الرئيس التركي يغازل نتنياهو ولا يمانع لقاء بشار الأسد..

استدارة أردوغان الإقليمية.. ما هي سيناريوهات تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق؟

لم يتجاوز الرد المصري بعض البيانات والتصريحات التي توحي بالانزعاج من التمدد التركي لكن على أرض الواقع هناك تعايش مصري واضح مع الوجود التركي كأمر واقع.

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان

أنقرة

في الأسابيع الأخيرة ومع الاهتمام الداخلي بموضوع الانتخابات التي لم يبق لانطلاقها سوى اقل من عام، بدأت وعود حزب العدالة والتنمية الحاكم واردوغان شخصيا تتواتر في وسائل الاعلام.

يرى المحللون ومسؤولو المعارضة الأتراك أن المشروع المدعوم من الدولة الذي تبلغ قيمته 50 مليار دولار - والذي يهدف إلى مساعدة الأسر ذات الدخل المنخفض في التخلص من ازمة السكن - هو أحد الإنجازات الافتتاحية لحملة إنفاق ضخمة في الفترة التي تسبق الانتخابات، والتي من الممكن ان تكون أصعب منافسة يواجهها أردوغان خلال ما يقرب من 20 عامًا في السلطة.

تُظهر خطط الإنفاق الحكومي الموضحة الشهر الماضي أنه في حين أن الخزانة أدارت ميزانية متوازنة تقريبًا للأشهر التسعة الأولى من عام 2022، فإنها تخطط لإنهاء العام بعجز يبلغ حوالي 460 مليار ليرة تركية (25 مليار دولار) - وهو رقم أقرب إلى حوالي 3 في المائة. من الناتج المحلي الإجمالي. يشير ذلك إلى فورة إنفاق ضخمة.

يقول غولشين أوزكان، أستاذ التمويل في كينجز كوليدج لندن: "أتوقع منهم أن يفعلوا كل ما في وسعهم، بخلاف أي شيء فعلوه في الماضي، لأن هذه انتخابات بالغة الأهمية". "لن يفاجئني شيء من حيث حجم الحزمة المالية أو حجم ضمانات الائتمان."

وزير البيئة والتخطيط العمراني التركي، مراد كوروم، يرفض الإيحاء بأن مخطط الإسكان هو خطة انتخابية. وقال في مقابلة مع "فاينانشيال تايمز": "هذا ليس مشروعًا قمنا به بسبب مخاوف أو أفكار بشأن الانتخابات المقبلة". "على العكس من ذلك  لقد استمعنا دائمًا إلى احتياجات مواطنينا".

أصبح الإسكان بعيدًا عن متناول العديد من الأسر ذات الدخل المنخفض حيث ارتفعت الأسعار بنسبة 53 في المائة على أساس سنوي في يوليو من حيث القيمة الحقيقية، وفقًا لبيانات البنك المركزي.

وقال إن المشروع، الذي سيقدم للمواطنين ذوي الدخل المنخفض خطة سداد مدعومة تبدأ من 2280 ليرة تركية (120 دولارًا) شهريًا، سيشهد بناء منازل جديدة في جميع المقاطعات الـ 81.

رفضت المؤسسة مرارًا وتكرارًا تحديد المبلغ الذي سيكلفه برنامج بناء المنازل العملاق الحكومة، قائلة فقط إن بعض التكاليف ستتحملها وكالة الإسكان الحكومية التي أصبحت عملاقة خلال عقدين من حكم أردوغان - وتولدها. دخلها الخاص. كما ستعرض وزارة الخزانة "بعض الدعم".

لكنه أضاف أن الرئيس أردوغان سيواصل طرح سلسلة من المشاريع ذات التكلفة الكبيرة ، والتي سيتم الإعلان عن بعضها عندما يكشف عن بيانه الانتخابي في وقت لاحق من هذا الشهر.

وصرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن أنقرة قد تعيد تقييم العلاقات مع سوريا ومصر بعد الانتخابات المقبلة المقرر إجراؤها في 2023.

وقال أردوغان عن العلاقة مع مصر وسوريا: "يمكننا إعادة النظر مجددا في علاقاتنا مع الدول التي لدينا معها مشاكل ويمكننا القيام بذلك بعد انتخابات يونيو الرئاسية".

وأضاف: "ليس هناك خلاف واستياء دائم في السياسة ويمكن تقييم الوضع عندما يحين الوقت لذلك".

وكشفت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس عن رغبته في تغيير السياسة الخارجية لبلاده والتي اتسمت بالصدامية، لكن هذا التغيير سيكون على خطّيْ سرعة مختلفين، واحد سريع مع إسرائيل ويريده أن يحدث اليوم ويتجاوز كل العراقيل السابقة، والثاني مع سوريا ومصر سيكون مؤجلا إلى ما بعد الانتخابات التركية في يونيو 2023.

وحمل الاتصال الهاتفي بين أردوغان ورئيس الوزراء الإسرائيلي القديم – الجديد بنيامين نتنياهو رغبة تركية واضحة في تجاوز كل الخلافات بما في ذلك التي أدت إلى البرود في العلاقة بين البلدين، أي موقف أردوغان من استهداف إسرائيل للفلسطينيين.

وقال أردوغان في اتصاله مع نتنياهو إن “المهم هو الحفاظ على العلاقات على أساس الاحترام المتبادل”، وهو ما يعني أن تركيا لن تتدخل مستقبلا في ما لا يعنيها، ولن تكرر عنترياتها السابقة في غزة، ولن تطلق تصريحات أو اتهامات لإسرائيل باستهداف الفلسطينيين، فتلك مرحلة قد مرت خاصة بعد أن فشلت لعبة الرئيس التركي في توظيف الموضوع الفلسطيني.

