مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات..

التدخل الإيراني في الدول المُشاطِئة على البحر الأحمر وأثره على الأمن والسلم الإقليمين "دراسة تحليلية"

العلاقة بين إيران والحوثيين مركّبة ومعقّدة، وتختلف مصالحهما باختلاف العوامل الدينية والسياسية والتاريخية. والمتتبع لاستراتيجية إيران في امتلاك القوة والقدرة العسكرية على امتلاك السلاح النووي بل أن توسيع نفوذها على الشراكات مع كيانات معتمدة على القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية والعمليات الإرهابية في الخارج ضد الدول المعادية والمعارضين المحليين

زعيمة المعارضة الإيرانية مريم رجوي في الوسط خلال فعالية إيرانية في الخارج - اليوم الثامن

د. صبري عفيف
كاتب وباحث في الشؤون السياسية والأمنية، نائب رئيس التحرير ورئيس قسم البحوث والدراسات في مؤسسة اليوم الثامن للإعلام والدراسات،
فريق الرصد والتحليل

الملخص: تتناول هذه الدراسة تحليل عميق للتدخل الإيراني المتزايد في دول حوض البحر الأحمر وخليج عدن، وكيف يؤثر هذا التدخل على الأمن والاستقرار الإقليميين.

وأبرز النتائج التي توصلت إليها الدراسة:

-     تسعى إيران بشكل واضح إلى توسيع نفوذها في المنطقة، وإضعاف خصومها الإقليميين، وزعزعة الاستقرار.

-      تستخدم إيران مجموعة متنوعة من الأدوات لتحقيق أهدافها، مثل الدعم المالي والعسكري، والتدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ونشر الدعاية، ودعم الجماعات المسلحة.

-     يؤدي التدخل الإيراني إلى تفاقم الصراعات، وتهديد الملاحة البحرية، وانتشار التطرف والإرهاب في المنطقة.

-     تستغل إيران الفراغ السياسي والاجتماعي في الدول المستهدفة، وتستثمر الخلافات الإقليمية لتعزيز نفوذها.

وتوصلت الدراسة لعدد من التوصيات:

الكلمات المفتاحية: التدخل الإيراني، البحر الأحمر، خليج عدن، الأمن الإقليمي، الاستقرار.

Abstract:

This study deals with an in-depth analysis of the increasing Iranian interference in the Red Sea and Gulf of Aden region, and how this interference affects regional security and stability.

The most important findings of the study:

- Iran clearly seeks to expand its influence in the region, weaken its regional opponents, and destabilize.

-: Iran uses a variety of tools to achieve its goals, such as financial and military support, interference in the internal affairs of other countries, spreading propaganda, and supporting armed groups.

- Iranian interference exacerbates conflicts, threatens maritime navigation, and spreads extremism and terrorism in the region.

- Iran exploits the political and social vacuum in the targeted countries, and invests in regional disputes to enhance its influence.

The study reached a number of recommendations:

Keywords: Iranian interference, Red Sea, Gulf of Aden, regional security, stability.

 

-     مقدمة:

تشهد الدول المُشاطِئة للبحر الأحمر وخليج عدن تزايدًا ملحوظًا في التدخل الإيراني خلال السنوات الأخيرة، مما أثار قلق الدول المطلة على هذه المنطقة الاستراتيجية والمجتمع الدولي؛ لما لتلك الدول من أهمية استراتيجية، ويهدف هذا البحث إلى فهم ماهية هذا التدخل، وأهدافه، وأشكاله، وآثاره، والسبل الممكنة لمواجهته.

-     مشكلة الدراسة

في إطار تركيز اهتمام إيران على المضائق الدولية (مضيق هرمز ومضيق باب المندب)، عُدّت الدول المُشاطِئة على البحر الأحمر وخليج عدن إحدى أهمّ نقاط الاهتمام الرئيسية بالنسبة إلى إيران، التي من شأنها أن تساعدها في تعزيز مكانتها في الإقليم، وتدعيم موقفها سواء في مواجهة الأطراف الإقليمية الأخرى، أو في مواجهة بعض القوى الدولية، وخصوصًا الولايات المتحدة الأمريكية.

لذلك سعت إيران إلى ممارسة دور نشط في بعض الدول المُشاطِئة للبحر الأحمر وخليج عدن (اليمن، الصومال، السودان، ارتيريا، جيبوتي) مستندةً إلى مزيج من الاعتبارات المصلحية البراغماتية والاعتبارات المذهبية والأيديولوجية، ومتوسلةً العديد من الأساليب والأدوات التي يرتبط بعضها بالقوة الصلبة، بينما يرتبط بعضها الآخر بالقوة الناعمة. وذلك من خلال التركيز على إقامة شراكات مع فاعلين دون الدولة (فاعلين غير رسميين)، ولا سيّما مع جماعة أنصار الله الحوثية، وجماعة المجاهدين الصومال وكذلك الأحزاب الإسلامية السودانية؛ كمحاولة من قِبل إيران لتغيير التوازنات والمعادلات السياسية بما يتيح لها تعزيز نفوذها، ومِن ثَمّ التأثير على المعادلات السياسية والتوازنات في الجوار الإقليمي، الأمر الذي يثير التساؤل حول انعكاسات أثر التدخل الايراني الأمن الإقليمي.

ومن هنا يتبادر إلى أذهاننا عدد من الأسئلة:

1- ماهي الأهداف والدوافع الإيرانية من توسيع نفوذها في الدول المُشاطِئة للبحر الأحمر وخليج عدن؟

2- ما هي اشكال وأدوات التغلغل الإيراني في الدول المُشاطِئة للبحر الأحمر وخليج عدن؟

3- ما هي تأثيرات التدخل الإيراني على الأمن والاستقرار في الإقليم؟ 

4- ما هي الخيارات المتاحة لمواجهة التدخل الإيراني في الدول المُشاطِئة للبحر الأحمر وخليج عدن؟  

أهداف البحث:

الهدف العام من الدراسة تحليل أثر التدخلات الإيرانية وانعكاسها على الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن.

والأهداف التفصيلية هي:

1-تحليل دوافع وأهداف التدخل الإيراني في الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

2-تقييم الأدوات والأساليب التي تستخدمها إيران للتدخل في الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن.

3-دراسة تأثير التدخل الإيراني على الأمن والاستقرار في المنطقة (التحديات والمخاطر.

5- استكشاف الخيارات المتاحة لمواجهة التدخل الإيراني في الدول المُشاطِئة للبحر الأحمر وخليج عدن؟

-     فرضيات الدراسة:

تحاول هذه الدراسة استجلاء وتحليل أبعاد التدخل الإيراني في الدول المُشاطِئة للبحر الأحمر وخليج عدن وانعكاساته على الأمن الإقليمي، انطلاقًا من أربع فرضيات، هي:

-     أن ثمة عَلاقة سلبية بين الدور الإيراني في الدول المُشاطِئة(اليمن، الصومال، السودان، ارتيريا، جيبوتي) والأمن والاستقرار الإقليميين.

-     أن الأنشطة الإيرانية في الدول (اليمن، الصومال، السودان، ارتيريا، جيبوتي) تنطلق بالأساس من هواجس إيران الأمنية، ورغبتها في تحقيق أمنها القومي، عبر اتباع سياسات ذات طابع هجوميّ تهدف إلى تغيير التوازنات القائمة لصالحها، وذلك في سياق تعاطيها مع عملية تحقيق أمنها القومي باعتبارها عملية صفرية، بمعنى سعيها لتعزيز أمنها من خلال الخصم من أمن الدول الأخرى، أو من أمن المنظومة الإقليمية ككل.

-      أن الفراغ السياسي الناشئ عن غياب الدور العربي أو ضَعف فعاليته يتيح لإيران فرصًا كبيرة لتعزيز نفوذها وتحقيق أهدافها في الدول المُشاطِئة للبحر الأحمر وخليج عدن.

-     منهجية البحث:

ستعتمد هذه الدراسة على منهجية بحثية تحليلية وصفية، حيث سيتم جمع البيانات من مصادر موثوقة مثل التقارير الدولية، والدراسات الأكاديمية، والمقالات الصحفية، والمواقع الإلكترونية الرسمية للحكومات والمنظمات الدولية سيتم تحليل البيانات باستخدام أدوات تحليل المحتوى والتحليل الموضوعي.

وقد تناولت هذه الدراسة التدخل الإيراني في الدول المُشاطِئة على البحر الأحمر وأثره على الأمن والسلم الإقليمين، من خلال تتبع أربعة محاور: أولها أهداف ودوافع التدخل الإيراني الذي يُعَدّ نمطًا من التدخلات الخارجية السلبية، وثانيها الكشف عن أشكال التدخل الإيراني في الدول المُشاطِئة على البحر الأحمر وخليج عدن، والتي تشمل أشكال تتعلق بالقوّة الناعمة، وأدوات تتعلق بالقوّة الصلبة، وثالثها مواقف الأطراف العربية والإقليمية والدولية من التدخل الإيراني في الدول المُشاطِئة على البحر الأحمر وخليج عدن. ورابعها: انعكاسات التدخل الإيراني في الدول المُشاطِئة على البحر الأحمر وخليج عدن على الأمن والسلم الإقليمين، ويشمل: انعكاسه على توازن القوى في الإقليم، وانعكاسه على استقرار البنى المجتمعية والسياسية في دول الجوار الإقليمي، وانعكاسه على أمن الممرات البحرية الدولية، وانعكاسه على تنامي خطر التنظيمات المتطرفة وخامسها: استكشاف الخيارات المتاحة لمواجهة التدخل الإيراني وضمان الأمن والسلام الإقليميين.

 

المبحث الأول:

التدخل الإيراني في اليمن

المقدمة:

إن العلاقة بين إيران والحوثيين مركّبة ومعقّدة، وتختلف مصالحهما باختلاف العوامل الدينية والسياسية والتاريخية. والمتتبع لاستراتيجية إيران في امتلاك القوة والقدرة العسكرية على امتلاك السلاح النووي بل أن توسيع نفوذها على الشراكات مع كيانات معتمدة على القوة الناعمة والدبلوماسية الثقافية والعمليات الإرهابية في الخارج ضد الدول المعادية والمعارضين المحليين.

ومن هنا نطرح سؤالا هل إيران وجماعة الحوثي: وكلاء أم حلفاء؟ وفقًا للتعريفات التقليدية، فإن "الوكيل" هو الجهة الفاعلة غير الحكومية الأضعف نسبيًا والتي تعتمد على الدولة الراعية لقوتها وأهميتها، وتتلقى وتنفذ تفضيلات "راعيها". مصطلح "الوكيل" لا يصف بدقة تنوع العلاقات إيران مع شركائها. على سبيل المثال، تصف وسائل الإعلام حزب الله والحوثيين مثل "وكلاء" إيران. فالأولى أنشأها عملاء إيرانيون وتلتزم بولاية الفقيه؛ والأخيرة هي انبثاق لجماعة قبلية تنتمي إلى فرع شيعي، الزيدية التي لا تعترف بولاية الفقيه. فضلا عن كونها كيانات مختلفة من حيث النوع، فإن لكل منها منفعة ومكانة مختلفة إيران. من الأنسب ألّا تُعتبر جماعة الحوثي وكيلة لإيران في اليمن، بل يجدر النظر إليها كقوى منظّمة تسعى لتحقيق أهدافها عبر سياسة براغماتية جعلتها تحوّل مواقفها بحسب أهدافها. وفي الوقت نفسه، استغلّت إيران صعود الحوثيين ليكونوا حلفاءها في اليمن.

لقد تبنّت حركة الحوثيين سياسة براغماتية في مسار صعودها السياسي والعسكري؛ فنشأتها كانت بهدف الحفاظ على الأقلّية الزيدية وقد خاضت ست حروب مع الدولة لأجل ذلك الهدف. وفي إبان أحداث ثورة الشباب عام 2011 كانت تطالب بحقوق أبناء صعدة، وفي الحوار الوطني عام 2013، قدّمت نفسها كممثل لقبائل شمال الشمال. وبعد عاصفة الحزم، قدّمت الجماعة نفسها كممثل للشعب اليمني وثمّ كعضو فاعل في محور المقاومة أو الممانعة الذي يعارض الإمبريالية والصهيونية.

ومنذ بداية تكوين هذه الحركة لعب التدخل الإيراني دورًا هامًا في تفاقم الأزمة وتمديد أمدها. ورمت الحربُ الحوثيين في أحضان إيران، وبذلك ضمنت إيران شريكاً فعّالاً لها في اليمن يزيد من نفوذها الإقليمي.

ويهدف هذا المبحث إلى فهم ماهية التدخل الإيراني في الشؤون اليمنية دوافعه وأهدافه، وأشكاله وآثاره، والسبل الممكنة لمواجهته.

أولا: دوافع وأهداف التدخل الإيراني في اليمن:

تسعى الجمهورية الإسلامية الإيرانية جاهدة إلى فرض نفوذها وهيمنتها على المحيط الجغرافي المجاور لها لاسيما المنطقة العربية. والمتابع لما تمارسه إيران يرى أنها ليس طموحات سياسية واقتصادية يحق لكل دولة أن تقوم بها بالوسائل المشروعة، بل أنها أطماع توسعية ذات أطماع تتعدى على حقوق الآخرين، ومنذ بداية الثورة الإيرانية في السبعينات تسير السياسية الخارجية الإيرانية مسارا عدائيا تصادميا عبر خطين متوازين هما: ممارسة العنف والتصعيد ضد العرب، وإظهار العدو الوهمي (أسرائيل وأمريكا) بمظهر العدو الحقيقي الدائم. ([i]) من الأهداف الأساسية للتدخل الإيراني الاتي:

1- التوسع الإقليمي في المنطقة:

تسعى إيران إلى توسيع نفوذها الإقليمي في المنطقة العربية، وتحقيق حلمها الكبير بـ "الهلال الشيعي" والتي تهدف من خلاله نشر سياستها على الساحة السياسية العربية محاولة إحراز مزيد من النفوذ، وقد اتخذت اليمن محطة لتلك السياسة؛ بوصفه يحظى بموقع استراتيجي متميز، ووزن جيوسياسي مؤثر في المنطقة، لأن إيران ترى أن بإمكانها من خلال تحالفها مع الحوثيين، ودعمها لهم سياسيا وعسكريا من أجل ترسيخ تموضعهم في قمة السلطة في اليمن، وأن تزيد تأثيرها ونفوذها في المنطقة بشكل كبير، عبر إيجاد موطئ قدم لها بالقرب من ممر استراتيجي دولي بالغ الأهمية؛ مما يتيح لها الفرصة للتحكم في حركة المرور في خليج عدن ومضيق باب المندب، الذي يعد نقطة الربط الرئيسية التي تصل الخليج العربي والمحيط الهندي بالبحر الأحمر ووصولا إلى قناة السويس، كما يعد الممر المائي الرئيسي للنفط في العالم.([ii])

2-  زعزعة الاستقرار في المنطقة العربية:

تُهدف إيران إلى زعزعة استقرار اليمن، وإضعاف دول الخليج العربي، وإثارة الفوضى في المنطقة، ويمثل الإضرار بدول الجوار الإقليمي والحد من نفوذها أحد أهم أهداف إيران من تدخلها في اليمن انطلاقا من قناعتها بأن تنامي النفوذ الإيراني على الساحة اليمنية يعني بالضرورة إشعال الخصومة مع نفوذ دول الخليج العربية، ولاسيما نفوذ المملكة العربية السعودية، لذلك تهدف إيران إلى تمكين حلفائها الحوثيين في السلطة اليمنية؛ بغرض إضعاف ارتباط اليمن بسياقه القومي والجغرافي، وعرقلة أي خطوات أو مشاريع مستقبلية تكاملية بين اليمن وجواره الإقليمي مما قد يترتب عليها تعزيز نفوذ الدول الخليجية في اليمن وفي المنطقة بشكل عام وفي حالة عدم تمكن إيران من تحقيق هذا الهدف يصبح البديل الأجدى لمصالحها، وفقا لتصورها هو العمل على دفع اليمن نحو المزيد من الاضطراب والتشرذم والفوضى وعدم الاستقلال، على النحو الذي يخلق بيئة مواتية لمزيد من التغلغل الإيراني في اليمن فضلا عن إلحاق الضرر بأمن واستقرار جواره الإقليمي.([iii])

لقد تبينت محاولة إيران استغلال وجودها في اليمن في دائرة منافستها وصراعها المستتر مع دول الخليج العربية، وتحديداً المملكة العربية السعودية، في توليد مضايقات ومشكلات لهذه الدول، خاصة مع وجود التجمعات الحوثية والشيعية في شمال اليمن بالقرب من السعودية، وما يمثله ذلك من مشكلات أمنية عديدة للمملكة وعرقلة أي محاولات أو جهود خليجية من أجل إعادة الاستقرار في اليمن، علاوة على أن اليمن تمثل العمق الديموغرافي والجغرافي لدول ومجتمعات دول الخليج العربية. ([iv])

تحاول إيران انتهاج سياسة تصدير مشاكلها الداخلية إلى الخارج في ظل ما تواجهه إيران من مشاكل داخلية وخارجية، على رأسها أزمة البرنامج النووي الإيراني، وما تبعها من فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، ثم ما يمكن أن تسفر عنه المفاوضات النووية الإيرانية مع المجتمع الدولي خلال الفترة القادمة ما بين إمكانيات التمديد أو التوقيع النهائي أو إمكانيات التصعيد والإعلان عن فشل عملية التفاوض.

3-      الدافع العقائدي:

وتسعى إيران من خلال وجودها في اليمن إلى استرجاع فكرة نشر المذهب الشيعي، خاصة في الدول التي توجد بها تجمعات طائفية تدين بالمذهب نفسه، وهي سياسة تتبعها إيران "الثورة" مع بعض دول الخليج العربية، وكذلك في العراق ولبنان وفي اليمن حيث الوجود الحوثي الشيعي.

لقد وجدت إيران في اليمن هدفها عقب قيام الثورة الإيرانية ،حيث رفعت أعلام الثورة في صنعاء وهى مدلولات ثورية ترى فيها إيران نجاحاً لمبدأ تصدير الثورة، إلا أن للنظام السياسي في صنعاء تأثيراً واضحا في لجم استقبالها على مدى عقود من الزمن، حتى تمكنت من التوغل في أحد فرق الزيدية المتشددة في اليمن والتي ينتمي إليها الحوثيين وإن أنكروا ذلك بقولهم “إن التوافق مع إيران والارتباط الثنائي مع إيران لا يتعدى كونه رؤية سياسية فكرية للعمل الثوري وإن فكرة الارتباط وما يمثله الموروث الشيعي من أحاديث عن أهل البيت والتأكيد على قيام الثورة في اليمن مُمهده لظهور المهدي وما تشكله الإمامة من أهمية في التقارب العقيدي بينهم وبين طهران الاثنا عشرية، ومها اختلفت المصالح في الارتباط فهو أحد مداخل إيران في اليمن.([v])

وقد شكل تزايد النفوذ الإيراني في اليمن مصدر قلق لأمن المملكة العربية السعودية الداخلي حيث أن التمكين السياسي لحلفاء إيران (الحوثيين) الذين هم قلة زيدية محسوبة على الطائفة الشيعية، قد يشجع الأقلية الشيعية داخل المملكة العربية السعودية على الاحتجاج، بالإضافة إلى أهمية اليمن للمملكة العربية السعودية وترجع  تلك الأهمية إلى وجود أكثر من ثلاثة منافذ برية تربط بين السعودية واليمن، بالإضافة إلى أهمية مضيق باب المندب في التجارة العالمية للنفط حيث تصدر المملكة العربية السعودية أكثر من 65%من صادراتها النفطية عن طريق ميناء ينبع في شواطئ البحر الأحمر، وسيطرة إيران على المضيق يجعلها تتحكم في عملية تصدير النفط السعودي.(14)

ثالثاً: أشكال التدخل الإيراني في اليمن:

وفي هذا الإطار درج النظام الإيراني على توظيف (الدعم العسكري والمالي والتشيع السياسي، والمساندة الإعلامية، والتبادل الثقافي والمنح الدراسية، وإحياء المناسبات والأعياد الشيعية) بشكل مكثف لاستقطاب القطاعات الشيعية في المنطقة وتعبئتها ودمجها في المشاريع الإيرانية الإقليمية.

1-الدعم العسكري والمالي:

لقد عملت إيران بالتعاون مع وكلائها الإقليميين وخصوصا "حزب الله" اللبناني، على إمداد حلفائها في اليمن بالعديد من شحنات الأسلحة المتطورة وذلك من خلال عمليات التهريب البحرية، سواء بشكل مباشر عبر رحلات بحرية من الموانئ الإيرانية إلى المياه الإقليمية اليمنية، أو بشكل غير مباشر عبر سواحل القرن الأفريقي، وفي هذا الإطار جرى ضبط عديد من شحنات الأسلحة الإيرانية المتوجهة إلى الحوثيين، ومن أهم هذه الشحنات ما تم ضبطه علي السفينة الإيرانية " جيهان1" والتي تم اعترضها البحرية الأمريكية وقوات حرس السواحل اليمنية في المياه الإقليمية لليمن في يناير 2013م.

