مؤتمر "المهرة عبر التاريخ"..
المهريون في مصر وشمال إفريقيا والأندلس في العصر الإسلامي
يتحدث هذا البحث المقدم إلى مؤتمر "المهرة عبر التاريخ" عن دور ومكانة قبيلة المهرة وأعلامها في القرون الأولى للإسلام في كل من مصر والمغرب والأندلس، مستنداً إلى ما ورد في المصادر الإسلامية وما جاء فيها من شذرات تبين دور ومكانة المهرة الهام في التاريخ الإسلامي
للمَهْرَة دور فاعل في نشر الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها خلال القرون الأولى من الفتوحات الإسلامية. إذ لمع اسم المَهْرَة والمَهْرِيين بصورة مشرفة في انحاء الامبراطورية الإسلامية من خُراسان شرقاً، مروراً بالعراق والشام، ووصولاً إلى مصر والمغرب وانتهاء بالأندلس، وحفظت لنا المصادر أسماء العديد من القادة والفاتحين والفقهاء والقراء وأهل الحديث والشعراء والوزراء..الخ، ممن نتذكرهم بكل اعتزاز وفخر حيث رفعوا اسم هذه القبيلة القضاعية الحِمْيَرية عالياً في أرجاء الدولة الإسلامية المترامية الأطراف من خراسان شرقاً إلى الأندلس غرباً.
يتحدث هذا البحث المقدم إلى مؤتمر "المهرة عبر التاريخ" عن دور ومكانة قبيلة المهرة وأعلامها في القرون الأولى للإسلام في كل من مصر والمغرب والأندلس، مستنداً إلى ما ورد في المصادر الإسلامية وما جاء فيها من شذرات تبين دور ومكانة المهرة الهام في التاريخ الإسلامي. وينقسم هذا البحث إلى ثلاثة أقسام:
1- دور قبيلة المهرة في مصر:
كان حضور المهريين ودورهم قوياً في فتح مصر، وبرز في مقدمتهم بعض صحابة النبي ممن شهدوا فتح مصر، نذكر منهم: نبيه بن صؤاب أبو عبدالرحمن المهري، وسفيان بن صهابة المهري المعروف بالخرنق الشاعر، وبرح بن حسكل (والمهريون يقولون برح بن عُسكُل). وكان المهريون بين طلائع جيش الفتح، وتجلت شجاعتهم وبراعتهم في حصار الاسكندرية، وقد دونت كتب التاريخ مأثرتهم البطولية في الثأر من الروم لمقتل أحد رجالاتهم كان الروم قد اجتزوا رأسه، فغضب المهريون ورفضوا دفنه إلاَّ برأسه، وسرعان ما قتلوا رجلاً من بطارقتهم فاجتزوا رأسه، وقذفوا به إليهم، فرمت الروم برأس المهري إليهم، فدفنوا صاحبهم. وكان المهريون من خير الجُند وأشاد القائد عمرو بفضلهم في الجهاد وشجاعتهم في القتال، وقد مدح جُندهم قائلا:" أما مَهْرَة فقوم يَقْتُلْون ولا يُقْتَلُون". كما شاركت قبيلة مَهْرَة في فتح الاسكندرية الثاني (سنة 25هـ)، وحدث نزاع بين مَهْرَة وقريش؛ بسبب المغانم وعدم حصول تميم بن فرع المهري على نصيبه من هذه المغانم بدعوى صغر سنه، وقد كان من المشاركين في المعركة، فتعصبت قبيلته مَهْرَة له حتى أسهموا له.