إسرائيل أكثر أهمية بالنسبة إليه على المستوى الواقعي، ولأجل ذلك يريد طمأنة نتنياهو أن تركيا تغيرت في السنتين الأخيرتين، وأنها باتت تبحث عن مصلحتها فقط، وأن عليه أن ينسى ما حدث في السابق من عنتريات خاصة تلك التي أطلقها أردوغان أمام مؤتمر دافوس سنة 2009. فكل ذلك بات من الماضي.

وبالإضافة إلى المصالح الاقتصادية والعسكرية المتينة مع إسرائيل، فإن أردوغان يريد ربط صلة قوية بنتنياهو وتحالفه اليميني من أجل تأمين موافقة إسرائيلية على السماح لتركيا بأن تلعب دورا مهما في نقل غاز شرق المتوسط عبر أراضيها، وليس عبر أيّ دولة أخرى، وهو ما أشار إليه أردوغان نفسه خلال لقائه بالرئيس الإسرائيلي إسحق هرتسوغ خلال زيارته إلى أنقرة في أغسطس الماضي.

وأعرب أردوغان عن استعداده “للتعاون (مع إسرائيل) في مجال الطاقة ومشاريع أمن الطاقة”، مع احتمال نقل الغاز الإسرائيلي إلى أوروبا عبر تركيا.

وإذا كانت العلاقات مع إسرائيل تجلب نتائج مباشرة ربما تساعد أردوغان على زيادة حظوظه في الانتخابات، فإن التقارب مع سوريا ومصر سيكون أمرا مؤجلا إلى ما بعد الانتخابات، وذلك لحسابات خاصة لدى الرئيس التركي.

ويريد أردوغان تأجيل التقارب مع سوريا ولقاء الرئيس بشار الأسد، ليس لأن الأتراك يهمهم الموقف من الأسد، ولكن لأن أيّ مصالحة مع الأسد تعني تغييرا لوضع السوريين في تركيا وهي قضية شائكة، وتداعياتها لا تقف عند البعد الإنساني، فقد تظهر ردود فعل عنيفة ضد هذا القرار خاصة أن أنقرة لا تعرف إلى حد الآن كيف ستتصرف تجاه الآلاف من مقاتلي المعارضة الذي دربتهم وصاروا محسوبين عليها، وكيف سيكون مصيرهم، هل سيتم تسريحهم أم إقناع الأسد بدمجهم في قواته.

وكانت وسائل إعلام تركية قد نقلت في سبتمبر الماضي أن أردوغان أبدى رغبة في لقاء الأسد في قمة شنغهاي في أوزبكستان، لكن الأسد لم يشارك في القمة. وتزامنت هذه المعلومة مع أنباء عن لقاء جمع في دمشق بين رئيس جهاز المخابرات التركية هاكان فيدان ورئيس مكتب الأمن الوطني في سوريا علي مملوك.

ويجد التقارب بين أنقرة ونظام الأسد ضوءا أخضر من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي باتت تربطه علاقات مميزة مع الرئيس التركي خلال الحرب في أوكرانيا، فقد بات الوسيط الثقة بينه وبين أوكرانيا والدول الغربية الداعمة لها.

وقال أردوغان إنه يمكن لبلاده أن تعيد النظر في علاقاتها مع مصر وسوريا، وذلك بعد الانتخابات المقبلة في بلاده، مؤكدا أنه “ليس هناك خلاف واستياء أبديّ في السياسة”، وأنه “يمكن تقييم الوضع عندما يحين الوقت وتجديده وفقًا لذلك”.

ومن الجانب الآخر، أي تطوير العلاقة مع مصر، لا يبدو الرئيس التركي متخوفا من تأخير هذا التقارب، ولا يرى أيّ داع للاستعجال أو القلق خاصة مع تعاطي المصريين مع النفوذ التركي المتزايد في ليبيا، وهو نفوذ امتد حتى إلى منطقة الشرق، وباتت أنقرة هي المتحكم في أيّ حل مستقبلي بعد أن نجحت في أن تتحول إلى قبلة للفرقاء الليبيين بمن فيهم من كانوا محسوبين على القاهرة.

ولم يتجاوز الرد المصري بعض البيانات والتصريحات التي توحي بالانزعاج من التمدد التركي لكن على أرض الواقع هناك تعايش مصري واضح مع الوجود التركي كأمر واقع.

ويرى الأتراك أن موضوع التقارب مع مصر غير ضاغط الآن إلا بقدر تطوير القاهرة لعلاقاتها بقبرص واليونان بالشكل الذي يهدد مصالح أنقرة وخاصة اتفاقياتها مع الحكومة المسيطرة على الغرب الليبي. عدا ذلك فإن تركيا نجحت الآن في ملاعبة المصريين بورقة الإخوان، فتارة تطلق العنان لهم ولإعلامهم وتارة أخرى تضغط عليهم، ويكتفي المصريون بردة الفعل الكلامية.

وكان أردوغان قد عبّر عن إستراتيجية الانفتاح بالحد الأدنى مع مصر حين قال في يوليو الماضي إن المباحثات بين أنقرة والقاهرة تسير عند المستوى الأدنى، مشيرا إلى إمكانية ارتقائها إلى مستوى رفيع.