وأشارت عديد من التقارير إلى قيام إيران بتزويد ميليشيات الحوثي صالح بكميات متنوعة من الأسلحة شملت كميات من الصواريخ الباليستية بعيدة المدى، والصواريخ الموجهة المضادة للمدرعات من طراز " كورنت" التي لم تكن موجودة ضمن المخزونات العسكرية اليمنية قبل اندلاع الحرب وتزويدهم كذلك بطائرات دون طيار إيرانية الصنع من نوع "قاصف-1" التي تستخدم لمهاجمة أنظمة الدفاع الجوي التابعة لقوات التحالف العربي، ولتوجيه الهجمات الصاروخية الباليستية، وأيضاً تزويدهم بطائرات دون طيار من طراز " أبابيل" الإيرانية المزودة برؤوس حربية شديدة الانفجار والتي تستخدم لمهاجمة الأهداف ذات القيمة العالية مثل منظومات الرادارات وبطاريات صواريخ الدفاع الجوي، وفي عام 2016 أشار عديد من التقارير إلى قيام إيران بتزويد الميليشيات الحوثية بصواريخ إيرانية الصنع من طراز " زلزال2" و" زلزال3، وتزويدهم كذلك بصواريخ من نوع " بركان 1" الذي زعمت الميليشيات الحوثية أنها استهدفت به مدينة الطائف في أكتوبر 2016 وتزويدهم بصواريخ من نوع " نيزك 2" الذي يحمل رأسا متفجرا يزن نصف طن ويبلغ مداه800كم.

2-الدعم السياسي والإعلامي:

تُقدم إيران للحوثيين دعمًا سياسيًا على الساحة الدولية، وتُساهم في رفع مكانتهم وتعزيز شرعيتهم، وقد عملت إيران منذ فترة طويلة على استخدام التشيع السياسي للتغلغل وبناء النفوذ، إذ سعت منذ ثمانينات القرن الماضي إلى استقطاب القطاع الزيدي اليمني من خلال تقديم دعوات لعديد من الشباب والعلماء المنتمين الى المذهب الزيدي لزيارة إيران من أجل التعرف على تجربة الثورة الإيرانية، وبالفعل نجحت إيران في اجتذاب كثيرا منهم ومن أبرزهم مؤسسو الحركة الحوثية.

وقد وظفت إيران ماكينتها الإعلامية الضخمة؛ لخدمة مشروعها وأهدافها في اليمن، إذ عملت إيران على استقطاب كوادر إعلامية يمنية بارزة لمساندة مشروعها وذلك من مختلف المحافظات اليمنية ونجحت في ضم كوادر مهمة إلى صفها وبحسب التقارير استطاعت إيران أن تستقدم ما يزيد على 1300 إعلامي يمني، تم تدريسهم في عدة دول كـ(لبنان، العراق، إيران) في مجالات إعلامية مختلفة منها التقنيات والبرمجيات المتخصصة بالبث عبر الأقمار الاصطناعية، والإخراج والتقديم في القنوات الفضائية والمحطات الإذاعية.

وعلاوة على ذلك، تتبع إيران أساليب القوى الناعمة في محاولة التأثير في مجريات الأمور في اليمن، بدعمها إطلاق عدد من القنوات الفضائية الموجهة، وتحديداً من الضاحية الجنوبية ببيروت، مثل قناة "المسيرة" التابعة لجماعة الحوثي، وقناة "الساحات" التابعة لمجموعة من الناشطين المحسوبين على اليسار.

وهناك عدد من الصحف التي تساعد الحركة الحوثية بصورة مباشرة: " المسار" و" الحقيقة" و" البلاغ" و" الهوية" و" الأمة" و" الصوت" والصحف التي تساند هذه الحركة والمشروع الإيراني بصورة غير مباشرة، كصحيفة " الأولى" و" الشارع" بالإضافة إلى أطلاق العديد من المواقع الالكترونية وتأسيس صفحات متعددة على مواقع التواصل الاجتماعي بدعم وتنسيق من الجناح الإعلامي للموالين لإيران في اليمن. ومن أهم المواقع " أنصار الله" "أفق نيوز" و" المنبر الديمقراطي".

وأيضا لم تكتفِ إيران بذلك وإنما وظفت أذرع إعلامية أخرى سواء تابعة لمؤسستها الإعلامية الحكومية أو تابعة لحلفائها في المنطقة مثل حزب الله اللبناني، لخدمة أهدافها وللترويج لدعايتها السياسية المتعلقة بدورها في اليمن ومن أبرز هذه الأذرع الإعلامية قناة " العالم" الاخبارية باللغة العربية، ومختلف قنوات هيئة البث الإيرانية الحكومية (IRIB) وقناة (PRESS TV) باللغة الانجليزية، وغيرهم من الصحف مثل صحيفة طهران تايمز بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي على شبكة الأنترنت.

3-الدعم الثقافي والديني

لقد تجلى الدعم الثقافي والديني الإيراني للمليشيات الحوثية في عدد من المجالات أهمها تقديم كثير من المنح الدراسية لعديد من الطلبة اليمنيين الذين ينتمون إلى الحركة الحوثية للدراسة في مدينة قم، إذ تم إرسال الطلاب الزيديين من أبناء مشايخ القبائل ومن حملة الشهادات الثانوية في بعثات علمية إلى إيران على نفقة السفارة الإيرانية في اليمن للالتحاق بالحوزات العلمية الإيرانية لمدة أربع سنوات، لدراسة الأثنا عشرية ومبادئ الثورة الإيرانية، كما قامت السفارة الإيرانية بإلحاق عشرات الطلاب في المرحلتين المتوسطة والثانوية بمراكز علمية اثنا عشرية (جعفرية) في صنعاء وصعدة وهذا لتتلقي دورات علمية تترواح بين ستة أشهر وعامين وهذا من خلال دعم كامل من السفارة الإيرانية من أجل تأهيلهم؛ ليصبحوا دعاة في المناطق الزيدية اليمنية المختلفة.

حيث أن تدفق عديد من الطلاب اليمنيين إلى إيران من أجل الدراسة، ولكن خارج أطر الابتعاث الرسمية إذ تكلفت إيران بجميع تكاليف إقامتهم ودراستهم، وقد هدفت إيران من وراء ذلك إلى تجنيد هؤلاء الطلاب؛ للعمل لصالحها في اليمن وهذا من أجل دعم الحركة الحوثية وبعض الأحزاب السياسية الزيدية اليمنية وتشيع الطلاب بالمذهب الإثنا عشري من أجل العمل على نشره في اليمن، وإكسابهم المهارات القتالية اللازمة من أجل مساعدة العناصر الموالية لإيران في اليمن، حيث تم اكتشاف بعض التقارير أن هؤلاء الطلاب تم استقبالهم من قيادات في الحرس الثوري الإيراني ومن ثم جرى توزيعهم على ثلاثة معسكرات تابعه له في ( شيراز ومشهد وأصفهان).

كما ساهمت إيران في إنشاء العديد من المؤسسات الدينية لنشر المذهب الإثنا عشري (الجعفري) في اليمن وفي هذا الإطار أنشأت الحركة الحوثية بدعم من إيران عددا من المدارس والمؤسسات منها: " دار العلوم العليا" وتم بناؤها على نفقة إيران، ووصل عدد الطلاب فيها الي 1500 طالب و" المدرسة الجعفرية" ومقرها عدن، وهي تعد اللجنة التبليغية لجمعية الشيعة الإثنا عشرية، ومركز" بدر العلمي" ومقره صنعاء ويقوم بتدريس علوم المذهب الزيدي كما يضم مكتبة عامة كبيرة و" مركز الدراسات الإسلامية" ومقره صنعاء. و"مدرسة الهادي" تعد المركز الرئيسي لانطلاق الحركة الحوثية، وتقع في قمة جبل مران بمحافظة صعدة وقام بافتتاحه السفير الإيراني لدي اليمن.

ومؤسسة " دار الزهراء للإعلام الثقافي" ومقرها صنعاء ولها عدة فروع في بعض المحافظات اليمنية الأخرى، وتقوم بنشر الفكر الشيعي من خلال المواد الإعلامية المرئية و"المجمع الإسلامي الشيعي اليمني" ومقره محافظة تعز ويهدف إلى تنظيم هيئة حقوقية تسعي لضمان المطالبة بحقوق أبناء الطائفية الشيعية و" دار أحباب أهل البيت" ومقرها تعز أيضا وهي مؤسسة ثقافية دعوية تهدف إلى نشر وترويج المذهب الشيعي و" مؤسسة النبأ الخبرية وجمعية عبد الله الرضيع" ومقرها في محافظة الجوف.

4-إحياء المناسبات والأعياد الشيعية:

عملت إيران على إحياء مجموعة من المناسبات والأعياد الشيعية الاثنا عشرية، والتي لم تكن موجودة في المجتمع اليمني من قبل. ولكن دخلت إلى اليمن في إطار سعي إيران للتأثير على القطاع الزيدي وحرصت إيران على المشاركة في هذه المناسبات من خلال سفارتها في صنعاء ومن هذه المناسبات: (عيد الغدير، يوم عاشورا، إحياء ذكر وفاة بعض أئمة الشيعة الإثنا عشرية. وعملت إيران أيضا على استمالة الحوثيين وتوثيق العلاقة معهم من خلال المواقف الأخرى ذات الطابع الرمزي هو أمر قائد الثورة الإيرانية علي خامنئي بتجديد ضريح " الناصر للحق" وهو إمام زيدي بارز من القرن الثالث الهجري ويقع ضريحه في محافظة مازندران في شمال إيران وذلك لتعزيز العلاقات بين إيران واليمن.

ومن خلال ذلك عملت إيران بشكل مستمر على تعزيز نفوذها السياسي لدى الحركة الحوثية وتوثيق ارتباطها الأيديولوجي بها من خلال العمل على دعم وتمكين العناصر والكتل الأكثر تأثرا بنموذج التشيع الإيراني المسيس والأكثر انفصالا عن التراث الحقيقي للزيديين اليمنيين (كعناصر والكتل المنتمية إلى الطائفية الزيدية الجارودية) داخل الحركة عبر وضع الأساس لثقافة دينية ترتبط ارتباطا وثيق بمبادئ المذهب الأمامي الإثنا عشري الذي يتبناه النظام الإيراني.

5-التدخل في الشؤون الداخلية:

بعد عاصفة الحزم، لم يكن للحوثيين حليف سوى إيران التي اعترفت به وتبادلت معه السفراء ومَدّته بالأسلحة النوعية والطائرات المسيّرة وطوّرت له منظومة الصواريخ.28 وفي الوقت نفسه، تسعى إيران إلى التدخل في الشؤون الداخلية اليمنية، وتُعيق جهود السلام، وتُساهم في تفاقم الأزمة الإنسانية؛ مما جعل الحوثيون يبنون كيانا له مؤسساته العسكرية والاقتصادية، بخاصةٍ بعد الاستيلاء على مؤسّسات الدولة اليمنية في صنعاء. وقد جعل ذلك من جماعة الحوثي رقماً صعباً في المنطقة واستطاعت أن تضرب أهدافاً استراتيجية في السعودية والإمارات، ما غيّر قواعد اللعبة وميزان القوى.

وفي العام 2018، استخدمت روسيا حق النقض (الفيتو) ضد قرار للأمم المتحدة يدين إيران لانتهاكها حظر الأسلحة المفروض على الحوثيين.([vi]) وفي إشارة إلى أهمية اليمن المتزايدة بالنسبة إلى طهران، عُيِّن "حسن إيرلو"  الضابط في الحرس الثوري الإيراني، سفيراً لإيران في صنعاء في العام .2020م، الذي أصبح الحاكم الفعلي في صنعاء حتى توفي بفيروس كورونا كما أعلنت الوزارة الخارجية الإيرانية بينما يشكّك آخرون بأنّ وفاته كانت في إحدى غارات التحالف أو تمّت تصفيته من قبل الحوثيين بسبب زيادة نفوذه"([vii]).

المبحث الثاني

التدخلات الإيرانية في الصومال

تشغل الصومال مساحة من القرن الافريقي تبلغ حوالي (640) ألف كم وتطل على خليج عدن بطول (1200كم) وتجاور اثيوبيا من ناحية الغرب والجنوب الغربي، وكنينا من ناحية الجنوب؛ للأهمية الاستراتيجية للصومال والمنطقة المجاورة لها سواء لمصر والعالم العربي، وترى القيادة العسكرية في إيران أن احتلال اليمن بواسطة الحوثيين يبقى عملاً ناقصاً ما لم يُستكمَل بضم الصومال بحيث يتم إقفال باب المندب أمام السفن المتوجهة إلى البحر الأحمر. بما أن إيران ساندت حلفاءها الحوثيين في اليمن، بعد تحالفاتها مع جماعة الإخوان، فهي حالياً تركز الاهتمام على مساندة حلفائها في الصومال باحتواء الشباب المؤمن والسبب أن «الكمّاشة» الاستراتيجية التي تحلم طهران بتشغيلها بين الصومال واليمن لا تستقيم مهمتها إذا لم يكتمل هذا المسعى.

ومن المهم هنا أن نتتبع تلك التحديات والمخاطر الحافلة بهذه المنطقة، التي على رأسها التوغل الإيراني السياسي والديني، وآثار ذلك على مضيق باب المندب من جهة، وقناة السويس من جهة أخرى، ومن المفيد رصد الأدوات والآليات الإيرانية في تحقيق حلم الهيمنة الإيرانية على هذه المنطقة وتحليلها، وكشف المخاطر والتحديات والأبعاد التي تتولد من ذلك التواجد.

ومن هنا يتبادر إلى أذهاننا عدد من الأسئلة:

1)   ماهي الأهداف الإيرانية من توسيع نفوذها في الصومال؟

2)   ما هي آليات وأدوات التغلغل الإيراني في الصومال؟

3)   هل تنجح محاولات تواجد إيران في الصومال بطريقة تسمح للثورة الإيرانية باحتضان التنظيمات الإرهابية مثل «الإخوان في اليمن» و"الشباب المؤمن في الصومال؟

4)   ماهي التحديات الناتجة من توسع النفوذ الإيراني في الصومال؟

أولا: أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في الصومال

تسعي إيران إلى الهيمنة والسيطرة على الصومال، وذلك من خلال الحصول على موطئ قدم لها في مدخل البحر الأحمر وإقامة قواعد عسكرية لها في المنطقة، ومن ثم فإن ذلك الهدف يُعد هدفاً رئيساً للسياسة الخارجية الإيرانية، وهو ما يُحتم على إيران انتهاج كل الوسائل والأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والثقافية، من أجل تحقيق ذلك الهدف، إلا أن تحقيق هذا الهدف الأولي والكلي لن يتم تحقيقه في حقيقة الأمر، إلا من خلال بعض الأهداف الجزئية التي تتشكل وتتحد معاً لتحقيق الهيمنة الإيرانية في المنطقة المطلة على باب المندب على النحو التالي:

أ ـ الأهداف السياسية:

تحاول إيران بسط نفوذها في الصومال، وتكوين محور معادي للغرب تحت رايتها من دول العالم الثالث، وذلك سعياً لتقليل النفوذ الغربي والأمريكي في المنطقة لصالحها، كما تهدف إيران إلى الخروج من العزلة الدولية الغربية التي فُرُضت عليها بسبب برنامجها النووي.

.بـ الأهداف الاقتصادية

1- سرقة موارد وخيرات الصومال بشكل يتنافى مع قواعد القانون الدولي واحترام سيادة الدول على مواردها التي تقع في أرضها منها ما كشفه تقرير دولي عن سرقة إيران لثروة سمكية قبالة السواحل الصومالية حيث قامت192 سفينة إيرانية بعمليات صيد غير قانونية واسعة النطاق، دون الحصول على تراخيص من الجهات الرسمية في الصومال.

2- ساعدت جماعة الشباب الإرهابية على بيع الفحم الصومالي بدون وجه حق وبشكل غير قانوني وتهريبه عبر أراضيها. وفي هذا السياق كشف تقرير أممي صدر في أكتوبر 2018 بشأن انتهاك طهران للعقوبات الأممية المفروضة على حركة الشباب منذ عام 2012 بحظر تجارة الفحم لتجفيف منابع تمويلها، بمساعدة الحركة على استغلال الأراضي الإيرانية كنقطة تجمع لوجستية لشحنات من الفحم الصومالي بهدف تصديره لعدد من الدول باستخدام علامة تجارية إيرانية، وهو ما أسهم في حرمان الشعب الصومالي من حوالي 150 مليون دولار سنويا، هي القيمة الإجمالية التقريبية لتجارة الفحم غير المشروعة في الصومال.

3-  سرقة اليورانيوم الصومالي بحسب تصريحات معلنة لمسؤولين صوماليين. ففي عام 2017 نقلت قناة “فوكس نيوز” تصريحات عن السفير الصومالي في واشنطن، أحمد عوض، كشف فيها عن قيام جماعة تابعة لتنظيم القاعدة – يقصد الشباب- بإرسال اليورانيوم إلى إيران، بعد أن استولت على إحدى الشركات العاملة في مناجم اليورانيوم بإفريقيا. وفي عام 2020 حذرت السلطات الصومالية من الخطر الإيراني داخليا وخارجيا لاستغلال ثروات البلاد أو لتوظيف الجماعات المسلحة لخدمة أهداف أجنداتها السرية بالمنطقة، ما يعني استمرار النهج الإيراني الخطير وعدم توقفه

جـ ـ الأهداف الدينية الاستراتيجية والأمنية

يعد مبدأ تصدير الثورة الإسلامية من أهم الأهداف الإيرانية العقائدية والدستورية على نحو دقيق، وذلك من خلال المؤسسات الإيرانية والمراكز الثقافية التي تسعي إلى تشييع الصومال وبقية الدول الافريقية، ويظهر ذلك بقوة في دول شرق إفريقيا، من خلال السفارات الإيرانية والبعثات الدينية والتعليمية التي ترسلها إيران إلى إفريقيا.

-       الفرص التي ساهمت في تمدد النفوذ الإيراني في الصومال

تستفيد إيران من فرص جذابة لها لتواجدها وتوسع نفوذها في الصومال، حيث الأهمية الجغرافية وموقعها من القارة الإفريقية، وقربها إلى الأحداث اليمنية، وكل هذه العوامل مجتمعة تجعل دولة طموحة مثل إيران تسعى لاقتناص الفرص المتاحة؛ مما يوفر لها البيئة المناسبة لوضع خططها للوصول إلى أهدافها، ويعزز من ذلك:

1.   غياب النفوذ العربي في المشهد الصومالي خاصة في المجال السياسي والدبلوماسي، لاسيما بعد تضييق الخناق على المؤسسات العربية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر/أيلول.

2.   الفقر والجهل، وحاجة المجتمع إلى الدعم التعليمي والإغاثي، والترحيب بكل من يبذل جهدًا لسدِّ هذه الحاجات الاجتماعية دون النظر إلى خلفيات مقدِّم الدعم.

3.   ضعف إمكانيات المؤسسات الدينية والتعليمية والثقافية في الصومال، وهو ما يفتح الطريق أمام أي طرف آخر للاندماج في المجتمع.

4.   غياب الرؤية الحكومية عن الوجود الإيراني في البلاد خاصة نواحيها الاجتماعية والسياسية والعقدية، وربما يكون تصريح عمدة مقديشو (حسن محمد المشهور بمونغاب) حول تلقيه شكاوى من هيئة علماء الصومال تتحدث عن انتشار التشيع بين الشعب تعتبر الكلمة الأبرز التي تصدر من الحكومة الحالية. 

5.   وجود الطرق الصوفية التي تكون مدخلًا مقبولًا لربط العلاقة بينهما، خاصة أن القاسم المشترك بين الطرفين كراهيتهم للفكر الوهابي أو السلفي المنتشر في أوساط الصوماليين.

6.   الحركات الإسلامية المدعومة من إيران تلعب دورا كبيرا في التمدد الإيراني في الصومال ودول القرن الافريقي.

7.   تستفيد طهران من التعاطف الشعبي الصومالي مع السياسة الخارجية الإيرانية المناهضة للغرب وخاصة أميركا، واعتبار بعض عامة الناس أن الثورة الإسلامية الإيرانية هي التي تدافع عن القضايا الكبرى للمسلمين، كما يغيب عن الوعي الجمعي الصومالي موقف إيران من الثورات العربية، وما تفعله في العراق وسوريا واليمن، رغم أن الصوماليين بشكل عام مع الثورات العربية منذ انطلاقها.

