مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات..

الأثار الاقتصادية للقرصنة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن.. الآثار والمخاطر المحتملة والسيناريوهات المتوقعة

أن تصعيد التوتر الذي يشهده جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن أعاد تنشيط القرصنة الصومالية التي تم إغلاق ملفها منذ سنوات عديدة بسبب عدة حوادث قرصنة قام بها مسلحون صوماليون خلال الأسابيع الماضية وسيؤثر ذلك بشكل جد سلبي على ميناء عدن وعلى أكثر من صعيد إلى أن يستقر الوضع مجددا في خليج عدن

باحثو مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات يتحدثون خلال ندوة الـ22 من فبراير شباط 2024م - اليوم الثامن

د. هيثم قاسم جواس
باحث في الشؤون المالية والمصرفية لدى مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات
ورقة قدمها الباحث خلال ورشة بحثية نظمتها المؤسسة يوم الخميس الـ22 من فبراير شباط 2024

-      مقدمة:    تسببت أعمال القرصنة المتزايدة في الآونة الأخيرة، المنتشرة في البحر الأحمر وقِبالة السواحل الصومالية وفي المياه الدولية للبحر الأحمر وخليج عدن ضد السفن التجارية المارة، حالة من الإرباك والتداعيات الخطيرة على سلامة البحر الأحمر وأمنه، وأيضاً على المصالح الاستراتيجية للدول المطلة عليه أو تلك الدول التي تعتمد عليه اعتماداً رئيسًا على تجارتها الدولية، ومن خلال ذلك سيحدث:

1.    ستتحول طرق التجارة الدولية والنقل البحري عنه؛ مما يُضعف الدول المطلة عليه اقتصاديًا.

2.    أن يتحول البحر الأحمر إلى بؤر للصراعات والحروب والتداخلات الإقليمية والدولية النشطة وجماعات الإرهاب الدولي.

3.    تدويل البحر الأحمر وممراته؛ مما يُفقد الدول المطلة عليه السيادة، والثروات التي يحتويها.

4.    أن تكون (إسرائيل) المُخطط الأساسي في رسم الاستراتيجية الأمنية والاقتصادية وفق مصالحها ومصالح حلفائها الجدد، بعيداً عن المصالح العربية.

كما أن ازدادت أهمية القرن الإفريقي بعد افتتاح قناة السويس، وأصبحت السفن تمر خلال القناة وعبر البحر الأحمر إلى باب المندب ومنها إلى جنوب وشرق اَسيا، وعلى الرغم من ذلك المُعطيات إلا أن المنطقة تُعاني من صراعات داخلية ونزاعات وحروب محلية.

وهناك أهمية للبحر الأحمر وخليج عدن، حيث أن يُعتبر البحر الأحمر بموقعه الاستراتيجي ممراً مهمًا؛ لحركة النقل البحرية العالمية، إذ يتصل من ناحية الجنوب بالمحيط الهندي عن طريق باب المندب، ويمتد من ناحية الشمال إلى شبه جزيرة سيناء وعندها يتفرع لفرعين (خليج العقبة وخليج السويس)، حيث يؤدي الأخير لقناة السويس.

وأطلقت الميليشيا منذ نوفمبر الماضي هجمات واسعة على سفن دولية في البحر الأحمر، فضلاً عن مهاجمة السفن الحربية الأمريكية، واختطاف ومهاجمة السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر.

جدير بالذكر أن الحوثيين قد استهدفوا بشكل متقطع السفن في المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية، غير أن الهجمات قد تكثَّفت في الأيام الأخيرة، عبر استخدام طائرات بدون طيار، وصواريخ مضادة للسفن لمهاجمة السفن في البحر الأحمر، وفي إحدى الحالات استخدموا طائرة مروحية للاستيلاء على سفينة مملوكة لإسرائيليين وطاقمها، في تصعيد خطير كانت له تداعياته الفورية على التجارة العالمية، بشكل بات يهدد بتوسع نطاق الحرب في غزة، ويثير المخاوف بشأن تأثير ذلك على تدفُّق النفط  والسلع الغذائية و الاستهلاكية عبر مضيق باب المندب الذي يربط البحر العربي وخليج عدن بالبحر الاحمر وقناة السويس بصفتها شرياناً تجارياً عالمياً رئيسياً يربط بين البحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط.

