"رصد اخبار القتال في شبوة ومأرب"..
تقرير: لماذا فشل الجيش اليمني ونجحت قوات العمالقة الجنوبية (2-2)
بداية الانتكاسة : دخلت تلك القوات بعد ما حققته في مأرب والجوف وصنعاء، وصولاً إلى محافظة شبوة مرحلة سبات تام خلال عامي 2018 و2019، الأمر الذي مهد للحوثيين حشد قواتهم والقيام بهجمات مضادة وقوية، استعادوا خلالها مناطق واسعة من هذه المحافظات ومع حلول سبتمبر (أيلول) من عام 2019 بدأ أول تداع لهذه القوات بانهيار لواء عسكري في محافظة صعدة واستسلامه بكامل قوامه والسيطرة عليه من قبل الميليشيات الحوثية. مثلت هذه العملية ضربة لهذه القوات وتسلسل بعدها الرعب إلى كثير من الألوية والقوات في مختلف المحاور.
استمرت المعارك تراوح مكانها من دون أي تقدم للطرفين حتى مطلع عام 2020، إذ تصاعدت المعارك بوتيرة عالية بين قوات الجيش والحوثيين، وحقق الحوثيون تقدما واسعا بالسيطرة على مناطق في مديرية نهم شرق محافظة صنعاء التي تعد بوابتها الشرقية، وقد مثلت سيطرة الحوثيين على السلسلة الجبلية التي كانت تحت قبضة قوات الجيش إزاحة لخطر قوات الجيش على صنعاء نظراً إلى ما تحققه هذه السلسلة الجبلية من سيطرة نارية تضع العاصمة صنعاء تحت رحمتها من جهة الشرق وعلى مسافة أقل من 60كم.
كان مثل هذا التراجع دافعاً معنوياً لمقاتلي الحوثيين مكنهم من التحشيد أكثر والاتجاه نحو محافظة الجوف، ثم تمكنوا بهذا الاندفاع وبعد أقل من شهر من السيطرة على سلسلة جبال نهم وتحقيق تقدم ميداني استراتيجي آخر تمثل في السيطرة على مدينة الحزم عاصمة محافظة الجوف، التي ترتبط في شمالها بحدود برية واسعة مع السعودية، إضافة لكونها أكبر محافظات شمال اليمن مساحة.
الوصول إلى شبوة
كل هذه المقدمات مهدت لسقوط شبوة، العاصمة المحورية، تتصل بوسط البلاد وتطل على بحر العرب، وتملك مخزوناً نفطياً كبيراً يمكن حاكمها من ثورة ليست بالبسيطة.
ضمن الحملة التي باشرتها ميليشيات الحوثي في 21 سبتمبر (أيلول) الماضي، بدأت بقصف عنيف مستهدفة أعالي "عقبة القنذع" حيث ترابط أربعة ألوية قتالية تتبع قوات الجيش اليمني، يبلغ قوام كل واحد منها نحو ثلاثة آلاف جندي.
خلال ساعات انهارت هذه القوات فجأة، لتمنح الحوثي مساحة شاسعة تقدر بنحو 80كم، مكنته تالياً من بسط سيطرته بضم بيحان وعسيلان وعين بشبوة، مع حريب والعبدية والجوبة بمأرب إثر انسحابات مفاجئة للجيش ظلت دوافعها الموضوعية محل جدل ومحط اتهامات من قبل الأهالي.
كل هذا منح القوات المنسحبة نقطة وصل استراتيجية، لم تكن تحلم بها، فتحت أمام مقاتليها الطريق سالكاً لأن يحلم بالسيطرة على مناطق شرق اليمن "شبوة، مأرب، حضرموت" وغيرها، كما منحته هدية سخية كفلت له تأمين خطوط إمداده الساخنة القادمة من البيضاء فذمار ثم صنعاء، وغيرها من مناطق الشمال اليمني حيث المخزون البشري الذي يرفد جبهاته نحو هدف الإجهاز على مأرب، كورقة رهان حوثية دفعت في سبيله آلاف الضحايا، التي تعتبرها الشرعية، بالمقابل، آخر معاقلها الاستراتيجية شمالاً، كما عززت لدى "الجماعة الانقلابية" أحلام السيطرة على بقية المناطق الشرقية الغنية بحقول النفط والغاز ومنها وادي جنة النفطي، في رملة السبعتين وميناء بلحاف للغاز المسال، أكبر مشروع استثماري في اليمن.
تمكن الحوثيون إثر ذلك من تسديد طعنة في خاصرة مأرب، تمثلت بالتهام أربع مديريات في جنوب المحافظة النفطية دفعة واحدة، وهي حريب والعبدية والجوبة وجبل مراد، ما أنذر بسقوط محافظة "مأرب" أهم المعاقل العسكرية والسياسية والاقتصادية للحكومة الشرعية المعترف بها دولياً.
