيان عسكري حيث حددت مهمته بـ”تركيز النشاط الإعلامي على أولوية التصدي للعدوان من خلال إبراز مظلومية الشعب اليمني وإبراز الصمود الشعبي وانتصارات الجيش واللجان الشعبية والنجاحات في مختلف المجالات والتصدي للحملات الإعلامية للعدو وكشف انتهاكات وجرائم الغزاة والخونة في المناطق المحتلة”.

وميثاق الشرف الإعلامي مدونة سلوك متعارف عليها في الكثير من دول العالم، عادة ما تكون مهمتها إرساء القواعد المهنية للصحافيين ووسائل الإعلام والتركيز على المحتوى الإعلامي بعيدا عن المس بالخصوصيات والتشهير والقذف والإساءة للأفراد والشخصيات الاعتبارية، والحرص على الدقة والموثوقية والحيادية في التعامل مع الأخبار ضمن مساحة واسعة من الحريات.

في حين أن الميثاق الإعلامي الحوثي جاء بأدبيات خاصة أقرب للمهمة العسكرية منها إلى مدونة السلوك الإعلامي، إذ يبدو أن جميع بنوده تدور في فلك الحشد ضد التحالف العربي ووسائل الإعلام العربية التي تغطي الأحداث في اليمن دون تأييد الحوثيين، حتى لو كانت تنتقد الشرعية ومختلف أطراف الصراع.

أنشا الحوثيون ماكينة إعلامية كبيرة تعمل على بث الأخبار والشائعات بعد أن أغلقت ونهبت وسلبت كل وسائل الإعلام المستقلة

وقال وزير الإعلام الحوثي ضيف الله الشامي إن “أهمية ميثاق الشرف الإعلامي الذي يأتي انطلاقا من الرؤية الوطنية، للعمل وفق رؤية واحدة يتحرك من خلالها الجميع”.

واستبق الوزير الحوثي الانتقادات التي قد تواجه الميثاق ورد عليها قبل صدورها، قائلا “إن ميثاق الشرف ليس تقييدا للحريات كما يصور البعض”، معتبرا أن “منطلقات وأهداف وسائل الإعلام الوطنية تصب في مسار مواجهة العدوان والحفاظ على أمن الوطن واستقلاله وتعزيز الصمود وتلاحم الجبهة الداخلية”.

وتابع خطابه الحماسي في حفل إطلاق الميثاق، مشددا على “أهمية انطلاق الجميع من المضمون الأساسي والقاسم المشترك وهو مواجهة العدوان الذي يستهدف الجميع واستهداف الجبهة الداخلية يكون من خلال وسائل الإعلام”.

وروجت وسائل الإعلام اليمنية التابعة للحوثيين لحفل إشهار “ميثاق الشرف الإعلامي” الخميس، على أنه “تنفيذ للرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة”، في حين أن المستخدمين اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي يشتكون من عدم توفر أبسط الخدمات والمقومات الأساسية وتدهور البنى التحتية، وقال أحدهم: عن أي دولة حديثة يتحدث الحوثيون؟

وقالت وسائل إعلام حوثية إن “الميثاق يهدف إلى تنظيم وتوحيد الخطاب الإعلامي وفق أخلاقيات وقواعد المهنة والثوابت والمسؤوليات الدينية والوطنية الجامعة وتعزيز دور الجبهة الإعلامية على نحو قوي ومؤثر ورفع مستوى الوعي لدى العاملين في المجال الإعلامي وتعريفهم بالالتزامات والمبادئ الأساسية التي يجب التقيد بها وسد الثغرات التي يستفيد منها الأعداء”.

ويقوم الإعلام الحوثي بحشد الرأي العام في داخل المناطق الخاضعة لسيطرته بشكل خاص، واستطاع خلق حالة من الترهيب وتبني قضايا يسميها بالوطنية يدافع عنها ويتخفى تحت شعاراتها لتنفيذ مشروعه الخاص بإحكام قبضته على اليمن بشتى الطرق مسنوداً بمعتقدات دينية تخوّله ولاية البلاد، إضافة إلى التعتيم وإخفاء انتهاكاته بحق الشعب اليمني، وتغيير الواقع من جرائم إلى مظلومية.

وأنشا الحوثيون ماكينة إعلامية كبيرة تعمل على بث الأخبار والشائعات بعد أن أغلقت ونهبت وسلبت كل وسائل الإعلام المستقلة.

بنود الميثاق الإعلامي الحوثي تدور في فلك الحشد ضد التحالف العربي ووسائل الإعلام التي تغطي أحداث اليمن

ومن ضمن هذه الوسائل قنوات “المسيرة” و”المسيرة مباشر”، و”الساحات” و”الهوية”، و”اللحظة”، و”اليمن اليوم” البديلة، والقنوات الرسمية التي استولوا عليها بقوة السلاح وكلها تعمل على خدمة أجندة الحوثيين دون خروج عن الخط المحدد أو توجيه أي نقد لأحد من المسؤولين أو الجهات الرسمية، كما تقتضي مهمتها بمهاجمة جميع وسائل الإعلام المنتقدة للحوثيين محلية أو عربية دون اعتبار لتدمير النسيج الوطني اليمني.

وأقر برلمان الحوثيين في وقت سابق من هذا العام، توصيات للحكومة الموازية تمنحها دور الرقيب والقاضي والجلاد على وسائل الإعلام، تحت مسمى “تشخيص وتقييم النقد المنطقي والموضوعي” لأي سياسات أو إجراءات خاطئة لجميع الوسائل الإعلامية المصرح لها بالعمل ومنع السلبيات والظواهر والحالات التي تمارس خلافاً للقانون والنظام وتوجيه النقد كذلك للسلوكيات والتصرفات الخاطئة لأي وسيلة إعلامية أيا كانت.

وأقر أيضا إيقاف ما اعتبره “ممارسات ومواقف ضيقة وقصيرة النظر لأي وسيلة إعلامية”.

وتتعلق هذه التوصيات بوسائل الإعلام الموالية أصلا للحوثيين والخاضعة لسيطرتهم التامة، والتي باتت الوحيدة المتبقية في صنعاء بعد مداهمة الحوثيين لعشرات المقرات الإعلامية ونهبها وتدمير محتوياتها.

كما يتحكم الحوثيون بخدمة الإنترنت التي تزود بها شركة “يمن نت” ومقرها صنعاء، وتقوم بعملية تقليل للبيانات المرسلة والمستقبلة عبر الشبكة في المدن الخارجة عن سيطرة الحوثي، وهو ما تسبب في تقطع خدمة شبكة الإنترنت.

ويشكو مستخدمو الإنترنت من ضعف كبير بالخدمة التي تعد الأسوأ في العالم من حيث السرعة والجودة المقدمة ونطاق التغطية.

وتقوم الأجهزة الأمنية التابعة للميليشيات الحوثية بالتجسس على الاتصالات ومراقبة الناشطين والسياسيين المناهضين لها، كما أنها تفرض حظراً مستمراً على محتوى الإنترنت في المواقع المحلية والخارجية التي ترى الجماعة أنها تشكل تهديداً لها من خلال ما تبثه عن جرائمها وانتهاكاتها بحق اليمنيين.