-       أشكال التوغل الإيراني في الصومال([viii]):

تمتلك إيران الكثير من الأدوات والآليات التي بمقدورها توظيفها لخدمة الأهداف الأولية للسياسة الخارجية وتنفيذ مشروعها الشامل في الصومال، إذ تنتهج سياسة ناعمة، فقد لجأت إيران إلى وسائل إنسانية وخدمية كستار يساعدها على اختراق المجتمع الصومالي والتوغل فيها ونشر أفكارها بين شعوبها خاصة الشعب الصومالي مستغلة الظروف الصعبة التي يعيشوها والكوارث البيئية والأزمات الاقتصادية الطاحنة والمجاعات المتوالية، لفتح أبواب تتسلل منها فيما بينهم. ويمكن وضع عدد من المداخل الرئيسية للوجود الإيراني في الشأن الصومالي، كالتالي:

أولا: الوجود السياسي والدبلوماسي

ويمكن تصنيف الوجود السياسي والدبلوماسي الإيراني المكثف في مرحلتين هما:

1- مرحلة ما بعد ظهور المحاكم الإسلامية (ما بين 2006 إلى 2011)
بشكل مفاجئ، محليًّا وإقليميًّا ودوليًّا، بزغ فجر المحاكم الإسلامية، وسيطرتها على الجنوب، ما عدا منطقتين كانتا مقرًّا للحكومة الصومالية المؤقتة، وتمكنت من فرض أجندة سياسية ذات طابع إسلامي على الواقع السياسي. وفي هذه الفترة، اتهمت الأمم المتحدة -عبر اللجنة الأممية لمتابعة فرض حظر الأسلحة على الصومال- حزب الله في لبنان، والجمهورية الإسلامية الإيرانية ودولًا أخرى بإرسال أسلحة وذخائر إلى المحاكم الإسلامية، وكذلك تدريب مقاتلين صوماليين في معسكرات حزب الله في لبنان، وإشراكهم في حرب تموز/يوليو عام 2006 ضد إسرائيل، وأشارت هذه التقارير إلى أن إيران تريد دعم المتطرفين في القرن الإفريقي وعلى الرغم من هذا الاتهام الأممي، إلا أن إيران لم يكن لها وجود ملموس على الساحة السياسية والاجتماعية، ولم يجد المتابعون للشأن الصومالي أدلة حقيقية على الدور الإيراني فيما يخص القتال الدائر بين المحاكم الإسلامية والفصائل الصومالية الأخرى "مرَّةً ضد زعماء الحرب، وأخرى ضد الحكومة المؤقتة في مقرها الرئيسي (بيدوا)". وكانت الزيارات الرسمية لقيادات المحاكم الإسلامية منحصرة في الدول العربية، بالإضافة إلى أريتريا، وزارت وفود تمثلها، دولة الامارات العربية، وجمهورية اليمن، ودولة قطر، وجمهورية مصر العربية، بينما لم يزر أي مسؤول من المحاكم الإسلامية، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، أو جمهورية لبنان.

2- مرحلة ما بعد إعلان حالة المجاعة (عام 2011 حتى الآن 2015)
وتأتي بعد إعلان الرئيس الصومالي شيخ شريف شيخ أحمد، وكذلك الأمم المتحدة، حالة المجاعة في المناطق الجنوبية من الصومال، وانتشر الخبر في كبريات وسائل الإعلام الدولية، وضعت هذا القصة الصومال أعلى سُلَّم الأجندة الدولية، واهتمام السياسة الخارجية لبلدان عديدة، إسلامية وغربي بدأ الدور الإيراني يبرز للواجهة، ويتغلغل في الوسط المجتمعي والسياسي، والدبلوماسي، ووُضعت على ما يبدو خطط مدروسة للربط بين إيران الدولة، وبعض المكونات السياسية، وكذلك بين المجتمع الصومالي وبين المؤسسات الاجتماعية الإيرانية سواء عبر الإغاثة أو التنمية أو التعليم، كما تم تنشيط صوماليي المهجر الذين اعتنقوا الفكر الشيعي أثناء دراستهم في إيران ويعد أبرز أوجه التعاون بين البلدين، وتوقيع اتفاقية تعاون بين برلمانيي البلدين التي تنص على تقديم الطرف الإيراني خدمة طبية مجانية لأعضاء البرلمان الصومالي وعائلاتهم، ولأجل ذلك يتردد كثير من نواب البرلمان وأسرهم إلى إيران، بحجة الرحلة العلاجية ومن هنا، أصبحت إيران الدولة الأكثر تعاونًا مع أهم سلطة في البلاد، وهي السلطة التشريعية، ولا شك في أن هذا التعاون سيترك آثاره إن عاجلًا أو آجلًا على بعض صُنَّاع القرار في البلد.

وفي أغسطس/آب عام 2011، زار مقديشو وزيرُ الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، والتقى بالرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، وذلك أثناء المجاعة التي ضربت الصومال، وأعلن آنذاك بناء مستشفى متكامل ومجهز لتلبية الاحتياجات العلاجية، مع إنشاء مخيم يتسع لألفي نازح، وهي المرة الأولى التي يُسجَّل فيها اهتمام إيراني رسمي.

في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2012، توجه الوزير الإيراني نفسه إلى مقديشو مرة أخرى، والتقى خلالها الرئيس حسن شيخ محمود، في القصر الرئاسي، وأعلن أثناء مؤتمره الصحفي افتتاح سفارتهم في الصومال بعد أكثر من عقدين من الغياب، وفتح مكتب للهلال الأحمر الإيراني، ومكتب آخر لمؤسسة الامام الخوميني الخيرية. واللافت أن السفارة الإيرانية، وكذلك مقرات مؤسساتهم الخيرية تعمل خارج الأماكن المحصنة أمنيًّا في مقديشو.

 ثانيا/ المعونات والحوافز الاقتصادية

 التجارة في الصومال مفتوحة للجميع، في ظل غياب الأنظمة والقوانين التي تنظم العمل التجاري للبلد، وتصبح التجارة مع الصومال ميسرة وسهلة لمن أراد ذلك، ورغم صعوبة الحصول على بيانات توضح طبيعة التبادل التجاري بين إيران والصومال، إلا أنه يمكن تسجيل الملاحظات التالية فيما يتعلق بالجوانب البارزة منها:

1.   إيران واحدة من أهم مستوردي الفاكهة الصومالية وبالذات الموز (مادة سريعة التلف) بجانب السمسم وغيره، مما يضمن لها ارتباط النخب المالية بها إن عاجلًا أو آجلًا. 

2.   توريد بعض أصناف المحروقات عبر طرق سرية وبأسعار منخفضة يتم التعاقد بها مع التجار الموالين لها.

3.    قيام إيران بسرقة موارد وخيرات الصومال بشكل يتنافى مع قواعد القانون الدولي واحترام سيادة الدول على مواردها التي تقع في أرضها منها ما كشفه تقرير دولي عن سرقة إيران لثروة سمكية قبالة السواحل الصومالية حيث قامت192 سفينة إيرانية بعمليات صيد غير قانونية واسعة النطاق، دون الحصول على تراخيص من الجهات الرسمية في الصومال.

4.   وفي عام 2020 حذرت السلطات الصومالية من الخطر الإيراني داخليا وخارجيا لاستغلال ثروات البلاد أو لتوظيف الجماعات المسلحة لخدمة أهداف أجنداتها السرية بالمنطقة، ما يعني استمرار النهج الإيراني الخطير وعدم توقفه.

ثالثا: المعونات والحوافز الاجتماعية

جذبت حالة المجاعة والجفاف التي أُعلنت في الصومال أنظار القيادات السياسية والدينية في إيران لوضع استراتيجية بعيدة، وبالفعل قامت بجهود إغاثية وإنسانية واجتماعية لقيت ترحيبًا وتعاونًا محليًّا في المرحلة الأولى من الدعم الإنساني، ومن الأمثلة على ذلك:

1.   الزواج الجماعي: وبتنسيق مباشر من السفارة الإيرانية في مقديشو، وتم رصد ثلاثمائة دولار أميركي لكل أسرة شهريًّا، لإعالتهم عدة شهور، مع تحمل نفقات الزواج وتكاليف السكن والأثاث، ولا شك أن هذه الأسر التي تنشأ تحت النفقة الإيرانية ستكون متعاطفة معها، مع الإشارة إلى أن البلاد لم تعهد في تاريخها ما يُعرف بالزواج الجماعي.

2.   تكثيف النشاط الإنساني في المناطق ذات الأقليات مثل حمروين التي كانت مقرًّا للوجود الفارسي في القرن السابع الهجري، وكذلك الأقليات ذات الأصول العربية، وتهتم بهذا الحي لرمزيتها التاريخية.

3.   المنح الدراسية: تقدم الجامعات الإيرانية بفروعها المختلفة منحًا دراسية (أكثر من ثلاثمائة منحة دراسية خاصة في الطب والهندسة) عبر شخصيات صومالية مرموقة، أو عبر التعاقد المباشر مع بعض الجامعات المحلية، وهي مراحل الشهادة الجامعية والماجستير، وكذلك ربطها مع جامعات أخرى في العراق. وتشهد الساحة التعليمية في الآونة الأخيرة رحلات ولقاءات أكاديمية بين جامعات صومالية وأخرى إيرانية، وهي بداية للعلاقة الثقافية بين البلدين.

4.   الصوماليون في المهجر والإعلان عن التشيع: لم يبرز إلى العلن في الوسط المحلي سابقًا شخصيات تعلن اعتناقها للفكر الشيعي، ربما خوفًا من ردَّة الفعل الاجتماعي ضدهم، إلا أنه في الآونة الأخيرة ظهرت شخصيات تتحدث إلى وسائل الإعلام من الصوماليين في المهجر، أو تكتب مقالات تقول بشكل علني: إنها درست المنهج الديني الصحيح في إيران، واقتنعت بأن الشيعة هم أقرب إلى الحق من السنَّة، والبعض منهم درس في قم.

رابعا: الدعم الثقافي ونشر التشيع

ومن أجل البحث عن شريك محلي، تُعتبر الطرق الصوفية الحليف الأقرب لإيران لسببين: أولهما: أن الصوماليين مجتمع سني شافعي، ولا يوجد أقليات شيعية ولم يشهد التاريخ الديني في البلاد، أتباعًا للمذاهب الفقية الأخرى مثل الحنابلة، أو المالكية، وعليه لا تجد إيران من يرتبط معها من الناحية العقائدية.

ثانيهما: أن متطرفي الصوفية يجدون قواسم مشتركة مع إيران، مثل محاربة الفكر الوهابي السلفي المهيمن على الساحة الدينية الاجتماعية.

وعلى هذا الأساس قامت السفارة الإيرانية في مقديشو بفتح قنوات تواصل مع المجموعات الصوفية في البلاد، وفي مكوناتها الثلاثة، التي سنشرحها لاحقًا، وتعاملت مع كل فريق وفق اهتماماته الدينية أو السياسية أو العسكرية، وربما الغرض منها تقديم الدعم اللازم ليصبحوا رقمًا صعبًا في المعادلة الاجتماعية والسياسية في البلاد.

وتأتي طريقة تفاعلهم مع الأشكال المختلفة للطرق الصوفية كالتالي:

أ. الصوفية التقليدية المتمثلة بمشايخها وقادة الطرق (الطريقة القادرية، الطريقة الأحمدية)، تم ربطها بالمؤسسات الخيرية الإيرانية، مثل مؤسسة الامام الخوميني الخيرية، ودعم أنشطتهم الاجتماعية والدعوية، والتنسيق معهم للحصول على منح دراسية من المراكز العلمية والجامعات الصوفية في اليمن، والعراق، وكذلك بعض الجامعات في إيران.

وتم تفعيل الأنشطة المتعلقة بإبراز آل البيت، عن طريق عقد حفلات ضخمة للمولد النبوي كل عام، ويُلاحَظ خلال السنوات الأخيرة الحديث الإعلامي والفعاليات الكبرى عن دور آل البيت في الإسلام، ربما يعتبر هذا مدخلًا مستقبليًّا لاستغلال حُبِّ أهل السنَّة لآل البيت، مع ترسيخ صورة ذهنية جديدة لدى المجتمع الصومالي، وهي أفضلية الصحابة من آل البيت على غيرهم من الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، الصوفية السياسية المتمثلة بالجناح السياسي لتنظيم أهل السنة والجماعة، وكان لهم تمثيل وزاري في مجلس الوزراء ما قبل عهد الرئيس الحالي حسن شيخ محمود، ولهم عدد من أعضاء البرلمان الفيدرالي الحالي، وتتعامل السفارة الإيرانية في مقديشو معهم كطرف سياسي أساسي في البلاد، حيث تم استضافة قيادات عليا من تنظيم أهل السنة والجماعة ونواب برلمانيين في طهران، وقاموا بزيارات متكررة إلى إيران، وهي زيارات بقيت نتائجها في طي الكتمان، وقد تندرج في سياق التنسيق السياسي بين الطرفين:

‌ج. الصوفية المسلحة المتمثلة في الجناح العسكري لتنظيم أهل السنة والجماعة المتمركزة في المناطق الوسطى والتي لا تزال قوية ومؤثِّرة من الناحية العسكرية، كما أنه تنظيم منفصل من الجيش الوطني في تلك المنطقة، وتدور من حين لآخر اشتباكات مسلحة بينهما.

وتسيطر الجماعة حاليًا على مدن رئيسية في المناطق الوسطى، مثل عاصمة إقليم " كلمدج" الذي أُنشئ حديثًا، كما أنها لا تعترف بالنظام المحلي الجديد.

وليس بغريب في المنظور القريب أن يصبح هذا الجناح العسكري المنحصر حاليًا في منطقة الوسط متمددًا، ويتحول إلى لاعب رئيسي في المشهد الوطني، وربما يستقيظ البعض عندئذ، وحينها، تجد الدولة الصومالية ومن معها من الدول العربية أنفسهم في موقف لا يحسدون عليه.

‌د. تشبيك الروابط بين الصوفية الصومالية، مع الصوفية في إثيوبيا خاصة جماعة الأحباش -المسيطرة على المجلس الأعلى الإسلامي في أديس أبابا- وهي الرافد الطبيعي لتغلغل المذهب الشيعي في المناطق السنية في إثيوبيا، ودون ممانعة سياسية من قيادات الدولتين.

خامسا: تسليح ودعم جماعة الشباب المتشددة

يعود اهتمام طهران بالصومال إلى التعاون مع منظمة اتحاد المحاكم الإسلامية التي انبثقت عنها فيما بعد ما يعرف باسم "حركة شباب المجاهدين"([ix]) الصومالية؛ وتعد حركة الشباب المجاهدين أحد أهم التنظيمات الإرهابية المتواجدة بالقرن الإفريقي وأخطرها، وقد مثلت هذه الحركة امتداد لتنظيم القاعدة الإرهابي، ذلك التنظيم الذي طالما ساندته إيران، وعليه فإن جزء من دعم إيران لحركة الشباب هو بالأساس دعم لتنظيم القاعدة الأم.

وكان ظهور جماعة الشباب المتشددة بمثابة فرصة ذهبية بالنسبة لإيران لتحقيق مزيد من التوغل والاختراق الأمني للبلاد بكافة السبل لتعظيم مكاسبها ومصالحها الخاصة وتحقيق أهدافها المغرضة، ومن هنا، يرتكز النشاط الإيراني في الصومال على دعم الجماعات الإسلامية المسلحة بغرض الاستفادة منها في خدمة المصالح الإيرانية في المنطقة. وفي هذا السياق، تستخدم إيران طرقاً كثيرة للتهرب من الكشف عن تسليحها لمثل هذه الجماعات، وتعد إريتريا التي تتمتع فيها الجمهورية الإسلامية بنفوذ كبير هي إحدى هذه الوسائل.

فكلما ازدادت الفوضى في مقديشو، ازدادت قدرة طهران على استغلال الوضع وكسب النفوذ. مما يؤدى لتمتع حلفاء "حزب الله" اللبناني بنفوذ كبير في الصومال، فضلاً عن أنها وسيلة جيدة لنقل الأسلحة إلى الحليف الشيعي في اليمن (الحوثيون) نظراً لقرب الحدود الجغرافية.

لقد جدت إيران في حركة الشباب المجاهدين الصومالية الحصان الذي يمكن أن تمتطيه لتحقيق أغراضها الاستراتيجية، فسعت الى أن تستغل الحركة في أنشطتها الإرهابية التي تضر بأمن البحر الأحمر، ومن هذه الأنشطة قيام إيران بتوظيف الحركة في تهديد الملاحة البحرية الدولية بصورة عامة، والأمريكية بصورة خاصة، من أجل إجبار الولايات المتحدة الأمريكية على نقل جزء من أسطولها البحري المرابط في مضيق هرمز إلى هناك ([x]).

حيث رصدت تقارير الأمم المتحدة في عام 2006م ثلاثة شحنات أسلحة إيرانية موجهة إلى هذه الحركات، وكانت واحدة منهم تحمل مدافع رشاشة، قاذفات قنابل و صواريخ أرض –جو([xi]). وذكرت تقارير الأمم المتحدة أنه عُرض على المقاتلين الصوماليين حوافز مختلفة للانضمام لقوات "حزب الله"، حوالى 2000 دولار للمقاتل، و ما بين 25.000 و 30.000 دولار لعائلة المقاتل إذا ما قُتل في الحرب([xii]).

لقد صنفت وزارة الخارجية الأميركية حركة الشباب الصومالية في قرار صادر في 29 فبراير/شباط 2008 بأنها حركة إرهابية، وبأنها مجموعة "متطرفة عنيفة ووحشية" تنتمي إلى تنظيم القاعدة، وأعلنت الوزارة تجميد أموال الحركة في الولايات المتحدة.".

وفي عام 2012فرضت على حركة الشباب عقوبات الأممية المفروضة منها حظر تجارة الفحم؛ لتجفيف منابع تمويلها.

وفي عام 2017 نقلت قناة “فوكس نيوز” تصريحات عن السفير الصومالي في واشنطن، أحمد عوض، كشف فيها عن قيام جماعة تابعة لتنظيم القاعدة – يقصد الشباب- بإرسال اليورانيوم إلى إيران، بعد أن استولت على إحدى الشركات العاملة في مناجم اليورانيوم بإفريقيا"([xiii]).  

وفي عام 2018 كشف تقرير صادر عن لجنة الأمم المتحدة، عن ضلوع إيران في تمويل وتسليح حركة “الشباب” ومخالفة العقوبات المفروضة على الحركة، وهو ما تأكد مجددا بواسطة تقارير حديثة كشفت عن قيام إيران بتهريب أسلحة لجماعات مسلحة في الصومال عبر خليج عدن.

وفي هذا السياق كشف تقرير أممي صدر في أكتوبر 2018 بشأن انتهاك طهران للعقوبات الأممية المفروضة على حركة الشباب منذ عام 2012 بحظر تجارة الفحم لتجفيف منابع تمويلها، بمساعدة الحركة على استغلال الأراضي الإيرانية كنقطة تجمع لوجستية لشحنات من الفحم الصومالي بهدف تصديره لعدد من الدول باستخدام علامة تجارية إيرانية، وهو ما أسهم في حرمان الشعب الصومالي من حوالي 150 مليون دولار سنويا، هي القيمة الإجمالية التقريبية لتجارة الفحم غير المشروعة في الصومال([xiv]).

 كما أفادت وزارة الدفاع الصومالية، باحتمالات استخدام الأموال والأسلحة والذخيرة الإيرانية في هجمات 2019 و2020، التي شنتها «حركة الشباب» على القواعد العسكرية الأميركية في الصومال وشمال كينيا، بالإضافة إلى القافلة العسكرية للاتحاد الأوروبي في مقديشو.

وكانت دراسة عن المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية، لعام (2021)، قد أكدت تهريب أسلحة إيرانية بشكل ممنهج عبر خليج عدن إلى الصومال. واستندت تلك الدراسة إلى تشابه بيانات قطع السلاح التي تم العثور عليها في أنحاء مختلفة من الصومال، بالإضافة إلى ما تم العثور عليه داخل مخازن 13 قاربا تم اعتراضها بواسطة سفن عسكرية. كما أكد عسكريون صوماليون إدارة إيران لعمليات سرية، لتقويض جهود الولايات المتحدة الأمريكية في الصومال، وذلك من خلال تقديم أسلحة متطورة وأجهزة تفجير عن بعد، ومواد كيميائية تستخدم في صنع القنابل.

وأعلنت "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية" أن "أسلحة قدمتها إيران لحلفائها الحوثيين في اليمن يجري تهريبها عبر خليج عدن إلى الصومال"،([xv]) حيث يحارب مقاتلو حركة الشباب المرتبطون بتنظيم القاعدة حكومة البلاد.

وفي تقرير معهد الدراسات الأمنية: كشف أن إيران تسلح الجماعات المتطرفة في القرن الإفريقي تقرير جديد صادر عن معهد الدراسات الأمنية أنَّ شبكة تهريب الأسلحة من المحتمل أنها تتوسع تلك العمليات الى الجماعات الموالية لحركة الشباب في إثيوبيا وكينيا وموزمبيق، ممَّا يؤجج مشكلة غياب الأمن في منطقة القرن الإفريقي.

وأفادت مجلة «فورين بوليسي» أنه يشيع أيضاً نقل الأسلحة الإيرانية إلى جمهورية إفريقيا الوسطى وجنوب السودان وتنزانيا.

