هشاشة المجمع الصناعي العسكري الأميركي..

مخزونات «البنتاغون».. هل تضاءلت بسبب غطرسة جو بايدن في تزويد أوكرانيا بالأسلحة؟

إرسال بايدن ما يقرب من ثلث صواريخ "جافلين" المضادة للدبابات وثلث صواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات إلى أوكرانيا

واشنطن

كشف تقرير أميركي حول خطة وزارة الدفاع (البنتاغون) لزيادة إنتاج الذخائر والمعدات العسكرية المختلفة، من قذائف المدفعية إلى الصواريخ والطائرات وحاملات الطائرات، عن مشكلات عميقة الجذور ينبغي التغلب عليها لتصنيعها بشكل فعال، ليس فقط لمساعدة الحلفاء، ولكن أيضاً للدفاع عن البلاد، في حالة اندلاع الصراع مع روسيا أو الصين أو قوة عظمى أخرى. وتُظهر الأبحاث التي أجراها «مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (سي إس آي إس)» أن الإنتاج الحالي للمصانع الأميركية قد يكون غير كافٍ لمنع استنفاد مخزونات المواد الرئيسية التي توفرها الولايات المتحدة لأوكرانيا. 

وحتى في معدلات الإنتاج المتسارعة، من المرجح أن يستغرق الأمر عدة سنوات على الأقل لاستعادة مخزون صواريخ «جافلين» المضادة للدبابات، وصواريخ «ستينغر»، وغيرها من الأسلحة. ويوضح البحث مشكلة أكثر انتشاراً؛ أن الوتيرة البطيئة للإنتاج الأميركي تعني أن الأمر سيستغرق ما يصل إلى 15 عاماً، عند مستويات الإنتاج في وقت السلم، وأكثر من 8 سنوات في وقت الحرب، لاستبدال المخزونات الرئيسية من أنظمة الأسلحة، مثل الصواريخ الموجهة والطائرات الموجهة والطائرات المسلحة من دون طيار، إذا تم تدميرها في معركة أو تم التبرع بها للحلفاء.

ونقلت صحيفة «واشنطن بوست» عن السيناتور الديمقراطي، جاك ريد، رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، قوله إن مشكلات الإنتاج التي كشفتها الحرب في أوكرانيا «دعوة للاستيقاظ. يجب أن تكون لدينا قاعدة صناعية يمكنها الاستجابة بسرعة كبيرة».

ورغم امتلاك الولايات المتحدة أكبر ميزانية عسكرية في العالم، بقيمة تتجاوز 800 مليار دولار، وصناعة دفاع هي الأكثر تطوراً أيضاً، فقد كافحت منذ فترة طويلة لتطوير الأسلحة وإنتاجها بكفاءة؛ ما مكّن القوات الأميركية من التفوق على أقرانها من الناحية التكنولوجية. لكن مع عودة الصراع التقليدي إلى أوروبا، تكتسب هذه التحديات أهمية جديدة؛ إذا كانت واشنطن تبحث في احتمالات حصول قتال مع القوى العظمى، فقد أثار الصراع في أوكرانيا نقاشاً أوسع حول الحاجة إلى تحطيم ما يصفه القادة العسكريون بـ«هشاشة» صناعة الدفاع الأميركية، واستنباط وسائل جديدة لزيادة إنتاج الأسلحة بسرعة في أوقات الأزمات. ويشعر بعض المراقبين بالقلق من أن «البنتاغون» لا يفعل ما يكفي لتجديد أسلحة بمليارات الدولارات خلَّفتها المخزونات الأميركية. 

ووفقاً للجيش الأوكراني، فقد أطلقت القوات الأوكرانية ما معدله 7700 قذيفة مدفعية يومياً، وهو ما يفوق بكثير إنتاج الولايات المتحدة قبل الحرب، الذي يبلغ 14 ألف قذيفة مدفعية من عيار 155 ملليمتراً في الشهر. وفي الأشهر الثمانية الأولى بعد الاجتياح الروسي، أحرقت القوات الأوكرانية إنتاج 13 عاماً من صواريخ «ستينغر»، و5 سنوات من صواريخ «جافلين»، وفقاً لشركة «رايثيون» المنتجة للسلاحين.

