خبير استراتيجي سعودي بارز يقدم رؤية تحليلية..
تحليل: "الجنوب واليمن".. لهذا السبب أصبح حل الدولتين أمراً حتمياً
قدم الخبير الاستراتيجي السعودي البارز اللواء طيار ركن متقاعد عبدالله غانم القحطاني رؤية تحليلية واقعية حول أهمية عودة الجمهورية العربية اليمنية، والجنوب كدولتين وفك الارتباط بينهما، على كافة المستويات الداخلية والإقليمية والدولية، مستعرضا جملة من الأسباب التي أكد أنها تؤكد على أن فك الارتباط بات واقعا على الأرض.
صحيفة "اليوم الثامن" تعيد نشر الرؤية التحليلية للواء طيار ركن متقاعد عبدالله القحطاني وهو باحث دراسات أمنية واستراتيجية، نقلا عن موقع "رأي"
> :"مهما تأخر أوتعثر، لا مناص عن حلّ الدولتين وإعلان نهاية جمهورية الراحل علي عبدالله صالح اليمنية، وقيام دولتين مستقلتين متجاورتين بسلام، أحداهما الجمهورية العربية اليمنية كما كانت، وإذا لم يتوفر لقيادتها بصنعاء رئيس وطني قوي مدعوم دولياً فالبديل الجاهز هو حزب الإصلاح التابع لتيار الإخوان الدولي الشّرير، وحزب الحوثي الصفوي التابع لإيران الملالية، وتحتهما بقية المكونات التي أصبحت هامشية، والأخرى هي دولة الجنوب التي ستتخذ لها مسمى وشكل مختلف كما يريد شعبها، وإذا كان لدى رجالها الجنوبيين الحاليين مشروع دولة لبناء وطن تحت راية واحدة فسينجحون، وإذا ما قرروا تسليم قيادتها وإدارتها لأبناءهم جيل الشباب فسيُخلدهم التاريخ، وعليهم تذكر نتائج سياسات الجامحين العنجهيين الفاشلين سابقاً وحالياً في صنعاء ودمشق وبغداد وبيروت وطرابلس الغرب لأخذ العبرة والحذر ..
إن الحديث حول عودة الدولتين باليمن وفك الإرتباط القسري ليس جديداً، اذا ماعلمنا أن إتفاق علي صالح وعلي البيض كان مشروعا فاشلا، فقد ظن الحزب الإشتراكي أنها الفرصة التكتيكية الوحيدة المتاحة للنجاة وبقاء الحزب الإشتراكي ورموزه! بينما الحقيقة أنها خدعة تم بموجبها ضم أرض الجنوب وإنسانها المدني إلى ممتلكات رئيس دولة قبائل الشمال المسلحة، في ظل معطيات فرضتها ظروف وتداعيات إنهيار الإتحاد السوفييتي ومنظومته السياسية وزوال حلف وارسوا، ولم تكن وحدة طبيعية بإرادة شعبية وقومية نابعة من داخل القطرين السابقين، وكل الشواهد والأحداث والحروب الداخلية السابقة والحالية خلال تاريخ ماسمي بالوحدة تؤكد ذلك بوضوح أو تثبت عكسه لمن أرادوا المكابرة ونسف الحقائق.
وكمواطن سعودي لا أمتلك أصلاً قرار الوحدة أو الإنفصال، ولكن من المؤكد أن الحل الأمثل لليمن والجنوب وللمنطقة والعالم هو أن يستقل البلدين عن بعضهما بكرامة لمنع أسباب التوترات والحروب الداخلية والتدخلات الأجنبية والتخلف التنموي. ومرة أخرى هذا ليس توقع أو تحليل يحتمل عدة أوجه، بل هو الحال القادم المؤكد كحقيقة الشمس التي تشرق كل يوم على عدن وصنعاء.
هذا الإنفصال الحتمي القادم يفهمه من يعي المتغيرات وصعوبة العودة لحكم الشمالي القديم المتفرعن للآخر الجنوبي المرتبك سابقاً والذي أصبح حالياً قويا ولديه معطيات مختلفة على الأرض ويمتلك علاقات دولية بشكل ما.
وهناك بالطبع من سيغيضه هذا الكلام ولا يريد سماعه كتيار الإخوان العالمي وحزب الإصلاح اليمني وثورة الخميني وميليشياتها العميلة والرعاع المتعاطفين مع الإخوان الجبناء بدول الخليج ومخاتير اليسار العربي المتخشبين وشلّة من المضطربين المتقاعدين الرابضين على منصات التواصل الإجتماعي بالمنطقة الذين يُنظرون لآلاف المنخدعين بهم وبتنظيرهم والهياط بالبكائيات على مصالح بلدانهم!.