وفي مطلع كانون الثاني/يناير نجحت القوات الأمريكية في اعتراض قارب يهرب أكثر من 2,000 بندقية كلاشنكوف هجومية في المياه الدولية بين إيران واليمن، وهو الطريق الشائع لتهريب الأسلحة إلى مليشيا الحوثي. وتعتبر تلك الضبطية أحدث عملية اعتراض تقوم بها القوات الأمريكية لأسلحة كانت متجهة إلى الصومال خلال السنوات الأخيرة.([xvi])

ولم تقتصر إيران هنا بل تجاوز الأمر لأكثر من ذلك حيث ساعدت جماعة الشباب الإرهابية على بيع الفحم الصومالي بدون وجه حق وبشكل غير قانوني وتهريبه عبر أراضيها.

 وقال مسؤولون أميركيون: إن ميليشيا الحوثي- ذراع إيران في اليمن، متورطة في عملية تزويد جماعة شباب الصومال الإرهابية بالأسلحة والعتاد، وهذا تطور مثير للقلق ويهدد بمزيد من زعزعة الاستقرار في المنقطة التي تشهد أعمال عنف متصاعدة.

وبحسب تقرير نشرته شبكة CNN، فإن هناك معلومات حول محادثات جرت بين ميليشيا الحوثي وحركة الشباب الصومالية لتوفير الأسلحة للأخيرة بتواطؤ من إيران. ووفقاً للمسؤولين الأميركيين أن واشنطن تجري التحقيقات للحصول على أدلة على تسليم الحوثيين دعماً عسكرياً لجماعة الشباب الصومالية؛ وكذا معرفة مدى تورط إيران في تقديم الدعم العسكري والمالي للحوثيين في هذه الصفقة.

إذ يجد الحرس الثوري الإيراني وانطلاقا من “عقيدة الجهاد البحري المقدس”، في الحركة الأداة التي تضرب بها النفوذ الدولي في منطقة باب المندب، فبعد فرض عقوبات دولية على تجارة الفحم الصومالي في العام 2012، والذي تستخدمه الحركة في دعم عملياتها المسلحة، قامت إيران بتسخير الكثير من سفنها لتصدير الفحم الصومالي إلى الأسواق العالمية، مستخدمةً العلم الإيراني عليها، وفي مقابل هذا تقوم الحركة بتوريد مادة اليورانيوم إلى إيران، والذي تستخدمه بدورها في دعم أنشطتها النووية.

إذ تعد الحركة من أكبر موردي اليورانيوم إلى إيران([xvii])، وذلك بعد سيطرتها على الكثير من مناجم اليورانيوم في الصومال، وهو ما كشف عنه وزير الخارجية الصومالي يوسف عمر برسالة بعث بها إلى السفير الأمريكي في مقديشو “ستيفن شولترز”، والذي أشار بها بوضوح إلى أن الحركة تورد ما نسبته 10% من احتياجات إيران من مادة اليورانيوم الذي تستخدمه في برنامجه النووي.

بل والأكثر من ذلك كله يجد الحرس الثوري الإيراني في الحركة عنصراً مؤثراً حيال النفوذ التركي والأمريكي في العاصمة مقديشو، من خلال توظيفها في ضرب مصالحهما هناك.

لا شك في أن إيران تدرك جيداً القيمة الاستراتيجية التي تمثلها هذه الحركة، في تغيير مسار العمليات الأمنية في منطقة القرن الأفريقي وشرق أفريقيا تحديداً، فقد شهدت الأونة الأخيرة توجهاً سعودياً وإماراتياً نحو هذه المنطقة([xviii])، وهو ما قد يزيد بالمقابل من القيمة العملية لهذه الحركة في النسق العقيدي الإيراني.

إن التوجه الإيراني نحو القارة الأفريقية اكتسب زخماً كبيراً منذ تسعينات القرن الماضي، وهو ما سهل لها إنشاء روابط أمنية مع العديد من الجماعات المسلحة في هذه المنطقة، ولنا بالدور الذي تلعبه إيران في توظيف جماعة الزكزاكي في نيجيريا أبرز مثال على ذلك، هذا إلى جانب دورها في السنغال ومالي وغيرها من الدول الأفريقية.

إذ تتميز إيران برعايتها للعشرات من المليشيات والجماعات المسلحة([xix])، والتي تنتشر في ساحات مختلفة من منطقة الشرق الأوسط، دون أن يكون هناك أدنى اعتراف رسمي بها، وهو ما جعل الدور الإيراني يتمتع بحيوية كبيرة، رغم الضغوط الدولية المتصاعدة ضده، فالذي يميز النموذج الإيراني اليوم، وانطلاقا من قاعدة العلاقات الهجينة التي تربطه مع العديد من التيارات والجماعات التي تتشابه وتختلف معه مذهبياً وفكرياً وأيديولوجياً، هو أنه قادر على تحريك أي جبهة يواجه فيها نسقاً ضغطياً متصاعداً، وهو مالا تتمتع به أية قوة أخرى على المسرح الإقليمي.

-       التحركات العربية لمواجهة التمدد الإيراني في الصومال

بعد عودة النشاط الإيراني المعلن والرسمي في الصومال إلى عام 2011 حيث ضربت المجاعة الجنوب الصومالي، فتم استغلال الأمر وقام وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر صالحي بزيارة للصومال في أغسطس من ذلك العام، وأعلن فيها عن تقديم مساعدات قيمتها ٢٥ مليون دولار شملت إنشاء مخيم يتسع لألفي شخص، وتجهيز مستشفى متكامل، وتقديم مساعدات طبية وتعليمية للمتضررين. وتحت ستار الأعمال الخيرية سنحت الفرصة لنشاط كبير لهيئات إيرانية خطيرة منها لجنة الإمام الخميني للإغاثة، والهلال الأحمر الإيراني، والملحقية التعليمية للسفارة الإيرانية في مقديشو، والمخيم الطبي الإيراني.

وفي مقابل ذلك ظهرت تحذيرات من الحكماء الصوماليين من النشاط الإيراني مع زيادة الريبة والشك لا سيما مع انتشار حفلات الزواج الجماعي غير المألوفة في المجتمع الصومالي والتي كانت تتم برعاية إيرانية كاملة وبشكل يثير القلق من الدوافع الحقيقية الكامنة وراءها.

أولا: توترات العلاقات الصومالية الإيرانية

واقع الأمر أن النهج الإيراني وما ينطوي عليه من أجندة مريبة، أدى إلى توحد المواقف الصومالية والعربية والإفريقية في مواجهة هذا الواقع الذي يعد تهديدا خطيرا للمنطقة وشعوبها وعقائدها وأمنها.

-       موقف السلطات الصومالية:

ويحسب للقيادة السياسية الصومالية إدراكها ووعيها العميق بالخطر الإيراني والتنديد به والعمل على مواجهته بشتى السبل وعلى مختلف الأصعدة. وكان الرئيس شيخ محمود محقا حينما قال أمام مؤتمر علماء الصومال مؤخرا أنه “استأصل الورم” وهو يتحدث عن طرد الصومال لإيران خلال ولايته الأولى في حكم الصومال (٢٠١٢-٢٠١٧). وكشف الرئيس الصومالي للعلماء عن التحركات الإيرانية المريبة وكيفية قيامها بأنشطة رائعة تخفي وراءها أجندة تخريبية وأفكارا هدامة. وكذلك الموقف الحاسم للجهات المسؤولة بالصومال بعد اكتشاف النشاط الإيراني المنحرف والتأكد من تورط دبلوماسيين إيرانيين ومسؤولين بمنظمات إغاثية تابعة لها في القضية بموجب أدلة دامغة. فلم تكتف الإدارة الصومالية بطرد المسؤولين المتورطين، بل قررت منع الوجود الإيراني تماما بهدف استئصال الورم على حد وصف الرئيس الصومالي، وهو وصف يعكس التوجه الصومالي الحكيم وسياسته الخارجية القائمة على ثوابت الحفاظ على البلاد من الافكار الهدامة والأجندات التخريبية وعدم الانخداع في المظاهر الإنسانية التي يستخدمها النظام الإيراني كستار لإخفاء الوجه القبيح.

وقد شهدت العلاقات الصومالية الإيرانية توترات عديدة انتهت بقطع العلاقات الديبلوماسية عام 2016 بعد موافقة مجلس الوزراء الصومالي وذلك على خلفية الهجوم على السفارة السعودية في طهران، تضامناً مع المملكة العربية السعودية. وأمهلت الحكومة الصومالية السفير الإيراني في الصومال 72 ساعة لمغادرة البلاد، كما أمهلت مؤسسة الخميني الخيرية مدة أسبوع لمغادرة البلاد أيضا([xx])

-        موافق الدول العربية والافريقية والدولية

وعلى الصعيد العربي فإن هناك توافقا عربيا على رفض التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية للبلدان العربية في الشرق الإفريقي وعلى رأسها الصومال، فقد تم تأسست مؤسسات متعددة الأطراف كمجلس البحر الأحمر لتعزيز التعاون في الشؤون الاقتصادية والأمنية كالاتجار بالأسلحة بين الدول العربية والإفريقية. ويضم في عضويته كلاً من جيبوتي ومصر وإريتريا والأردن والمملكة العربية السعودية والصومال والسودان واليمن.

وكذلك شرع البرلمان العربي منذ 2019 في تدشين استراتيجية عربية موحدة للتعامل مع إيران.

أما الدور الاماراتي فيعد الأبرز عربيا واقليما في وجه التدخلات الإيرانية والتنظيمات الإرهابية في الصومال، وهذا الحضور العربي الاماراتي امتد لعشرات السنوات منذ عامي 1993 و1994 عندما قدمت الإمارات قوات إلى العمليات الإنسانية وعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.

وفي العام 2010، عاد المستشارون الإماراتيون للإشراف على إنشاء "قوات الشرطة البحرية في بونتلاند" التي تأسست لمكافحة عمليات القرصنة المتزايدة بتمويل سنوي من أبو ظبي يقدّر بنحو 50 مليون دولار.

وفي السياق عينه، أنشأت الإمارات العربية المتحدة منذ العام 2010 قاعدة كبيرة لــ"قوات الشرطة البحرية في بونتلاند" في بوصاصو وزادت من وجودها الإجمالي في الصومال إذ وصل عديدها إلى 180 جنديًا.. وإلى جانب القواعد الرئيسية في بربرة وصوماليلاند وعصب في إريتريا والتي استخدمتها الإمارات في عملياتها ضد الحوثيين في اليمن، عزز تمركزها في بوصاصو وجودها في البحر الأحمر بما أسهم في تيسير العمليات في اليمن وأيضًا في تسهيل التصدي للتهريب الإيراني.

وعندما انحسر تهديد القرصنة انتقلت "قوات الشرطة البحرية في بونتلاند" عمليًا إلى مهمة مكافحة الإرهاب، ما أسهم في قمع تمرد الجهاديين في جبال غلغالا بدءًا من العام 2014 بالإضافة إلى ذلك، بدأت الإمارات في العام 2014 بتدريب آلاف المجندين الصوماليين ودفع رواتبهم. وصد الهجوم البحري الذي شنته "حركة الشباب" في العام 2016 على بونتلاند وقيادة تحرير بلدة قندلا في ذلك العام من فرع تنظيم "الدولة الإسلامية" المشكّل حديثًا وتأمين المطارات الرئيسية في بونتلاند.

ونظرا لتلك المواقف الإماراتية قامت "حركة الشباب" بتجنيد مجند سابق في الجيش الوطني الصومالي للهجوم على "معسكر الجنرال غوردون" في مقديشو، ما أسفر عن مقتل أربعة ضباط إماراتيين وضابط بحريني(.[xxi])

ومع ذلك، جاءت بسالة "قوات الشرطة البحرية في بونتلاند" في مكافحة الإرهاب في نهاية المطاف على حساب مهمتها الأصلية إذ عادت القرصنة إلى الظهور قبالة ساحل بونتلاند منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، في حين أن تفشي الصيد غير القانوني وتهريب الأسلحة الإيرانية استمرا بلا هوادة.

وفي جلسة بشأن الصومال في فبراير/شباط عام 2022 قالت الإمارات في مجلس الأمن إنها تسلط الضوء على 4 مسائل:

1-  التركيز على دعم المسار السياسي باعتباره أساساً لتحقيق سلام مستدام في الصومال.

2-  أهمية تقديم المساعدة للصومال. في التصدي للتهديدات الأمنية التي تحول دون بناء سلام مستدام فيه، وفي مقدمتها حركة الشباب الإرهابية التي تستمر في شن الهجمات.

3- أهمية إيصال المساعدات الإنسانية. بشكل كامل وآمن في ظل موجة النزوح التي خلفتها الأوضاع الأمنية المتردية والكوارث الطبيعية

4-  العمل لدعم الصومال في التصدي لتداعيات تغير المناخ. والتي أدت جميعها إلى تزايد انعدام الأمن الغذائي.

ويرى خبراء أن جهود الإمارات ساهمت على نحو كبير في تحقيق الجيش الصومالي انتصارات ميدانية متسارعة على حركة الشباب أغنى وأخطر التنظيمات الإرهابية في أفريقيا والمرتبطة بتنظيم “القاعدة” الإرهابي. مشددين على أن فقدان الحركة لمناطق واسعة في وسط البلاد خلال العام الماضي من أبرز الدلائل على أهمية التعاون بين مقديشو والإمارات.

أما على الصعيد الإفريقي فهناك رفض عام للتحركات الإيرانية من معظم دول القرن الإفريقي؛ لكونها تهدد الأمن والاستقرار الإقليمي. وعلى المستوى الدولي فإن الأهمية الاستراتيجية للقرن الإفريقي تجعل دول العالم المختلفة قلقة من أي تهديد إيراني لأمن الملاحة الدولية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب الذي تمر منه 12% من إجمالي التجارة الدولية([xxii])

المبحث الثالث: التدخلات الإيرانية في السودان

المقدمة:

تنبع أهمية السودان الاستراتيجية من موقعها الجيواستراتيجي، فهي قريبة من (قلب) العالم العربي، وبخاصة مصر. فهناك اعتماد متبادل بين السودان ومصر، بمعنى أن ما يحدث لأي طرف يتأثَّر به الطرف الآخر، ووقوع السودان بين أهم معبرين للتجارة العالمية والنفط في المنطقة، وهما قناة السويس وباب المندب، حيث تعْبر يومياً نحو مائة سفينة و120 ألف برميل من نفط الخليج، وما يحتويه السودان من ثروات طبيعية كالذهب واليورانيوم، كما يمكن للسودان أن يكون البوابة الخلفية للقارة الإفريقية.

ويعد السودان من أكثر الدول مواءمة مع السياسة الإيرانية من حيث البعد الديني، لتوجه الدولة بالرغم من الاختلاف المذهبي، وزادت هذه الخصوصية في العلاقات بعد تحول السودان إلى دولة تستقطب الاستثمارات العربية والعالمية بعد اكتشاف النفط، ففي تسعينيات القرن الماضي وفي عهد الرئيس الإيراني الأسبق علي أكبر هاشمي رفسنجاني قدمت إيران دعمًا مالياً للسودان، وتواصل الدعم في عهد خلفه الرئيس محمد خاتمي، تبع ذلك دعم عسكري أقامت به إيران مصنعاً للأسلحة والذخيرة لتعزيز معاهدة التعاون العسكري الذي لم يغفل عن التركيز على استعداد إيران لعرض مشاريع للشراكة التكنولوجية النووية.

لقد عزز موقع السودان الجيوستراتيجي رغبة إيران وفتح شهيتها أمام محاولة فتح آفاق لها داخل القارة السمراء، ووقوعها كذلك بين أهم معبرين للتجارة العالمية هما قناة السويس ومضيق باب المندب، علاوة على ثروات السودان ومناجم الذهب واليورانيوم.

نوه إليه الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط، والذي بالرغم من تركيزه في بعض تصريحاته على الأزمة السودانية، إلا أنه في معرض حديثه عن تلك الأزمة شدد على ضرورة حل ذلك الصراع، مع ضرورة حث الدول العربية على مراقبة ما أسماه “الأداء الإيراني” في المنطقة، وهو ما يفسر بأن رؤية أبو الغيظ تتمحور حول دور إيراني جديد في السودان بصفتها دولة أزمة طالما استثمرت إيران فيها، وقد فسرت تلك الرؤية الكثير من الوقائع التاريخية حول الرؤية الإيرانية للاستثمار في الأزمات

ويمتلك السودان إطلالة ساحلية استراتيجية على البحر الأحمر تقدر بنحو 800 كيلومتر، وتعد موانئه ساحة تنافس دولي من قوى عدة أبرزها: أميركا، والصين، وروسيا وكذلك تركيا، ومن شأن تنامي النفوذ الإيراني في السودان أن يثير قلقاً دولياً.

وقال آلان بوسويل، مدير مشروع القرن الأفريقي في «مجموعة الأزمات الدولية»، إن «استعادة حليف في السودان، خاصة على طول البحر الأحمر، سيكون بمثابة فوز كبير لإيران ولكنه سيثير قلق القوى الإقليمية والغربية الأخرى.

1- ماهي أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في السودان؟

2- ما هي مظاهر التغلغل الإيراني في السودان؟

3- هل الدعم الإيراني بالسلاح عزز الانقسام وأطال من أمد الحروب؟ 

4- هل تنجح محاولات إيران في السودان باحتضان التنظيمات الاخوانية؛ لتعزيز نفوذها في المنطقة؟

أولا: التقارب الإيراني- مع التيارات الإسلامية السودانية:

لقد شكل التقاء الحامل السياسي في كلا البلدين منطلقاً لإنشاء علاقات وطيدة بين الدولتين، حيث أسهمت قوى الإسلام السياسي في السودان، والتي هيمنت على الحكم منذ ثمانينيات القرن الماضي، في بلورة رؤية راديكالية تجد في إيران مثالاً ثورياً تستند إليه في مشروع بناء دولة إسلامية عابرة للحدود، وخاصة عبر التقاء الحركات الصوفية السنية مع التوجه السياسي للمذهب الشيعي.

فكان أكثر من روّج لإيران داخل السودان هو الحركة الإسلامية السودانية بقيادة حسن الترابي الذي وصل بجماعته إلى الحكم في السودان عقب انقلاب عسكري عام 1989. فمنذ نهاية السبعينيات من القرن الماضي، أخذت الحركة الإسلامية السودانية ترى في ثورة خميني مصدر إلهام لها. وهذا أمر أكدّه المحبوب عبد السلام، إذ ذكر أنّ قيام دولة إسلامية هي الأولى في العالم على الإطلاق، أطلق في السودان مبادرات التظاهر المناصرة لإيران، مؤكِّداً أن تلك التظاهرات كانت الأولى في العالم العربي وإفريقيا. ويضيف عبد السلام أنّ تلك التظاهرات تلتها مبادرات بالزيارات إلى طهران قامت بها الحركة الإسلامية السودانية، وكانت هي الأولى، إذ التقت بخميني، ثم جرى تبني فكر الثورة ورموزها والدعوة له والتبشير به.([xxiii])

ويرجع تطور العلاقات بين البلدين في عهد الإنقاذ لعدد من الأسباب منها: 

1-  تلاقي الخلفية الفكرية للنظامين، إذ يعتبر السودان من أكثر الدول مواءمة مع السياسة الإيرانية من حيث البعد الديني لتوجه الدولة علي الرغم من الاختلاف المذهبي.

2- العزلة الدولية التي واجهت كلاً من إيران والسودان، إذ يمثل التقارب الإيراني-السوداني نافذة تطلّ منها الدولتان خارج إطار العزلة الدولية التي فرضت عليهما.

3-   رغبة البلدين في تعزيز العلاقات بينهما في سبيل مواجهة تكهنات النظام العالمي الجديد.

4- ضعف النظام الداخلي لكل منهما ومواجهته للعديد من المشكلات، إذ تواجه إيران تحديات امتلاكها للطاقة النووية ويواجه السودان قضية انتهاك حقوق الإنسان.

5-  اهتمام إيران بالموقع الجيوسياسي لإفريقيا حيث المسطحات والمعابر المائية، واعتبار إفريقيا بمثابة عمق استراتيجي لها.

6- رغبة السودان في الاستفادة من الخبرات الإيرانية في شتى المجالات، والخروج من عزلتها وعزمها على مواصلة سياساتها الخارجية وذلك بخلق توازن جديد في المنطقة بعد تدهور علاقاته مع المملكة العربية السعودية ومصر، وتعزيز موقفه في حربه مع الجنوب من خلال الحصول على الأسلحة من إيران، وفتح مجالات للتعاون الاقتصادي معها بما يخفف من حدة الأزمة الاقتصادية في الداخل ويساعد على تنفيذ سياسة السودان تجاه الدول المحيطة بها والرامية إلى خلق حزام متعاون مع الاتجاهات الإسلامية في السودان، أو على الأقل غير مناوئ لها.([xxiv]).

