زيادة العمليات المتطرفة ضد المدارس والطلبة..

الهجمات الارهابية.. استراتيجية تنظيم داعش الجديدة.. هل تنال من التعليم في أفريقيا؟

ضياع الفرص التعليمية في مناطق العنف في أفريقيا وغيرها من المناطق يهدد بتعزيز الظروف التي من المحتمل أن تؤدي إلى تصاعد الإرهاب

كابول

حذرت دول غربية عدة من خطر وقوع هجمات إرهابية في جنوب أفريقيا ونيجيريا، فيما تتزايد المخاوف من تمدد تنظيم "داعش" الإرهابي في القارة الأفريقية.

ويخشى مراقبون من وصول التنظيمات الارهابية إلى مدن مركزية في دول عدة، كعاصمة نيجيريا أبوجا، أو حتى أكبر مدن جنوب أفريقيا، جوهانسبرغ.

وكانت حادثة الفرار الجماعي لسجناء من سجن في ضواحي أبوجا، في يوليو الماضي، قد دقّت ناقوس الخطر في هذا الشأن، لا سيما مع اقتراب استحقاق الانتخابات الرئاسية في فبراير المقبل. أما جنوب أفريقيا، فتزداد المخاوف الاستخبارية من تحولها إلى مركز مالي لتمويل وتهريب الأموال للجماعات المرتبطة بـ"داعش" الارهابي في الدول المجاورة.

ونشرت السفارة الأميركية في جنوب أفريقيا، تحذيراً من خطر وقوع هجوم غداً السبت على "تجمعات كبيرة" في شمال جوهانسبرغ، وقالت السفارة إن الحكومة الأميركية "تلقت معلومات تشير إلى أن إرهابيين قد يخططون لتنفيذ هجوم يستهدف تجمعات كبيرة في محيط ساندتون"، وهي ضاحية ثرّية شمال وسط المدينة. ولفتت إلى أنه "لا توجد معلومات أخرى بشأن توقيت أو طريقة أو هدف هذا الهجوم المحتمل"، لكنها نصحت موظفي السفارة بتجنب التجمعات في المنطقة نهاية هذا الأسبوع.

ولم تشهد جنوب أفريقيا أي هجوم في السنوات الأخيرة، وينتشر أكثر من ألف عسكري من جنودها، منذ يوليو/تموز 2021، في موزمبيق المجاورة، لمساعدة جيشها الذي يكافح جماعة جهادية مسلحة، خلفت هجماتها في شمال البلاد (كابو دلغادو) 4300 قتيل ومليون نازح منذ 5 سنوات.

وتعدّ ساندتون من أغنى وأفخم المناطق في القارة الأفريقية، وتتميز بأنها مركز تجاري ومالي مهم، حيث تقع فيها أبرز المحال التجارية الفاخرة، وتضمّ مباني شاهقة تستوطن فيها مكاتب أهم الشركات العالمية، بالإضافة إلى المصارف. وفي 29 أكتوبر، أي يوم غدٍ السبت، تتحضر ساندتون لمسيرة سنوية ينظمها المثليون، توقفت عامين بسبب كورونا.

وذكر موقع "بزنس تك" الإلكتروني، أمس، أن عالم الأعمال في ضاحية ساندتون، في شمال وسط جوهانسبرغ، رفع حالة الإنذار عقب التحذير الغربي، لا سيما في مجمع "ليبرتي 2 دغريز" التجاري.

وقال مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، إنه تابع على مدار شهر أكتوبر 2022م أنشطة التنظيمات الإرهابية في القارة الأفريقية، حيث بلغ عدد العمليات التي شنتها تلك التنظيمات (51) عملية، أسفرت عن مقتل (351)، وإعدام (6)، وإصابة (556)، واختطاف (27) آخرين. وبذلك يشهد ذلك الشهر انخفاضا طفيفًا في عدد العمليات مقارنة بشهر سبتمبر الماضي التي بلغت (54) عملية.

