الصراع الفلسطيني الإسرائيلي خارج إدارة بايدن..

تقرير: أولويات السياسة الخارجية الأميركية.. نووي إيران وحرب اليمن

سياسة بايدن تجاه الفلسطينيين تراوح مكانها بعد مرور عام على رئاسته

سعيد عريقات

 منذ قدوم الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض قبل قرابة العام، كانت إدارته واضحة بأن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيحتل مقعدا خلفيا، لا يندرج على لائحة أولويات السياسة الخارجية الأميركية العشر الأولى. وخرج المتحدثون باسم الرئيس الجديد ، سواءً في البيت الأبيض أو في وزارة الخارجية الأميركية،أو حتى المقربين منه في أروقة مراكز البحث المتناثرة في العاصمة الأمريكية ، ليكررون على الملأ هذه المقولة ، مشددين على أن الملف النووي الإيراني والحرب في اليمن هما الموضوعان الوحيدان اللذان يحظيان بالأولوية في قضايا الشرق الأوسط. وذلك على الرغم من الإدارات المتعاقبة خلال العقود الخمس الماضية، كانت قد وضعت الصراع الفلسطيني (العربي) الإسرائيلي في طليعة السياسة الأميركية في المنطقة.

ولعلنا نتذكر أن الإدارة الأخيرة التي كان جو بايدن جزءا منها كنائب رئيس، إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، وضعت هالة الخصوصية المهمة على هذا الصراع في أول خطواتها، حيث عين أوباما رئيس الأغلبية السابق في مجلس الشيوخ، جورج ميتشل مبعوثًا خاصًا له إلى الشرق الأوسط في غضون 48 ساعة من تنصيبه يوم 20 كانون الثاني 2009 ، في إشارة إلى نيته إعطاء الأولوية للصراع في وقت مبكر.

أما الرئيس جورج بوش الابن ، سلف أوباما، فقد كشف عن خطة سلام في الشرق الأوسط لقبها ب خارطة الطريق “التي تأجلت طويلا” وفق قوله، وتهدف إلى إقامة دولة فلسطينية “عندما يصدق الفلسطينيون ويعينون رئيس وزراء فلسطيني جديد” شريطة أن يتمتع رئيس الوزراء هذا بصلاحيات فعلية “ليكون شريكا مسؤولا وذا مصداقية، وفور التصديق عليه ستسلم خارطة الطريق إلى الفلسطينيين والإسرائيليين” وأن “الوقت قد حان للخروج من المواقف المتقوقعة واتخاذ إجراءات ملموسة لتحقيق السلام” معلنا أنه مع تحقق تقدم نحو السلام يتعين أن يتوقف النشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة، ومعلنا بذلك نيته تجاوز الرئيس الفلسطيني عندئذ، ياسر عرفات، الذي كانت القوات الإسرائيلية تحاصره في المقاطعة. بوش أعلن أن من حق إسرائيل بالطبع أن تضع ملاحظاتها على خطة “خارطة الطريق” هذه، وهو ما فعلته إسرائيل بالضبط، وائدة بذلك الخطة في مهدها.

الرئيس بيل كلينتون ، سلف بوش، الذي اعتبر عرٌاب اتفاقات أوسلو التي وقعت في حديقة البيت الأبيض ي,م 13 أيلول 1993، فقد تقدم بما عرف عندئذ ب”معايير كلينتون” بعد فشل مباحثات كامب ديفيد (تموز 2000) لاتفاق على “الوضع الدائم لحل النزاع في الأسابيع الأخيرة من رئاسته. أم الرئيس الأميركي دونالد ترامب ، سلف بايدن، فقد اتخذ خطواته الهادفة لتصفية القضية الفلسطينية، بداية بنقل السفارة الأميركية من تل ابيب إلى القدس المحتلة، وأغلق مكتب بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، كما أغلق القنصلية الأميركية في القدس ، وقطع المساعدات عن كل ما هو فلسطيني، وأطلق يوم 28 كانون الثاني 2020 “صفقة القرن” التي صرحت بالاستيطان وغيره من عناصر تصفية القضية الفلسطينية.

لكن تطورات القدس المحتلة، والشيخ جراح في نيسان 2021، والحرب العدوانية الشرسة التي شنتها إسرائيل على قطاع غزة المحاصر يوم 10 أيار 2021 التي استمرت 11 يومًا ، أعادت الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى صدارة الاهتمام الدولي، وإلى حد ما إلى صدارة اهتمامات إدارة بايدن وكشفت بعض عناصر من نهج الإدارة تجاه الصراع، انسجمت إلى حد كبير مع سياسات الإدارات السابقة ،( مع بعض الاختلافات)، ففي أول تصريحاته عن الحرب الإسرائيلية على غزة، وحديثه مع رئيس وزراء إسرائيل (عندئذ بنيامين نتنياهو يوم 12 أيار 2021) ، تحدث بايدن عن “حق إسرائيل بالدفاع عن نفسها”، وأعطى، على ما يبدو ، الضوء الأخضر لنتنياهو كي يستمر بهجومه وقصفه المحموم لغزة المحاصرة.