ورداً على ذلك، أطلقت الولايات المتحدة عملية "حارس الازدهار" في يوم 19 ديسمبر الجاري، وهي مبادرة أمنية متعددة الجنسيات، تضم 10 دول؛ منها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والبحرين وسيشيل، بغية تهدئة الوضع وحماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر؛ ما اعتبرته ميليشيا الحوثي سعيٍا من الولايات المتحدة نحو عسكرة البحر الأحمر، بما يتناقض مع القانون الدولي.

عقب إطلاق ميليشيا الحوثي هجماتها الأخيرة بالصواريخ على السفن في البحر الأحمر، كان لذلك تداعيات اقتصادية فورية يمكن استعراض أبرزها فيما يأتي:

أولاً: تداعيات القرصنة البحرية على المستوى الوطني : يمكن تلخيص إجمالية التداعيات من ظاهرة القرصنة الحوثية  في البحر الأحمر وخليج عدن على المستوى الوطني:

1.    مضاعفة الأعباء على الاقتصاد الوطني؛ نتيجة تضاعف عائدات السفن التي تتزود بالوقود والخدمات في باب المندب.

2.    محاولة إعطاء شرعية للدول الكبرى، حيث يسمح لها بالتدخل في الشئون الداخلية لدول المنطقة بحجة مطاردة القراصنة ومكافحة الإرهاب.

3.    عدم استقرار الأوضاع السياسية في منطقة القرن الإفريقي، ولذلك هذا يؤثر بشكل مباشر على استقرار الأوضاع السياسية الداخلية في اليمن.

4.    ترسيخ فكرة تدويل البحر الأحمر ومنافذه ووضعه تحت وصاية الدول الكبرى دون مراعاة لمصالح الدول المُطلة عليه، وهذا ما يُشكل تهديداً على للمصالح الوطنية وسيادتها في خليج عدن والبحر الأحمر ومضيق باب المندب.

5.    تغيير العديد من خط مسار السفن من مضيق باب المندب إلى طريق رأس الرجاء الصالح حول أفريقيا. 

6.    أثر التصعيد العسكري جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن سلبا على النشاط الملاحي لميناء عدن جنوبي اليمن والواقع تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليا وذلك بسبب تزايد المخاوف الأمنية لشركات الملاحة الدولية من استخدام ميناء عدن، والخطوط الملاحية الدولية التي لازالت تتجه سفنها إلى ميناء عدن بدأت في رفع تكاليف الشحن والتأمين، يأتي ذلك في ظل تحول جزء كبير من حركة السفن من ميناء عدن إلى ميناء الحُديدة خلال الأشهر الماضية مما زاد من تدني نشاط الميناء لمستويات خطيرة. 

7.    في حال استمر التصعيد في المنطقة وبلغ مستويات خطيرة أو في حال فرض التحالف الدولي الذي تم إنشاءه مؤخرا في البحر الأحمر بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية حظرا على الموانئ اليمنية، سيُضطر العديد من التجار بالتفكير في استخدام موانئ أخرى لدول مجاورة مثل ميناء صلالة بسلطنة عمان، وهذا سيؤثر سلبا على ميناء عدن حيث سيفقد الكثير من العمال وظائفهم إضافة إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في بلد لازال يعاني من أزمات إنسانية بسبب الحرب. 

8.    أن تصعيد التوتر الذي يشهده جنوب البحر الأحمر ومضيق باب المندب وخليج عدن أعاد تنشيط القرصنة الصومالية التي تم إغلاق ملفها منذ سنوات عديدة بسبب عدة حوادث قرصنة قام بها مسلحون صوماليون خلال الأسابيع الماضية وسيؤثر ذلك بشكل جد سلبي على ميناء عدن وعلى أكثر من صعيد إلى أن يستقر الوضع مجددا في خليج عدن