ثانيا: أهداف السياسة الخارجية الإيرانية في السودان

لقد عملت إيران منذ ثورتها عام 1979، على إحداث قفزات نوعية في مشروعها الاستراتيجي في المجال العربي، عبر اعتماد نهج خارجي أكثر نشاطاً من سابقه أيام الشاه، وعدم الاكتفاء بجملة تحالفات خارجية، تعزّز قوة الدولة فحسب، بل تطور ذلك ضمن ما عرف بسياسة تصدير الثورة الإيرانية.

ولم تتوقف إيران عن محاولاتها تمديد نفوذها في السودان منذ زمن بعيد، حيث سمحت العلاقات السودانية ــ الإيرانية لطهران بأن تستعرض قدرتها على التغلغل والتأثير في مراكز صناعة واتخاذ القرار في السودان وبالتحديد بعد صعود عمر البشير إلى حكم السودان عام 1989، حيث رفعت الحركات الثورية السودانية شعارات ثورية تشبه نظيرتها في إيران من ناحية مواجهة أمريكا وتعزيز شعارات تطبيق الشريعة الإسلامية وما شابه.

واتخذت سياسة تصدير الثورة عدّة مناحٍ، منها الدبلوماسي والثقافي والإعلامي والديني والعسكري، بهدف إحداث شروخ بِنيَويَّة داخل المجتمعات العربية المستهدَفة، ساعية إلى إحداث طوق من النفوذ يحيط بالمشرق العربي والخليج العربي ومصر، والتي تعتبر أبرز البيئات التي تسعى إيران إلى فرض هيمنتها عليها، ضمن مشروع احتلالي يرمي إلى بناء قوة إقليمية كبرى.

ويعد السودان إحدى محطات إنشاء ذلك الطوق، إذ سعت إيران ومنذ قيام الجمهورية الإسلامية إلى الاستناد على المجال السوداني بغية الإحاطة بكل من مصر والسعودية واليمن، وتوظيف البيئة السودانية كمرتكز لمشروعها عربياً وإفريقياً([xxv]).

ويرجع الانفتاح الإيراني على السودان إلى فترة الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، الذي أَوْلى القارة السمراء اهتمامًا كبيرًا، وذلك بعد زيارته السُّودان عام 1991، أي بعد عامين من إطاحة عمر البشير بحكومة الصادق المهدي.

وقد مثَّلَت زيارة رفسنجاني للسُّودان، دعمًا كبيرًا لحكومة البشير التي كانت تعيش حالةً أشبه بالعزلة جرَّاء الحصار الذي يفرضه عليها المجتمع الدولي. وبالنسبة إلى إيران، فقد كانت هذه الزيارة إيذانًا بعصر جديد في عَلاقاتها مع إفريقيا، ونقطة انطلاق لتوسيع دائرة اهتمامها بهذه القارة، إذ تَمدَّد هذا التوسُّع ليشمل دولًا إفريقية أخرى مثل جنوب إفريقيا وكينيا وتنزانيا وزيمبابوي وأوغندا ونَيجِيريا والنيجر والكاميرون والسنغال وجزر القمر والصومال وجيبوتي وغانا.

وتلك السياسة انتهجتها القيادة الإيرانية، فبعد زيارة رفسنجاني للسُّودان، التي أردفها بزيارة أخرى في 1996، جاءت زيارات محمد خاتمي لعدد من الدُّوَل الإفريقية، التي أعطَت دفعة جديدة للعَلاقات مع هذه الدُّوَل من خلال تأسيس أُطُر ولجان مشتركة ألقى على عاتقها مَهَمَّة متابعة الاتفاقيات بين إيران وهذه الدول، وبعده محمود أحمدي نجاد الذي أجرى هو الآخر عدة زيارات لإفريقيا اتَّسَمَت بطابع آيديولوجي في أغلبها، مرورًا بالرئيس حسن روحاني الذي أوفد وزير خارجيته محمد جواد ظريف في عدد من الزيارات لشرق إفريقيا في شتاء 2014، وزيارة أخرى إلى دول شمال إفريقيا في صيف 2015، إضافة إلى جولته الأخيرة في دول غرب إفريقيا في شهر يوليو 2016، ولعلّ هذه الزيارات المتعاقبة تعكس رغبة النظام الإيراني في المضي قُدُمًا في توطيد عَلاقاته مع أكبر عدد من الدُّوَل الإفريقية.([xxvi])

وكانت إيران -ولا تزال- ترى أن السُّودان يمثِّل مدخلًا إلى الدُّوَل والعربيَّة الإفريقية، وكان المسؤولون الإيرانيون دائمًا ما يؤكدون في تصريحاتهم عن السُّودان أنه بوابة تصدير الثورة، إذ وصف وزير الدفاع الإيراني السابق مصطفى محمد نجار، السُّودان بأنه “حجر الزاوية في الاستراتيجية الإيرانية بالقارة الإفريقية([xxvii])

ويعكس نفوذ إيران في السودان وهوسها في إعادة إنتاج العلاقات الدبلوماسية التي توقفت منذ عام 2016 وعادت في آواخر العام 2023 لتظهر للعلن من خلال صفقات تسليح وزيارات لوزراء خارجية البلدين ويعلل البعض وصول أسلحة إيرانية ضمن صفقات تبادل لدعم الجيش السوداني أنه يعود لرفع الحظر الأممي على الأسلحة الإيرانية.

  ومن الصعب فصل سياسة إيران تجاه دول الخليج عن مجمل رؤيتها الاستراتيجية للمنطقة العربية ودورها فيها، تلك الرؤية التي لم تختلف سواء في عهد “الشاه” أو عهد الجمهورية الإسلامية، وتقوم على اعتبار إيران قوة إقليمية مهيمنة، وأن منطقة الخليج ودولها تدخل في نطاق نفوذها، وترتبط ارتباطًاً مباشرًا بالأمن القومي الإيراني، وظهرت تجلياتها بوضوح من خلال تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة، مستخدمة في ذلك أساليب ووسائل كثيرة، منها المال السياسي، والمتاجرة بآلام ومشكلات الشعوب، واللعب على وتر الشعارات البراقة مستغلة وضعاً اجتماعيّاً يتفاوت بين دولة وأخرى، ويحاول الخطاب الإيراني استغلال الاستقطاب السياسي باللعب على الوتر الديني، لتكريس تواجده في الدول العربية والخليجية بشكل خاص، معتمدة على وجود أقليات مذهبية، ومحاولتها إثارة مشاكل مع دول الخليج العربي والضغط عليها خاصة الإمارات، بهدف عدم التزامها بالعقوبات الأمريكية المفروضة عليها بسبب برنامجها النووي.

 ومما سبق تبين أن انعكاسات الدور الإيراني في السودان هو تأكيد النظام الإيراني على عدم تخليه عن أهدافه الاستراتيجية ضمن مشروعه القومي تحت لافتة التشيع في فرض وجوده كقطب أول في الشرق الأوسط والتعامل معه في مختلف القضايا وهذا يعني إصرار النظام الإيراني على استهداف الدول العربية وإسقاط الدولة الوطنية من خلال الطائفية الذي يعزز الهيمنة الإيرانية ويشيع مبدأ تصدير الثورة الإيرانية مستغلة الصراعات البينية والتباينات وعدم وجود تحالف عربي استراتيجي مع الولايات المتحدة وإسرائيل للعمل على بلورة رؤية استراتيجية تفضي لعمل عسكري مشترك يقضي على النظام الإيراني الإرهابي.

وتتحد معاً لتحقيق الهيمنة الإيرانية في المنطقة المطلة على باب المندب على النحو التالي:

1- يحظى السودان بأهمية كبرى في السياسة الخارجية الإيرانية ولقد وصف التقرير السنوي لوزارة الخارجية الإيرانية عام 1996 بأن السودان يمثل –أولى أوليات السياسة الخارجية الإيرانية، وأن إيران تنظر لشرق إفريقيا بوصفه تربة خصبة لنشاطاتها السياسية والفكرية والعسكرية والاقتصادية وتعتبر إيران السودان ذا أهمية خاصة بسبب موقعه الجيوسياسي، فهي قريبة من العالم العربي وبخاصة مصر ومقابلة لشواطئ المملكة، ويمكن أن تكون البوابة الخلفية لإفريقيا السوداء وشمال إفريقيا.

2- الخروج من العزلة السياسية الدولية المفروضة على النظام الإيراني بسبب العديد من الملفات المثارة، كالملف النووي والصاروخي ودعم الإرهاب والفوضى وخرق القانون الدولي.

3- وجود منافذ اقتصادية تجارية لإيران مع الدول الإفريقية.

4- استخدام بعض الدول الإفريقية كتهديد استراتيجي لبعض الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط كالمملكة العربية السعودية، فإيران تستخدم -على سبيل المثال- السواحل الإريترية والجيبوتية لتهريب الأسلحة وتقديم الدعم العسكري إلى الحوثيين في اليمن.

5- اتخذت إيران سياسة تصدير الثورة عدّة مناحٍ، منها الدبلوماسي والثقافي والإعلامي والديني والعسكري، بهدف إحداث شروخ بِنيَويَّة داخل المجتمعات العربية المستهدَفة، ساعية إلى إحداث طوق من النفوذ يحيط بالمشرق العربي والخليج العربي ومصر، والتي تعتبر أبرز البيئات التي تسعى إيران إلى فرض هيمنتها عليها، ضمن مشروع احتلالي يرمي إلى بناء قوة إقليمية كبرى.

ثالثا: الفرص التي ساهمت في تمدد النفوذ الإيراني في السودان

1- سعى النظام الإيراني إلى استغلال الأحداث الجارية في السودان لتحقيق مأربه ومحاولته الوصول لساحل البحر الأحمر وخليج عدن ومداخل قناة السويس المصرية.

2-  تنفيذ الأبعاد الاستراتيجية للمشروع السياسي الإيراني في التمدد والنفوذ عبر طرق المواصلات البحرية والسيطرة على المضائق والممرات المائية والتجارية القريبة من السعودية واليمن وإسرائيل عبر قناة السويس وهذا ما تسعى اليه في تنويع تدخلاتها الدولية والإقليمية لتعزيز مكاسبها وتحقيق ومنافعها في مناطق مهمة ولكي يكون لديها دوراً مفاعلاً في معالجة حالة الخلاف بين طرفي النزاع في السودان.

3- مبادئ عودة العلاقات بين طهران والخرطوم حددها بيان الحكومة السودانية في الأول من تشرين الأول 2023 والذي تم خلاله بدأ الدعم العسكري والنفوذ الإيراني، بعد الفشل الذي أصاب مبادرة ( الايجاد) التابعة للاتحاد الأفريقي لحل الخلاف بين عبد الفتاح البرهان الذي رأى أن هناك انحيازاً في التعامل مع الطرف الثاني محمد حمدان دقلو وعدم وجود مصداقية لحل الأزمة السودانية ثم جاءت عملية تعليق مفاوضات جدة بين الطرفين لتكون سبباً للتدخل الإيراني الذي رأي في هذه الأحداث فرصة ثمينة لتعميق دوره الميداني في التواجد على الأرض التي تشكل له تربة خصبة لتوسيع نفوذه اعتماداً على حالة التفكك التي يشهدها ويعيشها السودان([xxviii])

4- تتحدد مجمل الغايات الإيرانية في أنها تنظر للسودان بشكل جيو سياسي استراتيجي من موقع اهتمامها لإيجاد موطئ قدم لها في البحر الأحمر واعتبره مدخلاً للقارة الأفريقية وتعزيز نفوذها في المنطقة عبر البوابة السودانية.

5-  ملاء الفراغ حيث رأى عبد الفتاح البرهان أن التعاون العسكري مع إيران سبيلاً لمواجهة قوات الردع السريع والتفاف على العقوبات الدولية المفروضة على السودان منذ عقدين من الزمن وهذا ما يجعله يسارع في شراكات سياسية عسكرية مع إيران ويرى فيها مجالاً لتعزيز كفته في النزاع القائم مع قوات الردع السريع.

6- غياب الولايات المتحدة الأمريكية وبعض دول الخليج العربي في ظل الغايات الإيرانية وطموحات القيادات العسكرية والاستخبارية التابعة للحرس الثوري في تنفيذ المشروع السياسي الإيراني التمدد والنفوذ، والخوف من أن يتحول الجيش السوداني لمليشيات شبيهة بالفصائل المسلحة في سوريا والعراق بعد أن دعت قياداته الميدانية لتسليح المواطنين واعدادهم ضمن تشكيلات خاصة في المقاومة الشعبية(([xxix]

7- إن الاتفاق السعودي الإيراني قد فتح الباب أمام إيران لإعادة التموضع إقليميًا بصورة مختلفة عن العلاقات المتوترة التي سادت في السنوات الماضية.

8- السياق الإقليمي المعقد القائم في الوقت الراهن، فإن إيران سوف تحرص على استغلال كافة الفرص السانحة من أجل استعادة نفوذها في أفريقيا الذي فقدت بعضًا منه خلال السنوات الأخيرة.

رابعا: مظاهر تجلي التواجد الإيراني في السودان([xxx]):

رصد الباحث حمدان الأشقر جملة من مظاهر التغلغل الإيراني في السودان، على عدة مستويات، ومن أبرزها:

1- المظاهر الدينية والثقافية

ومن أجل تصدير الثورة الإيرانية من خلال المؤسسات أو المراكز الثقافية التي تنشر الفكر الشيعي وتوجد العديد منها في السودان، وتعزيز نفوذها من خلال نشر جهودها في البلدان العربية والمجتمعات الإسلامية التي تعيش في شرق إفريقيا، وخصوصاً السودان، وأن الاهتمام الإيراني بالسودان قد أتاح لها فرصة استراتيجية لا تعوض لإيجاد قاعدة حيوية لها في السودان تمارس من خلالها نشر مذهبها وسياستها وتفرض ضغوطها السياسية والأمنية عبر البحر الأحمر، ومنطقة القرن الإفريقي، بهذا الحضور القوي في السودان الذي تعتبره إيران  بوابتها على القارة الإفريقية والبحر الأحمر.

ورغبة إيران في زيادة أعداد المتشيعين من سكان منطقة الشرق الأوسط باعتبارها امتدادا جغرافياً واستراتيجيا مهما للغاية بالنسبة للمشروع الفارسي تحت راية التشيع السياسي المعبرة عنه الخمينية وما يعرف عنها بتصدير الثورة، وقد قام أحد المدونين على شبكة الإنترنت باختصار هذا الجانب بقوله: "المذهب في خدمة الأهداف الاستراتيجية، والأهداف السياسية والاقتصادية في خدمة نشر المذهب الشيعي.

إن الوجود العلني الحذر للشيعة في السودان بدأ منذ النصف الأخير للثمانينات من القرن الماضي بعد ما يُعرف بالثورة الخمينية وازدهرت أثناء تولي الرئيس السوداني السابق عمر البشير نتيجة لكونه منتميا لجماعة الإخوان المسلمين، وتركز تواجدها في الخرطوم وأم درمان وشرق النيل و حالياً في بورتسودان، كما أن هناك مؤشرات عديدة تؤكد وجود مد شيعي في السودان، برعاية إيرانية من بينها زيادة عدد معتنقي المذهب الشيعي وانتشار الحسينيات، ما يهدد بازدياد النزعات الطائفية ويمهد الطريق لعدم الاستقرار السیاسي والاجتماعي وتحويل السودان لدولة تابعة لمحور إيران.

وبينت بعض المصادر أن أول منظمة شيعية في السودان هي جمعية الرسالة والتضامن، التي تم تسجيلها بشكل رسمي في العام 1984م، وقامت بأنشطة كثيرة، منها معارض بالجامعات السودانية وخاصة في جامعة النيلين، وهذه الجمعية تعتبر أول نواة لعمل شيعي في السودان، وللشيعة في السودان ما يعرف بالحسينيات، وهي أماكن تجمع الحسينيات التي اُستبدلت مكان الجوامع والمساجد، وقد تعددت المصادر عن عددها وتوزيع هذه الحسينيات في السودان، حيث بلغ عددها في العام 2012م 114 حسينية في مقدمتها حسينية المرتضى بمنطقة الخرطوم شرق والتي أسست في العام 1990م.

لا توجد إحصائية دقيقة والتي دار حولها الكثير من النقاش وهو ما يشير إلى عدم وجود أرقام محددة يمكن أن يتم الاتفاق عليها. ولكننا هنا سوف نسرد معتمدين على عدد من المصادر حول أعداد الشيعة في السودان. حيث قدمت دائرة المعارف الحسينية، وهي جهة شيعية تختص في جدول اهتماماتها برصد الوجود الشيعي في العالم، في عام 2010 قدمت بعض مصادرها إحصائيات تشير إلى أن الشيعة في السودان عددهم حوالي 667 ألف شخص، أي ما نسبته (1.9%) من إجمالي السكان. ما يلفت الانتباه في هذا العدد أنه ليس برقم تقديري فهو رقم دقيق بشكل كبير خاصة في عرض النسبة المذكورة.

 أما صحيفة سودانيل الإلكترونية أشارت إلى إحصائيات غير رسمية في العام 2013 بأن نسبة الشيعة في السودان وصلت إلى ما يقارب (5%) من السكان، أي مليون و550 ألف شخص، وهو أكثر من ضعفي العدد الذي ذكرته دائرة المعارف الحسينية. ويظل هذا العدد تقديريا بشكل ملفت وقد يبدو منطقيا من ناحية بحكم وجود علاقات بين النظام السوداني السابق وطهران مما سهل مهمة إيران في نشر التشيع كونها تعتمد عليه في خلق أذرعة تابعة لها وهذا ضمن استراتيجية الحرس الثوري ومنهج إيراني يُسمى تصدير الثورة.

وممكن اجمال تلك المظاهر في الاتي:

·      تقديم المنح الدراسية للطلاب من السودان للدراسة في إيران وتشييعهم.

·      تشيع بعض الكتاب والصحافيين وتقديم الوظائف لهم سواء في السفارة أو في المراكز التابعة.

·       إنشاء جمعية الصداقة السودانية الإيرانية والتي تتبع السفارة الإيرانية مباشرة.

·       نشر المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم لكثير من مواد التشييع كتباً كانت أو ندوات وكفالة داعية التشييع.

·      إقامة مراسم العزاء والاحتفالات الدينية الشيعية ودعوة العشرات من مشايخ الطرق الصوفية لها وتقديم الهدايا والدعوات لزيارة إيران.

·       تغلغل التشيع في جامعة إفريقيا العالمية والتي كانت منبعاً لكثير من الدعوات السنية في القارة الإفريقية.

·      إنشاء المركز الثقافي الإيراني في أم درمان ودعم نشاطاته في الدعوة للتشيع.

·      إنشاء معهد الإمام جعفر الصادق الثانوي للعلوم القرآنية والدينية بحي العمارات محافظة الخرطوم وهو يعتبر من أخطر مراكز التشييع في السودان.

·      توثيق العلاقة مع شيوخ الصوفية خصوصاً من يدعي منهم أنه من آل البيت والتظاهر بأنهم جميعاً مجتمعون على حب آل البيت والوصول إلى مريدي هؤلاء الشيوخ وإلقاء المحاضرات عليهم في مساجدهم وأماكن تجمعاتهم.

·      استيعاب أكبر عدد ممكن من الموظفين في مراكز الشيعة والمعاهد التابعة لهم والتأثير عليهم.

·      إنشاء مراكز ثقافية وعلمية واقتصادية مختلفة منها:

أ- المراكز الثقافية:

o     المركز الثقافي الإيراني في الخرطوم.

o     المركز الثقافي الإيراني بمدينة أم درمان.

ب- المكتبات العامة:

·      مكتبة المركز الثقافي الإيراني بالخرطوم.

·      مكتبة المركز الثقافي بأم درمان.

·      مكتبة الكوثر بحي السجانة (وسط الخرطوم).

·      مكتبة مركز فاطمة الزهراء بحي العمارات (وسط الخرطوم).

·      مكتبة مدرسة الجيل الإسلامي بحي مايو.

·      مكتبة معهد الإمام جعفر الصادق بحي العمارات (وسط الخرطوم).

المؤسسات التعليمية:

·      مدرسة الإمام علي بن أبي طالب الثانوية للبنين بمنطقة الحاج يوسف في محافظة شرق النيل.

·      مدرسة الجيل الإسلامي لمرحلة الأساس بنين بمنطقة مايو في محافظة الخرطوم

·      مدرسة فاطمة الزهراء لمرحلة الأساس للبنات بمنطقة مايو في محافظة الخرطوم.

·      معهد الإمام علي العلمي الثانوي للقراءات بمنطقة الفتيحاب في محافظة أم درمان.

·       معهد الإمام جعفر الصادق الثانوي للعلوم القرآنية والدينية بحي العمارات ـ محافظة الخرطوم.

2-الجمعيات والروابط والمنظمات:

·      رابطة أصدقاء المركز الثقافي الإيراني.

·      رابطة الثقلين.

·      رابطة آل البيت.

·      رابطة المودة.

·      رابطة الظهير.

·      رابطة الزهراء.

·      جمعية الصداقة السودانية الإيرانية.

·      منظمة طيبة الإسلامية.

