مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات..
أثر السياسات النقدية لطرفي الصراع في اليمن على القطاع المالي والمصرفي للفترة من 2014- 2024م
إنّ تطبيق قرار إلغاء العملة القديمة يواجه تحدّيات متعدّدة يفرضها واقع الانقسام السياسي بين سلطة عدن وسلطة صنعاء. وفي وضعٍ كهذا، يستطيع البنك المركزي في عدن ممارسة سلطته بشأن التعامل بالعملة القديمة في مناطق سيطرته في عدن، ويصعب عليه تنفيذ هذا القرار في مناطق سيطرة الحوثيين في صنعاء.
مقدمة:
مرّ اليمن، منذ عام 2011م، بأزمة سياسية وأمنية وعسكرية أدّت إلى تدهور اقتصادي شامل وولدت أزمات اجتماعية وتنموية واجتماعية واقتصادية ومالية، وكان القطاع المالي والمصرفي أكثر تأثيرا؛ نتيجة اتباع سياسات نقدية استثنائية للحفاظ على استقرار النظام المالي.
- إشكالية البحث
بعد نحو عشر سنوات من بدء الحرب القائمة والتي أدّت إلى أزمة "اقتصادية وإنسانية" معقدة، حيث تحكم السلطة “المعترَف بها دولياً” في عدن نحو ثلث السكان ويمتدّ نفوذها على قرابة ثلثي مساحة البلاد. أمّا صنعاء، فهي تحت سلطة “حكومة الأمر الواقع” بقيادة الحوثيين، والتي تحكم نحو ثلثي السكان وتمتدّ على ثلث مساحة اليمن. وقد ولّدت الحرب في جميع أنحاء اليمن أزمةً اقتصاديةً خانقة تمثّلت في انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 50%، وتراجع عوائد النفط والغاز إلى مستويات متدّنية، بالإضافة إلى ارتفاع معدّل البطالة وخاصة بين الشباب إلى قرابة 60%. وكشفت تقارير أنّ نحو 70% من السكان يواجهون خطر الفقر ويحتاجون إلى مساعدات إنسانية.
وقد صاحب الأزمة الاقتصادية تعميقٌ تدريجي للانقسام النقدي والمصرفي بين المناطق الخاضعة لسلطة عدن وتلك الخاضعة لسلطة المليشيات الحوثية في صنعاء. بدأ هذا الانقسام عندما انتقلت إدارة البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في أواخر العام 2016م، وقامت بطباعة كمية كبيرة من النقود تُقدَّر بنحو 2,5 تريليون ريال يمني، وانتهجت سياسات متهوّرة في تمويل نفقات الحكومة في عدن من مصادر تضخمية.
وقد ساهم كلّ ذلك في تدهور قوة الريال الشرائية في مناطق سيطرو الحكومة، إذ وصل سعر صرف الريال اليمني مقابل الدولار في نهاية عام 2019م، إلى أكثر من نصف ما كان عليه قبل الحرب 530 ريالا للدولار، الذي كان يساوي 215 ريالا للدولار في نهاية عام 2014.
وظلّ سعر صرف الريال موحّداً بين مناطق صنعاء وعدن حتى العام 2020، عندما قرر البنك المركزي في صنعاء منع تداول العملة الجديدة المطبوعة من قبل البنك المركزي في عدن، ما خلق نظامين مختلفين لسعر صرف الريال، إذ بقي شبه ثابت في مناطق صنعاء (530 ريال للدولار)، بينما تصاعد في مناطق عدن حتى وصل في منتصف عام 2024م إلى 1900ريال للدولار، أي ثلاثة أضعاف ما كان عليه في مناطق سيطرة الحوثيين صنعاء.
- أهداف البحث:
1- تحليل مدى تأثير السياسات النقدية التي اتبعها البنك المركزي اليمني عدن خلال الفترة من 2014 إلى 2024م، في تجاوز الأزمات المالية والاقتصادية المتراكمة منذ عشرة أعوام.
2- تقييم تأثير هذه السياسات على القطاع المصرفي والنظام النقدي في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية.
3- تحليل مدى تأثير السياسات النقدية المناهضة لتوجهات البنك المركزي في عدن من قبل السلطات الحوثية في صنعاء.
4- تقييم الأثر للسياسات النقدية لطرفي الصراع على القطاع المصرفي في اليمن بشكل عام وعدن على وجهه الخصوص.
5- تحديد التحديات التي تواجه القطاع المصرفي والنظام النقدي في اليمن من جرى هذا الانقسام.
6- معرفة الموافق المحلية والإقليمية من قرارات مركزي عدن.
7- اقتراح توصيات لمعالجة هذه التحديات.
- منهجية البحث:
استندت هذه القراءة البحثية على المنهج الوصفي التحليلي وكذلك تتبع سلسلة الأحداث المحلية والتقارير المحلية والدولية منذ بداية الأزمة في اليمن.
المبحث الأول:
واقع السياسات النقدية في اليمن للفترة من 2014- 2024م
أثرّ الانقسام السياسي والعسكري في اليمن، تأثيًرا مباشرًا على السياسات النقدية بشكل كبير خلال هذه الفترة، مما أدّى إلى بروز سلطتين نقديتين في صنعاء وعدن اتبعت كل منها سياسات نقدية استثنائية للحفاظ على استقرار النظام المالي في المناطق التي تسيطر عليها.
إذ يوجد بنكان مركزيان أحدهما تديره الحكومة في العاصمة عدن، ويتعامل بأوراق مالية حديثة تكاد تكون مختلفة في معالمها وحجمها بلغ قيمة الدولار الأميركي في منتصف عام 2024م الى 1900ريالا للدولار، وبنك آخر في صنعاء يديره الحوثيون، ويتعامل بأوراق مالية أقدّم، وصل قيمة الدولار الأميركي في منتصف عام 2024م، الى 531 ريالا للدولار.
ومن خلال تلك الإشكالية سنحاول أن نتتبع سلسة السياسات النقدية لدى طرفي الصراع في اليمن وما تولد عنها من ردود فعل ومخاطر وآثار وتحديات تجلت بوضوح في القطاع المصرفي في اليمن.
أولا: واقع السياسات النقدية لحكومة الشرعية في العاصمة عدن
منذ اندلاع الصراع في اليمن عام 2014، واجهت الحكومة الشرعية في عدن تحديات هائلة في الحفاظ على استقرار النظام النقدي وإدارة السياسة النقدية في ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة.
ومن بين أبرز التحديات الاقتصادية التي يفرضها الصراع في اليمن كان تباين السياسات النقدية بين الفريقين المتصارعين، وتدفقات النقد الأجنبي، وتمويل عجز المالية العامة بزيادة المعروض من النقود من أهم الآثار التبعية الناتجة عن الصراع.
وكان لهذه الظروف على صعيد الاقتصاد الكلي تداعيات كارثية على صعيد الاقتصاد الجزئي. ومع أن متوسط تكلفة المواد الغذائية الأساسية زاد بصورة كبيرة منذ عام 2015، فإن تباين السياسات النقدية أوجد اختلافات اقتصادية، مثل تباين الأسعار بين المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً وتلك التي تخضع لسيطرة الحوثيين([1]).
وقد اتخذت حكومة الشرعية عدد من القرارات المتعلقة بالسياسات النقدية كان أبرزها الاتي:
1-عقد هدنة اقتصادية بين الحكومة والمليشيات الحوثية
تم عقد اتفاق رسمي بشأن تحييد المصرف المركزي، وما حدث هو استجابة من قبل الحكومة لنصائح وضغوط المؤسسات المالية الدولية والدول الكبرى، بعدم اتخاذ أي إجراءات أو قرارات من شأنها خلق مؤسسات مالية بديلة وعلى رأسها البنك المركزي". ويبدو من اتهامات الحكومة تارة للحوثيين بخرق اتفاق حيادية المصرف المركزي، وتارة للمصرف نفسه بتمويل حروب الحوثيين، أنها فقدت السيطرة على المؤسسات المالية.
واستخدم رئيس الوزراء اليمني مصطلح "الهدنة الاقتصادية"، وقال "لقد التزمنا، نحن في الحكومة، بهدنة اقتصادية كان قد اقترحها الأصدقاء منذ بداية الحرب". وأشار إلى أن نصوص الهدنة تؤكد على قيام الحكومة بتوريد الإيرادات إلى حساب الحكومة في المصرف المركزي بصنعاء ويتولى صرف الرواتب لجميع موظفي الدولة ومنها المناطق المحررة الخاضعة لسيطرة الحكومة.