وبحسب «واشنطن بوست»، يخطط الجيش الآن لزيادة قدرته الشهرية على إنتاج قذائف 155 ملليمتراً من نحو 14 ألفاً إلى 30 ألفاً هذا الربيع، وفي النهاية إلى 90 ألفاً. وينفق الجيش أيضاً 80 مليون دولار لجلب مصدر ثانٍ عبر الإنترنت لمحرك صاروخ «جافلين»، وهو مكوّن رئيسي، ويخطط لمضاعفة الإنتاج إلى نحو 4 آلاف سنوياً. ووقع الجيش أخيراً عقداً بقيمة 1.2 مليار دولار، مع شركة «رايثيون» لبناء 6 وحدات أخرى من أنظمة الدفاع الجوي أرض - جو المتقدمة، التي تُستخدم في الحرب الأوكرانية لصد هجمات الصواريخ والطائرات من دون طيار، لكنها لن تكون جاهزة قبل عامين.

وتوقَّع الجنرال مارك ميلي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، أن ضغط الذخائر قد يتطلب دفعة إضافية في إنفاق «البنتاغون»، مما قد ينهي العصر الذي كانت فيه الذخيرة بمثابة «فاتورة» عسكرية، في ميزانية يمكن للمسؤولين تقليصها لتمويل سلع أكثر تكلفة، مثل الدبابات أو الطائرات. وقال كولين كال، وكيل وزارة الدفاع للسياسة، في شهادة أمام المشرعين الأميركيين، الأسبوع الماضي: «ما أظهره النزاع الأوكراني هو، بصراحة، أن قاعدتنا الصناعية الدفاعية لم تكن بالمستوى الذي كنا بحاجة إليه لإنتاج الذخائر وتسريع قذائف المدفعية والصواريخ الموجهة وغيرها من العناصر». وأضاف كال: «هذه الأمور ستكون مهمة بعد عام أو عامين أو 3 أعوام من الآن، لأنه حتى لو تلاشى الصراع في أوكرانيا، ولا يمكن لأحد التنبؤ بما إذا كان ذلك سيحدث، فستحتاج أوكرانيا إلى جيش يمكنه الدفاع عن الأراضي التي استعادتها».

ووفقاً لمارك كانسيان، خبير الدفاع في «سي إس آي إس»، فإن المشكلة لا تقتصر على الذخيرة، ولا على المواد التي يتم توفيرها لأوكرانيا؛ إذ إن وتيرة الإنتاج في المصانع الأميركية تعني أن الأمر سيستغرق أكثر من 10 سنوات لاستبدال الأسطول الأميركي من طائرات الهليكوبتر «بلاك هوك»، وما يقرب من 20 عاماً لاستبدال المخزون من صواريخ جو - جو متطورة متوسطة المدى، و44 عاماً على الأقل، قبل أن يتمكن «البنتاغون» من استبدال أسطوله من حاملات الطائرات.

وقالت صحيفة "أمريكان سبيكتاتور" إن استمرار الرئيس جو بايدن في تزويد أوكرانيا بالأسلحة وعدم تجديد مخزونات الجيش يهدد الولايات المتحدة.

وأشارت الصحيفة إلى تقلص القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية بشكل كبير منذ الحرب الكورية لثلاثة أسباب، أولها: أن التطور الكبير في المجال التقني والذي نتج عنه اعتماد الولايات المتحدة بشكل كبير على أشباه الموصلات في معداتها العسكرية، والتي يكون إنتاجها أرخص بكثير في الخارج.

وأضافت:" باتت الولايات المتحدة تعتمد على تايوان وماليزيا والصين للحصول على تلك الأشباه التي نستهلكها تقريبًا".

