ضغط إقليمي بأدوات دولية على عدن..
تحليل: هزيمة الحوثيين مستبعدة.. والوحدة اليمنية بوابة حرب جديدة
منذ الفاتح من يوليو (تموز) الجاري، توقفت الحرب تماما ضد الانقلابيين الحوثيين المتخالفين مع إيران، من جانب حكومة الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبدربه منصور هادي، التي تعمل على عرقلة أخر "الجهود العسكرية في محافظة البيضاء"، الواقعة على الحدود مع الجنوب، بدعوى انها عمليات عسكرية تدار بعيدا عن "الإخوان المتحالفين مع قطر وتركيا"، والدولتان تتخالفان بشكل قومي مع طهران.
خلال الأيام القليلة الماضية، حققت قبائل أهل حميقان مسنودة بقوات العمالقة الجنوبية، وقبائل يافع إنجازات عسكرية كبيرة، حررت على أثرها بلدة الزاهر التي ظلت محتلة من قبل الحوثيين لأكثر من سبعة أعوام.
خلال العام الماضي 2020م، نجح الحوثيون في السيطرة على مناطق استراتيجية في محيط مأرب المعقل الأخير لتنظيم الإخوان حلفاء السعودية، واستحوذوا على أسلحة كبيرة وضخمة كان التحالف العربي قد قدمها للحلفاء المحليين لدفع الحوثيين صوب صنعاء، واجبارهم على السلام، كما قال قبل سنوات وزير الاعلام اليمني معمر الارياني.
كانت السيطرة الحوثية على فرضة نهم، وهي سلسلة جبال استراتيجية تطل على صنعاء، بمثابة ضربة موجعة للتحالف الذي يحارب الاذرع الإيرانية، لكن المفاجئة الأكثر كانت بكمية الأسلحة الضخمة التي كانت عبارة عن "تسليح سبعة أولية من مختلف التشكيلات "الدبابات والمدفعية والمشاة".
وصف وزير الدفاع اليمني محمد المقدشي انتكاسة فرضة نهم، بالانسحاب التكتيكي، لكن الحوثيين ردوا عليه بنشر مشاهد وثقت اثناء الاقتحام، تبين ان مجموعة من المسلحين الحوثيين استطاعوا السيطرة على سبعة الوية عسكرية ضخمة، وكان للأسلحة التي تركها الجيش اليمني العامل المساعد للحوثيين في إعادة المحاولة للتوسع صوب محافظة الضالع الجنوبية، فالمركبات التي تركها جيش الأحمر في فرضة نهم، استحوذت عليها القوات الجنوبية في ريف إب اليمنية شمال محافظة الضالع.
ومع بداية العام الجاري، 2021م، ضغط الحوثيون بشكل قوي على مأرب، في محاولة للسيطرة عليها، الا انهم فشلوا بفعل العامل العسكري للطيران الذي عرقل تقدمهم صوب مركز المدينة على الرغم من انهيار الدفاعات العسكرية التي وضعت لمنع تغول الحوثيين صوب المعقل الأخير.
غارات جوية من السماء وضغوط دولية ساهمت في تأجيل الحوثيين لمعركة مأرب والعودة مرة أخرى إلى جبهة شمال الضالع، وهنا فشلت العديد من المحاولات الهجومية للتقدم صوب معقل الحراك الجنوبي وأول مدينة جنوبية تتحرر من الوجود الشمالي في مايو (أيار) 2015م، أي بعد نحو شهرين من انطلاق عاصفة الحزم بقيادة السعودية.
رغم الضغط الحوثي على مأرب، الا ان الإخوان اتجهوا جنوبا وسيطروا على شبوة وأجزاء من أبين، وحاولوا خلال العام الماضي التقدم صوب مدينة زنجبار مركز محافظة أبين.