2-قرار نقل البنك من صنعاء الى عدن
أصدر الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي قرارا جمهوريا رقم (119) للعام 2016 م بشأن إعادة تشكيل مجلس إدارة البنك المركزي اليمني ونقل مقره الرئيسي.
وقضى القرار بتعيين منصر القعيطي محافظاً للبنك المركزي رئيساً، وعباس أحمد عبدالله الباشا نائب محافظ البنك المركزي نائباً للرئيس. كما نص القرار على تعيين خمسة من القيادات الاقتصادية أعضاء في مجلس إدارة البنك. وتضمن القرار بنقل المقر الرئيسي للبنك المركزي اليمني وإدارة عملياته الى عدن.
وهذا القرار يُمثِّل في الواقع قيام مؤسسة جديدة. ومع أن البنك المركزي اليمني احتفظ بإمكانية النفاذ إلى الأسواق واستخدام الأدوات النقدية، فإنه كان يفتقر إلى سيولة كافية من النقد الأجنبي.
واستقر الريال اليمني لفترة وجيزة في أوائل عام 2019 في أعقاب وديعة كبيرة للمملكة العربية السعودية من العملات الأجنبية في البنك المركزي في عدن. ومع استنفاد هذه الوديعة تدريجياً.
وفي مواجهة الضغوط المالية المتزايدة التي تفاقمت جراء انهيار إنتاج النفط وصادراته في عام 2015 (وما ترتب عليه من فقدان عائدات النقد الأجنبي)، لجأت الحكومة المعترف بها دولياً إلى تمويل عجز المالية العامة بزيادة المعروض من النقود. وسرعان ما أفضى هذا إلى استنزاف الاحتياطيات من النقد الأجنبي، وهو ما جعل البنك المركزي اليمني يتخلَّى عن الدولار كعملة مرجعية بحكم الواقع، وأدَّى ذلك إلى تدهور أوضاع الاقتصاد الكلي في خضم ارتفاعٍ سريع للتضخم وانخفاضٍ في قيمة العملة. ومع استمرار الصراع، تحوَّل اقتصاد اليمن أكثر فأكثر إلى اقتصاد مزدوج بحكم الواقع، حيث انقسم بين المنطقة التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً والمنطقة الخاضعة لسيطرة الحوثيين، الأمر الذي أدَّى فعلياً إلى قيام نظامين وطنيين منفصلين كما يتضح ذلك في الاختلافات في أسعار الصرف بين المنطقتين. وفي أعقاب انقسام العملة، واصلت قيمة الريال التراجع في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً([2]) .
وفي سبتمبر/ أيلول 2018م قام البنك المركزي في عدن برفع أسعار الفائدة على أدوات الدين المحلي وقدم أدوات دين محلي جديدة، في محاولة لجذب أصول البنوك التجارية والإسلامية. اعتبارًا من نوفمبر/ تشرين الأول، باع البنك المركزي في عدن أدوات دين محلي بقيمة 100 مليار ريال لمجموعة من البنوك التجارية والإسلامية.
- في العاشر من يناير/ كانون الثاني، أصدرت اللجنة الاقتصادية العليا التابعة للحكومة اليمنية ثلاثة قرارات تنص على رفع سعر صرف الدولار والجمركي وأسعار الوقود (المنتج محليا) والكهرباء والمياه. بموجب القرار الأول، تم رفع سعر صرف الدولار الجمركي للبضائع المستوردة بنسبة 50%، من 500 إلى 750 ريال يمني لكل دولار أمريكي في جميع المناطق التي تسيطر عليها الحكومة.
ونص القرار الثاني على رفع سعر البترول (المكرر محلياً) بنحو 180%، من 175 ريالاً إلى 487.5 ريال يمني للتر الواحد، بينما تم رفع سعر أسطوانة الغاز سعة 20 لترًا بنسبة 43% من 2100 ريال يمني إلى 3000 ريال.
3-قرار إلغاء العملة القديمة
اتّخذت إدارة البنك المركزي في عدن سلسلة من القرارات الحازمة في يونيو من عام 2024م بهدف توحيد العملة وسعر الصرف، وتوحيد آليات عمل البنوك، وتنظيم علاقتها بالمودعين والمستثمرين وفقاً للقوانين النافذة بشأن البنك المركزي والبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر وصناديق التوفير.
ومن أبرز هذه القرارات، إلغاء التعامل بالعملة القديمة المصدرة قبل عام 2016، واستعداد البنك لمبادلة تلك العملة بما يساويها من العملة الجديدة. ويهدف البنك المركزي في عدن من خلال هذا القرار إلى توحيد العملة الوطنية كمقدّمة لتوحيد سعر الصرف، فإلغاء القيمة القانونية والشرائية للعملة المتداولة في مناطق سلطة صنعاء قد يدفع الأفراد والشركات والصرّافين إلى التخلّص من العملة القديمة واستبدالها بالعملة الجديدة. بالتالي، سيؤدّي ذلك إصدار سعر صرف واحد للعملة الجديدة، ما يحدّ من التضخم ويحقق الاستقرار النقدي.
معوقات تطبيق هذا القرار:
إنّ تطبيق قرار إلغاء العملة القديمة يواجه تحدّيات متعدّدة يفرضها واقع الانقسام السياسي بين سلطة عدن وسلطة صنعاء. وفي وضعٍ كهذا، يستطيع البنك المركزي في عدن ممارسة سلطته بشأن التعامل بالعملة القديمة في مناطق سيطرته في عدن، ويصعب عليه تنفيذ هذا القرار في مناطق سيطرة الحوثيين في صنعاء.
وكذلك تعد العملة القديمة هي العملة الرسمية وما تزال تشكّل كتلة نقدية معتبرة، وسيظلّ لها وجود ودور في تسهيل المعاملات والتحويل إلى عملات أخرى والقيام بالوظائف المتعارف عليها مسنودة بالدعم القوي من البنك المركزي في صنعاء.
4-قرار نقل المراكز الرئيسية للبنوك من صنعاء إلى عدن
واتخذت الحكومة في عدم قرارا بنقل المراكز الرئيسة للبنوك من صنعاء إلى عدن بهدف تأكيد حق البنك المركزي السيادي والقانوني في ممارسة الرقابة المصرفية على جميع البنوك العاملة في اليمن، وتوحيد آليات عملها وتنظيم دورها في الوساطة المالية، وضمان تعاملها مع المودعين والمقترضين وفقاً للقوانين النافذة. ولتحقيق هذا الهدف، يمتلك البنك المركزي في عدن الأدوات والوسائل اللازمة لإجبار البنوك على نقل مقراتها الرئيسية إلى العاصمة عدن.
قد قرّر البنك منع التعامل مع البنوك التي لم تنفّذ هذا القرار، كما أنّه يسيطر على أنظمة التحويلات المالية الدولية، مثل “سويفت” و”أيبان”، ويمكنه منع البنوك غير المتعاونة من الوصول إلى هذه الأنظمة، وبالتالي عزلها عن النظام المالي العالمي ما يصعّب عليها القيام بعملياتها.
وللوصول إلى هذا القرار اتخذ البنك المركزي في عدن عددا من الإجراءات القانونية أبرزها الاتي:
1- في 10 أغسطس 2021م طالب البنك المركزي التابع للحكومة، في بيان، جميع عدد من البنوك العاملة في العاصمة عدن، بنقل إدارة عملياتها من صنعاء إلى عدن، كي يتسنى له التحقق من جميع عملياتها، والتفتيش الميداني المباشر لها.
2- توعد البنك المركزي في العاصمة عدن بإعلان قائمة بالبنوك غير الملتزمة، وتزويد جميع الجهات المحلية والبنوك والمؤسسات المالية المصرفية الخارجية والمنظمات الدولية الأخرى بها.
3- في نهاية شهر مارس 2024م أعلن البنك المركزي في العاصمة عدن، أنه أوقف التعامل مع البنوك وشركات الصرافة المخالفة لتعليماته، وبينها خمسة من أكبر البنوك والمؤسسات المصرفية والمالية في البلاد. والبنوك المخالفة هي التضامن، أحد أكبر البنوك التجارية في البلاد، و(اليمن والكويت) والأمل للتمويل الأصغر ومصرف اليمن والبحرين الشامل وبنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي.
4- وجه البنك المركزي بإيقاف التعامل مع 13 شركة صرافة في محافظة مأرب في شمال شرق البلاد على خلفية مخالفة للتعليمات.