وعلى الرغم من انخفاض عدد العمليات الإرهابية في هذا الشهر، إلا أن عدد القتلى والجرحى فاق عددها في الشهر الماضي، وهذا يرجع إلى احتدام المواجهات بين القوات الحكومية والتنظيمات الإرهابية؛ إذ تسعى الجيوش الإفريقية بالتعاون مع الجهات المعنية محليًا ودوليًا جاهدة إلى كبح جماح التنظيمات الإرهابية النشطة في القارة السمراء وصد هجماتها، مما أحجم عدد العمليات الإرهابية في هذا الشهر. أيضًا تسود حالة من الكر والفر عند تلك التنظيمات للهجوم ثم الهروب، وذلك في ظل منافستها على الزعامة والنفوذ، وإثبات أن كل تنظيم يقف على أرض صلبة، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يحاول كل تنظيم أن يحافظ على ما تبقى لديه من عتاد وقد وصلت العمليات الإرهابية في منطقة شرق أفريقيا إلى أكبر معدل في ضحايا الإرهاب حيث تعرضت لـ (30) عملية إرهابية، أي بما يعادل (58.8 %) من إجمالي عدد العمليات الإرهابية التي نفذتها التنظيمات الإرهابية في القارة خلال الشهر، سقط على إثرها (237) شخصًا، و(441) مصابًا، و(3) مختطفين، فضلًا عن إعدام (6).

وكان لدولة الصومال النصيب الأكبر من عدد العمليات حيث حركة "الشباب" الإرهابية التي نفذت ـ (26) عملية من بينها عملية اغتيال، أدت جميعها إلى مقتل (235)، وإعدام (6)، وإصابة (441)، فيما تعرضت كينيا التي تشهد هجمات متلاحقة لعمليتين إرهابيتين أدت إلى اختطاف (3) دون وقوع قتلى أو مصابين. وفي موزمبيق قُتل شخصين جراء عمليتين إرهابيتين شنتهما التنظيمات الإرهابية وحركات التمرد للسيطرة على مناجم الذهب فيها لتمويل عملياتها المسلحة.وجاءت منطقة الساحل الإفريقي في المرتبة الثانية من حيث عدد العمليات الإرهابية وعدد الضحايا والمصابين؛ إذ شهدت (12) عملية إرهابية (23.5% من إجمالي عدد العمليات الإرهابية)، أسفرت عن مقتل (76)، وإصابة (111). وتأتي "بوركينافاسو" في مقدمة دول المنطقة التي تعرضت لـ (4) عمليات إرهابية خلفت (35) قتيلًا، و(54) مصابًا بجراح. فيما شهدت "النيجر" (4) عمليات أدت إلى سقوط (15) ضحية، وإصابة (2) آخرين. أما "مالي" فقد تعرضت لـ (3) عمليات أسفرت عن سقوط (18) قتيلًا، و(55) جريحًا. وتفرّدت "بنين" بعملية وحيدة أدت إلى مقتل (8) دون وقوع إصابات.

وتشهد دول منطقة الساحل تحديات كبيرة أبرزها على الإطلاق تواصل تدهور الوضع الأمني، خاصة عند ما يسمى بـ "مثلث الموت" وهو المثلث الحدودي بين "النيجر" و"بوركينافاسو" و"مالي" والذي يشهد عمليات التنظيمات الإرهابية الأكثر دموية، وهذا ما أدى إلى تمدد النشاط الإرهابي إلى البلدان الساحلية التي كانت حتى وقت قريب بمنأى عن الهجمات إلى حدّ كبير، مثل البلدان الساحلية في خليج غينيا، مع تمدد الخطر الإرهابي غرب إفريقيا جنوبًا من منطقة الساحل صوب الشريط الممتد من "بنين" إلى "ساحل العاج".