يتحدث البحث عن خطة قبيلة مَهْرَة في الفسطاط ضمن خطط بقية القبائل العربية، حيث اختطت أول ما دخلت بدار الخيل وما والاها على سفح الجبل الذي يقال له جبل يشكر، مما يلي الخندق إلى شرقي العسكر إلى جنان بني مسكين، وكان جنان بني مسكين خطة لرجل من مَهْرَة يقال له الجراح فمات ولم يترك عقبا، فقدم شريح بن ميمون المهري فورثه وتزوج امرأته. وكانت منازل مَهْرَة قبلي الراية، فتوسعت بخطتها حتى لقيت غافقاً في السوق، ولقوا الصدف، ولقوا غنثا مما يلي الغرب. وكان نبيه بن صواب المهري أحد الصحابة الذين أسسوا جامع عمرو في الفسطاط سنة 21هـ، وهو المسجد الرئيس الذي يجتمع فيه المسلمون لأداء فريضة الجمعة، وكما كان لقبيلة مهرة مسجد خاص برأس الجبابيس وآخر داخل سقيفة مَهْرَة. وحسب المصادر التاريخية فقد كان المهريون أكثر قرباً من القائد عمرو بن العاص بدليل اختطاطهم حول المسجد الجامع مع عمرو بن العاص، على سفح جبل يشكر، وكان لهم مسجد ذو قبة سوداء، و نقلهم عمرو إلى جانبه.
ويورد البحث أماكن إقامة المهريين في الحوف (لربما لها صلة باسم حوف المهرية)، وفضلاً عن وجودهم في الفسطاط فقد انتشروا في بقية مناطق مصر، وسكن البعض منهم الإسكندرية وفي بلاد الصعيد.
وفي البحث نورد أسماء كوكبة من شخصيات المَهْرَة وأعلامها التي شاركت في فتح مصر وأسهمت في نشر الإسلام وفي إدارة شئون الحكم خلال القرون الثلاثة الأولى للهجرة، حيث كان منهم القادة ورواة الحديث والفقهاء وغير ذلك.
2- دور قبيلة المهرة في المغرب
نقصد بالمغرب ، شمال أفريقيا ، مما يلي مصر وحتى أقصى المغرب، وقد كان هذا المجال الجغرافي هو الخطة القادمة بعد فتح مصر، وكان من الطبيعي أن يتخذ الفاتحون العرب من مصر قاعدة لمواصلة افتتاح إفريقية، لتأمين مصر من أية غزوات أو مخاطر من جهة الغرب ولنشر الإسلام في بقية بلدان المغرب عامة.
وكان لقبيلة مهرة حضورها أيضاً في جيش الفتح الذي تحرك من مصر غرباً.. ولأنها كانت قبيلة كثيرة العدد، قوية الجانب بمصر فقد عَدَّها عمرو بن العاص من القبائل المصرية، ويكفي للتدليل على كثرتهم أنه اشترك منهم وحدهم ستمائة رجل في فتح افريقية سنة 27هـ بقيادة عبدالله بن سعد، وهو عدد كبير يدل على مكانة وتأثير المهرة على مجريات الأحداث.
ويتتبع الباحث دور المهريين ومكانتهم في نشر الإسلام في المغرب، حسب المصادر المتاحة، والتي لا ترتقي إلى ما ورد عنهم في مصر، ومن الأسماء التي برزت في المغرب وحفظتها لنا كتب التاريخ نذكر: عبد الملك بن قطن المَهْرِي أبو الوليد من أهل القيروان: شيخ اللغة والنحو والرواية ورئيسها والمقدم في عهده وزمانه وأحفظ الناس للأنساب وأشعار العرب ووقائعها وأيامها وله كتب، منها "اشتقاق الاسماء" و "تفسير مغازي الواقدي" و "الالفاظ". وأخوه إبراهيم بن قطن المَهْرِي القيرواني. وأحمد بن عبد الله أبو جعفر المَهْرِي القيرواني ،من أهل العناية بالعلم، وكان في الدراسة والمطالعة آية، لا يكاد يسقط الكتاب من يده حتى عند طعامه.