وللمفارقة فإن تنظيم الإخوان الخبيث وثورة إيران الأخبث خططوا ونجحوا في تقسيم ماتبقى من أراضي فلسطين المحتلة عام ١٩٦٧م الى كيانين أحدهما كيان دويلة إخوانية صفوية بغزة تهيمن عليها ميليشيا حماس برغبة اسرائيل، وهذا أمر قائم معترف به إسرائيلياً وإيرانياً وامريكياً، وهناك دولة الضفة الغربية التي سيتأخر قيامها وربما تُولد بشكل مختلف بعيداً عن الذي نتوقعه جميعا بعد أن تموت قياداتها الحالية المهترئة التي تفضل الرحيل عن الدنيا والوضع كما هو دون تغيير لمنظومة الحكم وسياسة شطرنج كراسي الوظائف تحت الإحتلال.
المنافقين الإخوان ورعاعهم من العرب والصفويين الملالي وميليشياتهم يُقسمون فلسطين الى كيانين ويعارضون حل الدولتين في اليمن!.
أزعم أنني أفهم شيء من سيكلوجية الشخصية اليمنية الشمالية والجنوبية وأستطيع توقع بعض الأشياء كما توقعت عام ٢٠١١م أن إيران ستحكم اليمن بالحوثي وأن جزيرة سوقطري ستكون مجال لخلاف مفتعل وقد حدث. ومع الأسف، فإن القادم باليمن صعب جداً والطريق مليئة بأشواك الماضي التي زرعتها القيادات الفاسدة من خلال حزب المؤتمر الشعبي وحزب الإصلاح وبقية المنتفعين بالفساد، والطريق مزروعة أيضاً بألغام إيران وهي الأخطر من الأشواك والفساد. لكن النهاية معروفة ومحسومة وهو حل الدولتين مع تضحيات جسيمة سيدفعها الأبرياء الضعفاء. ولبريطانيا وبعض دول أوربا دور مؤثر قادم قد لا يتوافق مع رؤية امريكا المضطربة. والبيئة الدولية هي المؤثر الأكبر في اليمن وليست البيئة الإقليمية.
وبالتأكيد، فإن إخوتنا قبائل الشمال هُم في المجمل طيبون ويرغبون السلام والهدوء والحياة ولكن أغلب قادتهم نصابين وكذّابين وغادرين ولا ينفع معهم تقديم أي نصح سواء كانوا سياسيين أو قبليين وغالباً ما يجمعون بينهما، صم وعمي عن سماع الحق بمحض ارادتهم، وفيهم عقلاء وطنيين محترمين قد يعول عليهم مستقبلاً.. ولن تستقر الجمهورية هناك إلا بقيادة قوية تخضعهم لنظام الدولة وليس لنظام العِزب والنهب وضرب القبائل ببعضها بتدبير الزعيم نفسه الذي بحكمته سيجد هو الحل لكل خلاف!. هكذا كان الوضع لعقود.
على قادة الجنوب رسم سياسة لدولة مدنية حديثة، وعليهم تحديد نقاط الخلافات الداخلية وهي موجودة وحلّها بسرية تامة فيما بينهم وعليهم بناء إعلام وطني صادق يخاطب الداخل والخارج. وعليهم التدرج في الإستقلال فلن يحصل كل شيء في ساعات، ولا دولة تنجح بلا تضحية وإيثار ونزاهة. وعليهم بناء جسور تعاون وثقة منطقية مع برلمانات أوربا وليس مع حكوماتها. وعليهم إحترام جيرانهم باليمن الشمالي وعدم استفزازهم كما يفعلون هم معهم لعقود طويلة، وعليهم إقناع العامة في الشمال بأن قيام دولة الجنوب لمصلحة الشمال قبل غيره. وعلى الجنوبيين بناء هيكل لنظام حكم رشيد ومختلف كنموذج للدولة الحديثة في منطقة ملتهبة وقد يكون نظام ملكي دستوري مثلاً، يضمن وحدة الأرض واستقرار الدولة وبناءها ودخول مجلس التعاون من أوسع أبوابه..
هذه قد تكون مجال بحث.
القادة الجنوبيون لديكم جيش جيد وسمعة طيبة وشعب مدني لطيف فلا تطلقوا الرصاص أبداً على أي يمني أياً كان مكانه وانتماءه عدا الإرهابيين وحافظوا على هدوءكم ووحدوا كلمتكم وحاوروا اخوتكم قبائل الشمال سراً وعلانية وأكرموهم وسيأتون اليكم للمشاركة في بناء دولتكم والإستفادة من مخرجات تنميتكم القادمة، فقد أُهينوا من الحوثي وممن جاؤا به من صعدة الى صنعاء.
لقد نجحت السعودية وحلفاءها في منع سقوط اليمن بأكمله بيد إيران التي تهيمن على عدة بلدان عربية. فعلى اليمنيين في الشمال إعداد انفسهم لمستقبل جديد بقيادات وطنية شابة قوية ومحترمة تقود الجمهورية بحكمة وتمنع الطائفية والفساد والسرقات وبيع البلاد للأجنبي.
الحوثي سيشارك في الحكم وسيتغير شكلاً ولن يتغير خبثاً وارتباط بالأجنبي.