وحذر المرصد من مغبة استغلال تلك التنظيمات ظروف الحياة الصعبة التي يعيشها السكان في "بنين" وغيرها من الدول المطلة على خليج غينيا، التي من الممكن أن تدفع بعض الأشخاص البائسين إلى الانضمام لصفوف الإرهاب والتعاون مع المتطرفين حتى يظلوا على قيد الحياة، فلا بد من حلول جذرية لمعالجة الأسباب العميقة للتطرف العنيف، حتى لا يتكرر فيها سيناريو الإرهاب في دول الساحل.أما منطقة وسط إفريقيا، فقد جاءت في المرتبة الثالثة من حيث عدد العمليات الإرهابية وعدد القتلى والجرحى أيضًا؛ حيث شهدت خلال هذا الشهر (5) عمليات إرهابية شنّها تنظيم "داعش" عبر فرعه في وسط إفريقيا؛ أي بما يعادل (9.8 % من إجمالي عدد العمليات الإرهابية في القارة خلال الشهر)، وجاءت الكونغو الديمقراطية التي تشهد وضعًا أمنيًا خطيرًا في المقدمة من حيث أعداد الضحايا والمصابين والمختطفين بعد أن شهدت سقوط (31) ضحية، وإصابة (2) واختطاف (21). بينما شهدت الكاميرون عمليتين إرهابيتين أسفرتا عن اختطاف (3) دون وقوع ضحايا ولا مصابين. أما منطقة غرب إفريقيا، وهي المنطقة المعروفة بتزايد نشاط تنظيمي "داعش" و"بوكو حرام" الإرهابيين، نتيجة التنافس بينهما، فقد جاءت في المرتبة الرابعة من حيث عدد العمليات وعدد الضحايا والمصابين؛ حيث تعرضت لـ (4) عمليات بنسبة (7.9 % من عدد العمليات الإرهابية)، تمركزت جميعها في "نيجيريا" وأسفرت عن سقوط (7) ضحايا، وإصابة (2) آخرين.

وأكد  أنه على الرغم من أهمية مواجهة خطر وتداعيات مشكلة الإرهاب العابر للحدود الذي اتخذ من إفريقيا بيئة خصبة لنشأته وتطوره وممارسة أنشطته، إلا أنها لم تحظَ بما يناسبها من اهتمام، مع ضرورة مواجهة تمدد الإرهاب في إفريقيا من قِبل المجتمع الدولي والمنظمات الدولية المعنية بالأمر بشكل سريع وجذري.

وأظهرت هجمات «إرهابية» استهدفت مؤسسات تعليمية في دول أفريقية عدة، خلال الأسابيع القليلة الماضية، وفي أحدث استهداف لمؤسسات ذات صلة بالعملية التعليمية، قُتل ما لا يقل عن 100 شخص، بينهم أطفال، في انفجارين هزا العاصمة الصومالية مقديشو، قبل أيام، وكان من بين مستهدفاته وزارة التعليم الصومالية، فيما تبنت «حركة الشباب» التابعة لتنظيم «القاعدة» الهجوم.

وقبل هجوم الصومال، أعلنت السلطات في النيجر، في يوليو (تموز) الماضي، أن البلاد «شهدت إغلاق 817 مدرسة، تضم أكثر من 72 ألف طالب»، فيما يسمى بمنطقة «الحدود الثلاثة» بين مالي، والنيجر، وبوركينا فاسو.

وقالت صحيفة الشرق الاوسط السعودية إن  «تأثير الإرهاب والنزاعات على التعليم واضح في أفريقيا»، وأضاف أن «الإرهاب والعنف يؤديان إلى موجات هائلة من النزوح، وبالتالي فقدان الفرصة في التعليم. ومن ناحية أخرى، يستهدف الإرهابيون تدمير المدارس، فيما تؤدي الهجمات إلى هجرة المعلمين والطلاب على نحو متزايد».

