تكليف لجنة لإعداد التعديلات والإصلاحات السياسية اللازمة..
تحليل: قرارات قيس سعيد تشريع جديد أم "انقلاب" على الدستور؟
أثارت قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد التي أعلن عنها أمس الأربعاء وتتعلق بإلغاء معظم العمل بأغلب فصول الدستور الحالي (دستور 2014) وهي الفصول التي تخص تنظيم السلطتين التشريعية والتنفيذية وتكليف لجنة لإعداد التعديلات والإصلاحات السياسية اللازمة، جدلا بين من اعتبرها "غير دستورية وتؤسس لنظام استبدادي" وبين من شدد على أنها "دستورية وتؤسس لنظام خَلقَ صنفا جديدا من التشريع وهي المراسيم إضافة إلى الأوامر الرئاسية المنصوص عليها في الدستور"، فيما اعتبره شق من المحللين "استكمالا" لإجراءات 25 يوليو/تموز في حين رأى آخرون أنها لا تخرج عن سياق ما وصفوه بـ"الانقلاب على الشرعية".
وبين هذا وذاك تترواح كذلك المواقف السياسية بين مؤيدي الرئيس قيس سعيد وخصومه ومعارضيه ومن ضمنهم "حركة النهضة" الإسلامية وحليفها "ائتلاف الكرامة" و"قلب تونس" العلماني.
واعتبر الأستاذ في القانون الدستوري رابح الخرايفي في تصريحات إذاعية أن "الدستور التونسي يبقى نافذا خاصةً أن باب الأحكام العامة وباب الحريات العامة وباب السلطة القضائية والمحلية مازال نافذا".
صنف جديد من التشريع
وتابع "تم تغيير الباب المتعلق بالسلطة التشريعية برمته، أما الباب المتعلق بالسلطة التنفيذية فقد مسّ الجزء المتعلق بالحكومة فقط""، موضحا أن "الرئيس (قيس سعيد) خلق صنفا جديدا من التشريع وهي المراسيم وذلك بالإضافة إلى الأوامر الرئاسية المنصوص عليها في الدستور".
الخرايفي شدد كذلك على أن تونس الآن باتت في "جوهر النظام الرئاسي وأن الحكومة باتت مسؤولة أمام رئيس الجمهورية وهو الذي يُعينها ويعزلها". وقال "الأمر الرئاسي الجديد هو تجسيم لفكرة تنقيح الدستور وليس تعليقه أو إلغائه".
الكاتب والمحلل السياسي التونسي أنيس بن رجب رأى من جهته في تصريح خاص لـ"ميدل ايست اونلاين"، أنه "ما كان يمكن للرئيس أخذ أي إجراء إصلاحي أو تصحيحي كما يرى هو ذلك من خلال دستور 2014 الذي حصر ممارسة العمل الديمقراطي في المجلس النيابي دون غيره فكل تعبيرة لإرادة الشعب في دستور 2014 تمر ضرورة عبر مجلس نواب الشعب".
وقدم بن رجب تشخيصا دقيقا لدوافع قرارات الرئيس التونسي، موضحا أن "الفصل 80 من الدستور منح للرئيس الحق في اتخاذ تدابير استثنائية لمجابهة الخطر الداهم وطالما أن الخطر الداهم غير محدد فإنه إذا وردت عبارة القانون مطلقة جرت على إطلاقها وتصبح تقديرها تخضع لمن منح له الحق وهو رئيس الجمهورية".
وأشار إلى أنه في خطابات وتصريحات قيس سعيد منذ 25 يوليو/تموز "ترددت عبارتان مهمتان وهما الخطر الداهم والخطر الجاثم كأن الخطر الداهم أصبح يُفسر بخطر وقتي وخطر دائم".
"الخطر الجاثم أو الدائم هو في الدستور"
وتابع أن الرئيس التونسي "قدّر أن الخطر الوقتي الذي وجب مجابهته هو تقاعس الحكومة ومجلس نواب الشعب في مجابهة الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والصحية التي أصبحت تهدد التونسي في معيشه اليومي لذلك كانت إجراءات 25 يوليو (تموز) وهي تجميد أعمال المجلس والضغط على رئيس الحكومة لتقديم استقالته".
وقال إن الرئيس قيس سعيد قدّر كذلك أن "الخطر الجاثم أو الدائم هو في الدستور ذاته الذي أصبح يمثل عائقا أمام العودة الطبيعية لعمل مؤسسات الدولة"، مضيفا أن هذا ما يفسّر توسعه في مفهوم التدابير الاستثنائية رغم أن المبدأ القانوني ينص على أن ما ورد على سبيل الاستثناء لا يمكن التوسع فيه، مضيفا أن "مرد ذلك أنه لا يمكن للرئيس أخذ أي إجراء إصلاحي أو تصحيحي كما يرى هو ذلك من خلال دستور 2014 الذي حصر ممارسة العمل الديمقراطي في المجلس النيابي دون غيره فكل تعبيرة لإرادة الشعب في دستور 2014 تمر ضرورة عبر مجلس نواب الشعب".
منى كريم أستاذة القانون الدستوري اعتبرت أنّ الأمر الرئاسي المتعلق بتدابير استثنائية الصادر أمس الأربعاء بالجريدة الرسمية للجمهورية التونسية "يؤسس إلى دكتاتورية بأتم معنى الكلمة" .