9.    ارهاق الاقتصاد الوطني : حيث أصبح التوتر المتصاعد قرب مضيق باب المندب جنوبي البحر الأحمر منذ نوفمبر الماضي، أحدث الأزمات التي تواجها اليمن واقتصادها المرهق بفعل الصراعات والتوترات التي تعود لأكثر من 10 أعوام، حيث كان يعاني قبل أزمة مضيق باب المندب، واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يحتاج معظم السكان البالغ عددهم نحو 32 مليونا إلى مساعدات، وفق تقارير الأمم المتحدة، حيث أدت أحداث البحر الأحمر إلى ارتفاع كبير في أسعار شحن الحاويات على مستوى العالم، وسط مخاوف من تأثيرات أكبر إذا ما توسع نطاق الصراع. وفي 7 يناير، أفاد تقرير صادر، عن شركة "Freightos.comمتعددة الجنسيات والمختصة في عمليات الشحن ورصد البيانات المتعلقة بصناعة النقل البحر، بزيادة أسعار الشحن عالميا، وقالت "Freightos.com": "أسعار شحن الحاويات على المدى القصير، بين آسيا وأوروبا والولايات المتحدة زادت بنسبة 173 بالمئة، بفعل انخفاض الطاقة الاستيعابية، على إثر التهديدات المستمرة لسفن الشحن في البحر الأحمر".

10. ان الأحداث المستمرة في البحر الأحمر خلقت أزمة فيما يتعلق باستيراد السلع على مستوى اليمن إذ سببت تطورات الصراع في البحر الأحمر بإحداث آثار كبيره على الواقع الاقتصادي في اليمن.. لاحظنا خلال الفترة الأخيرة ارتفاعا فيما لا يقل عن 200 بالمئة بأسعار الشحن والتأمين في كثير من الحاويات التي تمر عبر باب المندب، هذا يعد تأثيرا مباشرا على الواقع الاقتصادي والمعيشي في اليمن، ناهيك عن التأثير غير المباشر على المدى الطويل فيما يتعلق بتحويل جزء من التجارة الدولية أو عبور التجارة العالمية عبر رأس الرجاء الصالح".

11. "هذه واحدة من التداعيات على المستوى اليمني، وبكل تأكيد سيؤثر على أسعار السلع لا سيما السلع التي تتجه إلى ميناء الحديدة (تحت سيطرة الحوثيين) وكذلك أيضا ميناء عدن (تحت سلطة الحكومة) والموانئ الأخرى بكل تأكيد".

12. الزيادة في أسعار الشحن وأسعار التأمين ستضاف مباشرة على أسعار السلع الواصلة إلى اليمن، ناهيك عن تأثيراته على المدى المستقبلي، فيما يتعلق بسمعة الموانئ على البحر الأحمر، وسمعة البلد ككل".

13. تأتي تطورات البحر الأحمر، تزامنا مع استمرار تحديات مالية كبيرة لليمن، جراء استمرار توقف تصدير النفط منذ حوالي 15 شهرا، جراء الصراع بين الحكومة والحوثيين بشأن عوائد القطاع.

14. أن التوتر في البحر الأحمر ومضيق باب المندب تسبب في ارتفاع رسوم التأمين البحري على السفن المتجهة إلى اليمن بنسبة 200 بالمئة، فإن هذا سيزيد من الأعباء على التجار وسيرهق المستهلكين".

15. ستراجع حجم المعروض السلعي في الأسواق اليمنية، خصوصا أن البلد يعتمد على استيراد أكثر من 80 بالمئة من احتياجاته من الخارج، ما سيفاقم الوضع الإنساني".

16. اضعاف قدرة الحكومة اليمنية في التعامل مع هذه التحديات والوفاء بالتزاماتها أفاد المتحدث حيث أصبحت غير قادرة على عمل شيء، لا سيما في ظل توقف صادرات النفط منذ أكثر من عام".

ثانياً: تداعيات القرصنة البحرية في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن على المستوى الإقليمي:

1)  دولة جمهورية مصر العربية:-

إن مصر من أهم الدول المُطلة البحر الأحمر والمتحكمة في منفذه الشمالي عبر قناة السويس، وهى الدول الأكثر استفادة اقتصادياً منه في دعم اقتصادها من خلال تحصيل الرسوم من السفن المارة في قناة السويس والذي يفوق دخلها السنوي منها(4.6 مليار دولار) سنويًا على دخلها من البترول، كما أن يحظى البحر الأحمر في إستراتيجيتها الأمنية بأهمية قصوى؛ لتأمين حدودها الشرقية التي غالباً تكون بوابة المستعمر إليها، كما أن البحر الأحمر شكل بالنسبة لمصر في إطار الصراع العربي الإسرائيلي نقطة هامة في نطاق تصادم الإستراتيجيات والمصالح.