5- أصدر محافظ البنك المركزي أحمد غالب القرار رقم (17) لسنة 2024 بشأن نقل المراكز الرئيسية للبنوك التجارية والمصارف الإسلامية وبنوك التمويل الأصغر من مدينة صنعاء الى العاصمة عدن". وأمهل القرار البنوك 60 يوما للتنفيذ، محذرًا من يتخلف عن ذلك بأنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقه طبقا لأحكام قانون مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب النافذة ولائحته التنفيذية.
6- وفي 30 مايو/ أيار 2024، أعلن البنك المركزي في العاصمة عدن، إيقاف التعامل مع 6 من البنوك والمصارف اليمنية، بعد انتهاء المهلة المحددة بـ60 يوم لتنفيذ قراره بنقل مراكزها الرئيسية إلى عدن، وهي:
- بنك التضامن
- بنك اليمن الكويت
- مصرف اليمن والبحرين الشامل
- بنك الأمل للتمويل الأصغر
- بنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي
- بنك اليمن الدولي.
- وأصدر قرار جديدا يدعو فيه إلى عدم التعامل مع العملة القديمة إيداعها في البنك خلال ستين يوما([3]) .
التحديات:
- استمرار انقسام النظام النقدي، يُعد انقسام النظام النقدي اليمني أحد أكبر التحديات التي تواجهها الحكومة الشرعية.
- نقص السيولة النقدي، يعاني الاقتصاد اليمني من نقص حاد في السيولة النقدية، مما يُعيق النشاط الاقتصادي.
- الفساد، يُعد الفساد أحد العوامل الرئيسية التي تُعيق فعالية السياسات النقدية
- تدخلات المملكة العربية السعودية والمبعوث الاممي في القرارات التي يتخذها بنك عدن المركزي في سبيل اخضاع المليشيات الحوثية.
ثانيا: واقع السياسات النقدية التي اتخذتها السلطات الحوثية في صنعاء:
منذ سيطرتها على صنعاء عام 2014م، اتخذت السلطات الحوثية في اليمن سلسلة من السياسات النقدية التي أثرت بشكل كبير على الاقتصاد اليمني، وبشكل خاص على القطاع المصرفي والنظام النقدي.
أصدر المجلس الحاكم للحوثيين بيانًا قالوا فيه إن "هذه الخطوة غير المسبوقة تعكس مدى اليأس والاضطراب الذي وصل إليه النظام السعودي وأعوانه في الرياض." وأضاف البيان أن البنك المركزي في صنعاء والذي يديره حاليًا محافظ مخضرم هو محمد بن همام، لا بد أن يكون السلطة النقدية الشرعية الوحيدة في اليمن.
وجاء في البيان أن "تلك الخطوة لاغية ولا وجود لها من وجهة النظر الشرعية ... إننا نهيب بالمجتمع الدولي، خاصة المؤسسات النقدية والمالية الدولية أن تلتزم بقرارها وأن ترفض تلك الخطوة." وقال عبد الملك الحوثي زعيم الحوثيين في لقاء تلفزيوني مع محطة المنار اللبنانية إن تلك الخطوة تأتي مباشرة من الولايات المتحدة، وطلب من اليمنيين دعم البنك في صنعاء.
وأضاف الحوثي "ليشارك كل من يستطيع في دعم البنك سواء بـ 50 أو 100 أو 1000 ريال، وسوف ترون كيف سيصمد البنك أمام المؤامرات التي يواجهها.
لقد ظلت صنعاء التي يسيطر عليها الحوثيون المركز المصرفي والتجاري لليمن مستفيدةً من زيادة التدفقات الوافدة من تحويلات المغتربين والمعونات الخارجية التي تُنفَّذ من خلال النظام المصرفي الرسمي.
وأعلن الحوثيون أن صنعاء لم تعد تقبل أوراق النقد الجديدة التي تصدرها الحكومة المعترف بها دولياً، الأمر الذي أدَّى فعلياً إلى انفصال السياسة النقدية بين المنطقتين.[4] وتفاقمت الانقسامات في القطاع المصرفي اليمني بعد أن أصدرت سلطات صنعاء قانوناً يحظّر التعاملات الربوية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في مارس 2023. وأدّى هذا القانون إلى شلّ عمليات البنوك التجارية والإسلامية ومؤسّسات التمويل الأصغر، حيث قوّض ثقة المودعين والمقترضين في النظام المصرفي، ودفع عدداً من البنوك إلى حافة الإفلاس، إن لم تكن قد أفلست بالفعل.
وأشارت عدد من التقارير أن " استثمارات البنوك التجارية، ما قبل 2015م، بلغت تريليونا وثمانمائة مليار ريال يمني، أي ما يوازي ثلاثة مليارات وأربعمئة مليون دولار". وأضافت: "هناك استثمارات أخرى أيضا تقدر بمليار وثلاثمئة مليون دولار، وإجمالي الجميع يصل إلى أربعة مليارات وسبعمائة مليون دولار، إضافة إلى مليار دولار في التأمينات. وهذا السطو في حينها، خلال فترة الحرب عشر سنوات ماضية، قدرت أموال الخصوم، التي تم السطو عليها، حسب يمن دايركت، ما يفوق تسعة عشر مليار دولار، فيما الرصيد التراكمي للثروات قُدر بالعشرات، والمبالغ التي خرجت من الجمهورية اليمنية؛ لأنها أصبحت بيئة طاردة للاستثمار".
وفي سبيل افشال قرار النقل صلاحيات البنك إلى عدن اتبع الحوثي عدد من السياسات النقدية أهممها:
1- عمد البنك المركزي الذي يسيطر عليه الانقلابيون إلى طباعة أكثر من 400 مليار ريال بدون غطاء نقدي أجنبي، كما لجأوا إلى إصدار سندات حكومية وبيع أذون خزانة للبنوك والمستثمرين المحليين مقابل نسبة فائدة تصل إلى 16 بالمئة، وهو إيراد مكلف ومدمر في نفس الوقت لاقتصاد البلد.
2- إخراج أوراق نقدية قديمة وتالفة، كان قد سحبها في فترات سابقة من الأسواق وصدرت محاضر رسمية بإحراقها.
3- الاستفادة من الاحتياطي الاجنبي البالغ 4.2 مليارات دولار أوائل عام 2015.
4- حافظ البنك المركزي في صنعاء على معظم موظفيه وأرشيف معلوماته، بالإضافة لنفوذه الواسع لدى كبرى المؤسسات المالية في البلاد، والتي تقع مقراتها في العاصمة صنعاء غالبًا.
5- قام البنك المركزي في صنعاء باتباع آلية منذ أوائل عام 2017؛ فهو لا يسمح للبنوك التجارية باستخدام الأرصدة النقدية المتراكمة قبل عام 2017، والتي تمثل الجزء الأكبر من معظم الأصول المالية للبنوك.
6- منع تداول العملة المحلية الجديدة الصادرة من عدن وفرص حضر عليها ومصادرتها في مناطقهم.
7- فصل المعاملات النقدية عن المعاملات غير النقدية إلى تقويض استخدام أدوات الدفع غير النقدية، مثل الشيكات، وقد ثبط ذلك عموم السكان من إجراء المعاملات المالية ضمن القطاع المصرفية
8 - في نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أصدرت سلطات الحوثيين أوامر للبنوك التجارية باستخدام الشيكات لتغطية خطابات الاعتماد، في خطوة تسعى لمنع نقل العملات الورقية خارج المناطق التي تسيطر عليها. ي ديسمبر/ كانون الأول 2018 قيوداً جديدة لمنع تحويل الأموال خارج أراضيها. فقد منعت سلطات الحوثيين البنوك من تحويل المبالغ التي تزيد عن 450,000 ريال يمني (حوالي 900 دولار في ديسمبر/ كانون الأول 2018) من صنعاء إلى عدن دون موافقة مسبقة من البنك المركزي في صنعاء.
9- ضغطت سلطات الحوثيين على التجار المستوردين لتقديم ضمانات خطية بعدم استيراد البضائع عبر الموانئ التي تسيطر عليها الحكومة كما جرت العادة، وتوجيهها عوضا عن ذلك إلى ميناء الحديدة. في 9 فبراير/ شباط، أثار تجار من الغرفة التجارية والصناعية بصنعاء.
10- أعلن البنك المركزي اليمني بصنعاء لكل المعنيين بالقطاع المصرفي محليا ودوليا، قيامه بكافة أنشطة الرقابة على النشاط المصرفي من خلال طاقم محترف، سبق لكافة المؤسسات المالية الدولية التعامل معه". وحمّل البيان "قيادة البنك المركزي بعدن، مسؤولية أية خطوات أو قرارات تستهدف المساس باستقرار القطاع المصرفي اليمني، أو إعاقة أنشطته التي تمثل عمودا رئيسا للأنشطة الاقتصادية وبرامج المساعدات الإنسانية.