·      مؤسسات اقتصادية ومشاريع استثمارية:

3-التحالفات مع الأحزاب الإسلامية الاخوانية

مما أثار الاستغراب هو العلاقة التاريخية التي تربط مجموعة ( الكيزان) َوهي المفردة التي أطلقها الشعب السوداني على المنتمين للحركة الإسلامية التي تزعمها حسن الترابي زهاء نصف قرن من الزمن وكانت تحت مسميات عدة منها ( الجمعية الإسلامية القومية والمؤتمر الشعبي وجمعية الميثاق الإسلامية واخيراً المؤتمر الشعبي)، وهم المجموعة التي ارتبطت بعلاقات وثيقة مع إيران وحزب الله اللبناني وتنظيم القاعدة ثم تعاونت مع عمر البشير وبمباركة حسن الترابي وباقي قيادات الحركة الإسلامية في السيطرة على السودان عام 1989، حيث بقيت العلاقة مع قيادة الحركة الإسلامية وإيران مستمرة وظهر تأثيرها في عودة العلاقات بين الخرطوم وطهران.

ثانيا: مظاهر التواجد العسكري والأمني

تتعمد إيران اختراق الدول التي تنشب فيها صراعات سياسية أو عسكرية مسلحة، وقد برزت فرصة إيران لتحقيق هذا الهدف في عدة مناطق كالعراق وسوريا بعد ثورات الربيع العربي والحرب الأهلية هناك، فضلًا عن اليمن ودعمها الحوثيين، ولبنان ودعمها حزب الله، وكذلك السودان بعد أن دعمت في وقت سابق نظام البشير، ورأت في السودان مغنمًا كبيرًا لتحقيق هدفها بالتغلغل داخل القارة السمراء وإقامة مصانع أسلحة لها هناك، وهو ما سهل لها توريد تلك الأسلحة لوكلائها في المنطقة.

وفي الوقت الذي تزود إيران فيه الجيش السوداني بالأسلحة وأهمها الطائرات بدون طيار من طراز "مهاجر6". وهي طائرة بدون طيار ذات محرك واحد تم تصنيعها في إيران، بواسطة شركة القدس للصناعات الجوية، وتحمل ذخائر موجهة بدقة. أعقب ذلك اتفاق استخباري بين أجهزة البلدين سمحت الخرطوم من خلاله لطهران بإمدادها بمساعدات مالية بقيمة 17 مليون دولار وأسلحة صينية بقيمة 300 مليون دولار، فضلًا عن إرسال إيران 2000 فرد من الحرس الثوري الإيراني للسودان لإنشاء وتدريب “قوات الدفاع الشعبي” على غرار قوات الباسيج الإيرانية.

 كما أكد مراقبون إرسال نماذج من مسيرات إيرانية وصلت بشكل قانوني إلى الخرطوم بصفقة إيرانية سودانية، وتواصل عبد الفتاح البرهان مع القيادة الإيرانية وطلب المعونة العسكرية منهم مستنداً على عمق العلاقات السابقة التي كانت تربط النظام السوداني بإيران عبر العديد من الفعاليات والجهد الأمني والعسكري الذي قامت به إيران في تسعينيات القرن الماضي والذي شهد أولى مراحل التغلغل الإيراني في بناء مجمع مصانع اليرموك بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم، وهو مصنع لإنتاج الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة والذي أقيم لخدمة إيران وتعزيز مخزونها الاستراتيجي من الأسلحة إلا أن ذلك المصنع قصفه الطيران الإسرائيلي فجر الثالث والعشرين من شهر أكتوبر عام 2012م.

فضلًا عن إرسال إيران 2000 فرد من الحرس الثوري الإيراني للسودان لإنشاء وتدريب قوات الدفاع الشعبي على غرار قوات الباسيج الإيرانية، وهو الأمر الذي فتح آفاق لها داخل القارة السمراء ووقوعها كذلك بين أهم معبرين للتجارة العالمية هما قناة السويس ومضيق باب المندب علاوة على ثروات السودان ومناجم الذهب واليورانيوم[xxxi].

وذكرت دراسة أن الأدلة تشير إلى أن إيران لعبت دوراً رئيسياً في دعم قطاع إنتاج الأسلحة في السودان، كما أنها ثاني أكبر مورد أسلحة للخرطوم. وجاء في الدراسة التي تستند إلى أكثر من عامين من التحقيقات أن بعض تلك الأسلحة المستوردة، إضافة إلى أسلحة أخرى مستوردة من الصين وصلت إلى الجماعات المتمردة في السودان وجنوب السودان.

وصدرت هذه الدراسة عن برنامج "مراقبة الأسلحة الخفيفة" المستقل للأبحاث ومقره في سويسرا. وأضافت الدراسة أن هناك "أدلة متزايدة على أن إيران لعبت دوراً مهماً في دعم قطاع تصنيع الأسلحة في السودان". وأشارت إلى أن الصين كذلك وفرت التدريب والدعم الفني لقطاع إنتاج الأسلحة السوداني.

واحتوت الدراسة على بيانات تظهر أن معظم الأسلحة السودانية الخفيفة المستوردة والأسلحة الصغيرة والذخيرة والصواريخ ومنصات إطلاق القذائف الصاروخية استوردت من الصين في السنوات الأخيرة. إلا أن الدراسة تحدثت كذلك عن حجم العلاقات العسكرية بين السودان وإيران، والتي كان محط تكهنات ومخاوف إقليمية.

وأكدت الدراسة أن "الروابط العسكرية بين إيران والسودان ازدادت قوة عبر السنين". وقد اعترضت إسرائيل سفينة في البحر الأحمر، قالت إنها كانت تحمل صواريخ أم-302 وغيرها من الأسلحة قادمة من إيران.

واخذت العلاقات بين السودان وإيران تعود لمدياتها الواسعة وفي جميع الأصعدة، فكان التعاون العسكري الذي ابتدأ وحسب تقرير وكالة ( بلومبرغ) بتسليم طهران عدد من الطائرات المسيرة للجيش السوداني بعد عدة أشهر من استئناف العلاقة بين البلدين والتي أخذت انعطافاً هاماً في طبيعة النزاع القائم بين القوات المسلحة السودانية وقوات الردع السريع الذي أوقعت فيه خسائر كبيرة وتم استعادة عدد من المدن في وسط البلاد وغرب مدينة كردفان وتقدم الجيش في ولايات الجزيرة دارفور وأم درمان والخرطوم البحري وإيقاف الزحف الميداني الذي حققته قوات الردع في الأشهر الماضية، وتحققت هذه الإنجازات العسكرية بعد قيام النظام الإيراني بتزويد الخرطوم بالمعدات العسكرية المتطورة ومنها طائرة مهاجر (6) المسيرة ذات التقنية العالية والتي تم تصميمها عبر شركة القدس للصناعات الجوية الإيرانية بمواصفات متقدمة عبر حملها لذخائر موجهة، وهي نفس نوع الطائرة التي سلمتها إيران للجيش الروسي واستخدمها في حربه مع أوكرانيا وأثبت كفاءتها ميدانياً.

إذ وقّعت إيران والسودان عدة اتفاقيات في المجال العسكري بهدف ترسيخ التعاون بينهما، تتضمن مساعدة إيران للسودان عسكرياً والمساهمة في تحوّل الجيش السوداني من استخدام السلاح الروسي والصيني لاستخدام السلاح والذخيرة الإيرانية، وتمّ الاتفاق على أن تقوم إيران بمنح تخفيضات تصل إلى 50% على مبيعات السلاح الإيراني للسودان، وأن تقوم إيران بمساعدة السودان في بناء قاعدة صناعية عسكرية، لإنتاج السلاح الإيراني الذي تحتاجه الخرطوم( [xxxii](.

كما اتفق الجانبان على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة لبحث النشاط الإيراني–السوداني في مجال الدفاع عن مصالحهما، وجرى الاتفاق على ألا تسمح أيّ منهما لأيّة أطراف خارجية بالاعتداء على الأخرى، وعلى تبادل الوفود العسكرية والتنسيق فيما بين مختلف أذرع جيش البلدين، ووفقاً لذلك ستقوم إيران بتقديم المساعدة للسودان من أجل التخطيط لبناء مواقع استراتيجية، مثل الحقول النفطية والموانئ والسدود على نهر النيل.

غير أنّ اتفاق الدفاع المشترك، لم يشهد تفعيلاً حقيقياً، خاصة إبان قصف إسرائيل لمواقع سودانية، أو في المواجهات التي تتم عبر الحدود، كما هو حاصل في الاعتداءات الإسرائيلية على سورية، والتي لم تشهد رداً إيرانياً كانت قد تعهدت به، إنما تبقى وظيفة تلك الاتفاقيات مأطرة في جهد البروبوغاندا الإعلامية الموجهة للمجتمع العربي في الأساس.

والجدير بالذكر أنه وفقًا لقاعدة بيانات التجارة للأمم المتحدة لعام 2009، ارتفع حجم مبيعات الأسلحة إلى السودان خلال الفترة من 2001-2008 من نحو مليون دولار إلى نحو 23 مليون دولار عام 2008، مثّلت الذخيرة والمدفعية منها نحو 54%، فيما مثّلت الأسلحة الصغيرة والمعدات الخفيفة نحو 43%، وكانت الذخيرة الصغيرة منها نحو 3%  . ([xxxiii])

ويعتبر الغرض الأساس من تلك الاتفاقيات العسكرية، نشر النفوذ الإيراني على الأرض السودانية، وإنشاء قواعد عسكرية، تستخدم لتعزيز مصالح إيران وحدها، مقابل حماية النظام الحاكم في الخرطوم واستمراريته، وهو ذات السيناريو المعتمد في كل من سورية والعراق.

إذ سبق وأن نشرت صحيفة “دايلي تليجراف” البريطانية في حزيران/يونيو 2012 معلومات مفادها أنّ الاتفاق العسكري الذي تمّ توقيعه بين السودان وإيران (يسمح لطهران باستخدام قاعدة “وادي سيدنا” السودانية، التي تبعد 10 كيلومترات شمال العاصمة الخرطوم، في نشر صواريخ باليستية يصل مداها 440 ميلاً، مشيرة إلى أن ذلك يعني أنها تصل إلى مدينة جدة السعودية). وقالت: إنّ هذا الاتفاق الذي تمّ التصديق عليه خلال زيارة الرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد إلى السودان، يقضي بوجود عناصر من “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري الإيراني في السودان بدعوى تدريب الجيش السوداني على أسلحة إيرانية سيتم منحه إياها.

وقد أتت زيارة سفينتين حربيتين إيرانيتين (مدمرة وحاملة طائرات) عام 2012، إلى ميناء السودان في ظلّ تعزز التقارب بين طهران والخرطوم، وعلى الرغم من تأكيد إيران على أن الزيارة البحرية هي لتبادل العلاقات الودية بين البلدين وهي مرتبطة بجهود مكافحة القرصنة، فإنّ الخطوة تمثل تصعيداً ممكناً في حرب بالوكالة بين إيران وإسرائيل والتي ألقت بظلالها في الصراع بين السودانيين، ودخول السودان في الصراع الإسرائيلي-الإيراني، حيث يعتبر وجود السفينتين إعلاناً للعلاقة العسكرية بين السودان وإيران، وإصراراً سودانياً على التحول لدولة مواجهة مع إسرائيل(.([xxxiv]
أتخذ عبد الفتاح البرهان من مدينة بورسودان شرق البلاد المطلة على البحر الأحمر عاصمة له وأصبح من المتعاونين معه ( محمد الأمين ترك) وهو شخصية سياسية وعضو المؤتمر الوطني والحركة الإسلامية وقريب من إيران ويرأس حاليآ (المجلس الأعلى لنظارات البحا والعموديات) المستقل في شرق السودان وله طموح سياسي في إنشاء وتأسيس ( دولة البجا)، وهناك كتائب عسكرية تتكون من تشكيلات الصاعقة والقوات الخاصة وتكتلات إسلامية في منطقة (كسلا) ومدينة الخرطوم تدين بالولاء لعدد من التيارات الإسلامية، كما وان المقاومة الشعبية السودانية في ولاية البحر الأحمر لديها توجهات إسلامية، وأصبحت جميع هذه التشكيلات داعمة َومساندة للجيش السوداني بزعامة عبد الفتاح البرهان وهو ما يشكل عمقاً مهما التواجد الإيراني في السودان(([xxxv].

ثالثا: المظاهر الاقتصادية

يربط المراقبون توسع العلاقات الاقتصادية بين السودان وإيران منذ بزيارة الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني في ديسمبر 1991، وهي الزيارة الرسمية إلى الخرطوم الذي رافقه خلالها أكثر من 150 مسؤولاً إيرانياً، وفي تلك الزيارة تعهدت إيران بدفع مبلغ 17 مليون دولار على شكل مساعدات مالية للسودان، وأجرت ترتيبات للمساعدة في دفع مبلغ إضافي بقيمة 300 مليون دولار ثمن أسلحة صينية يتم إرسالها إلى الحكومة في الخرطوم، وتعهدت إيران كذلك بتقديم مليون طن من النفط سنوياً كمساعدات اقتصادية.

وسعت إيران للبحث عن موطئ قدم لها في دارفور، وقامت بمحاولة للعب أدوار اقتصادية فيها، حيث رصدت إيران – كما قيل حينها- مبلغ 30 مليون دولار لدعم وتنفيذ عدد من المشروعات التنموية في ولايات دارفور الثلاث، وتركزت المشروعات في مجالات الطاقة الشمسية والكهرباء وحصاد المياه والخزانات والسدود والصحة والتعليم والتدريب المهني، واتفق الجانبان السوداني والإيراني في مباحثات جرت بالنادي الدبلوماسي بالخرطوم في 2010م على تشكيل لجنة للتوقيع على اتفاقية التعاون المشترك بين الجانبين، وشارك في المباحثات من الجانب السوداني مفوضية تعويضات دارفور برئاسة المهندس أبو القاسم أحمد أبو القاسم، ومن الجانب الإيراني وكيل وزارة الطاقة الإيرانية جواد مبيدي، والسفير الإيراني بالخرطوم جواد تركبادي، وأوضح رئيس مفوضية تعويضات دارفور المهندس أبو القاسم أحمد أبو القاسم أن إقامة مشروعات التنمية بدارفور ستسهم في العودة الطوعية وتمثل بنيات تحتية لإقامة مشروعات أخرى، وقال إن إيران تسعى بجدية للمساهمة في إعمار دارفور بعد استقرار الأوضاع الأمنية هناك، مشيرا للعلاقات التي تربط المفوضية بالعديد من المؤسسات بدولة إيران.

ودعا أبو القاسم مسؤولي ولايات دارفور لتحديد أولوياتهم الخدمية وإجراء الدراسات اللازمة للمشروعات ذات الأهمية، ولفت إلى أن الدور الإيراني سيدفع بالعملية الإنسانية والاقتصادية بدارفور ويدعم خيار التعويض الجماعي الذي أمن عليه أهل الإقليم، وهو عين ما تسعى له إيران لبسط نفوذها وتعظيم وجودها في مثل هذه المناطق.

وقال إن من بين هذه المشروعات الإيرانية إنشاء مسلخ بنيالا لتصدير اللحوم إلى أوربا ودول الخليج وأفريقيا تنفذه إيران بجانب مصانع للألبان وتعبئة الفواكه وتدريب الفاقد التربوي في مدارس حرفية على معدات لإنتاج الزيوت ومنتجات الألبان.

وقال سفير إيران بالخرطوم آنذاك جواد تركبادي في تصريحات صحفية قبيل زيارة مساعد الرئيس الإيراني سعيد لو للسودان، إن الوفد الإيراني يتكون من 48 فردا من جميع القطاعات الاقتصادية بإيران «الشركات، البنك المركزي، الزراعة، الصناعة، سكة الحديد، النفط، التدريب المهني، الصحة، الأدوية وإيران خدرو للسيارات»، وأكد جواد أن زيارة مساعد الرئيس الإيراني للسودان تأتي في إطار تعزيز وتطوير العلاقات الاقتصادية بين البلدين وسبل تفعيلها، بجانب تحريك ملفات اللجنة الوزارية المشتركة بين البلدين، وإجراء مزيد من التشاور، والاتفاق في العديد من القضايا ذات الاهتمام المشترك.

وقال السفير إن إيران أبدت استعدادها لتنفيذ مشروعات خدمية بدارفور في مجالات حصاد المياه والطاقة الشمسية والتعليم يتم تمويلها بواسطة مفوضية التعويضات بالسلطة الانتقالية للإقليم، مشيرا إلى أن إنفاذ المشروعات يأتي لدعم الإقليم، وأكد سعي إيران للمشاركة في الإعمار، وأشاد بالسلام الذي تنعم به دارفور، واعتبر المشروعات تهدف لتجاوز محنة الإقليم، وأكد أن إيران تبحث عن تحقيق الاكتفاء من الإنتاج الزراعي بالسودان.

كما أعلنت مفوضية التعويضات بالسلطة الانتقالية لإقليم دارفور عن عزمها تنفيذ عدة مشاريع تنموية بولايات دارفور الثلاث في مجال المياه والكهرباء والصحة بتمويل من إيران بتكلفة قدرها ثلاثة ملايين دولار كدعم فوري. وقد وقف وفد وزارة الطاقة ومصادر المياه الإيراني الذي زار الإقليم على الأوضاع على أرض الواقع قبل أن يدخل الجانبان في مباحثات بالخرطوم برئاسة رئيس المفوضية وبحضور مدير إدارة الشؤون الآسيوية بوزارة الخارجية وممثل لوزارتي الكهرباء والسدود والتعاون الدولي بغية تحديد بدء التنفيذ ورسم خطة عملية، وتم تشكيل لجنة مشتركة للمتابعة على أن توقع في وقت لاحق اتفاقيات تعاون مشترك، وستخصص التمويل لاستصلاح مصادر المياه وإنشاء حفائر وسدود وتأهيل مستشفيي نيالا والجنينة ليصبحا مستشفيين تخصصيين.

وتعهد السفير الإيراني بنقل التجربة الإيرانية في المجال الزراعي لولاية جنوب دارفور بعد أن تفقد نموذجا لمزرعة إكثار البذور، ودعا والي الولاية آنذاك عبد الحميد موسى كاشا إلى دخول الاستثمارات الإيرانية، معلنا عن تسهيلات بمنح الأرض مجانا لقيام مصانع للسجاد الإيراني. وقال إن دارفور مفتوحة للاستثمارات الإيرانية، وقال أيضا إن الولاية تحتاج للدعم في قطاع الثروة الحيوانية وتطوير الزراعة وترقية الخدمات، ونوه وزير البنى التحتية بجنوب دارفور حسن اتيم إلى أن هناك اتجاها لتشغيل الطاقات البديلة (الرياح، الطاقة الشمسية) وقدر المتوفر من المياه بـ (40) مليون متر مكعب بينما الاستهلاك السنوي يتجاوز الـ 100 مليون متر مكعب([xxxvi]).

توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية بقيمة 400 مليون دولار، وخاصة فيما يتعلق بتبادل الخبرات في مجالات الزراعة عن طريق إنشاء مزرعة نموذجية مشتركة وتصدير بعض المحاصيل والمنتجات الزراعية إلي إيران، والصناعة بإنشاء مصانع سكر وألبان ومصنع للسيارات والجرارات والمقطورات، إضافة إلى إبرام اتفاق للتعاون في كل من المجال العلمي والنفط والتعدين والعمل المصرفي.

سعي إيران إلى التحكم بمياه النيل في الأراضي السودانية بما يشكل عامل ضغط استراتيجي على السودان ومصر معاً، ومن خلال تستطيع تمرير أجندات سياسية، في ظل غياب تنسيق أمني وسياسي مصري-سوداني. 

ثالثا: التحركات العربية لمواجهة التمدد الإيراني في السودان

في عام 2014، بدأت العلاقة بين البلدين في التراجع، خاصة بعد مواجهة السودان أزمة اقتصادية خطيرة ونأت طهران بنفسها عن الخرطوم، حيث فشل في توفير مكاسب اقتصادية كبيرة للسودان، وذلك قبل أن ينخرط السودان في العام التالي في دعم العملية العسكرية السعودية في اليمن، في الوقت الذي دعمت فيه إيران الحوثيين، الأمر الذي وضع كلًا من السودان وإيران في وضع مواجهة غير مباشرة في اليمن، مما أدى إلى توترات عميقة في العلاقات الثنائية، سرعان ما كشفت عن نفسها في عام 2016 باتخاذ السودان قرارًا بقطع كافة أشكال العلاقات الدبلوماسية مع إيران، ولم يكن مصادفة أن تورد صحيفة “الانتقاد” التابعة لـ “حزب الله” اللبناني خبراً في الصفحة الأولى لها، أن مرشدهم علي خامنئي اجتمع بـ 300 شاب سوداني يدرسون في حوزة تحمل اسم الخميني في مدينة قُم الإيرانية، وهو ما عبر حقيقة عن نشاط علني لولاية الفقيه في السودان كان يسير بلا توقف قبل سنوات، قبل أن يقصم ظهره بإغلاق المستشارية الثقافية الإيرانية بالخرطوم وجميع المراكز الثقافية، ثم تبعه إغلاق السفارة الايرانية قبل أشهر ثم تنامى توتر الوضع بين البلدين والذي استمر في سياق إقليمي معزز ارتفعت فيه حدة الاستقطاب، وتنامت فيه مظاهر السياسات العدائية في المنطقة.