ومع اشتداد أعمال القرصنة تدرجت النبرة المصرية إلى التقليل من أهمية تداعيات هذه الأعمال على اقتصادها وأمنها الخاص، ولكن مع ازدياد أساطيل الدول الكبرى والإقليمية واحتمالات تدخلها في شئون المنطقة بدعوى مطاردة أعمال القرصنة، والإشارات المنبعثة بأهمية تدويل البحر الأحمر؛ لحماية الملاحة والتجارة البحرية، حيث ازداد قلق مصر من أن هناك أيادٍ تسعى لترتيب الأوضاع في البحر الأحمر على حسب مصالحها الشخصية والإستراتيجية؛ مما دعاها إلى المسارعة بعقد مؤتمر للدول العربية المطلة على البحر الأحمر بالقاهرة في 2008م، ولذلك يتطابق الموقف المصري مع اليمني في تقدير خطورة الوضع على مصالح الدول العربية، كما تتفق كلا البلدين في الأسباب وطرق العلاج، مع الفارق أن مصر تمتلك قوات عسكرية بحرية تفوق قدرات الدول المطلة على البحر الأحمر.

2) تداعيات القرصنة البحرية على دولة المملكة العربية السعودية:

المملكة العربية السعودية هي إحدى الدول المُطلة على البحر الأحمر، والذي يُعتبر بالنسبة لها أحد الشرايين الهامة البديلة؛ لتصدير منتجاتها بعيداً عن موانئ التصدير الواقعة على الخليج العربي، التي تعرضت باستمرار خلال العقود الثلاثة الأخيرة؛ لعدم الاستقرار، فالمملكة العربية سابقاً تحفظت على دعوة اليمن لحضور مؤتمر 1977م للدول العربية المُطلة على البحر الأحمر؛ للتباحث حول ترتيبات الأمن العربي فيه، وذلك في ظل ظروف دولية وإقليمية كانت تهدف إلى تحجيم الدور اليمني والعربي في البحر الأحمر.

ولكن في ظل المتغيرات والظروف الدولية الراهنة أبدى كثير من المثقفين السعوديين تخوفهم على أمن المملكة واقتصادها واستثماراتها من تطور عمليات القرصنة في البحر الأحمر، وأشار هؤلاء بأن نفط المملكة والمُصدر عبر البحر الأحمر ومشاريع تحليه المياه ومستلزمات عملية التنمية التي يتم استيرادها عبر موانئ المملكة على البحر الأحمر مُهددة، وطالبوا الرياض بضرورة عمل اجتماع ودعوة الدول المُطلة على البحر الحمر؛ لوضع إطار للتعاون المشترك.

وإجمالا يمكن القول بان التداعيات الاقتصادية للقرصنة في منطقة البحر الأحمر على المستوى الإقليمي تتلخص فيما يأتي  :

-        التأثير السلبي على طرق الملاحة البحرية: لا تقتصر تهديدات الملاحة البحرية عبر خليج عدن إلى قناة السويس، وإنما تشمل الطريق المار عبر الخليج العربي، والتي لجأت ناقلات النفط من دول مجلس التعاون الخليجي إلى استخدامه كثيراً؛ لنقل النفط إلى الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية، حيث أصبح الإبحار حول القارة الإفريقية محفوفاً بالمخاطر، والدليل قيام القراصنة باختطاف ناقلة النفط السعودية من المياه الدولية في المحيط الهندي.

-        التأثير السلبي على التجارة الدولية: أدت عمليات القرصنة البحرية إلى ارتفاع تأمين السفن، إضافة إلى ارتفاع تكلفة شحن البضائع والمنتجات جاهزة الصنع.

-        تأثير أعمال القرصنة على دخل ميناء عدن وقناة السويس وحركة الملاحة الدولية: حيث ذُكر في صحيفة(الجارديان) البريطانية، أن زيادة أعمال القرصنة التي تُجري في خليج عدن؛ تؤدي لكارثة إنسانية وبيئية في منطقة القرن الإفريقي وإلى توقف الرحلات التجارية عبر قناة السويس، كما كما ستتأثر الملاحة في قناة السويس بارتباك الملاحة في البحر الأحمر وخليج عدن؛ لأنهما امتداد للقناة، ومن ثم فإن دخل مصر سيتأثر بما تُحدثه القرصنة في البحر الأحمر وقناة السويس.

