ألاعيب سياسية أم تغيير في الاستراتيجية..
قراءة في دوافع الميليشيات الشيعية بعد قرار تمديد مهمة التحالف الدولي في العراق
لا يمكن فهم البرود الملحوظ في ردود فعل الأحزاب والميليشيات الشيعية العراقية على قرار تأجيل انسحاب التحالف الدولي، إلا في ظل وجود مؤشرات قوية على توافقات غير معلنة بين هذه القوى وحليفتها إيران.
أثار الهدوء المطبق الذي ساد أوساط الأحزاب والميليشيات الشيعية العراقية إزاء قرار الحكومة بإرجاء إعلان نهاية مهمة التحالف الدولي ضد داعش، تساؤلات واسعة حول الأسباب الكامنة وراء هذا الرد الفاتر. ففي حين كان المتوقع أن تشهد الساحة السياسية العراقية ردود فعل عنيفة وواسعة النطاق إزاء هذا القرار، إلا أن الواقع كان مغايراً تماماً، مما يطرح تساؤلات حول وجود توافقات خفية بين هذه القوى والتحالف الدولي.
ويتميز موقف الأحزاب والميليشيات الشيعية في العراق من قرار حكومة رئيس الوزراء محمد شياع السوداني إرجاء الإعلان عن إنهاء مهمة التحالف الدولي ضدّ داعش بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، بهدوء غير متوقّع لا يتناسب مع الموقف المتشدّد لتلك القوى من بقاء القوات الأجنبية، وتحديدا الأميركية، على الأرض العراقية والذي كثيرا ما تترجمه تلك الميليشيات إلى استهداف لمواقع تمركز عناصر الجيش الأميركي في عدد من مناطق البلاد.
وأجمع المتابعون للشأن العراقي على عدم إمكانية إقدام حكومة السوداني على اتّخاذ ذلك القرار من دون توافق مسبق بشأنه مع القوى الشيعية النافذة وحتى مع إيران ذات الصلة الوثيقة بتلك القوى، وذلك بالنظر إلى أنّ الحكومة بحدّ ذاتها هي أصلا حكومة الأحزاب والفصائل الشيعية المنضوية ضمن الإطار التنسيقي الشيعي وقد قامت بالدور الرئيس في تشكيلها بالتعاون مع قوى سنية وكردية.
ومن هذا المنظور تكون الأحزاب والميليشيات الشيعية المستقرة في الحكم والتي تجني من ورائه مكاسب سياسية ومادية كبيرة ذات مصلحة في التهدئة مع الولايات المتّحدة خصوصا وأن الأخيرة أظهرت حزما متزايدا في الردّ على استهداف الميليشيات لمواقع تمركز قواتها في العراق بتوجيه ضربات دقيقة لقوات الحشد الشعبي موقعة خسائر بشرية ومادية في صفوفها.
وعلى الطرف الآخر لا تبدو إيران ذات العلاقة المتينة بأقوى الأحزاب والفصائل الحاكمة في العراق وذات التأثير الواضح على قرارها معنية في الوقت الحالي بالتصعيد ضدّ الولايات المتّحدة حرصا على عدم استثارتها بما قد يؤدّي الى استئناف واشنطن لضغوطها على بغداد لإجبارها على الالتزام بحَرْفية العقوبات المفروضة على طهران، ما يعني المزيد من التضييقات المالية على الأخيرة وخسارتها متنفّسا ماليا واقتصاديا هاما ومصدرا لعملة الدولار الذي لا تزال مبالغ كبيرة منه تهرّب من العراق إلى إيران تحت أنظار الإدارة الأميركية التي تراوح في تعاملها مع الظاهرة بين التهديد حينا وغض الطرف أحيانا أخرى.