11- استهداف المنشئات النفطية في شبوة وحضرموت ظل عدم تصدير النفط والغاز، وغياب آلية تحصيل الضرائب، والرسوم، واستمرار الفساد في المحافظات المحررة عائقا لتعطيل مهام البنك في عدن.
12-أقدم الحوثيون على تعطيل حركة التحويلات المالية ردة فعل مماثل وهو قيام بنك صنعاء التابع لها بالتعميم للبنوك والصرافين بعدم التعامل مع "الشبكة الموحدة لتحويل الأموال" التي أطلقها البنك المركزي في عدن، مع إيقاف التعامل مع أكبر بنكين يعملان ضمن الشبكة وهما "البسيري والقطيبي ؛ مما أدى إلى انتهاء أزمة التحويلات المالية بين المناطق التابعة للحكومة اليمنية الشرعية، ومناطق سيطرة ميليشيا الحوثي الناتجة عن القرارات المتبادلة بين البنك المركزي في عدن وبنك صنعاء التابع للميليشيا. 13- أقرّ الحوثيون بسك عملة محلية فئة 100 ريال في سبيل مواجهة أزمة السيولة وتلف العملة في مناطق سيطرتهم.
14- أصدر البنك المركزي الخاضع لسيطرة مليشيات الحوثي الإرهابية في صنعاء، قراراً بمنع التعامل مع 13 بنكاً تجارياً جمعيها مرخصة من قبل البنك المركزي اليمني في عدن، في رد واضح على قرارات الأخير. وقد شمل القرار الحوثي، حظر التعامل مع كل من الاتي:
· بنك القطيبي الإسلامي للتمويل الأصغر.
· بنك البسيري للتمويل الأصغر.
· بنك عدن الإسلامي للتمويل الأصغر.
· بنك عدن الأول الإسلامي.
· البنك الأهلي اليمني – عدن.
· بنك التسليف التعاوني الزراعي عدن.
· بنك الشمول للتمويل الأصغر الإسلامي.
· بنك السلام كابيتال للتمويل الأصغر الإسلامي.
· بنك تمكين للتمويل الأصغر.
· بنك الإنماء للتمويل الأصغر.
· بنك الشرق اليمني للتمويل الأصغر الإسلامي.
· بنك حضرموت التجاري.
· بنك بن دول للتمويل الأصغر الإسلام([5])
مما سبق تبين أن قيام مليشيا الحوثي بحجز هذه الأموال، إضافة إلى السياسات النقدية التي اتخذها البنك المركزي في صنعاء، كل ذلك خلق أزمة كبيرة بين البنوك والمودعين لديها، وتحديات كثيرة تواجه القطاع المصرفي دون حلول حقيقية أو معالجات لإنقاذه من الانهيار.
سياسيات الــحوثيين الاقتصادية: الخطوات والاجراءات
سيطرت جماعة الحوثيين المسلحة على معظم المحافظات الشمالية والغربية، وأسست الجماعة خلال الحرب مراكز اقتصاد جديدة واقتصاد الحرب من خلال بسط سيطرتها على البنوك وشركات الاتصالات واحتكروا تجارة النفط والغاز والغذاء وعملوا نقاط جمارك داخل المدن. واستنزاف الاحتياطي النقدي للبلاد، ومثل سيطرتهم على العاصمة صنعاء مرتكز لكل ذلك.
1ــ استنزاف الاحتياطي النقدي في ظل هدنة اقتصادية هشة
قُّدر الاحتياطي النقدي للجمهورية اليمنية قبل اجتياح الحوثيين صنعاء في سبتمبر (2014) بحدود 5.1 مليارات دولار ومع بداية الحرب الأهلية دخلت القوى الانقلابية مع الحكومة الشرعية في المنفى ما اصطلح على تسميته بالهدنة الاقتصادية بين الحكومة والحوثيين، حيث استمرت هذه الهدنة حتى نهاية العام 2016، لتوجه الحكومة الشرعية فيما بعد اتهاماتها لسلطة الحوثيين باستنزاف الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة.
تمكن جماعة الحوثيين من الاستيلاء على مقومات الدولة جميعها، بما في ذلك البنك المركزي. وقد مكن بقاء سلطة البنك المركزي والقرار الاقتصادي تحت ادارة جماعة الحوثي من تسخيره في دعم حروبها وجبهاتها العسكرية المتعددة خصوصًا مع استمرار توريد الإيرادات الى العاصمة المركزية صنعاء في فترة الحرب، كما مكنت الهدنة الاقتصادية والتي استمرت لأكثر من 18 شهرًا من بدء الانقلاب من استمرار استنزافها للخزينة العامة والمال العام، ساعد على ذلك أن واقع الميزانية العامة المعمول بها يشوبها فسادًا وأسماء وهمية كبيرة خصوصًا المؤسسة العسكرية، حيث استغلها الحوثي في صرف مخصصات ورواتب أفراده وميليشياته الحديثة غير المضمنة في قوائم المؤسسة العسكرية. بالإضافة الى ذلك فقد ساهمت عملية صرف رواتب موظفي الدولة خلال تلك الفترة في دعم النشاط الاقتصادي في تلك المناطق وسمح للحوثيين بفرض ضرائب أطلقوا عليها اسم “المجهود الحربي” على رواتب الأفراد، بينما قامت الجماعة أيضًا باستقطاع جزء من موازنة الوزارات لتمويل مجهودها الحربي.
2 - مصادرة مرتبات موظفي الدولة
لقد كان لاستنزاف الاحتياطي النقدي ونقل البنك المركزي الى العاصمة المؤقتة عدن تأثيراته المتعددة على الوضع العام لاسيما على موظفي الدولة، حيث أمتنعت سلطة الحوثيين بداية من أغسطس 2016 عن دفع رواتب الموظفين والذين يفوق عددهم أكثر من مليون ومائتين ألف موظف. ويأتي مصادرة الحوثيين رواتب الموظفين في إطار المساحة الجغرافية الخاضعة لسيطرتها على الأقل، ويعود لصالح تمويل جبهاتها العسكرية، ضمن مجموع من إجراءات التحصيل الجديدة وتخصيصها لمواجهة متطلبات الحرب والجبهات.
3ــ تعويم المشتقات النفطية
في يوليو/تموز2015 أعلن الحوثيون تعويم أسعار المشتقات النفطية، وأضيف خمسة ريالات على كل لتر لصالح بناء محطة كهربائية و54 ريالاً لصالح بناء ميناء نفطي، تضاف جميعها على سعر اللتر. في نهاية المطاف لم تلتزم الجماعة بما وعدت وتحولت تلك الأموال لصالح الجماعة إلى مراكز مالية جديدة.
ويذكر تقرير صادر عن منظمة هيومن رايتس ووتش في السابع من ديسمبر 2017 أن فريق خبراء الأمم المتحدة أكد أن بيع الوقود في السوق السوداء أحد أهم المصادر الرئيسية لإيرادات الحوثيين، حيث يفيد التقرير ان الحوثيين جنوا ما يصل إلى 1.14 مليار دولار من توزيع الوقود والنفط في السوق السوداء، بالإضافة الى قيامها باستيراده لأغراضها العسكرية.
3- السيطرة على الرسوم الجمركية وميناء الحديدة
اتخذت جماعة الحوثيين جملة من الإجراءات الاقتصادية التي بموجها تقوم بفرض جمارك جديدة لتضاعف الإيرادات، حيث تستهدف هذه الإجراءات الشحنات والبضائع التي خضعت لإجراءات دفع رسوم الجمارك في الموانئ والمنافذ التي تحت سيطرة الحكومة المعترف بها دوليًا كميناء عدن ومنفذ الوديعة البري، وقد أدى هذا الأمر الى ارتفاع كبير في أسعار المواد المستوردة في هذه المدن، وتشددت الجماعة في فرض هذه التعرفات الجمركية الجديدة عبر استحداث منافذ تحصيل في بعض مداخل المدن الخاضعة لسيطرتها كالحديدة وذمار وغيرها. وما يزال ميناء الحديدة أحد أهم وأكبر الموانئ البحرية اليمنية التي يخضع لسيطرة جماعة الحوثي، فهو حتى الوقت الحالي يمكن اعتباره الشريان اليمني الأكبر الذي تصل إليه أغلب الواردات التجارية والغذائية لاسيما الى المناطق الشمالية التي تمثل الكتلة السكانية الأكبر في البلاد، ليمثل بذلك أحد أهم الموارد لاقتصاد حرب الحوثيون، حيث تكشف إحدى الوثائق الرسمية عن إيرادات فعلية للميناء تقدر بحدود تسعة مليار ريال شهريًا تذهب الى ميزانية الحوثيون وسلطتهم .