ثالثًا: الآثار الاقتصادية للقرصنة في البحر الأحمر على المستوى الدولي:

تبرز عملية القرصنة في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن آثارًا على المستوى الدولي تكمن فيما يلي:

1)   إيقاف شركات شحن الحاويات الكبرى عملياتها مؤقتاً عبر قناة السويس: على خلفية الهجمات الصاروخية الأخيرة التي شنها الحوثيون على البحر الأحمر، أوقفت شركتا الشحن  ميرسك عملياتهما في البحر الأحمر يوم 15 ديسمبر الجاري؛ وذلك بعد أن أصبحت سفن هاباج لويد أهدافاً لصواريخ الحوثيين.  هذا وقد تم تحويل مسارات بعض السفن حول طريق رأس الرجاء الصالح في أفريقيا، وهو ما أعقبه انضمام شركات الشحن الكبرى الأخرى في اليوم التالي سي ام ايه  و جي جي ام ، بما في ذلك شركة الشحن  الفرنسية ام اس سي وشركة البحر الأبيض المتوسط للشحن،  ويذكر في هذا الصدد، أن الشركات الأربع الكبرى هذه تسيطر بشكل جماعي على نحو نصف سوق شحن الحاويات العالمية..

فيما قد أعلنت شركة إيفرجرين التايوانية يوم 18 ديسمبر الجاري، عن توقفها مؤقتاً عن قبول البضائع الإسرائيلية، وأصدرت تعليمات لسفنها بتجنب المرور في البحر الأحمر حتى إشعار آخر، ووجهتها بالالتفاف حول رأس الرجاء الصالح، بيد أنه بحسب بيان صادر عن رئيس هيئة قناة السويس يوم 17 ديسمبر الجاري أسامة ربيع، فإنه منذ 19 نوفمبر الماضي، حولت نحو 55 سفينة فقط مسارها عبر طريق رأس الرجاء الصالح، مقارنةً بمرور 2128 سفينة عبر قناة السويس خلال هذه الفترة.

2)   زيادة التوتر العسكري في المنطقة: أثبتت التطورات  الحالية في منطقة البحر الأحمر، عدم قدرة صناعة الشحن على تجنب التورُّط في التوترات الجيوسياسية الناجمة عن الحرب بين إسرائيل وحماس، خاصةً في ظل تعهد الحوثيين بمواصلة الضربات ضد إسرائيل والسفن المتجهة نحوها حتى تتوقف الحرب في قطاع غزة؛ حيث أدت هجمات الحوثيين بدرجة كبيرة إلى زيادة التوتر العسكري في المنطقة؛ ما هدد بانتشار الحرب في غزة وتوسُّع نطاقها. وفي مقابل ذلك أطلقت الولايات المتحدة بدورها قوة حماية بحرية أطلقت عليها مسمى "حارس الازدهار" لتضم دولاً غربية وعربية لحماية الشحن في البحر الأحمر.ارتفاع أسعار النفط وسط توترات منطقة البحر الأحمر: في يوم 19 ديسمبر الجاري، شهدت أسعار النفط زيادة ملحوظة بالتوازي مع ارتفاع العقود الآجلة لخام برنت بنسبة 1.8% إلى 79.38 دولار للبرميل.

3)   ارتفاع العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأمريكي بنسبة 2.1% إلى 73.98 دولار؛ وذلك على خلفية إيقاف شركات النفط الكبرى، مثل شركة بريتيش بتروليوم، العبور مؤقتاً عبر البحر الأحمر؛ ما سلط الضوء على خطورة تنامي الاضطرابات في منطقة البحر الأحمر على سوق النفط العالمية..

4)   زيادة تكاليف التأمين لشركات الشحن: لعل من بين التأثيرات المباشرة الكبرى للتصعيد الحوثي، هو زيادة تكاليف التأمين؛ فبحسب ديفيد أوسلر محرر التأمين في شركة ليدز ليست التي تُقدِّم تحليلات للصناعة البحرية العالمية، فإن تكاليف التأمين تضاعفت بالنسبة إلى شركات الشحن التي تتحرك عبر البحر الأحمر، وهو ما يمكن أن يضيف مئات الآلاف من الدولارات إلى تكاليف الرحلات عبر السفن، مضيفاً أنه بالنسبة إلى أصحاب السفن الإسرائيليين، فقد ارتفعت أسعار التأمين بدرجة أكبر، بنسبة 250%.

