عودة قد تلملم الشتات السياسي..
تحليل: ما الذي يمنع الرئيس علي سالم البيض من العودة؟
لم يعد هناك مانع من عودة الرئيس الجنوبي علي سالم البيض الى عاصمة بلاده التي غادرها مجبرا قبل أكثر 22 عاما، عقب اجتياح نظام صنعاء لعدن التي دخلت في وحدة سلمية انقلب عليها صالح بالحرب، لكن بلاده التي يقول جنوبيون انها تعرضت لأبشع احتلال باتت اليوم محررة، الأمر الذي يسهل عودة الرئيس الجنوبي الذي يحظى بشعبية كبيرة في الجنوب.
البيض والوحدة
في الـ21 من مايو أيار 1990م وقع الرئيس علي سالم البيض رئيس اليمن الجنوبي اتفاقية وحدة اندماجية مع الرئيس علي صالح رئيس الجمهورية العربية اليمنية، لكن هذه الاتفاق لم يدم اكثر من عام حتى بدأ نظام صنعاء بتصفية قيادات اليمن الجنوبي الموالية للبيض، الأمر الذي دفع البيض إلى الاحتجاج على ما يقوم به صالح بحق الموالين له.
دخل الطرفان في مفاوضات عدة وقع على اثرها اتفاقية العهد والاتفاق، اخل صالح بها جميعا، قبل ان يدشن حرب عسكرية ضد الجنوب لهزيمة شريكة في الوحدة علي سالم البيض.
استطاع علي صالح حشد قبائل الشمال والجماعات الجهادية العائدة من أفغانستان، التي عرفت لاحقا بجماعات حزب الإصلاح اليمني.
وتم القضاء على قوات عسكرية جنوبية في مأرب وعمران وذمار، عقب فتوى دينية أصدرها وزير العدل حينها المحسوب على التيار الإصلاحي عبدالوهاب الديلمي.
غادر البيض ومعه كل المسؤولين الجنوبيين إلى عمان ومنها إلى دول خليجية عدة، فيما استقر بالبيض المقام في سلطنة عمان، تاركا الجنوب شعب وأرض ترزح تحت الاحتلال العسكري الشمالي الذي نهب الأخضر واليابس.
سيطر القادة الشماليون على كل شيء في الجنوب، وحولوا الممتلكات الحكومية الجنوبية الى ملكية خاصة بهم، دمروا المصانع وتقاسموا الأراضي، وفصلوا أكثر من 100 ألف موظف عسكري ومدني من وظائفهم واستبدلوا بدلا عن قيادات عسكرية زعماء قبائل شاركوا في الحرب.
صمت البيض عقب هزيمة قواته، فيما امعن الاحتلال اليمني في تعذيب سكان الجنوب وحرمانهم من ابسط حقوقهم في العيش بسلام.
حاول قادة جنوبيون تنظيم حركات مقاومة مسلحة، لكن نتيجة السيطرة القوية على مفاصل البلاد لم تنجح هذه قيادة ثورة منظمة ضد الوجود الشمالي في الجنوب.
في الـ13 من يناير (تشرين الثاني) العام 2006م، كان يوما مشهودا في تاريخ الجنوب، حيث اعلن قادة وساسة جنوبيون عن مشروع التصالح والتسامح والتضامن الجنوبي ليضعوا بذلك أول لبنة في مسيرة استعادة بلادهم من قبضة الاحتلال اليمني.
انطلاق الحراك الجنوبي
اعلان التصالح والتسامح الذي انطلق رسميا من جمعية ردفان بعدن عقب لقاءات عدة عقدت في الضالع وأبين، أفضت إلى لقاء عقد في عاصمة الجنوبين عدن، مثل انطلاقة جديدة للجنوبيين، ليدشوا بذلك تظاهرة جنوبية طالبت بإعادة الضباط الذين سرحهم نظام صنعاء عقب انتصاره على قوات جيشهم، لكن صالح بدلا من ان يعمل على معالجة أوضاع الجنوبيين، ذهب بكل غرور نحو قمع تظاهراتهم، وقتلهم واسرهم، ليتحول الجنوب الى كتلة بركانية، ليتحول الجنوب من المهرة شرقا حتى باب المندب شعلة، أدخلت نظام صنعاء نفقا مظلما.