4- الاستيلاء على المعونات الإنسانية
تعد المساعدات احدي اهم اقتصاديات حرب الحوثي ، فمع دخول البلد الصراع الشامل وتصنيفها ضمن أكثر الدول التي تتعرض لمجاعة إنسانية في العالم، زاد الاهتمام الدولي بالوضع الإنساني لاسيما مع التقارير المتصاعدة حول الأزمة الإنسانية التي تعيشها البلد، حيث يقدر اجمالي التمويل الانساني المقدم لليمن للعام 2017 حسب مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) بحوالي ملياري دولار، وفي مثل هذا الوضع فإن جماعة الحوثي تقوم بنهب المساعدات الغذائية ، جميع التقارير المتعددة تتحدث عن نهب المساعدات الإنسانية من قبل جماعة الحوثي وتسخيرها لمصلحة اقتصاد حربها .
5- إيرادات المحافظات المحلية
تعتبر الإيرادات المحلية من أهم الموارد التي لا زالت جماعة الحوثي تستحوذ عليها في المناطق الخاضعة لسيطرتها، إذ تعتمد عليها في استمرار تمويل حربها، فبحسب وزير الإدارة المحلية في الحكومة المعترف بها دوليًا، فإن ما يتم تحصيله من قبل جماعة الحوثي من إيرادات المحافظات المحلية الواقعة تحت سيطرتها يفوق 1.7مليار دولار سنوياً، مسخرة ذلك في حروبها وجبهاتها العسكرية.
بالإضافة لذلك فرضت المليشيات الحوثية اقتصاد موازي من خلال اتخاذ عدد من الإجراءات نحو: فرض الجبايات ورسوم المجهود الحربي، وفرض ضرائب جديدة، ونظام الحارس القضائي وجباية الخمس.
وخلاصة الأمر أن السياسات الاقتصادية التي انتهجتها جماعة الحوثي قد استطاعت أن تشكل أو تؤسس اقتصادا موازيا يمثل لها السند والدعم المستمر لاستمرارية حربه وتشعب اقتصاده ذلك ليرتبط مباشرة باقتصاد الحرس الثوري الايراني القائم على تجارة الحشيش والمخدرات وغسيل الأموال في عدد من دول العالم.
التحديات التي تواجه القطاع المصرفي في مناطق سيطرة الحكومة:
يواجه القطاع المصرفي في اليمن مجموعة من التحديات والمخاطر الجسيمة نتيجة للصراع الدائر في البلاد منذ عام 2014، ممكن أجمالها في التالي:
1- انقسام البنك المركزي، يُعد انقسام البنك المركزي اليمني إلى بنكين مركزيين: أحدهما في صنعاء والآخر في عدن، أحد أكبر التحديات التي تواجه القطاع المصرفي، أدى هذا الانقسام إلى شلل في السياسة النقدية وتعدد أسعار الصرف، مما أوجد فوضى مالية وعقّد العمليات المصرفية.
2- أزمة السيولة، تعاني البنوك اليمنية من أزمة سيولة حادة ناتجة عن انخفاض الودائع وتوقف العمليات المصرفية في العديد من المناطق، ويُؤدي نقص السيولة إلى صعوبة تلبية طلبات العملاء من السحب النقدي والتحويلات المالية، وتُعيق قدرة البنوك على تمويل الأنشطة الاقتصادية.
3- تدهور قيمة العملة، شهدت العملة اليمنية، الريال اليمني، انخفاضًا حادًا في قيمتها مقابل العملات الأجنبية، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير وفقدان القوة الشرائية للأسر اليمنية، يُؤدي تدهور قيمة العملة إلى هروب الرساميل من البلاد وتراجع الاستثمارات.
4- مخاطر الائتمان، ارتفع مخاطر الائتمان بشكل كبير نتيجةً لتدهور الأوضاع الاقتصادية وتزايد حالات التعثر عن السداد، يُشكل ذلك عبئًا على البنوك ويُهدد استقرارها المالي.
5- ضعف البنية التحتية، تضررت البنية التحتية للقطاع المصرفي بشكل كبير جراء الصراع، مما أدى إلى تعطل العديد من الفروع المصرفية وانقطاع الاتصالات، ويُعيق ذلك تقديم الخدمات المصرفية بشكل سلس ويُقلل من كفاءة القطاع.
6- نقص الكوادر المؤهلة، فرّ العديد من الكوادر المصرفية المؤهلة من اليمن بسبب الحرب، مما أدى إلى نقص حاد في الخبرات في القطاع المصرفي، ويُؤثر ذلك على جودة الخدمات المصرفية ويُعيق عملية تطوير القطاع.
7- تدخلات الأطراف السياسية، تعرض القطاع المصرفي لتدخلات سياسية من قبل أطراف الصراع، مما أدى إلى اتخاذ قرارات غير مُستندة إلى معايير اقتصادية سليمة، وتُؤدي هذه التدخلات إلى إضعاف ثقة العملاء في القطاع المصرفي وتُعيق استقلاليته.
8- مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ازدادت مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب في ظل الفوضى وانعدام الأمن، ويُشكل ذلك تهديدًا كبيرًا للقطاع المصرفي ويُلزم البنوك بتطبيق إجراءات صارمة لمكافحة هذه المخاطر.
9- صعوبة ممارسة الأنشطة المصرفية عبر الحدود، تواجه البنوك اليمنية صعوبات كبيرة في ممارسة الأنشطة المصرفية عبر الحدود، نتيجةً للقيود المفروضة على التعاملات المالية مع اليمن من قبل بعض الدول، ويُعيق ذلك التجارة الدولية ويُؤثر سلبًا على الاقتصاد اليمني.
ثالثا: قراءة في تداعيات قرارات بنك عدن الأخير
في 30 مايو 2024م، أصدر البنك المركزي اليمني في عدن قرارًا بوقف التعامل مع ستة من أكبر البنوك اليمنية العاملة في مناطق سيطرة الحوثيين.
وأقر البنك المركزي التابع للحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، إيقاف التعامل مع 6 من أكبر البنوك الخاصة في البلاد، بعد انتهاء المهلة التي حددها بشهرين لنقل مقراتها الرئيسية من صنعاء، حيث يسيطر عليها الحوثيون، إلى العاصمة المؤقتة جنوب البلاد.
وأصدر محافظ المصرف المركزي في عدن، قرارا يحمل الرقم "20" لسنة 2024، قضى بـ"إيقاف التعامل مع عدد من البنوك والمصارف، لفشلها في الالتزام بأحكام القانون وتعليمات البنك، وعدم الامتثال لمتطلبات مكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، واستمرارها في التعامل مع جماعة مصنفة إرهابيا، وتنفيذ تعليماتها بالمخالفة لقواعد العمل المصرفي وأحكام القانون وتعليمات البنك المركزي"، وفق وثيقة نشرتها وكالة الأنباء الرسمية "سبأ"
ونص القرار على "وقف التعامل" مع بنك التضامن وبنك اليمن الكويت ومصرف اليمن والبحرين الشامل وبنك الأمل للتمويل الأصغر وبنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي وبنك اليمن الدولي"، مطالبا البنوك والمصارف وشركات ومنشآت الصرافة ووكلاء الحوالات في الجمهورية كافة، بتنفيذ هذا القرار.
وحسب قرار محافظ البنك المركزي اليمني، فإن "مخالفة هذه البنوك تطلب التدخل ووضع القيود اللازمة على أنشطة البنوك المخالفة لإجبارها على الامتثال لأحكام القانون، وحرصا على سلامة القطاع المصرفي".
كما حض القرار أيضا، البنوك والمصارف الموقوفة على "الاستمرار في تقديم خدماتها المصرفية للجمهور والوفاء بالتزاماتها تجاه عملائها حتى إشعار آخر".[6]
وقد أثار هذا القرار ردود فعل واسعة النطاق وتضاربت الآراء حول تداعياته على مختلف الأصعدة.