5)   تراجع نشاط ميناء إيلات: بحسب تصريحات الرئيس التنفيذي لميناء إيلات الإسرائيلي يوم 21 ديسمبر الجاري، فإن نشاط الميناء قد شهد انخفاضاً بنسبة 85% منذ أن كثف الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن هجماتهم على السفن في البحر الأحمر..

مخاطر محتملة

يُتوقع أن يخلق الانقطاع في الشحن عبر البحر الأحمر رياحاً معاكسة قوية للاقتصاد العالمي الذي لا يزال في طوره نحو التعافي من سلسلة الصدمات التي تعرض لها خلال السنوات الثلاثة الأخيرة، بما في ذلك تداعيات جائحة كوفيد–19 والتدخل الروسي في أوكرانيا، وسياسات التشديد النقدي الواسعة من قبل البنوك المركزية الكبرى؛ حيث يُرجَّح أن يكون لعدم الاستقرار الأمني في منطقة البحر الأحمر انعكاساته السلبية على التجارة العالمية، ومن ثم زعزعة استقرار الاقتصاد الإقليمي والاقتصاد العالمي بالتبعية، وهو ما يمكن إيضاحه في ضوء عدد من المخاطر المحتملة على النحو التالي:

-  تهديد الأمن الطاقوي عالمياً: من المتوقع أن تكون المناطق المستوردة للطاقة هي الأكثر معاناةً، ولا سيما البلدان المنخفضة الدخل وأوروبا التي تقف على حافة الركود، بيد أن الحرب بين إسرائيل وحماس وإن كانت لم تؤثر بعدُ بدرجة كبيرة على أسعار الطاقة، إلا أن الاضطراب في البحر الأحمر قد يكون له تأثير ضخم على استقرار شحنات الطاقة إلى أوروبا.

إذ يشير تصريح  لجون ستاوبرت كبير مديري البيئة والتجارة في الغرفة الدولية للشحن، التي تمثل 80% من الأسطول التجاري العالمي، بإن كمية هائلة من إمدادات الطاقة الأوروبية، بما في ذلك النفط ووقود الديزل، تمر عبر مضيق باب المندب الواقع في الطرف الجنوبي في البحر الأحمر المؤدي إلى خليج عدن. ومن ثم، فإن عدم الاستقرار في المنطقة يعني تهديد إمدادات الطاقة الأوروبية، ومن ثم ارتفاع أسعار النفط والغاز؛ ما قد يُعقِّد بدوره جهود البنوك المركزية للتحول نحو التيسير النقدي، والإبقاء عوضاً عن ذلك على سياسة التشديد النقدي.

-       تضرر قطاع السيارات والسلع الاستهلاكية: في ضوء ما أدت إليه الهجمات الصاروخية من قبل الحوثيين من تعليق العديد من شركات الشحن رحلاتها مؤقتاً عبر قناة السويس، فإن من شأن تكرار تلك الهجمات أن يكون قطاعا السيارات والسلع الاستهلاكية من بين القطاعات الأكثر تضرراً. وبحسب ألبرت جان سوارت الخبير الاقتصادي في قطاع النقل والخدمات اللوجستية في بنك ابن عمر  ، فإنه يُتوقَّع ارتفاع أسعار الشحن البحري؛ نظراً إلى أن الاضطرار إلى تجنب البحر الأحمر يدفع نحو ارتفاع التكاليف؛ بسبب طول وقت السفر، كما أن الإبحار حول أفريقيا قد يؤدي أيضاً إلى زيادة الطلب على سعة السفن، ومن ثم ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وقطع غيار السيارات..

-       تهديد استقرار سلاسل التوريد: يعني قرار شركات الشحن وقف عملياتها مؤقتاً أن ثمة استعداداً لدى تلك الشركات للتمسُّك بذلك القرار، إذا لم تستقر الأوضاع في البحر الأحمر، أو إذا ما شهدت المنطقة تصعيدات إضافية خطيرة؛ ما قد يؤثر على استقرار سلاسل التوريد العالمية؛ نظراً إلى امتلاك هذه الشركات أكبر أساطيل سفن الحاويات في العالم، وهو ما قد يهدد بالتبعية سلاسل الإمداد الغذائية في العالم، بما في ذلك زيت النخيل والحبوب، التي يتم نقلها على متن سفن الحاويات، شأنها شأن معظم المنتجات المصنعة في العالم..