ومع بداية يوليو (تموز)، حشدت جماعة الإخوان المزيد من قواتها إلى أخر مواقع تمركزها في ميناء شقرة شمال شرق أبين، استعدا لبدء معركة مرتقبة، يرى تحليل سابق لصحيفة اليوم الثامن ان الاستعداد لها جاء بعد ضوء أخضر أمريكي منح الحوثيين شرعية مطلقة في شمال اليمن، هو الأمر الذي أتاح للإخوان الحصول على ضوء أخضر أخر للسيطرة على الجنوب، قبل البدء في جولة مفاوضات الحل النهائي، ويصبح اليمن الشمالي لإيران عبر الاذرع الحوثية، والجنوب لتحالف قطر وتركيا عبر الاذرع الإخوانية، فيما يرى المحلل السعودي سليمان العقيلي "ان من حق السعودية الحصول على شبوة وحضرموت والمهرة، كمكافئة على تدخل الرياض في حرب اليمن لمحاربة الاذرع الإيرانية.
بعد ساعات على تحذير أميركي شديد اللهجة بشأن الأحداث في جنوب اليمن، حذرت فرنسا بدورها مما سمّته التصعيد في القرارات الاستفزازية والخطابات من كل الأطراف، مشددةً على أنها تدعم بقوة اتفاق الرياض ووحدة وسلامة الأراضي اليمنية.
التصعيد الإخواني الواضح والتحشيد عسكريا صوب العاصمة عدن، تخلله اعمال قمع وحشية في شبوة وأبين ووادي حضرموت، الا ان سقوط عشرات الضحايا والجرحى وتعرض أكثر من 30 مدني لاعتقال تعسفي، لم تثير غضب المجتمع الدولي والإقليمي، فعلى غير العادة خرجت السفارة الأمريكية في اليمن، للحديث عن ما اسمته وقف التصعيد السياسي؛ في إشارة الى تظاهرات الجنوبيين بيوم الأرض، السابع من يوليو (تموز)، ذكرى اعلان نظام صنعاء في منتصف تسعينيات القرن الماضي، السيطرة عسكريا على مدن الجنوب.
ويبدو ان التحركات الإخوانية ما كان لها ان تحدث لولا وجود ضوء أخضر سعودي، فالرياض تقول انها تقف الى جانب حكومة هادي، لكن الأخيرة لم تقدم أي شيء على الصعيد العسكري ضد الحوثيين، وهو ما انعكس بشكل واضح مع انطلاق معركة البيضاء التي قامت بها القبائل بإسناد من قوات وقبائل جنوبية، بعيدا عن وزارة الدفاع الخاضعة لتنظيم الإخوان.
التصعيد العسكري والتحشيد صوب أبين "مسقط رأس هادي الذي ذهب إلى الولايات المتحدة الأمريكية للعلاج"، يتزامن مع ضغط سياسي "إقليمي ودولي"، وهو ما انعكس بشكل واضح على مواقف لسفارات واشنطن وباريس، واللتين أكدتا على "دعم بقاء اليمن موحداً"، بما في ذلك جغرافيا اليمن الشمالي الخاضعة لسيطرة الحوثيين، الذي تقول الولايات المتحدة الأمريكية انهم أصبحوا طرفا شرعياً.
وبدأ واضحا ان الرياض انتزعت وعن طريق صحيفة «الشرق الأوسط» التي تملكها، موقفا فرنسيا، داعما للوحدة اليمنية التي يبدو انه من الاستحالة عودتها الا بالسيطرة على الجنوب عسكرياً، وإذا حدث ذلك، فمعنى ان إيران قد حصلت على الجنوب بدون أي جهد يذكر.
السيد جان ماري صفا، السفير الفرنسي لدى اليمن، قال "إن بلاده قلقة من التطورات الأخيرة في الجنوب، وطالب بضرورة "التطبيق الكامل والشامل لاتفاق الرياض لعودة الحكومة الشرعية (يد وحدة) في عدن العاصمة بأسرع وقت ممكن»؛ وهذا الموقف الفرنسي لم يكن مخالفا لموقف المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي يطالب منذ شهور بضرورة عودة حكومة معين عبدالملك إلى عدن.
السيد صفا قال ان «فرنسا تدعم بقوة اتفاق الرياض نحو الحل السياسي الكامل والشامل تحت رعاية الأمم المتحدة، وتؤكد تمسكها بوحدة وسلامة أراضي اليمن»؛ بمعنى ان باريس دعم بقاء اليمن موحداً بعد الدخول في تسوية سياسية شاملة للأزمة اليمنية، الأمر الذي يؤكد ان الحوثيين سيكونون الطرف الأكثر استفادة، من هذه الاستراتيجية، لكن هذا لا يعني انتهاء القتال، بل يعني حرب جديدة لفرض الوحدة بالقوة على الجنوبيين الذين يرفضون كل اشكال الوحدة مع اليمن الشمالي بما في ذلك دولة الأقاليم الستة التي يبدو ان الحوثيين قد اطاحوا بهذا المشروع تماماً.