وقالت «يونيسيف» في تقرير صدر في سبتمبر (أيلول) الماضي، إن «مئات الآلاف من الأطفال لن يعودوا إلى المدرسة هذا العام في منطقة الساحل الأوسط وحوض بحيرة تشاد، حيث أُغلقت 11100 مدرسة بسبب العنف الناجم عن الإرهاب والصراعات أو التهديدات الموجهة ضد المعلمين والطلاب».

وأشار التقرير إلى أن عدد الهجمات على المدارس في غرب ووسط إفريقيا تضاعف بين عامي 2019 و2020، فيما تم حرق أعداد كبيرة من الفصول الدراسية، واحتلت بعض المدارس من قبل الجماعات المسلحة أو القوات المسلحة.
وترى إيميليا كولومبو، الباحثة في الشأن الإفريقي، أن «ضياع الفرص التعليمية في مناطق العنف في أفريقيا وغيرها من المناطق يهدد بتعزيز الظروف التي من المحتمل أن تؤدي إلى تصاعد الإرهاب في هذه المناطق».

وفي يونيو (حزيران) الماضي، أصدر صندوق الأمم المتحدة العالمي للتعليم في حالات الطوارئ والأزمات الممتدة (التعليم لا يمكن أن ينتظر) (ECW)، تقريراً يشير إلى أن «عدد الأطفال في سن المدرسة المتأثرين بالأزمات والصراعات وخطر الإرهاب والعنف، والذين يحتاجون إلى دعم تعليمي قد ارتفع من 75 مليوناً في عام 2016 إلى 222 مليوناً في عام 2022». وقال التقرير إن 84 في المائة من الأطفال المتأثرين بالأزمة يعيشون في مناطق تعاني من أزمات ممتدة، وبحسب التقرير، توجد الغالبية العظمى من هؤلاء في البلدان التي تعيش في صراعات ممتدة. ومنها؛ جمهورية الكونغو الديمقراطية، وإثيوبيا، ومالي، ونيجيريا، والصومال، وجنوب السودان، والسودان، واليمن.

من جهة أخرى، لا يقتصر خطر الهروب من التعليم الناجم عن الإرهاب في دول أفريقية مثل كينيا على الهجمات والتهديدات، بل يمتد إلى الخوف الناشئ عن «التعرض للأخبار والميديا التي تتناول الإرهاب والعنف».

وفي هذا السياق، خلصت دراسة دولية حديثة إلى أن «التغطية الإعلامية للهجمات الإرهابية تثير الخوف بشكل كبير بين العائلات، وتؤدي إلى إبعاد الأطفال عن المدارس في كينيا».

ووجدت الدراسة، التي أجرتها كلية الإدارة بجامعة لانكستر البريطانية، وجامعة بوكوني في إيطاليا، والتي نُشرت في العدد الأخير من «دورية الرابطة الاقتصادية الأوروبية» أن «الآباء الكينيين الذين لديهم إمكانية الوصول إلى وسائل الإعلام يعتقدون أن خطر الموت في هجوم إرهابي أكبر 12 مرة من المعدلات الفعلية»، ونتيجة لذلك، بحسب الدراسة «من المرجح أن يُبقي هؤلاء الآباء أطفالهم خارج المدرسة».

وتفاقم عمليات خطف تلميذات في نيجيريا، حيث يتوسع نفوذ «جماعة بوكو حرام» الإرهابية، من مشكلات التعليم في البلاد، حيث «يتغيب نحو 40 في المائة من الطلاب عن المدارس»، بحسب تقرير لمجلة «فورين بوليسي» الأمريكية، صدر العام الماضي.

وأوردت «فورين بوليسي» وقائع عدة نفذها التنظيم الإرهابي، حيث اختطف 276 طالبة من مدرسة شيبوك عام 2014، و300 فتاة من ولاية زامفارا بشمال غرب نيجيريا، في 26 فبراير الماضي.