-       آثار واسعة على المستهلكين والمنتجين: من المتوقع أن تؤثر التوترات في البحر الأحمر وارتفاع تكاليف الشحن على المستهلكين في جميع أنحاء العالم، وإن كانت الطرق الأطول ستُوفِّر هوامش ربح أفضل لشركات الشحن، إلا أن ذلك سينجم عنه تضرر المستهلكين نتيجةَ ارتفاع تكلفة السلع والمنتجات الناجم عن التكلفة الإضافية التي سيتحمَّلها المنتجون وينقلها  للمستهلكين بفعل ارتفاع أسعار السلع والخدمات إزاء ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين..

-       إن عدم الاستقرار في المنطقة قد يتجاوز المخاطر المقبولة لممارسة الأعمال التجارية، في ظل تصاعد المخاوف بخصوص تأمين السلع والمنتجات، وارتفاع تكاليف شحنها؛ ما قد ينجم عنه ركود في توريد المنتجات؛ نظراً إلى ارتفاع تكلفة التوريد عبر طرق النقل البديلة الأخرى.

-       مخاطر التحول عن قناة السويس: إذا تطورت التوترات العسكرية بين ميليشيا الحوثي والولايات المتحدة من خلال عمليتها العسكرية "حارس الازدهار"، فإن من المتوقع أن يترك ذلك آثاراً سلبية على قناة السويس، بيد أن هيئة قناة السويس المصرية قد أعلنت يوم 17 ديسمبر الجاري أنها تُراقِب عن كثب آثار التوترات العسكرية في البحر الأحمر على أداء القناة، بعد أن اتخذت شركات النقل الكبرى طرقاً بديلة بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.، وصرَّح رئيس هيئة القناة أسامة ربيع، في إطار ذلك بأن حركة الملاحة البحرية تسير بشكل طبيعي في قناة السويس التي تربط البحر الأبيض المتوسط بالبحر الأحمر، وأن نحو 77 سفينة قد عبرت قناة السويس يوم 17 ديسمبر الجاري، منها بعض السفن التابعة للخطوط الملاحية التي أعلنت التحويل المؤقت.

-       تهديدات للبضائع ذات مدة الصلاحية القصيرة: يُعَد نقل البضائع ذات مدة الصلاحية القصيرة هو الأكثر خطورةً إذا تم التحول إلى طرق النقل البديلة الأطول، التي يجب أن تسلكها السفن إذا خشيت من المرور عبر قناة السويس. وبحسب كريس روجرز مدير فريق أبحاث سلسلة التوريد في شركة اس اند بهي جلوبال ماركت ، فإن شحنات السلع القابلة للتلف، بما في ذلك منتجات الألبان، قد لا تكون قادرةً على تحمل الطرق الأطول؛ ما قد يترتب عليه انخفاض حجم الصادرات من تلك السلع عالمياً..

-       الاضطرار إلى النقل عبر الطرق البديلة الأطول: تتعرَّض الطرق البديلة للخطر، سواء من الناحية العملية أو الاقتصادية؛ فوفقاً لشركة اس اند بهي جلوبال ماركت فإن عمليات العبور عبر رأس الرجاء الصالح تضيف ما لا يقل عن 10 أيام وأكثر من 15% إلى تكاليف الشحن، فيما تتطلب الشحنات البرية عن طريق السكك الحديدية عبور روسيا، في حين أن النقل بالشاحنات من الخليج إلى إسرائيل قد يُعوِّض فقط نحو 3% من الشحن العالمي..

-       ضغوط تصاعدية على تكاليف التشغيل: من المتوقع أن تكون المسارات الأخرى البديلة أطول بنسبة 40%؛ ما قد يسبب ضغطاً تصاعدياً كبيراً على تكاليف التشغيل؛ حيث يمتد وقت الشحن في أي مكان ما بين أسبوع إلى أربعة أسابيع للشحنات، ومن ثم فإن من شأن الاضطرابات في البحر الأحمر أن تؤخر شحن البضائع، فضلاً عن زيادة أسعارها؛ نظراً إلى ارتفاع تكاليف التشغيل خلال الفترة الإضافية.