وفيما يلي تحليل معمق لتداعيات هذا القرار:
ردة فعل الحكومة اليمنية في عدن
أعلن مجلس القيادة الرئاسي دعمه الكامل لقرارات البنك المركزي ويحث على مواصلة “الحزم الاقتصادي" في تصريح أدلى به محافظ البنك المركزي اليمني / احمد المعبقي أكد أن القرارات والإجراءات التي أصدرها البنك مؤخرا جاءت من منطلق المهام والمسؤولية الوطنية الواقعة على عاتق قيادة البنك المركزي اليمني ووفقا لاختصاصاتنا الدستورية والقانونية في سبيل الحفاظ على الاستقرار المالي والنقدي وحماية النظام المحلي والمؤسسات المالية والمصرفية وإنقاذ ما يمكن إنقاذه خاصة بعد تصنيف المليشيات الانقلابية بجماعة إرهابية.
وأضاف أن أي إجراء قام به البنك أو سيقوم به يأتي في إطار محاولة إنقاذ تلك البنوك وحماية ما تبقى من أصولها والحفاظ على علاقاتها وتعاملاتها مع محيطها والعالم. مؤكدا أنه لا يتعامل بأسلوب رد الفعل على الممارسات الإجرامية الاستفزازية التي تسببت بها هذه المليشيات وإنما بغية الحفاظ على المؤسسات المالية الخاصة والعامة والمختلطة وتجنيبها الكثير من الخسائر. والتعقيدات وسيستمر البنك في تقديم واجباته تجاه الشعب ومؤسساته بالتعاون مع المؤسسات المالية الدولية والشركاء الفاعلين من الأشقاء والأصدقاء.
واستعرض عدد من الممارسات التعسفية والتدميرية التي ارتكبتها المليشيات الحوثية ضد القطاع المصرفي والمالي اليمني ومنها تعقيد بيئة العمل المالية والمصرفية للبنوك والمؤسسات المالية ووضع العراقيل والقيود من خلال السعي لتقسيم الاقتصاد ومنع تداول الطبعات الجديدة للعملة الوطنية القانونية، وحظر تداولها في مناطق سيطرتها والاقتحامات المتكرر لمقرات البنوك والمؤسسات المالية والمصرفية ومصادرة المبالغ النقدية من الطبعات الجديدة الخاصة بالمواطنين والقيام بمصارفتها بعملات أجنبية والمضاربة بسعر الصرف. كما قامت بالاستحواذ على مبالغ كبيرة من البنوك مستغلين تواجد اغلب المقرات الرئيسية للبنوك بصنعاء الخاضعة لسيطرتهم وكذا الاستحواذ على موارد النقد الأجنبي، وتجميد أرصدة حسابات عدد كبير من العملاء والشركات التي تتبع الأشخاص المعارضين لها.
كما قام الانقلابيون بالاستيلاء على فروع البنوك الحكومية والمختلطة بصنعاء وتكليف شخصيات موالية لهم، وتواصل الضغط المستمر على البنوك بعدم الاستثمار في الأدوات المالية الصادرة من البنك المركزي الرئيسي في العاصمة عدن بالإضافة إلى استخدام أداة الاصدار النقدي غير القانوني وغير الدستوري من خلال صك عملة معدنية فئة مائة ريال ،وكذا منع البنوك من المشاركة في المزاد الذي يقدمه البنك المركزي في عدن لتمويل واردات الغذاء والدواء لجميع محافظات الجمهورية بالإضافة إلى قيام المليشيات بعدد من الإجراءات التي منعت البنوك من الاشتراك في رقم الحساب المصرفي (IBAN) وتسببت في تدني الخدمات كالكهرباء والغاز المنزلي ، بعد قصفها لمنشأة تصدير النفط والغاز وتوقف رواتب آلاف الموظفين في القطاعات المختلفة.
وأكد أن البنك يضمن للمودعين للعملات القديمة في المناطق المحررة مبالغ إيداعهم وأن الاجراءات التي اتخذها البنك ولقيت ترحيبا محليا واقليميا جاءت من منطلق المصلحة الوطنية وبعد أن تجاوزت المليشيات الانقلابية الخطوط الحمراء.
بينما جاء ردود أفعال وتعليقات “قيادات الحوثي” على قرارات البنك المركزي اليمني غاضبة، ففي تصريح أصدرته الحركة في 28 مايو/أيار 2024، وصف فرع البنك المركزي في صنعاء قرارات البنك المركزي اليمني بأنها “مؤامرة”، وزعم أنها تأتي “تنفيذاً لأوامر النظام السعودي الذي يستخدم أدواته من المرتزقة”.
ردة في المليشيات الحوثية
بينما اعتبر زعيم الجماعة “عبد الملك الحوثي“ في خطاب متلفز، الخميس 30 مايو/ أيار 2024، قرار البنك المركزي اليمني في عدن خطوة “عدوانية ولعبة خطيرة”. وقال إنها تأتي “ضمن الخطوات الأميركية دعماً للكيان الإسرائيلي”.
وأضاف الحوثي أن "الأميركي يحاول أن يورط السعودي في الضغط على البنوك في صنعاء”. مضيفًا “إذا تورط السعودي خدمة لإسرائيل سيقع في مشكلة كبيرة”.
من جانبه، اعتبر عضو المجلس السياسي الأعلى للجماعة “محمد علي الحوثي“ قرار البنك المركزي اليمني، يأتي في سياق تهديدات من وصفهم أعداء اليمن لجماعته. وقال في خطاب أمام تظاهرة داعمة لغزة: “لكل أعداء الجمهورية اليمنية لا ننظر إلى تهديداتكم بأي معيار مما تعتقدونه ولا تؤثر فينا حروبكم النفسية والإعلامية”. وبدوره، قال ناطق جماعة الحوثي “محمد عبدالسلام”، إن “إشعال الحرب على البنوك اليمنية العاملة في صنعاء خطوة خطيرة”. مضيفاً في تدوينة بحسابه على منصة إكس” أن هذه الخطوة يقف خلفها من أسماه “الأمريكي” والذي قال إنه “يسعى لتوريط دول أخرى ومنها السعودية في حرب تجويع الشعب اليمني”.
وأعاد “عبدالسلام” تحذير زعيم الجماعة “الموجه للسعودية حتى لا تتورط في الفخ الأمريكي خدمة للإسرائيلي“. فيما دعا عضو وفد الجماعة المفاوض “عبدالملك العجري” إلى أخذ تحذيرات زعيم الجماعة بخصوص البنوك “على محمل الجد والجد البالغ“. وقال إن “صنعاء (في إشارة لجماعة الحوثي) جاهزة لكل احتمالات التصعيد”.
وقال العجري، في تغريدة أخرى، إن ما وصفه بـ“الحرب على البنوك خطوة أمريكية في المقام الاول لمعاقبة صنعاء (في إشارة لجماعته) على موقفها المساند لغزة”. وأضاف: “يكفي دول الجوار أن تنأى بنفسها وتبقى على الحياد وإلا تكون شريكا في الحرب الأمريكية على اليمن دفاعا عن نتنياهو وقتلة الأطفال الصهاينة”.
وحمّل التصريح المنسوب لمصدر مسؤول في البنك “النظام السعودي المسؤولية الكاملة عن أي تداعيات قد تضر أبناء الشعب اليمني، كونه صاحب القرار الذي يستخدم المرتزقة كأداة لتنفيذ المؤامرات”. ومن جانب آخر أعرب مصدر مسؤول في جمعية البنوك اليمنية عن استنكار الجمعية للقرارات التي أصدرها البنك المركزي في عدن اليوم الخميس، وقف التعامل بالعملة النقدية المطبوعة قبل عام 2016م، ووقف التعامل مع عدد من البنوك والمصارف اليمنية.
وذكرت مجلة المصارف التابعة لجمعية البنوك اليمنية، في منشور على حسابها بـ”فيسبوك” رصده موقع “يمن إيكو”، أن المصدر وصف هذه القرارات بالاستفزازية والإجراءات التصعيدية التي تفتقد إلى الإحساس بالمسؤولية.
وأكد المصدر أن تلك القرارات والإجراءات التصعيدية من شأنها أن تتسبب بمضاعفات خطيرة لن يقتصر ضررها وتأثيرها السلبي على القطاع المصرفي وحده بل سيمتد ليصيب جميع وحدات النشاط الاقتصادي في كل أرجاء البلاد، إضافة إلى الإضرار بالحياة المعيشية للمواطن والسلم الاجتماعي في البلاد.
وأشار المصدر إلى أنه وبغض النظر عن التبريرات التي ذكرها البنك لاتخاذ مثل هذه القرارات.. فإن معطيات الواقع الاقتصادي والجيوسياسي الذي يعيشه البلد في كافة محافظاته من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه.. تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك أن هذه القرارات وما يتبعها من الخطوات وإجراءات سيكون لها تأثيراتها السلبية المدمرة للاقتصاد الوطني والنظام المالي والمصرفي اليمني برمته، بما في ذلك البنك المركزي عدن.