وأرسل بايدن وزير خارجيته، أنتوني بلينكين إلى إسرائيل والضفة الغربية ، ومبعوث من الخارجية، هادي عمرو، للحديث عن ضرورة وقف إطلاق النار ، مشيرا (هو ووزير خارجيته ، بلينكن) في مناسبات عديدة إلى أن حل الدولتين هو السبيل الوحيد لحل النزاع ، دون “غلبة” الحديث عن أي تفاصيل فيما يتعلق بالقضايا الأساسية مثل القدس والحدود النهائية واللاجئين والأمن. للإنصاف، بدا بايدن ووزير خارجيته، بلينكين، ومبعوث الخارجية، هادي عمرو، ومستشار الرئيس بايدن لشؤون الأمن القومي، جيك سوليفان باستخدام تعابير جديدة تؤنسن الفلسطينيين، وتتحدث عن حقهم في الأمل بالعيش الكريم، وأن الولايات المتحدة تعتقد أن الفلسطينيين والإسرائيليين “يستحقون تدابير متساوية للأمن والحرية والفرص والكرامة”، في خروج عن خطاب الإدارة السابقة، كما أن بايدن تحدث هاتفيا مع رئيس السلطة الفلسطينية عباس، حيث بحثا ، طبيعة وآليات إعادة إعمار غزة وفق قول الإدارة الأميركية.

إدارة بايدن تصر أنها تسعى إلى “مشاركة نشطة مع الفلسطينيين لدفع التقدم نحو حل النزاع” وأنها تتطلع إلى إعادة العلاقات مع القيادة الفلسطينية في رام الله بعد أن أغلقت الإدارة السابقة القنصلية الأميركية في القدس – البعثة الدبلوماسية الأميركية للفلسطينيين التي استمرت دون انقطاع لأكثر من 170 عام – وأوقفت (إدارة ترامب) جميع المساعدات المقدمة تقريبًا للشعب الفلسطيني، والعودة إلى حقبة المشاركة الأميركية الفلسطينية التي بدأت مع إنشاء السلطة الفلسطينية في عام 1994 ، حيث استأنفت (إدارة بايدن) المساعدة جزئيًا ، وتعهدت بإعادة فتح القنصلية القدس الشرقية، كما أن الإدارة كانت صريحة بأن إعادة إعمار غزة يجب أن يشترط بعدم قيادة حماس، لإعادة الإعمار.

البعض وجد بالحديث عن إعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية رسالة مفادها أن إدارة بايدن إنما ترسل رسائل واضحة مفادها أن القدس لا تزال مطروحة على الطاولة، كما أن بلينكين، الذي أعلن عن نية الإدارة بإعادة فتح قنصلية القدس في إطار زيارته لإسرائيل، حذر القادة الإسرائيليين من أن خطوات مثل إجلاء العائلات الفلسطينية من القدس الشرقية المحتلة (في الشيخ جراح) يمكن أن “تقوض بشكل أكبر الاحتمال الصعب المتمثل في قيام دولتين” ، و “تجدد التوتر والصراع والحرب”، (ذاكرا في إطار هذا التحذير من مغبة استشراء الاستيطان)، مع الامتناع عن تحديد الوضع النهائي للقدس ، في رسالة فحواها أن هذه الإدارة ، مزمعة باتخاذ مسار عكسي واضح لخطة ترامب التي نصت على أن “القدس ستبقى العاصمة السيادية لدولة إسرائيل ، ويجب أن تظل مدينة غير مقسمة”.

كما أن إدارة بايدن وجهت يوم 26 تشرين الأول 2021، أقسى انتقاد علني لمخططات سلطات الاحتلال الإسرائيلي لتوسيع المستوطنات في الضفة الغربية منذ تولى الرئيس الأميركي جو بايدن منصبه، حيث قال المتحدث باسم وزارة الخارجية نيد برايس يومها ردا على سؤال وجهته له القدس في مؤتمر صحفي، وبعد أربعة أيام من نشر السلطات الإسرائيلية جدول أعمال الاجتماع القادم لهيئة وزارة الدفاع التي تصرح بالبناء الاستيطاني، “إننا نشعر بقلق عميق إزاء خطة الحكومة الإسرائيلية للدفع بآلاف الوحدات الاستيطانية يوم الأربعاء، والعديد منها في عمق الضفة الغربية، ونحن نعارض بشدة توسيع المستوطنات الذي يتعارض تماما مع جهود تخفيف التوترات واستعادة الهدوء. وهو يضر بآفاق حل الدولتين”.

صحيح، أعادت إدارة بايدن في نيسان الماضي الدعم المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين-الأنوروا، وهي المانح الأكبر للوكالة المأزومة، وأعادت دعم السلطة الفلسطينية جزئيا، وألمحت (بغموض) عن أهمية وجود تمثيل فلسطيني في واشنطن، وتعهدت بإعادة فتح قنصليتها في القدس، وأرسلت مبعوثها هادي عمرو، ومستشار الأمن القومي ، جيك سوليفات ، أكثر من مرة ، وانتدبت سفيرتها في الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد للقاء الإسرائيليين ورئيس السلطة الفلسطينية (آخرين) لبحث ملفات متعددة ، منها إدراج إسرائيل لستة منظمات حقوقية فلسطينية على لائحة الإرهاب.

وإذا ما وضعنا أداء إدارة بايدن تجاه الفلسطينيين في الميزان، نجد أن الأمور بمجملها تراوح في مكانها إلى حد بعيد ، ونجد أن أولوية إدارة بايدن هي الملف النووي الإيراني، وإذا كان ثمن إرضاء إسرائيل، يأتي على حساب السكوت على الخرق الإسرائيلي السافر لحقوق الإنسان الفلسطيني، أو غض الطرف عن التنكيل الإسرائيلي بالفلسطينيين، وتجاهل الإمعان في الحديث (الإسرائيلي) عن عزم سلطات الاحتلال إخلاء الشيخ جراح، أو تجميد تعهدها في إعادة فتح القنصلية عمليا، فليكن.

------------------------------------------------------

المصدر| القدس