حاول صالح ممارس مزيدا من اعمال القمع والتنكيل بالجنوبيين، لكن التظاهرات والغضب الجنوبي في تزايد مستمر، فمع كل جنوبي تقتله قوات صالح في عدن، كان هناك عشرة ينضمون للتظاهرات المناهضة للاحتلال في بلادهم.
ساهم الحراك الجنوبي في خروج تظاهرات مماثلة ضد حكم الرئيس صالح لشمال اليمن، لكن هذه التظاهرات سرعان ما احتوتها الأحزاب اليمنية ليتم وأدها في المهد بالتزامن مع تسليم صالح السلطة مجبرا لنائبه هادي العام 2012م.
استمر الحراك الجنوبي في تظاهراته المنادية بطرد الاحتلال اليمني من الجنوب الأمر، شعر نظام صالح ان الجنوب ذاهب نحو الاستقلال وان الثروات التي بناء منها نفوذه العسكري والسياسي في اليمن في طريقها للعودة لأهلها.
ذهب صالح مسرعا للتحالف مع إيران والحوثيين في لدعم عملية اجتياح عسكري جديد لعدن، وحين شعر صالح ان إيران قد اعطته الضوء الأخير ورحبت بتحالفه مع الحوثيين عقد صالح اجتماعا بقيادات يمنية من تعز وتوعد مرة أخرى باجتياح الجنوب واحتلاله وتهجير سكان إلى جبوتي.
الاجتيال العسكري الثاني للجنوب، دفع سكانه الى التحول الى مقاومة مسلحة وبدعم التحالف العربي إلى تحرير محافظات الجنوب بما فيها العاصمة عدن عقب معارك استمرت لأشهر.
تحرر الجنوب ليتنفس الجنوبيون الصعداء، لكنهم دخلوا في حرب أخرى مع الجماعات المسلحة التي يقول مسؤولون جنوبيون ان الهدف منها خلط الأوراق ووأد فرحة الانتصار في المهد.
قاوم الجنوبيون ما يصفونها بمشاريع الموت، لكن قطاع واسع من الجنوبيين باتوا يتسألون عن المانع في عدم عودة القيادات الجنوبية التاريخية الى عدن، وخاصة الرئيس الجنوبي علي سالم البيض؟.
البيض الذي يحظى بشعبية كبيرة في بلاده بات اليوم مطالب بالعودة، لما يمتلك من حضور شعبي، وكذا الواجب الوطني الذي يقول البعض انه يحتم عليه العودة لكي ليكون محفزا للجنوبيين في بناء مؤسسات دولتهم.
البيض الذي يتهم من بعض الأطراف الشمالية بموالاة إيران، أعلن تأييده لعاصفة الحزم التي انطلقت لمنع التمدد الإيراني في الجنوب، (بلاده)، وجدد مطالبته المستمرة للخليج بدعم جهود استقلال بلاده.. مؤكدا انهم بان الجنوب سيكون حليفا وفيا لدول المنطقة والإقليم.
يعتقد البعض أن البيض الذي يعاني من ظروف صحية صعبة، قد ترك العمل السياسي، لكن الرجل يصر بانه مع شعبه حتى تعاد دولة الجنوب ليسلم الراية للجيل الصاعدة كما قال في تصريحات بثت قبل سنوات.
الرئيس الجنوبي مطالب اليوم بحضور سياسي من داخل الجنوب المحرر، حيث لم يعد هناك أي مانع لعودته، خاصة في ظل التشتت السياسي وعدم التوصل الى اتفاق على تشكيل كيان سياسي جنوبي.
يأمل سياسيون أن يعود الرئيس البيض، فعودته كم يقولون سوف تسهم في لملمة الشتات لما يتمتع به من حضور جنوبي، ناهيك عن انه المسؤول عن ادخال بلادهم في وحدة مع الشمال.
عودة البيض، إلى الجنوب مواصلة لحضوره السياسي، والقيام بما يعتقده جنوبيون بانه واجب على رئيس كان المسؤول الأول في توقيع اتفاقية الوحدة التي لم تجن بلادهم منها غير الدمار والخراب والقتل والتنكيل بأهل الجنوب.
فهل ينتظر الجنوبيون عودة رئيس جمهوريتهم السابقة، ام ان الرجل ليس في جعبته أي شيء يقدمه لمناصريه.