في هذه الأثناء كانت أجنحة الشرعية مشغولة بمعركة جانبية متمثلة في تغيير بات ضرورياً لمحافظ شبوة محمد صالح بن عديو، وتم التغيير بتعيين عوض الوزير بديلاً عنه، رافق ذلك تمجيد للمحافظ المهزوم أثناء رحيله.
المحافظ الجديد باشر باستقبال طلائع ألوية قوات العمالقة بهدف تحرير المناطق الواقعة في قبضة الحوثيين، وهو ما نجحت فيه خلال 10 أيام فقط من وصولها إلى المحافظة!!
الوية العمالقة :
ألوية العمالقة ليست لها ولاءات سياسية أو حزبية، عكس معظم قيادات وعناصر الجيش اليمني، الذي ينتمي معظم منتسبيها لعدد من الأحزاب السياسية المختلفة، وهو ما اعتبره مراقبون عامل ضعف إضافي يعتري صف الجيش اليمني الذي تتعدد طبيعة أهدافه وولاءات أفراده وتشتت قرار عملياته العسكرية.
ووفقاً لمحايدين ، فإن استقلالية العمالقة عن "المطمع السياسي وغنائم الحرب" منحها حواضن اجتماعية ودعم شعبي كبير في المناطق التي وصلت إليها، كما منحها قوة وتركيز في خط سير المعارك التي خاضتها.
كما أنها حظيت باحترام شعبي بُعيد الدور الكبير الذي قامت به في الفصل بين قوات الجيش الوطني، وقوات المجلس الانتقالي الجنوبي، المتنازعة منذ أغسطس (آب) 2019 في محافظة أبين.
ويقول الناطق الرسمي باسم القوات اليمنية المشتركة، ان الألوية تكتسب قوة حقيقة أبرزها "الاحترافية القتالية التي اكتسبتها طيلة السنوات السبع الماضية، ما جعلها اليوم قوة ضاربة ورقماً صعباً في معادلة القوة العسكرية في اليمن".
وأضاف خلال حديثه لـ"اندبندنت عربية"، أنها أصبحت "قوة تستطيع أن تدير معركة أكبر مما تديرها الآن، كما تمتلك فرقاً متعددة متخصصة في عدة مجالات قتالية".
ومن بين عوامل تفوقها، توحد القيادة العسكرية والقرار الميداني، حيث "لا يوجد في صفوفها وحدات تتبع شخص أو تدين بالولاء لآخر أو حزب معين، في إشارة لما هو حاصل لدى الجيش الوطني، وتتمتع بثقة عالية مع قيادة التحالف العربي، إضافة إلى توحد ووضوح الهدف والاستراتيجية العسكرية والميدانية التي تسير عليها في مسرح عملياتها العسكرية.
العمالقة أكثر تنظيماً :
يقول المحلل العسكري اليمني، عبد العزيز الهداشي، إن أهم عامل في العمليات القتالية يتمثل في "غرفة التحكم والسيطرة وهو العامل الذي يميز قوات العمالقة، وهذا كان جلياً في المعلومات التي قدمت للتحالف ونتج عنها قصف دقيق، فيما لا يتوفر هذا في المقابل لدى قوات الجيش الوطني".
وبناءً على استنتاجه للمعارك الأخيرة التي خاضتها في شبوة وأطراف مأرب، يوضح أن "العمالقة تدرس خطة سير المعركة ومسرح العمليات القتالي قبل بدئه بشكل احترافي وهو ما لاحظناه في عملياتها الأخيرة، بينما لا يوجد هذا العامل لدى الجيش الوطني حتى على مستوى وزارة الدفاع، وإذا وجدت فهي شكلية لا أهمية فعلية لها".
ويورد الهداشي "عوامل تفوق" أخرى لدى العمالقة وأهمها أنها قوات محترفة ومدربة تدريباً عالياً ومنظمة وحداتها وقطاعاتها العسكرية. كما أنها "تمتلك عقيدة قتالية وطنية، بينما نجد هذه الثوابت مفقودة لدى الجيش الوطني، إذ يقاتل أفراده لأجل حسابات ضيقة خاصة بقياداته"، ويبرر ذلك بتشظي القيادة لدى الجيش الذي حصر الولاءات في قيادات هذه الأجزاء المنفصلة.
ويعتبر أن العامل الأهم في تفوق هذه القوات، في كونها "قوة حقيقية وفعلية على الأرض وليست وهمية كما هو الحال بقوات الجيش، التي كشفت المعارك أن كثيراً ممن يتلقون أجور القتال على الورق غير موجودين في أرض الواقع".
المشهد اليمني لم يكتمل بعد، ويكشف عن أسراره ويحتاج إلى وقت لكشفها بالكامل، إلا أن المعارك الأخيرة أثبتت حاجة قوات "الجيش الوطني" إلى بناء مختلف يضاهي على الأقل قريناتها في أطراف الجبهة المناهضة للحوثية، كالعمالقة مثلاً.!!