وأضاف: لن يكون لهذه القرارات من مردود سوى إحداث المزيد من الشرخ ومضاعفة الانقسام المالي والنقدي في بنية السلطة النقدية وشل فاعليتها وإضعاف دورها التنظيمي والإشرافي، وعجزها التام في إدارة السياسة النقدية، ولن يقود التمادي والإصرار على تنفيذ هذه القرارات غير المدروسة سوى إلى المزيد من الأعباء المالية التي تثقل كاهل القطاع المصرفي اليمني والأعباء المعيشية التي تثقل كاهل الشعب في كافة أنحاء الجمهورية نتيجة ما يمكن أن تتسبب به مثل هذه القرارات من انهيار قادم وكبير للنظام المالي وللعملة الوطنية، سواء أكانت تلك المطبوعة ما قبل عام 2016م أو ما بعده.
في خطاب زعيم المليشيلت الحوثية الأخير هدد السعودية بردة فعل شاملة تستهدف مصالح المملكة الحيوية كالمطارات والموانئ والمنشئات الحيوية في حالة استراها بدعم الحصار المفروض على الشعب اليمني بحد وصفه.
وأتهم الولايات المتحدة ومن معها، بالوقوف خلف التطورات المصرفية، ووصف زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، في حديث متلفز، مساء الخميس، ذلك بـ"صب الزيت على النار". وأضاف أن الضغط على البنوك في صنعاء مسعى أميركي لدعم العدو الإسرائيلي، في إشارة إلى أن هذه القرارات ردة فعل على هجمات جماعته في البحر الأحمر.
المملكة العربية السعودية
قالت وسائل إعلام يمنية إن المملكة العربية السعودية أجبرت البنك المركزي اليمني في عدن، على التراجع عن قرارات سحب تراخيص البنوك التي تتواجد مراكزها في العاصمة اليمنية صنعاء، الخاضعة لسيطرة الحوثيين الموالين لإيران، فيما قال مسؤولون يمنيون إن مجلس القيادة الرئاسي أكد جاهزية القوات اليمنية لمواجهة الحوثيين عسكريا.
وكشفت مصادر حكومية عن اتخاذ مجلس القيادة الرئاسي، قراراً غير معلَن بتعليق قرار البنك المركزي اليمني بشأن سحب تراخيص البنوك الستة حتى شهر أغسطس القادم، وفقا لما أورده موقع نيوز يمن الاخباري المحلي.
وكان محافظ البنك المركزي قد اتخذ قراراً في 8 يوليو الجاري قضى بسحب تراخيص ستة بنوك هي: "بنك التضامن وبنك اليمن والكويت وبنك اليمن والبحرين الشامل وبنك الأمل للتمويل الأصغر وبنك الكريمي للتمويل الأصغر الإسلامي وبنك اليمن الدولي"، بسبب رضوخها لضغوط جماعة إرهابية هي مليشيا الحوثي ورفضها نقل مقراتها الرئيسة من صنعاء إلى عدن.
وذكر الموقع نقلا عن المصادر، أن هذا القرار جاء بإجماع كل أعضاء مجلس القيادة الرئاسي استجابة لضغوط سعودية وُصفت بالشديدة، مشيرة إلى أن مجلس القيادة امتنع عن نشر القرار تجنباً لرد فعل الشارع.
وأشارت المصادر إلى أن تعليق القرار تم على الرغم من رفض محافظ البنك المركزي أحمد غالب التجاوب مع هذه الضغوطات قبل أن يتم الاتفاق على تعليق القرار مؤقتاً.
قرار المجلس الرئاسي جاء عقب رسالة من المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ، تضمنت طلباً بشأن تأجيل تنفيذ القرار إلى أواخر أغسطس القادم.
وكانت وكالة سبأ الحكومية نشرت خبراً عن عقد مجلس القيادة الرئاسي اجتماعاً طارئاً برئاسة الدكتور رشاد محمد العليمي رئيس المجلس، وبحضور أعضائه: عيدروس الزبيدي، سلطان العرادة، طارق صالح، عبدالرحمن المحرمي، الدكتور عبدالله العليمي، عثمان مجلي، بينما غاب بعذر عضو المجلس فرج البحسني.
واطلع المجلس على رسالة المبعوث الخاص للأمم المتحدة هانس غروندبرغ إلى رئيس مجلس القيادة الرئاسي التي تضمنت طلب دعم رئيس وأعضاء المجلس لإطلاق حوار برعاية الأمم المتحدة لمناقشة التطورات الاقتصادية الأخيرة، وسُبل حلها بما يخدم المصلحة العليا للشعب اليمني.
وأكد المجلس بهذا الخصوص تمسكه بجدول أعمال واضح للمشاركة في أي حوار حول الملف الاقتصادي، بما في ذلك استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة الوطنية، وإلغاء كافة الإجراءات التعسفية بحق القطاع المصرفي، ومجتمع المال والأعمال.
ونوه المجلس في هذا السياق إلى الإصلاحات التي تقودها الحكومة والبنك المركزي اليمني من أجل تحسين الظروف المعيشية، واحتواء تدهور العملة الوطنية، وحماية النظام المصرفي، وتعزير الرقابة على البنوك وتعاملاتها الخارجية، والاستجابة المُثلى لمعايير الإفصاح والامتثال لمتطلبات مكافحة غسيل الأموال، وتمويل الإرهاب.
وأكد المجلس مضيه في ردع الممارسات التعسفية للمليشيا الحوثية الإرهابية، مع انتهاج أقصى درجات المرونة، والانفتاح على مناقشة أي مقترحات من شأنها تعزيز استقلالية القطاع المصرفي، والمركز القانوني للدولة في العاصمة عدن.
ونجح البنك المركزي في عدن في عزل بنوك صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثي دوليًا من خلال إيقاف خدمة السويفت الدولي عنها. تم اتخاذ هذا الإجراء بناءً على طلب من البنك المركزي في عدن بعد إيقاف تراخيص هذه البنوك لرفضها نقل مقراتها الرئيسة إلى عدن وخضوعها لضغوطات من قبل جماعة الحوثي.
ويُعد نظام السويفت نظامًا أساسيًا لتبادل المعلومات المالية بين المؤسسات المالية في جميع أنحاء العالم، وفصله يعني قطع الاتصال عن النظام المالي العالمي.
وستُعيق هذه الخطوة قدرة بنوك صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثي على إجراء المعاملات المالية الدولية، مما سيُعيق قدرتها على تمويل أنشطتها. كما ستُساهم في زيادة الضغوط على الحوثيين للامتثال للقرارات الدولية والتعاون مع الجهود المبذولة لتحقيق السلام في اليمن.
وتُعد هذه الخطوة خطوة مهمة نحو تعزيز استقرار النظام المالي اليمني وحماية الاقتصاد اليمني من مخاطر سيطرة الحوثيين.
هناك حاجة إلى مزيد من الدعم الدولي للبنك المركزي في عدن لمساعدته على تحقيق أهدافه في إعادة الاستقرار المالي إلى اليمن.
يُحقق البنك المركزي اليمني في عدن تقدمًا هامًا في جهوده لحماية النظام المالي اليمني من مخاطر سيطرة مليشيا الحوثي. وتُعد هذه الخطوة خطوة مهمة نحو تعزيز استقرار الاقتصاد اليمني وتحقيق السلام في البلاد، لكن على ما يبدو أن السعودية قد تجبر المجلس الرئاسي اليمني على التراجع عن تلك الخطوات وهو ما توقعه القيادي المنشق عن الحوثيين علي البخيتي، بأن الرياض ستجبر الرئاسي على التراجع عن قرار البنك المركزي، خشية من ان ينفذ الحوثيون تهديدهم بقصف مطارات ومنشئات اقتصادية سعودية.
وحذر خبراء اقتصاديون من احتمال اندلاع حرب جديدة في اليمن خلال الأسابيع القليلة القادمة، وذلك على خلفية تصاعد التوتر بين الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا وجماعة الحوثيين. ويُعد قرار البنك المركزي في عدن، الهادف إلى خنق اقتصاد مناطق سيطرة الحوثيين، السبب الرئيسي لهذا التصعيد.
ويُتوقع القيادي السابق في جماعة الحوثيين علي البخيتي أن يقاوم الحوثيون قرارات البنك المركزي لبعض الوقت، لكنهم سيضطرون في النهاية إلى شن حرب جديدة للدفاع عن اقتصادهم ومصالحهم.