-       اضطرابات في حركة التجارة العالمية: بما أن نحو 12% من التجارة العالمية، بما يمثل تريليون دولار، تمر عبر البحر الأحمر كل عام، فإن التأخير والتحول عن قناة السويس إلى طرق الشحن البديلة، من الممكن أن يتسبب في خلق اضطراب كبير في التجارة العالمية. كما أن طريق رأس الرجاء الصالح قد يقلل – في حال اعتماده طريقاً بديلاً لفترة من الزمن – من القدرة الفعلية للرحلة بين آسيا وأوروبا بنسبة 25%؛ لذا يُتوقَّع إذا استمرت الاضطرابات، أن يتم التفاوض على جزء كبير من عقود الشحن الطويلة الأجل بين آسيا وأوروبا في الأشهر المقبلة؛ ما قد يسمح لشركات الطيران بتأمين رحلاتها بمعدلات أعلى من المتوقع.

سيناريوهات متوقعة

خلاصة القول إن التوترات الراهنة في البحر الأحمر ترتبط بسيناريوهات رئيسية؛

-        أولها استمرار التصعيد الحوثي في منطقة البحر الأحمر؛ وذلك إذا استمرت ميليشيا الحوثي في التصعيد وشن هجماتها الصاروخية على السفن في البحر الأحمر؛ فإنه من الممكن أن يتوقف الإبحار عبر قناة السويس لمدة زمنية قد تطول، وأن تُستبدَل طرق الشحن البديلة مكانَها. ومن شأن التحول عن قناة السويس، إذا تصاعدت الهجمات وأُعِيد توجيه السفن إلى رأس الرجاء الصالح في جنوب أفريقيا، أن يضر بشكل كبير بالتجارة العالمية وسلاسل التوريد العالمية وأمن الطاقة، وخاصةً بالنسبة إلى الدول المستورِدة للنفط والغاز؛ ما قد ينعكس في المحصلة النهائية سلباً على المنتجين والمستهلكين، في ظل طول مدة الرحلات وارتفاع تكاليف شحن السلع والمنتجات.

-       يرتبط السيناريو الثاني بإمكانية عرقلة جهود ميليشيا الحوثي في زعزعة استقرار المنطقة؛ حيث يذهب الخبراء – وفق هذا السيناريو – إلى القول بأن ميليشيا الحوثي ليس بمقدورها إغلاق قناة السويس أو تدمير الاستقرار في منطقة البحر الأحمر، استناداً إلى عدد من الدلائل؛ أولها أن الحوثيين لا يملكون سفناً حربيةً بحريةً رسميةً يمكن من خلالها تطويق المنطقة، وإعاقة السير فيها، بل يعتمدون على إطلاق النيران والهجمات من خلال طائرات هليكوبتر حتى الوقت الحالي. ثانياً قيام السفن الحربية الأمريكية الفرنسية وغيرها من سفن التحالف بدوريات في المنطقة؛ ما يعني أن هناك حالةً من التأهب على الجانب الآخر للتصدي لهجمات الحوثيين في البحر الأحمر والرد عليها، ومن ناحية ثالثة فإن الولايات المتحدة تعمل فعلياً على توسيع القوة الأمنية البحرية المتعددة الجنسيات، تحت اسم "عملية حارس الازدهار"، لتضم دولاً أخرى، رداً على الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار المتزايدة التي يشنها المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران في اليمن، بهدف تأمين البحر الأحمر من تهديدات الحوثيين، وتأمين تدفق التجارة العالمية.

-       ينصرف السيناريو الثالث إلى استمرار السجالات بين عملية "حارس الازدهار" وبين الحوثيين؛ إذ قد لا تفلح عملية "حارس الازدهار" في وضع حد جذري لهجمات ميليشيا الحوثي الصاروخية على البحر الأحمر، لينتج عن ذلك استمرار حالة السجال بين الطرفين في المنطقة، وهو الوضع الذي قد ينصبُّ في غير صالح استقرار التجارة العالمية والإبحار عبر قناة السويس؛ إذ يعني ذلك مزيداً من التوتر العسكري بين الجانبين؛ ما قد يجبر – في حال تصاعده – على توقف العبور من قناة السويس لفترة زمنية، قد تطول وفقاً للمدة التي ستستمر خلالها حالة السجال هذه، ومن ثم التحول إلى طرق النقل البديلة ذات المخاطر الواسعة على التجارة العالمية.