أما السبب الثاني، بحسب "أمريكان سبيكتاتور" هو أن العديد من الصناعات الدفاعية - مثل بناء السفن - لم تتمكن من المنافسة في السوق الدولية.

وأوضحت أنه:" في أوائل الثمانينيات، كان هناك حوالي 26 حوضا رئيسيا لبناء السفن الأمريكية، لكن هذا العدد تقلص الآن إلى 7 فقط".

وهنا يأتي السبب الثالث هو أن احتياجات العمل أدت إلى دمج العديد من شركات الصناعات الدفاعية، وخاصة صناعة الطيران، وبالرغم أن هذا الدمج لم يقلل من القدرات لكن خفضّ القدرات الإنتاجية.

وكانت النتيجة المنطقية، وفق الصحيفة الأمريكية، هي "عدم قدرة القاعدة الصناعية الدفاعية الأمريكية على تلبية احتياجات البنتاغون في وقت الصراع، حتى وإن لم تشارك فيه بشكل مباشر".

وأشارت الصحيفة إلى أن المساعدات لأوكرانيا أجبرت الولايات المتحدة على تقليص مساعداتها لأوكرانيا وتجديد مخزوناتها من الأسلحة لدعم خططها الاستراتيجية.

واتهمت الصحيفة الرئيس الأمريكي جو بايدن بعدم الرغبة في إنفاق الكثير من المال على أنظمة الأسلحة والذخيرة، بل ينفق لتزويد أوكرانيا بها".

وأشارت إلى إرسال بايدن ما يقرب من ثلث صواريخ "جافلين" المضادة للدبابات وثلث صواريخ "ستينغر" المضادة للطائرات إلى أوكرانيا.

وتابعت:" عادة ما تنتج أمريكا ما نسبته من ألف إلى 2100 صاروخ جافلين كل عام، كما يحاول الجيش رفع الصناعة إلى معدل يصل إلى 4000 كل عام، لكن الأمل ضعيف".

وبحسب بعض التقديرات، تطلق أوكرانيا ستة إلى سبعة آلاف قذيفة مدفعية من عيار 155 ملم يوميا.

ووفق الصحيفة:"بهذا المعدل، يمكنهم استهلاك مخزون بريطانيا بالكامل من قذائف الناتو عيار 155 ملم في ثمانية أيام فقط، كما يتم استخدام ذخيرة هيمارس الأمريكية وذخائر أخرى بمعدلات هائلة".

أما المشكلة تكمن في أنه على الرغم من بعض الجهود لتحفيز الإنتاج في الولايات المتحدة، فإن العرض يتخلف كثيرًا عن الطلب، وفق ذات الصحيفة.

وقالت الصحيفة إن الأمن القومي الأمريكي يعتمد على قاعدتنا الصناعية، وهناك شيئان يجب القيام بهما لتجديد مخزوناتنا، وهما أولاً، يحتاج بايدن إلى الاستناد إلى قانون الإنتاج الدفاعي لمطالبة الصناعة بإلغاء العقود التجارية والتركيز ليس فقط على احتياجات أوكرانيا ولكن أيضًا لتجديد المخزون الأمريكي من الأسلحة والذخيرة.

ثانيًا: يجب أن يطالب بايدن البنتاغون بتخطيط أفضل، إذ لا يوجد أي عذر لاستنفاد الذخائر إلى الحد الذي وصل إليه الآن، عندما تنفد الذخائر الرئيسية لدى الجيش الأمريكي في غضون أسبوع إذا هاجمت الصين تايوان.

وواصلت الصحيفة:" بسبب إهمال بايدن، وصلنا إلى نقطة قد نضطر عندها إلى تقليل المساعدات العسكرية لأوكرانيا من أجل إعادة بناء مخزوناتنا من الذخائر بالكمية والظروف الكافية لدعم خططنا الحربية، ولا يمكن التضحية بأمننا القومي على مذبح غطرسة بايدن"، وفق تعبيرها.