وكتبت كريم في تدوينة على حسابها بفيسبوك أنّ "الرئيس استولى على السلطة التشريعية وكامل السلطة التنفيذية وقراراته غير قابلة للطعن بالإلغاء بمقتضى هذا الأمر"، مضيفة أن أنّ "من شارك في إعداد هذا الأمر يتحمل مسؤوليته أمام التاريخ والتاريخ لا يرحم". وقالت "لقد خرجنا من حالة الاستثناء و دخلنا في حالة الاعتباط هنيئا لكم"
وتابعت "تم تعليق الدستور وأي حديث عن تنقيحه لا يستقيم ويعتبر مغالطة وتلاعبا بالألفاظ لأن آليات تنقيح الدستور موجودة في الدستور ولن يتم إتباعها".
اتهامات لقيس سعيد بالدكتاتورية
ورأت أن "رئيس الجمهورية يتجه بخطى ثابتة نحو الدكتاتورية عبر تنظيم مؤقت للسلطات العمومية دون أجل ليجمع السلطتين التنفيذية والتشريعية وحتى إصدار العملة وفي غياب تام لأي سلطة مضادة ودون إمكانية إلغاء لقراراته فهو محصن تماما من الرقابة".
وهو رأي لا يمكن الجزم به بحسب المحلل السياسي أنيس بن رجب الذي أوضح أنه "باعتبار أن النص الذي جاء في الأمر الرئاسي ينص على أن الإجراءات استثنائية أي محددة في الزمن".
وتابع "فالقول بأن الرئيس في خطى ثابتة نحو الدكتاتورية هو حكم على النوايا والأمر الرئاسي قد أعرب على أن النية متجهة إلى إرساء نظام ديمقراطي حقيقي. وقد جاءت العبارات واضحة في الفصل المتعلق باللجنة التي ستعمل على تنقيح الدستور، فالحكم على أن الأمر المتعلق بالتدابير الاستثنائية هو تأسيس لدكتاتورية هو حكم مجانب للصواب باعتبار أولا أن تدخل الرئيس واستعمال الفصل 80 كان مطلبا جماهيريا أمام حالة التردي التي شهدتها البلاد وثانيا باعتبار أن الوضع استثنائي والأحكام هي أحكام ظرفية ووقتية ومرتبطة بما ستتمخض عنه أعمال اللجنة التي ستكلف بتنقيح الدستور".
"أبغض الحلال الدستوري"
الإعلامي والمحلل السياسي التونسي فطين حفصية شبّه في تصريح خاص لـ"ميدل ايست أونلاين" قرارات الرئيس قيس سعيد بأنها "أبغض الحلال الدستوري" وأن دستور 2014 كان بمثابة حقل ألغام وبالتالي لم يكن أمام الرئيس التونسي وهو أستاذ قانون دستوري إلا "الطريق الثالث" أو "الخيار الثالث" وهو تعديل الدستور.
وقال "بعد عشر سنوات من الشحن السياسي والمحاصصات والتجاذبات السياسية التي كان ملعبها الأساسي البرلمان والحكومات المتعاقبة، أصبح وقف تأبيد الأزمة مطلبا مرفوعا أعطته الكارثة الصحية الرافعة النهائية".
وأشار إلى أن ذلك دفع "رئيس الجمهورية للاتجاه نحو أبغض الحلال الدستوري وهو الفصل 80 ومن ثمة المضي في إجراءات أكثر عمقا أفضت إلى جمع السلطات بيده ما سيؤشر إلى سير البلاد فوق حقل من الألغام لا بد من عبوره بالنظر إلى تعهد الرئيس بضمان الحريات واستفتاء الشعب في أهم القرارات المصيرية كآلية ديمقراطية لعدم التفرد بالقرار".
وخلص إلى القول بأنه "في المحصلة تونس في لحظة اختبار حقيقي لنخبتها وأحزابها ومنظماتها وفعالياتها المدنية لتبقى حارسة للمسار الديمقراطي المترنح ولرئيسها أيضا الذي قدم خارطة حسن نوايا في خطاباته".
جوهر بن مبارك الخبير التونسي في الدستور وأحد الشخصيات التي عارضت إجراءات 25 يوليو/تموز، علق على قرارات الرئيس التونسي الأخيرة بأن قال إنها تعتبر إلغاءا للنظام الجمهوري.
وتابع في تدوينة له على صفحته بفيسبوك "ليس نظاما رئاسيا ولا هو رئاسوي ولا هو نظام يوصف أو يصنّف. هو نظام الحكم المطلق الغاشم وغير المسبوق. دعكم من التلاعب والتنميق والتزيين".
وقال هو "إلغاء للنظام الجمهوري حيث سطى شخص واحد على جميع السلط واحتكرها لنفسه وجمّعها بين يديه دون رقيب ودون سقف زمني. هذا لم يحدث في تونس منذ ألغيت الملكيّة وحكم البايات".
وختم بالقول "سنسقط إيالة قيس سعيّد المحميّة وسيرى غضب المواطنين الذين يرفضون أن يصبحوا رعايا جلالته".