عودة العلاقات مجددا

ومثلما ساهمت المتغيرات الإقليمية في خلق حالة من التوتر التي انتهت بالقطيعة بين البلدين، ساهمت المتغيرات الإقليمية كذلك في استعادة العلاقات الثنائية فقد جاء الاتفاق السعودي الإيراني الذي وقع عليه في آذار 2023 عبر الوساطة الصينية ليمنح رؤية ميدانية وأفاق مستقبلية للأهداف السياسية للنظام الإيراني في علاقته مع دول الجوار المحيطة به وعواصم الخليج العربي والاقطار العربية بسعيه لإيجاد قواسم مشتركة في عودة العلاقات بإطارها السياسي والاقتصادي ودعم المشاريع الاستثمارية وتحقيق الغايات التي تساهم في تعزيز رؤية إيران في تنفيذ مشروعها عبر التمدد والنفوذ، ومنها السودان التي كانت ترتبط معه بعلاقات وثيقة حتى عام 2016 الذي تم فيه قطع العلاقات بين البلدين تضامناً مع المملكة العربية السعودية على خلفية التدخلات الإيرانية في المنطقة العربية واعتدائها على سفارة وقنصلية السعودية في العاصمة طهران ومدينة مشهد الإيرانية، ثم اعتيدت العلاقة في الأول من تشرين الأول 2023 بعد تحسن العلاقات بين الرياض وطهران والذي انعكس على العديد من الأحداث في المنطقة([xxxvii]).

هذا التقدم في العلاقات كان ثمرة اللقاء الذي تم بين الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان في العاصمة السعودية ( الرياض) أثناء انعقاد القمة العربية الإسلامية في تشرين ثاني 2023 التي ناقشت تطور الأوضاع في قطاع غزة، والذي تحدد بموجبه الأبعاد الاستراتيجية للعلاقات القادمة وسبل تعزيز التعاون العسكري والأمني وانسيابية وصول الأسلحة والمعدات التي يحتاجها الجيش السوداني وتحقيق الغاليات والأهداف التي يسعى إليها البلدان في تعزيز مصالحهما وأفاق تعاونهما الثنائي، وهذا ما تحقق في الميدان بعودة سيطرة القوات المسلحة السودانية على مناطق مهمة حققت انعطافه كبيرة وأحدثت تغييراً استراتيجياً في المواجهة مع قوات الردع السريع.

يقول شريف شعبان في كتابه "السياسة الخارجية الإيرانية في أفريقيا": "إن محورية الاهتمام الإيراني بالقارة الأفريقية وبأقاليمها المختلفة، علامةٌ بارزة في عملية صنع السياسة الخارجية الإيرانية وصياغتها، وذلك لتقوية الحضور الإيراني، وتنويع أدواته المستخدمة، وفي مقدمتها "القوة الناعمة"، بما تتضمنه من تعاون في مجالات الإمداد بالنفط، وبناء المستشفيات والمدارس، والإمداد بالمعدات الزراعية، وتقديم المنح والقروض المالية".

وفي هذا السياق، ورغم القناعة بغياب النظام العربي الاقليمي وضعف استراتيجيته لدعم ادواره الإقليمية إلا اننا لابد من ان نقف امام ما حدث منذ سنوات عندما حاول خادم الحرمين بلورة مشروع عربي لمواجهة ما يطرح في المنطقة من مشاريع إقليمية كانت أم دولية.

هذا المشروع في تقديري كان يرتكز على تعزيز المصالحة العربية، وقبل ذلك إدارة الأزمات والخلافات العربية بالحوار والمصارحة، فضلا عن عدم السماح لأطراف خارجية من أن تخطف القضايا العربية، ورغم ان المثل يقول ان اليد الواحدة لا تصفق إلا ان هذا الجهد جاء كمحاولة لإعادة بناء التضامن العربي وتعزيز النفوذ الاقليمي وإن لم يكتب له النجاح لعدم توفر الارادة السياسية للقادة العرب.

ومع ذلك علينا ان نعترف بأن المشهد العربي الراهن يعكس حالته وبامتياز حيث تأخذنا الاشتباكات الفكرية والصراعات الطائفية كثيراً إلى غير المكان الذي نريده؛ وهي تحديات مريعة ما يحتم التعاطي معها ومواجهتها.

إن الوضع الإقليمي يتسم بدرجة كبيرة من السيولة السياسية والفكرية والثقافية، ولذلك لم تعد التحالفات العربية التقليدية ذات جدوى لاسيما في صعود إيراني مقلق، ما يعني ضرورة اتفاق العرب فيما بينهم على حزمة المصالح ونوعية التهديدات ومواقع النفوذ لمواجهة التمدد الإيراني وخلق حالة من توازن القوى في المنطقة.

المبحث الرابع: التدخل الإيراني في جيبوتي

تحتل جيبوتي موقعا استراتيجيا هاما جعلها تتمتع بمكانة استراتيجية هامة بالنسبة لإيران، حيث يعتبر مضيق باب المندب إحدى قنوات الملاحة الأبرز والأكثر اكتظاظاً بحركة الملاحة في العالم، ويتوسط ميناؤها خطوط الملاحة الممتدة إلى الشرق الأوسط وأفريقيا والمحيط الهندي. كما تمتد أهمية جيبوتي إلى كونها قطراً عربياً كامل العضوية في جامعة الدول العربية، ومنفذاً هاماً تجاه البحر الأحمر، حيث يمر عبر مياهها خطوط نقل النفط البحرية المتجهة من الخليج العربي عبر باب المندب، مروراً بقناة السويس إلى أوروبا.

وتستضيف أكبر قاعدة عسكرية فرنسية في أفريقيا إلى جانب قاعدة أميركية هامة. إضافة إلى أن قوات بحرية أجنبية تستخدم ميناء جيبوتي في حراسة ممرات الشحن قبالة الصومال لمحاربة القرصنة. ولذلك اهتمت إيران بإقامة علاقات وثيقة مع جيبوتي بسبب موقعها الاستراتيجي في منطقة القرن الأفريقي ([xxxviii]).

أولا: العلاقات الإيرانية الجيبوتية

منذ تولي الرئيس إسماعيل عمر جيله السلطة في عام 1999م، دخلت العلاقات بين البلدين مرحلة جديدة شهدت فيها تطوراً متسارعاً يشمل كافة مجالات التعاون. وجاء ذلك نتيجة للاهتمام البالغ الذي أعطاه رئيس الجمهورية لترسيخ هذه العلاقات وإرساء دعائمها، وتطورت العلاقات وازدادت تماسكاً ورسوخاً بعد التفاهم السياسي الذي حدث بين الجانبين.

 في نهاية عام 2008، وذلك بعد حصول جيبوتي ضمانات رسمية من الجانب الإيراني بعدم وجود تعاون عسكري إيراني مع أسمرة يهدد مصالحها وأمنها. وخلال الفترة الماضية، أشارت تقارير صحفية واستخباراتية بوجود تعاون عسكري بين البلدين وهو ما تنفيه الحكومة الجيبوتية وبشكل متكرر. ومع أنه لم يرد في بنود (مذكرة التعاون المشترك) ما يشير إلى وجود أي تعاون عسكري بين الجانبين. إلا أن كثيراً من المراقبين يؤكدون أن ذلك لا يمنع على الإطلاق إمكانية وجود تعاون عسكري غير معلن.

 وفي عام 2011، قام وفد عسكري إيراني رفيع برئاسة الأميرال حبيب الله سياري، بزيارة عمل غير معلنة إلى جيبوتي. وخلال الزيارة عقد الوفد الإيراني اجتماعا مغلقا مع قيادة هيئة الأركان العامة للقوات الجيبوتية، وقع فيه الجانبان اتفاقية تعاون عسكري، تقدم بموجبها طهران مساعدات لقوات البحرية الجيبوتية في عديد من المجالات من بينها التدريب وتطوير المعدات العسكرية ([xxxix]).

 

سعت إيران منذ نهاية 2009 الى الخروج من دائرتها المعتادة المرتبطة بمياه الخليج العربي وتعزيز وجودها في البحر الأحمر بحصولها على تسهيلات عسكرية على الشواطئ السودانية منذ نهاية التسعينيات، وفى منطقة القرن الأفريقي من خلال جيبوتي حيث وقعت معها اتفاقية تعاون مشترك تضمنت الآتي:([xl])

1- الإعفاء من تأشيرات الدخول لمواطني البلدين

2- بناء مراكز للتدريب

3-  منح البنك الإيراني قروضاً للبنك المركزي الجيبوتي.

4- إنشاء لجنه مشتركة للإسهام في عملية التنمية في جيبوتي.

5-  تقديم منح دراسية للطالب الجيبوتيتين في جامعة طهران

6-  عززت طهران تواجدها بإنشاء قاعدة عسكرية على الساحل الأريتيري وكذلك إنشاء مركز لتموين السفن الإيرانية التي تجوب البحر الأحمر.

ومع بداية حرب التحالف العربي “عاصفة الحزم” في اليمن والتي أثارت تساؤلات عديدة عن تداعياتها على العلاقات الإيرانية – بدول المنطقة، فمنذ تشكيل التحالف العربي وإطلاق عملية عاصفة الحزم ضد الحوثيين في اليمن، تباينت القراءات والتحليلات حول مستقبل علاقات جيبوتي مع إيران، ففي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الجيبوتية عن دعمها الكامل لعاصفة الحزم وعن فتح أجوائها أمام عمليات التحالف العربي في اليمن. وأكد الرئيس إسماعيل عمر جيله بأن علاقة جيبوتي مع إيران تمر بمرحلة سيئة وصعبة مضيفاً أن بلاده تحاول أن تتجنب شرها، استبعد المراقبون أن يكون لهذه التصريحات المرتبكة أثر كبير على العلاقات الثنائية بين البلدين كما استبعد البعض أن تقدم الحكومة الجيبوتية على قطع علاقاتها مع إيران، وبحسب المراقبين لم تنجح إيران بترسيخ علاقاتها السياسية والاقتصادية مع جيبوتي فقط وإنما استطاعت أيضاً خلق علاقات شعبية أكثر متانة ورسوخا. لكن الواقع أن الهجوم على السفارة والقنصلية السعودية في طهران، قد دفع الحكومة الجيبوتية إلى إنهاء علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، واستدعت سفيرها من إيران، وأمهلت الوفد الدبلوماسي الإيراني 48 ساعة لمغادرة البلاد... وخلافاً لما حاول تصويره وزير الخارجية الإيراني السابق ومستشار المرشد الإيراني الأعلى، علي أكبر ولايتي، عبر ما نشره على حسابه الشخصي بموقع “إنستغرام” يظهر فيها واقفاً إلى جانب خريطة العالم، مشيراً إلى دولة جيبوتي بإصبعه، مستهزئاً بصغر مساحتها بأبيات شعر. إلا أن ذلك أظهر مدى حجم الاستياء الإيراني من قرار جيبوتي قطع العلاقات مع طهران تضامناً مع السعودية، وخسارتها منفذاً بحرياً هاماً في مضيق باب المندب والقرن الأفريقي.

ثانيا: المواقف العربية في مواجهة التدخلات الإيرانية

شهدت علاقات البلدين السعودية – جيبوتي تعاوناً متميزاً في مختلف المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، كما من المنتظر توقيع البلدين اتفاقية أمنية تتلخص بتأمين الملاحة البحرية الدولية في مضيق باب المندب ومنع عمليات التهريب باتجاه الأراضي اليمنية عبر إنشاء قاعدة بحرية سعودية.

1- ساعد التقارب الجيبوتي السعودي، في لعب المملكة العربية دوراً هاماً في تسوية النزاع الحدودي بين إريتريا وجيبوتي، استضافتها لاجتماعات حوارية لحل النزاع، فقد رعت المملكة عقد اجتماعا بين الرئيس الجيبوتي ونظيره الإريتري في جدة في 17 سبتمبر 2018.

2-  أصبح ميناء عصب الإريتري أحد مجالات الأنشطة الإماراتية منذ أن بدأت أبو ظبي بالفعل توسيع تواجدها العربي على الساحل الجنوبي اليمني ومضيق باب المندب؛ ذلك أن استعادة هذه المواقع الاستراتيجية لن تكون ذات معنى إلا إذا تمت التمركز على الموانئ والمعابر الحدودية في إريتريا والصومال وجيبوتي. ومنذ انضمام دولة الإمارات العربية المتحدة إلى التحالف العربي بقيادة السعودية، في عام 2015، لتغيير مجرى الأمور في اليمن، فإنها (الإمارات) ظلت تسعى جاهدة لتوسيع النفوذ العربي على سواحل البحر الأحمر وخليج عدن في سبيل مواجهة التمدد الإيراني والتركي في المنطقة العربية.

3-  أظهرت إريتريا مؤخرًا تفاعلًا مع هذا الاهتمام الإقليمي بالقرن الإفريقي وأظهرت اصطفافها العلني إلى جانب الإمارات والسعودية ومهاجمتها للدول الأخرى مثل (تركيا، إيران).

4- ليس من المستبعد أن نشاهد في المستقبل المنظور توجهًا إماراتيًّا/سعوديًّا يسعى لتعزيز التعاون مع دول منطقة القرن الإفريقي وخصوصًا إريتريا، فمن المحتمل أن يركز هذان البلدان الخليجيان على سياسة القوة الناعمة لضمان الامن القومي العربي، أي على سياسة الاستثمارات الاقتصادية والتعاون البيني([xli]).

5-   إن الإحساس بتهديد إيران لأمن حركة الملاحة البحرية عبر مضيق هرمز منذ فترة شكَّل حافزا للتوجه المتزايد لدول الخليج وخصوصًا الإمارات والسعودية نحو منطقة القرن الإفريقي.

 المبحث الخامس: التدخل الإيراني في إرتيريا

إن إريتريا كونها تمتلك أطو ل ساحل غير عربي على البحر الأحمر 683 كم وتعد الثالثة في تعداد الجزر إذ تملك 126 جزيرة بالإضافة الى ميناءي عصب ومصوع دفعت دوال عربية إلى بذل مساعي دائمة وقوية منذ استقلالها عن إثيوبيا لضمها كعضو في الجامعة العربية.

لقد نتج عن الصراعات الإريترية مع جاراتها في القرن الإفريقي (إثيوبيا وجيبوتي) فرض عزلة سياسية عليها بجانب الحظر الذي فرضه مجلس الأمن عليها في 2009. كما قام النظام الإريتري ذاته بتجميد علاقاته مع إسرائيل بعد اتهامها بمساندة إثيوبيا في الصراع الذي اندلع بينهما، وحاول الاستعاضة عنها بإيران وإرسال رسالة إلى إسرائيل مفادها أن هناك من يملأ الفراغ الأمني في جنوب البحر الأحمر وهي إيران عدوة إسرائيل والعرب.

وقد كان عدم تعاونها في مكافحة الإرهاب حجة؛ لتوتر العلاقات الأميركية- الإريترية ووضعت الولايات المتحدة إريتريا في معسكر إيران وسوريا وكوبا وكوريا الشمالية وفنزويلا. وكان هذا الإجراء” يهدف إلى استرضاء إثيوبيا، وهي حليف للولايات المتحدة، في حربها بالوكالة في الصومال، وليس معاقبة إريتريا لدعم الإرهاب ([xlii]). وعلى هذا الأساس قام التقارب بين الدولتين على أساس شعور كلا النظامين بخطورة التواجد الغربي في جيبوتي (أميركا وفرنسا) على أمنهما القومي؛ مما دفعهما إلى التقارب أكثر؛ لمواجهة أية تحديات تنجم عن الوجود الغربي. وهذا أتاح فرصة للتغلغل الإيراني للمجال الإريتري، ومكّن إيران من توظيف أدواتها وآلياتها في تحقيق هذا التغلغل.

لقد سعت إيران لتطوير التعاون الاستراتيجي مع إريتريا ومد نفوذها السياسي والعسكري في منطقة القرن الأفريقي ضمن استراتيجية تطويق إسرائيل والمملكة العربية السعودية. وقد ظلت المملكة العربية السعودية، منزعجة من التعاون الاستراتيجي المتنامي بين إريتريا وإيران.

اتهمت الرياض إيران بنقل الأسلحة من إريتريا عبر البحر الأحمر إلى المتمردين الحوثيين، ودعمهم ضد الحكومة اليمنية منذ عام 2004، وفي بعض الأحيان اشتبكوا مع قوات الأمن السعودية في شمال اليمن قرب الحدود السعودية.

لقد بدأت العلاقات الإيرانية الإرتيرية في عام 2006 عندما ذهب مبعوثاً إلى طهران بدعوة من الرئيس احمدي نجاد لبناء علاقات مع اريتريا لموقعها الاستراتيجي في البحر الأحمر حتى يتمكن من تضييق الخناق على المملكة ومصر واليمن.

وفي شهر مايو 2008 تم التوقيع على عدة اتفاقيات بين البلدين التي تنص في الظاهر على التعاون الاقتصادي والزراعي والاستثمارات الفنية، وفي حفل التوقيع على مذكرات التفاهم كما توصف، قال احمدي نجاد إن إيران واريتريا عازمتان على تطوير علاقاتهما في كافة المجالات.

وفي يناير 2009، أرسلت إيران مدمرتين إلى ميناء عصب بحجة محاربة القرصنة. وكانت تراقب تنامي الوجود البحري الإيراني في خليج عدن والأنشطة العسكرية في إريتريا.

وقد نظرت الرياض لنشر طهران السفن الحربية في خليج عدن في منتصف نوفمبر عام 2009 على أنه تهديد لمصالحها، فبإمكان السفن الإيرانية الرسو في ميناء عصب ومن ثم تهريب السلاح عبر البحر الأحمر إلى الشيعة المتمردين (الزيدية) الحوثيين في صعدة في اليمن، بالقرب من الحدود السعودية. ولذلك أرسلت المملكة العربية السعودية في نوفمبر 2009 ثلاث سفن حربية للقيام بدوريات في الساحل اليمني الشمالي لمنع مرور الأسلحة التي يتم تهريبها إلى شمال اليمن.

لقد أكدّت تقارير أمنية غربية أن إيران تمكنت بسرية تامة من بناء قاعدة بحرية عسكرية على البحر الأحمر، وأنها نجحت في تحويل ميناء عصب الإريتري إلى قاعدة إيرانية، وأن الفرع الأفريقي في قيادة فيلق القدس التابع للحرس الثوري قد تولى هذه المهمة بالتعاون مع بحرية الحرس الثوري… حيث قامت السفن الإيرانية في البداية بنقل المعدات العسكرية والأسلحة الإيرانية إلى ميناء عصب وشاركت في هذه المهمة حسب آخر التقارير ثلاث غواصات كيلو إيرانية، وبحسب التقارير ذاتها هناك معلومات تفيد بأن طهران لجأت إلى الغواصات لنقل الأسلحة والصواريخ إلى إريتريا بعدما تزايدت حشود السفن البحرية الدولية في المنطقة لمطاردة القراصنة ومخافة أن تقع سفنها التجارية المحملة بالسلاح في أيدي القراصنة ويفتضح أمرها، ويؤكد أحد التقارير الأمنية أن قرار استخدام الغواصات قد جاء بعد تزايد عمليات خطف السفن الإيرانية وتحديداً بعدما نجح القراصنة في خطف السفينة الإيرانية "ماى إيران ديانات" التي كانت متوجهة إلى إريتريا والتي يقال: إنها شكلت بداية الشكوك الدولية في التغلغل العسكري الإيراني لإريتريا وقادت إلى حملة تنديد إريترية مشبوهة بدور القوات الغربية في مكافحة القرصنة، علما أن إيران قد أعلنت عن استعدادها لمحاربة القراصنة وبالفعل أرسلت سفينة إلى هناك بمهمة عسكرية وخلال أشهر قليلة تحول هذا الموقع الاستراتيجي عند باب المندب وخليج عدن إلى أكبر قاعدة بحرية إيرانية خارج مضيق هرمز([xliii]).

وكشفت المصادر الاستخبارية الغربية أن إيران قد انتقلت بهذه الخطوة من تهديد الخليج والعالم بإغلاق مضيق هرمز إلى توسيع دائرة تهديداتها إلى خارج الخليج، ولاحظت أن إقامة القاعدة البحرية الإيرانية في عصب قد جاءت بعد أسابيع قليلة من إعلان إيران عن إقامة قواعد بحرية إضافية في بحر عمان وهي تدخل في إطار استمرار الاستعدادات الإيرانية لمواجهة عسكرية على ضوء تطورات صراعها مع العالم حول البرنامج النووي، والتسلل الإيراني إلى القرن الأفريقي يعني في الوقت ذاته أن طهران تهدف إلى توسيع دائرة الحرب والتسلل مجددا إلى هذه المنطقة التي تشهد حشودا عسكرية مثيرة للشبهات تحت ذريعة محاربة القرصنة، وفي وقت عادت التقارير تحذر من انفجار جديد وكبير للأوضاع في الصومال لينعكس على سائر القرن الأفريقي ويهدد حتى منطقة شمال أفريقيا([xliv]).