ورجح أن يشن الحوثيين هجمات بصواريخ ومسيرات تحذيرية باتجاه الأراضي السعودية، مع احتمال اتّساع نطاق الهجمات لتشمل استهداف الرياض وجدة إذا لم تتراجع المملكة عن قراراتها.
ويبدو أن إلغاء قرارات البنك المركزي في عدن والعودة إلى الوضع السابق كحل ترى الرياض انه قد يحد من عودة الحرب. وستكون لهذه الحرب، إذا اندلعت، عواقب وخيمة على اليمن، حيث ستُفاقم من الأزمة الإنسانية وتُعيق جهود السلام.
وستتأثر دول المنطقة أيضًا بشكل كبير من هذه الحرب، خاصةً المملكة العربية السعودية التي ستواجه تهديدات أمنية مباشرة[7].
الدعوات الأممية
دعا المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى حوارٍ بين الحكومة والحوثيين حول الملف الاقتصادي، وطالب بتأجيل قرارات البنك المركزي بوقف التعامل مع البنوك. من جانبه، أعلن مجلس القيادة الرئاسي تمسكه بجدول أعمال محدد للحوار، يشمل استئناف تصدير النفط، وتوحيد العملة، وإلغاء الإجراءات التعسفية ضد القطاع المصرفي.
ووسط تعثر "خارطة الطريق" التي اتفق عليها في ديسمبر 2023، وتصاعد التوتر إثر هجمات حوثية وغارات جوية، تبقى معاناة الشعب اليمني هي الضحية الأكبر في هذا الصراع الاقتصادي المُستعر.
يبقى مستقبل الاقتصاد اليمني رهن التطورات السياسية وجهود الوساطة الدولية، ولكن من دون حلولٍ جذرية وتنازلات من كلا الطرفين، ستظل معاناة الشعب اليمني مستمرة، وتعيش البلاد في دوامةٍ من الفقر والجوع والانهيار الاقتصادي.
النتائج والتوصيات
أولا: النتائج
مما سبق تبين لنا الاتي:
1- أن السياسات النقدية للحكومة في عدن تجلى عليها التماطل والتراخي في اتخاذ لقرارات والإجراءات التي تعزز المجال المصرفي لها، بل أن تلك السياسات أعطت الفرصة للمليشيات الحوثية التمادي أكثر واكثر.
2- عدم استفادة بنك عدن من شرعيته بدى المؤسسات المالية الدولية التي تمنحه قدرة التحكم في الوصول إلى الشبكة المالية العالمية "سويفت"، كما يُعد الجهة الوحيدة التي تستطيع عبرها البنوك التجارية المحلية تمويل عمليات الاستيراد من الخارج.
3- أن السياسات الحوثية كانت أكثر فعالية في تعزيز نظامها المالي والمصرفي، حيث أستمد البنك المركزي في صنعاء قوته من وجود مقرات البنوك الرئيسية في مناطق نفوذه، مما يمنحه قدرة التحكم بالأنشطة المالية والمصرفية داخل اليمن، وفي وقت سابق منع البنوك التجارية المحلية.
4- القرارات والإجراءات التي تتخذها الحكومة في عدن لا تواكب الأحداث والتجاوزات التي تقوم بها المليشيات الحوثية حيث أن النفس الطويل والسكوت لسنوات أتاح للحوثي التمكن في السيطرة على البنك المركزي اليمني.
5- معظم القرارات والإجراءات التي تقوم بها الحكومة وإدارة البنك المركزي في عدن غير فاعلة وسرعان ما تفشل في تنفيذها سواء أكان ذلك الفشل بأدوات داخلية أم بضغوط إقليمية وأممية؛ مما يؤدي الى تفاقم أزمة السيولة النقدية وارتفاع معدلات التضخم لاسيما في مناطق سيطرة الحكومة.
6- دعوات دولية وإقليمية لحوارٍ يفضي إلى حلولٍ جذرية؛ نتيجة مخاوف من تداعيات إنسانية كارثية.
7- أدى الصراع إلى انكماش هائل في الاقتصاد اليمني، وتراجع النشاط التجاري، وتراجع القوة الشرائية، مما أثر سلبًا على قدرة العملاء على سداد التزاماتهم المالية للبنوك.
8- انقسمت البلاد إلى سلطتين، كل منهما تدير نظامًا مصرفيًا خاصًا بها، مما أدى إلى ازدواجية في السياسات النقدية والمصرفية، وعرقلة حركة الأموال، وتفاقم الأزمة المالية.
9- فقد الريال اليمني في مناطق سيطرة الحكومة قيمته بشكل كبير، مما أدى إلى ارتفاع معدلات التضخم بشكل هائل، وفقدان الثقة في النظام المصرفي، واجهت البنوك نقصًا حادًا في السيولة النقدية، مما أدى إلى صعوبة سحب الأموال والتحويلات المالية، وتوقف تقديم بعض الخدمات المصرفية الأساسية، وتعرضت العديد من فروع البنوك وأجهزة الصراف الآلي للتلف بسبب الصراع، مما أدى إلى انقطاع الخدمات المصرفية في بعض المناطق.
ثانيا. التوصيات
1- الاستمرار في تنفيذ قرار إيقاف العملة التي يتعامل بها الحوثي واعتبارها عملة مزورة خصوصا في الجنوب.
2- الضغط على تنفيذ قرار إلزام شركات الصرافة بنقل مقراتها الرئيسية إلى عدن وتحديد كمية المبالغ المسموح لها بتداولها خصوصا الخارجة إلى محافظات الحوثية من العملات الاجنبية.
3- قرار إلزام الوكالات بفتح مكاتب لها في عدن والتعامل بالعملة المحلية في عملية البيع لتجار.
4- تحديد المنتجات التي تصنع في الجنوب وبيعها العملة المحلية وتحديد سعر ثابت لها كونها لا ترتبط بالعملة الأجنبية.
5- يمنع بيع اي سلع تنتج في الجنوب أو تدخل عبر موانئه أو منافذه للمناطق التي يسيطر عليها الحوثي إلا بالعملة الأجنبية.
6- يجب على الحكومة الشرعية العمل مع المجتمع الدولي على توحيد النظام النقدي اليمني كخطوة أساسية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي.
7- يجب على الحكومة الشرعية اتخاذ خطوات لزيادة السيولة النقدية في الاقتصاد اليمني.
8- يجب على الحكومة الشرعية اتخاذ إجراءات جادة لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية في القطاع المالي.
9- يجب على الحكومة الشرعية العمل على تعزيز الأمن في المناطق الخاضعة لسيطرتها لخلق بيئة مواتية للنمو الاقتصادي.
10- ضرورة قيام الحكومة بوضع برنامج تقشفي لإصلاح كافة الاختلالات الإدارية والاقتصادية الحاصلة في دوائر الحكومة وما يحدث من استنزاف مستمر للعملة الصعبة طيلة السنين الماضية، فرغم شحة مصادر النقد الأجنبي للبلاد، إلا أن الحكومة لا تزال تستنزف هذه الإيرادات في نفقات وصرفيات عبثية لاعضائها في الخارج، الأمر الذي يحرم السوق المصرفية محليا من العملة الصعبة، وهو ما يتطلب بعودة الحكومة وكافة المسؤولين إلى الداخل ووقف عمليات الفساد المسشتري في أجهزة ودوائر الحكومة، والبدء بخطوات حقيقية وجادة للسيطرة على كافة الأوعية الايرادية.
المصادر:
- البنك المركزي اليمني: https://www.centralbank.gov.ye/
- صندوق النقد الدولي: https://www.imf.org/en/Home
- https://www.alyoum8.net/posts/944
- https://www.aljazeera.net/ebusiness/2024/6/1
- https://arabi21.com/story/160162
- https://cby-ye.com/
- مواقع إخبارية أخرى:
- https://www.26sep.net/
- https://www.saba.ye/
- https://www.almasirah.net/
[1] المذكرة الاقتصادية القُطْرية الخاصة باليمن (البنك الدولي، 2023)
[2] تقرير البقاء على قيد الحياة في زمن الحرب (البنك الدولي 2023)
[3] صحيفة اليوم الثامن https://www.alyoum8.net/posts/94409
[4]: تقرير البقاء على قيد الحياة في زمن الحرب (البنك الدولي 2023)
[5]صحيفة اليوم الثامن https://www.alyoum8.net/posts/94409
[6] صحيفة عربي 21 https://arabi21.com/story/1601627/%D8%A7%D9%
[7] صحيفة اليوم الثامن https://www.alyoum8.net/posts/94438