ولا يخلو موقف الأحزاب والفصائل الشيعية من القرار الحكومي بشأن القوات الأجنبية من حرج لتلك القوى أمام الرأي العام المحلّي بعد أن كانت قد رفعت من سقف مطالباتها برحيل تلك القوات متوعّدة بإجراءات سياسية وعسكرية في حال لم تتم الاستجابة لها.
وبحث مقرّبون من تلك الأحزاب والفصائل عن مبرّرات للقرار الحكومي بدت ضعيفة وواهية في مجملها من قبيل تحميل وزير الخارجية فؤاد حسين بمفرده مسؤولية قرار إرجاء إعلان إنهاء مهمّة التحالف الدولي، وذلك لكونه ينتمي عرقيا إلى المكوّن الكردي وحزبيا إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، ما يعني لأصحاب هذا التبرير إخلاء مسؤولية رئيس الوزراء وقوى الإطار التنسيقي الشيعي من المسؤولية.
ومعروف عن أكراد العراق، وخصوصا المنتمين إلى الحزب الديمقراطي بقيادة أفراد أسرة بارزاني، معارضتهم لإخراج القوات الأميركية من البلاد وتمسّكهم ببقائها حفاظا على حدّ أدنى من توازن النفوذ في البلد ومنعا لاختلاله بالكامل لمصلحة إيران ذات العلاقة غير الودية عموما مع سلطات إقليم كردستان العراق وخصوصا الحزب الديمقراطي الذي كثيرا ما اتّهمته بالتواطؤ ضدّها مع الولايات المتّحدة، وقامت استنادا إلى ذلك باستهداف مواقع ضمن مناطق نفوذه بضربات صاروخية، بالإضافة إلى هجمات توعز للميليشيات الشيعية العراقية الموالية لها بتنفيذها من حين إلى آخر.
وبهذه المعطيات يبدو اتّهام فؤاد حسين بالمسؤولية عن القرار الحكومي العراقي مبررّا نسبيا على الرغم من مجافاته التامة للواقع إذ يدرك الجميع أنّ قرارا بهذه الأهمية لا يمكن لوزير الخارجية أن يتخذه من تلقاء نفسه ودون إيعاز من رأس السلطة التنفيذية.
وقال علي الزبيدي عضو تحالف “نبني” بقيادة هادي العامري زعيم ميليشيا بدر المعروفة بارتباطها الشديد بإيران إنّ الحكومة العراقية ملزمة بإنهاء التواجد العسكري الأجنبي في البلاد وعليها تطبيق ذلك. واعتبر في تصريحات أوردتها الثلاثاء مواقع إخبارية محلية أنّ حكومة السوداني ماضية في ذلك بالفعل ووصلت بإجراءاتها إلى “مراحل متطورة".
لكنّه استدرك بالقول إنّ البيان الصادر من وزارة الخارجية والذي تضمّن الإعلان عن إرجاء إنهاء مهمة التحالف الدولي “مغلوط ويحسب على الوزارة ذاتها". وتابع "الدعم الذي تتلقاه الحكومة الحالية في هذا الملف لم تحظ به أي حكومة كون من يؤيدها هو الشعب والقوى السياسية وكذلك المقاومة".
ووجه نقده للخارجية قائلا "هفوات الوزارة تكررت كثيرا والسبب يعود إلى الوزراء الذين يتسلمون قيادتها وخلفياتهم السياسية”، في إشارة إلى انتماء فؤاد حسين إلى الديمقراطي الكردستاني. وأعلن العراق مؤخرا عن إرجاء إعلان إنهاء مهمة التحالف الدولي لمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية الذي تقوده الولايات المتحدة، معللا ذلك بـ”التطورات الأخيرة” فيظل وضع إقليمي متوتر والخشية من التصعيد.
وتجري بغداد وواشنطن منذ أشهر مفاوضات بشأن التقليص التدريجي لعديد قوات التحالف في العراق، من دون الإعلان عن موعد رسمي لإنهاء مهمتها. وتنشر الولايات المتحدة حوالي 2500 جندي في العراق ونحو 900 في سوريا المجاورة، في إطار التحالف الذي أنشأته عام 2014 لمحاربة تنظيم داعش. وتطالب فصائل عراقية مسلحة موالية لإيران بانسحاب هذه القوات.