لقد فرضت إيران نفسها لاعبًا وبطريقة استباقية، وهذا يدل بأن الملف المتعلق بمحاربة القراصنة لابد أن تشترك به طهران، وكذلك ستجد واشنطن نفسها مراقبة من قبل الإيرانيين في البحر الأحمر والشواطئ الأفريقية، ويلفت المراقبون إلى أن التغلغل الإيراني الجديد لإريتريا قد تزامن مع تفعيل نشاطات الفرع الأفريقي لفيلق القدس في أكثر من دولة. لكن أخطر التقارير عن تزايد التهديد الإيراني لخليج عدن وباب المندب هي التي ربطت مؤخرا بين القاعدة البحرية الإيرانية في ميناء عصب وبين خطة سرية أعدتها طهران للتغلغل في الجهة المقابلة، أي اليمن، وتكشف هذه التقارير أن شهدت تحركات إيرانية مشبوهة في جنوب اليمن مشيرة إلى أن المخابرات الإيرانية التي كانت نشاطاتها في دعم الحوثيين في منطقة صعدة في الشمال تثير اهتمام الأجهزة الاستخبارية الدولية باتت حاليا موضع رصد ومراقبة بسبب ما يعتبر محاولات تغلغل بجنوب اليمن، ويؤكد أحد التقارير أن الحرس الثوري الإيراني قام مؤخراً بإعادة تحريك خلايا أصولية متطرفة يمنية معروفة بارتباطها بإيران ودعمها للاستقرار في جنوب اليمن ويكشف أن فيلق القدس قام بنقل عناصر يمنية من القاعدة من أفغانستان وتسهيل تسللها مجدداً إلى جنوب اليمن وقد فر هؤلاء عبر إيران وبحماية قوات القدس، ويبدو أن المساهمة الإيرانية في نقل متطرفين من أفغانستان إلى جنوب اليمن إضافة إلى إحياء خلايا نائمة في منطقة عدن لحساب إيران قد قادت إلى تعزيز مخاوف الجهات الاستخبارية الدولية المراقبة للنشاطات الإيرانية في إريتريا من وجود مخطط إيراني يستهدف خليج عدن وباب المندب وفتح جبهة جديدة في القرن الأفريقي وعند أطراف الخليج([xlv])

ثمة علاقة ثلاثية في منطقة القرن الإفريقي (إيران مع اريتريا مع الحوثيين) كانت تنمو بشكل سري في المنطقة، كان لهذه العلاقات الدور الكبير في تأجيج الصراع في اليمن الذي تمثل في وجود ودعم الحوثيين من إيران والطرف الذي كان يوصل هذا الدعم لهم من خلال اريتريا؛ من خلال التدريب وإرسال العتاد الحربي الإيراني إلى اليمن.

كشف تقرير صادر عن مركز ستراتفور للاستشارات الأمنية في ولاية تكساس الأميركية مؤخرا عن وجود ما وصفه بتعاون إريتري إيراني لدعم الحوثيين، لافتا إلى أن القوات الإيرانية الموجودة في البحر الأحمر وخليج عدن تقوم بتأمين عملية تهريب الأسلحة من أحد الموانئ الإريترية في البحر الأحمر إلى الحوثيين.

وذكر أن عمليات تهريب للأسلحة كانت تتم من ميناء عصب الإريتري إلى السواحل القريبة من محافظة صعدة في مديرية "ميدي" ليتم تخزينها هناك ومن ثم يتم نقلها عبر مهربين إلى محافظة صعدة.

وقد أكدت بعض الأخبار المحلية الإرترية أن إيران طمئنت النظام الإرتري بدعم عسكري عندما حشدت إثيوبيا جيشها في الحدود. وتسريع سيطرة الحوثيين أخيرا على جزر حنيش يعني أن التنسيق العسكري والأمني الإيراني الإرتري الحوثي متواصل في الاستحواذ على اليمن فمباشرة بعد السيطرة على صنعاء عملوا على ضمان السيطرة على حنيش.

أوال: التأثيرات السياسية والأمنية: -

تشكل السواحل العربية حوالى%88 من سواحل البحر االحمر وهو ما يجعله يقع في مركز ثقل الكتلة العربية والذى يمكن إضعافه بتهديد أمن دول البحرا الحمر حال فقدانها منافذها البحرية أو ا غالق المضايق المتحكمة به

1-  يؤثر التنافس الدولي والإقليمي على التواجد العسكري في البحر الأحمر وامتداده للقرن الأفريقي بشكل كبير على العمق الاستراتيجي المصري والأمن القومي العربي وتهديد المالحة في باب المندب وقناة السويس ويمكن مواجهه هذا التحدي من خلال ثالثة محاور هى : -  

المحور الأول : دعم الوجود العسكري المصري بالبحر الأحمر بالتنسيق مع دول جنوب البحر الأحمر وتوسيع نطاق عمل الأسطول الجنوبي

 المحور الثاني: مزيد من التعاون والتنسيق المصري – السعودي – الإماراتي لحماية المصالح المشتركة في البحر الأحمر. - المحور الثالث: بلورة دائرة دبلوماسية جديدة ) دائرة البحر الأحمر( للتعامل مع دول هذه المنطقة من خلال رؤية متكاملة.

تلخيص أهم النتائج

توصلت الدراسة الى نتائج عامة أهمها:

1- أن الدول المُشاطِئة على البحر الأحمر وخليج عدن حظيت بأهمية كبيرة في المدرك الاستراتيجي الأمني والعسكري الإيراني.

2- أن استراتيجية إيران تجاه الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن توسيعيه؛ لزعزعة استقرار المنطقة، وإضعاف نفوذ خصومها الإقليميين.

3- أن اشكال التدخل الإيراني جاءت متنوعة، منها الدعم المالي والعسكري، والتدخل في الشؤون الداخلية، ونشر الدعاية، ودعم الجماعات المسلحة.

4- أن التدخل الإيراني أدى لتفاقم الصراعات، وزعزعة الاستقرار، وتهديد الملاحة البحرية في المنطقة، كما ساهم في انتشار التطرف والإرهاب.

5- أن الفراغ العربي، السياسي والاجتماعي والتنموي في الدول المستهدفة خلق فرصة لإيران لتستغل الخلافات الإقليمية لتعزيز نفوذها.

النتائج التفصيلية:

1- أن إيران تحاول إيجاد موطئ قدم في هذه المنطقة وتحديداً في إريتريا وجيبوتي والصومال بعد أن أصبح لها جود قوي في اليمن.

2- أن إيران تحاول فتح طرق جديدة لاستثمار وغسيل الأموال الخاصة بالحرس الثوري الإيراني، هذا فضلاً عن تحويلها إلى ممرات لوجستية لتهريب السلاح والمعدات الحربية إلى الحوثين في اليمن عبر جانبي البحر الأحمر وخليج عدن.

3- أن البحرية الإيرانية وجدت في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن منطقة مهمة لابد من استغلالها، من أجل تقديم الدعم اللوجستي للحوثيين في الحرب الدائرة باليمن من جهة، ومن جهة أخرى ضرب وتهديد المصالح الدولية في المنطقة من جهة أخرى.

4- أن إيران تأمل من سعيها الحثيث؛ لتحقيق مشروعها السياسي في منطقة البحر الأحمر وخليج عدن كقوة إقليمية تسعي للهيمنة والسيطرة على النسق الإقليمي الجديد، وهو ما قد تبين من خلال مهام الحرس الثوري الإيراني وأعماله الخارجية في دول الجوار الإفريقي والعربي لاسيما المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن.

5-  أن توسع الدور الإيراني في العالم العربي مع نشر المذهب الشيعي في الأقطار الإسلامية السنية ليس عملًا تطوعيًّا يقوم به دعاة فرادى أو جماعات، وإنما تقف خلفه دولة بقدر إيران، وهناك تناغم بين استراتيجية الدولة الراغبة في التواجد في هذه المنطقة الاستراتيجية، وبين نشر المذهب الشيعي، كما أن النجاحات المتكررة لإيران في الاستيلاء على عواصم عربية يمنحها زخمًا كبيرًا لفتوحات جديدة.

6- أن التوسع الإيراني في الدول المُشاطِئة للبحر الأحمر وخليج عدن، وخاصة في الصومال واليمن، جعل هاذين البلدين جزءًا من أهم الأوراق السياسية لدى طهران.

7- أن إيران تسعى لتكوين واستكمال الدوائر المفرغة من “الهلال الشيعي”، الذي لا يكتمل إلا من خلال سيطرة إيران على الجانب الجنوبي من هذا الهلال على حساب دول منطقة القرن الإفريقي ومضيق باب المندب على وجه الخصوص، عن طريق بذر الفتن والصراعات على أسس ثورية شيعية ضد الدول المُشاطِئة للبحر الأحمر وخليج عدن على حد السواء، وهو الأمر الذي يشكل تهديدا واضحا وصريحا للأمن القومي العربي.

8- إن البلدان العربية الساحلية مثل: الصومال والجنوب العربي واليمن وجيبوتي، تجد نفسها أمام مشاريع اقليمية طموحة لهذا الموقع الاستراتيجي من العالم، بخلاف التنافس الدولي على البحار؛ لتبحث كل دولة عن موطئ قدم لها وربما لإنشاء قواعد عسكرية في المستقبل.

9- أن حكومات الدول المشاطئة على البحر الأحمر وخليج عدن ليس بمقدورها وحدها المنافسة أمام مشروع إيراني يحظى بدعم رسمي وشعبي من دولة طامحة للتوسع فكريًّا وسياسيًّا، ما لم تقم الدول العربية خاصة الخليجية بتنفيذ خطوات مدروسة لدعمها في المجالات التي تؤثر على مستقبل هذا البلد من النواحي الاقتصادية والاجتماعية والتربية.

10-               أن الدول المُشاطِئة للبحر الأحمر وخليج عدن تفتقد جدياً للمنظومة الجماعية أو حتى الفرعية لضمان الأمن فيه، إذ إن منظومة الأمن الجماعي فيه تقوم بتأمين الدول داخلياً وتدفع التهديد عنها خارجياً، بما يكفل لها الأمن والاستقرار، بشرط توافق مصالح، وغايات وأهداف أطرافها.

التوصيات:

1- مواجهة التمدد الإيراني في المنطقة العربية وذلك من خلال تكوين تكتلات سياسية وعسكرية واقتصادية؛ لتأمين هذه المنطقة من أي تهديد لها على غرار التهديد الإيراني عند مضيق باب المندب.

2- محاولة إيجاد حلول سلمية وجذرية للأزمات والمشاكل في الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن؛ لقطع سبيل الذرائع الإيراني للتدخل في الشؤون العربية.

3-  تشجيع الدول العربية وعلى رأسها دول الخليج العربي في ملئ الفراغ الثقافي والاقتصادي والتنموي والإغاثي في الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن، كـ الصومال وجيبوتي والجنوب العربي والسودان.

4- ضرورة التحرك العربي المشترك لوقف الأنشطة الإيرانية في الدول المشاطئة للبحر الأحمر وخليج عدن وذلك لعدم لإضرار بالأمن القومي العربي.

5- هناك حاجه لدعم الوجود العسكري المصري في البحر الأحمر وإيجاد قواعد دائمة في الجزء الجنوبي منه.

6-  الضعف الاقتصادي المزمن لدول البحر الأحمر يحتاج لخطط تنموية شاملة؛ لأنه يؤدي الى ضعف عسكري مزمن.

7- يحتاج البحر الأحمر الي منظومة امن جماعي لصيانة مصالح دوله

8-  توثيق العلاقات العربية الإفريقية، خاصة مع الدول التي يشكل النفوذ الإيراني فيها خطراً على المصالح العربية المختلفة.

9- القضاء على خطر ميليشيات المتواجدة في ضفتي سواحل البحر الأحمر وخليج عدن التي تقوم إيران من خلالها بتقديم الدعم لهم، والتي تقترب من سواحل الدول الإفريقية التي تنشط فيها إيران عسكرياً.

10-                تعزيز التعاون الأمني والاستخباراتي بين الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، من خلال دعم الدول المعتدلة في المنطقة، والمطالبة بفرض عقوبات اقتصادية وسياسية على إيرانـ، وأذرعها في المنطقة العربية والسرعة بحل الأزمات السياسية في المنطقة العربية.

11-                دعم منظمات المجتمع المدني في الدول المتضررة لتعزيز الوعي بالمخاطر التي يشكلها التدخل الإيراني.  

قائمة الهوامش:


 

[i]) محددات السياسة الخارجية الإيرانية وأبعادها تجاه دول الخليج"، عائشة آل سعد، " المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 5 ديسمبر، 2018، ص4.

[ii]) الأداء الاستراتيجي الإيراني اتجاه المتغيرات الإقليمية بعد عام 2010"، كوثر عباس، " جامعة البصرة، مركز دراسات البصرة الخليج العربي، مجلد 45، عدد2، 2017، ص22.

[iii]) الدور الإيراني في المنطقة العربية"، خالد بن نايف، " حول الشرق الأوسط، العدد13243، 2مارس،2015، ص 4 : https://aawsat.com/home/article

([iv] الصراع السعودي الإيراني وأثره علي اليمن"، أحمد عردوم، المركز الديمقراطي العربي، 29مارس، 2017، ص6: https://democraticac.de/?p=45025، .

([v]  التدخل الإيراني في اليمن .. حقائقه وأهدافه ووسائله" أحمد أمين، مجلة البيان، ال عدد307، يوليو 2013، ص84.

([vi] روسيا تعرقل قراراً أممياً يدين دعم إيران للحوثيين”، موقع الجزيرة، https://cutt.us/UdHFd

[vii]) أسوشيتد برس: مرض ايرلو وفّر فرصة للحوثيين من أجل المطالبة برحيله”، يمن فيوتشر. https://yemenfuture.net/news/6033.

[viii]) مظاهر تغلغل التشيع الإيراني في البلدان السنية: مصر، سورية، الأردن، السودان، وغيرها”، حمدان الأشقر، “ 27/10/2008، شبكة الدفاع عن السنة، في: http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=7514

([ix] حركة "الشباب المجاهدين" فصيل صومالي مسلح له أسماء كثيرة أبرزها حركة الشباب الصومالية، والشباب أو المجاهدون، وحركة المجاهدين، وحركة الشباب الإسلامي، والشباب الجهادي.انفصل عن اتحاد المحاكم الإسلامية، وأعلن سعيه لإقامة دولة إسلامية، ثم أعلن ولاءه لتنظيم القاعدة عام 2012، وشنّ حربا ضد الحكومة الصومالية وحلفائها في الداخل والخارج.

[x]) إيران وحركة الشباب المجاهدين الصومالية تبادل الأدوار والمصالح، فراس إلياس

https://www.newiraqcenter.com/archives/4356

[xi]) تصدير الثورة.. الدعم الإيراني للجماعات الإسلامية في الصومال، مرفت زكريا، (القاهرة: المركز العربي للأبحاث والدراسات، 21 أكتوبر 2018).

[xii]) تصدير الثورة.. الدعم الإيراني للجماعات الإسلامية في الصومال، مرفت زكريا، (القاهرة: المركز العربي للأبحاث والدراسات، 21 أكتوبر 2018).

[xiii]) الفحم الصومالي.. إيران وحركة "الشباب" تشعلان الإرهاب بأفريقيا، أحمد محمود، 17 أكتوبر 2018https://al-ain.com/article/iran-somalia-youth-movement-terr

[xiv]) الفحم الصومالي.. إيران وحركة "الشباب" تشعلان الإرهاب بأفريقيا، أحمد محمود، 17 أكتوبر 2018https://al-ain.com/article/iran-somalia-youth-movement-terr

[xv]) هل هُرّبت أسلحة مقدمة من إيران للحوثيين إلى الصومال؟ https://aljadah.media/archives/32646#

([xvi] تقرير معهد الدراسات الأمنية: إيران تسلح الجماعات المتطرفة في القرن الإفريقيhttps://adf-magazine.com/ar/2023/02

[xvii]) حركة الشباب الصومالية.. إرهاب إيران يدمر القارة الأفريقية محمد الدابولي ، 23 نوفمبر 2018،

http://www.almarjie-paris.com/5250

[xviii]) الحسابات الخليجية في القرن الإفريقي، 23 مارس 2017، http://mogadishucenter.com/2017

[xix]) حركة الشباب الصومالية.. إرهاب إيران يدمر القارة الأفريقية، محمد الدابولي ،  23 نوفمبر 2018، 

http://www.almarjie-paris.com/5250

([xx]الدور الإيراني في الصومال: البحث عن موطئ https://www.youtube.com/watch?v=ro7moLiSSeA

[xxi]) الحفاظ على دور الإمارات العربية المتحدة وتنسيقه مع الجهود التركية والقطرية يمكن مضاعفة قوة الهجوم الذي تشنه الحكومة الصومالية ضد حركة "الشباب". https://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-.

[xxii]) الأجندة الإيرانية في الصومال https://alsomal.net/

[xxiii]) السودان وإيران: رحلة التقارب والمشهد العربي الراهن”، سياسات عربية، النور حمد الدوحة: المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، العدد 1، مارس 2013)، ص 62.

[xxiv]) التغلغل الإيراني في السودان، مصطفى فولي، 27/2/2013، موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان: http://ar.qawim.net/index.php?option=com_content&task=view&id=8361

[xxv]) إيران في إفريقيا: اختراقات وإخفاقات، بوزيدي يحيى،  5 يونيو 2014م:https://www.alburhan.com/Article/index/8186

[xxvi]) إيران في إفريقيا: اختراقات وإخفاقات، بوزيدي يحيى،  5 يونيو 2014م:https://www.alburhan.com/Article/index/8186

[xxvii]) السودان وإيران: مرحلة إعادة ربطة العنق العربي، المثنى عبد القادر،:16/1/2016:https://www.alnilin.com/12742657.htm

[xxviii]) الغايات الإيرانية والأهداف السودانية في عودة العلاقات

https://rawabetcenter.com/archives/171190#:

([xxix] الغايات الإيرانية والأهداف السودانية في عودة العلاقات

https://rawabetcenter.com/archives/171190#:

[xxx]) مظاهر تغلغل التشيع الإيراني في البلدان السنية: مصر، سورية، الأردن، السودان، وغيرها”، حمدان الأشقر، “ 27/10/2008، شبكة الدفاع عن السنة، في: http://www.dd-sunnah.net/forum/showthread.php?t=7514

[xxxi]) الغايات الإيرانية والأهداف السودانية في عودة العلاقات https://rawabetcenter.com/archi

([xxxii] التغلغل الإيراني في السودان”، مصطفى فولي، “ 27/2/2013، موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان: http://ar.qawim.net/index.php?option=com_

[xxxiii]) التغلغل الإيراني في السودان”، مصطفى فولي، “ 27/2/2013، موقع الحملة العالمية لمقاومة العدوان: http://ar.qawim.net/index.php?option=com_

[xxxiv]) صواريخ إيرانية بالسودان.. الخطر الفارسي يدق البوابة الجنوبية”، أحمد عز، “موقع الحقيقة: http://www.haqeeqa.net/Subject.aspx?id=467

[xxxv]) الغايات الإيرانية والأهداف السودانية في عودة العلاقات https://rawabetcenter.com/archives/171190#:

[xxxvi]) تقاطعات الدور الإيراني والإسرائيلي في دارفور... قراءة في الواقع والمستقبل https://www.alrased.net/main/articles.aspx

[xxxvii]) الغايات الإيرانية والأهداف السودانية في عودة العلاقات https://rawabetcenter.com/archives/171190#:

[xxxviii]) النفوذ الإيراني في جيبوتي... الأهداف والدوافع، عبدالله الفاتح، 7سبتمبر 2015، http://mogadishucenter.com/2015/

[xxxix]) النفوذ الإيراني في جيبوتي... الأهداف والدوافع، عبدالله الفاتح، 7سبتمبر 2015م، http://mogadishucenter.com/2015

[xl]) النفوذ الإيراني في جيبوتي، الأهداف والدوافع – مركز مقديشيو للبحوث شبكة المعلومات الدولية الأنترنت

[xli]) أي دور لإريتريا في ظل التحالفات الإقليمية بالقرن الإفريقي، سيدي أحمد، 6 فبراير 2018م http://studies.aljazeera.net/ar/repor

([xlii] Jeffrey A. Lefebvre, Iran in the Horn of Africa: Outflanking U.S. Alli Middle East

Policy Council, Volume XIX 2, summer 2012, p127. ،Number

[xliii]) التغلغل الإيراني في منطقة القرن الإفريقي http://almezmaah.com/2017/02/1

[xliv]) التغلغل الإيراني في منطقة القرن الإفريقيhttp://almezmaah.com/2017/02

[xlv]) التغلغل الإيراني في منطقة القرن الإفريقي، http://almezmaah.com/2017/02/1