الموقف الفرنسي سبقه بساعات موقف أمريكي "متشابه في مفرداته"، وقف التصعيد والتأكيد على بقاء الوحدة اليمنية، فالقائمة بأعمال السفير الأميركي لدى اليمن، السيدة كاثي ويستلي قد قالت إن الخطاب التصعيدي والإجراءات في محافظات اليمن الجنوبية يجب أن تتوقف.
وأضافت على حساب السفارة الرسمي بـ«تويتر» قائلة: «نحثّ الأطراف على العودة إلى الحوار الذي يركز على تنفيذ اتفاق الرياض ووضع مصلحة الشعب اليمني في المقام الأول».
وهددت القائمة بأعمال السفير الأميركي بردٍّ دولي على من سمّتهم «يقوضون أمن واستقرار ووحدة اليمن».
هذا الموقف الأمريكي مثل "ضوء أخضر" بالنسبة للإخوان الذين أرسلوا بعد ساعات من صدوره، المزيد من التعزيزات صوب ميناء شقرة، استعدادا لمعركة مرتقبة مع القوات الجنوبية.
"هادي"، رئيس مفترض يعترف به العالم مؤقتا على أمل الخروج من الأزمة التي أحدثها الانقلاب المدعوم إيرانياً، ليس من مصلحته فتح معركة في الجنوب، فعلى الصعيد السياسي، لا يمكن للواقع الذي يسعى الإخوان لفرضه في عدن، ان يمنح هادي فترة إضافية للحكم، بل ان حدث ونجح الإخوان في مساعهم للسيطرة على باب المندوب وخليج عدن، سيكون إزاحة "الرئيس"، أولى الخطوات، خاصة في ظل الرجل قد أصبح مجردا من أي قوة عسكرية وسياسية وحتى اقتصادية، ناهيك عن وضع الصحي ومعاناة من مرض القلب منذ العام 2011م، وسافر مؤخرا إلى الولايات المتحدة الأمريكية لإجراء فحوصات طبية وصفت بالاعتيادية.
لذلك تظل هذه المواقف التي يبدو انها إقليمية بأدوات دولية عامل مساعد ومشجع للحوثيين على إعادة التوسع بشكل أكبر، خاصة وأنها تستفز القوات الجنوبية التي تقاتل في أكثر من جبهة ضد الاذرع الإيرانية، فالأموال التي تصرف بهدف كسب أطراف محددة، لا يعني ذلك الحصول على تحالفات، فالأزمة الجنوبية مع صنعاء، المتمثلة في الوحدة "ليست موضوعا للنقاش على الأقل في الفترة الراهنة"، اذا ما أراد التحالف بقيادة السعودية، استكمال الحرب ضد الحوثيين، مع ان هزيمتهم تبدو مستحيلة بالاعتراف الأمريكي بانه قد أصبحوا طرفا شرعيا في اليمن.
وعلى المنظور القريب ستكون السعودية أبرز الخاسرين فيما اذا نجحت الأدوات المحلية في اليمن في فرض واقع جديد لا يتفق وتطلعات الجنوبيين، لكن هذا لا يعني هزيمة جديدة، فالجنوبيون يمتلكون مقومات عسكرية وسياسية يتوقع لها ان تفرض واقعا مغايرا حتى وان طال أمد القتال، فليس بمقدور الجنوبيين "الدخول في تجربة احتلال جديدة"، وهو ما يعني ان المصالح الدولية قد تتضرر بشكل كبير بما في لك المصالح الفرنسية والأمريكية، مع التأكيد ان هذه المواقف ليست نهائية، ولكنها ربما مرهونة بجولة حرب جديدة ستكون ساحتها بلا شك محافظة أبين المجاورة لعدن.
-----------------------------------------------
قراءة تحليلية اعدها محررو القسم السياسي في صحيفة اليوم الثامن