3- دور قبيلة المهرة في الأندلس
ما أن أتمت جيوش الفتح الإسلامي فتح المغرب الأقصى، حتى اتجهت الأنظار إلى فتح الأندلس، وفي شهر رجب سنة 92هـ (إبريل سنة 711 م) جهز موسى بن نصير جيشا من العرب والبربر بلغ سبعة آلاف مقاتل بقيادة طارق بن زياد ، ولا شك أن المهريين كانوا ضمن فيالقه التي عبرت البحر من سبتة في المغرب على سُفن الفتح ونزلت بالبقعة الصخرية المقابلة في الأندلس التي عُرفت منذ ذلك الحين باسم (جبل طارق)، ثم كان لهم دورهم ضمن الفاتحين في إرساء الدولة الإسلامية، ونبغ منهم كثيرون من العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء والقضاة، وارتبطت بهم شهرةُ الكتان المهري في الأندلس حيث كانت المنسوجات التي تنتجها دار الطراز، يكتب عليها أسماء الحكام مع كلمات أخرى تجري مجرى الفأل، وقد بقي لنا من طراز بني أمية في الأندلس مئزرٌ كان خاصاً بالخليفة هشام المؤيد، صنع "من نسيج رقيق جداً، من الكتان المهري"، بما يدل على مكانتهم الاقتصادية في الأندلس.
ويتحدث الباحث عن أبرز من أشتهر من المهريين في الحقبة الأندلسية، وهو أبو بكر محمد بن عمَّار بن الحسين بن عمَّار المَهْرِي، الذي كان شخصية محورية لها دورها الهام في الأندلس الإسلامية واشتهر بلقب (ذي الوزراتين) لأنه كان وزيرًا للدولة ووزيرًا للشعر، وتميّز بكونه من المعدودين في شعراء الأندلس في زمانه، وكان أيضًا وزيراً وقائداً وسياسياً ودبلوماسيًا بارعًا ساهم في تعاظم ملك بني عبَّاد سواء بالمشورة أو التنفيذ، فذاع صيته في الأندلس وفي الممالك المسيحية، حتى نُسجت حوله الأساطير.
وممن برز من المَهْرِيين في الأندلس يورد الباحث قائمةً من أعلام المهرة منهم: محمدُ بن أحمد بن حَرْب المَهْرِي السَرَقُسْطي، وكان فقيهًا مُبرِّزًا في العدالة. وسعيد بن عبد الله بن أحمد بن حَرْب المَهْرِي السَرَقُسْطي، وهو من أهل العلم والعَدالة والحَسَبِ والجَلالة. وسُليمان بن عبد الرّحمن بن سُليمان المَهْرِي القُرْطْبي، وكان أديبًا مَعْنيًّا بالتقييد حسَنَ الخَطِّ، فقيهًا جَليلًا، وعمل في القضاء. ومحمد بن شُهَيْد المَهْرِي، من أهل غَرناطةَ، وكان مُقرِئًا مجوِّدًا، نَحْويًّا أديبًا. ويوسُفُ بن يحيى بن الحاجِّ علي بن عبد الواحِد بن غالبِ المَهْرِي، وكان كاتبًا وشاعرًا سَيّالَ القريحة. ومحمد بن عبد الرّحمن بن أحمد المَهْرِي الشاطِبي. ومحمد بن إبراهيمَ المَهْرِي البِجَائي. وأصبغ بن محمد بن أصبغ بن السِّمْح المَهْرِي القُرْطُبيّ. ومحمد بن إبراهيم بن عبد الله بن المنخل أبو بكر المَهْرِي الأديب الشِّلْبيّ. وسليمان بن محمد المَهْرِي الصقلي. والفقيه أبو عبد الله محمد بن ابراهيم المَهْرِي المشهور بالأصولي. وفخر الدين أبو الفضل عبد العزيز بن مسعود بن محمد المَهْرِي البيهقي الطبيب.
ويخلص الباحث في نهاية هذه الورقة البحثية إلى عددٍ من الاستنتاجات التي تبين دور قبيلة مهرة وأعلامها في الفتوحات الإسلامية وفي ترسيخ الدولة الإسلامية في مصر والمغرب والأندلس.