وفي أعقاب اندلاع الحرب بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، استهدفت فصائل مسلحة قواعد في العراق وسوريا تضم قوات أميركية على خلفية ما تعتبره دعما من واشنطن لتل أبيب في الحرب. وتبنّت غالبية هذه الهجمات “المقاومة الإسلامية في العراق” التي تضم فصائل موالية لإيران.
وأفادت وزارة الخارجية العراقية في بيان بأن المباحثات ركزت خلال الأشهر الماضية على “تقييم خطر تنظيم داعش بهدف الوصول إلى موعد نهائي لإنهاء المهمة العسكرية لعملية العزم الصلب” الاسم الرسمي للتحالف. وأضافت “وقد شملت هذه النقاشات تفاصيل تضمنت تراتبية انسحاب المستشارين من المواقع، ولم يبق سوى الاتفاق على تفاصيل وموعد الإعلان عن هذا الاتفاق”، إلا أنه “بسبب التطورات الأخيرة تمّ تأجيل الإعلان عن إنهاء المهمة العسكرية للتحالف الدولي في العراق”. ولم يحدد البيان موعدا بديلا لذلك.
وتبنت “المقاومة الإسلامية في العراق” خلال الشتاء الماضي أكثر من 175 عملية إطلاق صواريخ وطائرات مسيّرة في العراق وسوريا استهدفت قواعد تضم جنودا أميركيين من التحالف.
وردّت الولايات المتحدة مرارا على هذه الهجمات بشنّ ضربات جوية طالت مقرات للفصائل في سوريا والعراق، كان أعنفها بعد مقتل ثلاثة جنود أميركيين في هجوم طال مركزا يتواجدون فيه بشمال الأردن في يناير الماضي. وبعد تراجع ملحوظ في هجمات الفصائل خلال الأشهر الماضية، سجّل في أغسطس الجاري إطلاق صواريخ استهدفت قاعدة عين الأسد بغرب العراق، ما أدى إلى إصابة سبعة أميركيين.
وتعليقا على القرار العراقي بشأن التحالف الدولي قال غازي السكوتي، مدير المركز العراقي للدراسات الإستراتيجية، إن "موقف وزارة الخارجية العراقية وحكومة بغداد من تأجيل الإعلان عن جدولة إنهاء مهمة التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب في البلاد وإعادة النظر في عدد المستشارين العسكريين الأميركيين، يرتبط بطبيعة التهديدات الأمنية التي تعصف اليوم بمنطقة الشرق الأوسط التي من بينها العراق".
وأشار في تصريحات لوكالة سبوتنيك الروسية إلى أن موقف الوزارة "يعبّر عن الواقع في المنطقة، ففي ظل الأوضاع الحالية والتصعيد لا تستطيع بغداد أن تطالب القوات الأميركية والتحالف بالرحيل". ورأى الخبير الأمني العراقي مخلد حازم الدرب أن “الجميع اليوم يذهب باتجاه التهدئة التكتيكية المؤقتة في جميع الساحات، سواء الساحة الإيرانية أو العراقية واليمنية وحتى السورية وكذلك اللبنانية".
ووصف الوضع في المنطقة بأنّه "على صفيح ساخن"، معتبرا أن "فتح جبهة شاملة بين إيران وإسرائيل لا يخدم الجميع، وإيران لن تنجر إلى هكذا حرب، لأن لديها مصالح وهذه المصالح قد يتم الإضرار بها، وأهمها الملف النووي".
وتوقع تبعا لذلك أن تكون إيران قد "ضغطت باتجاه التهدئة على محورها ولذلك صدر هذا القرار من الخارجية العراقية بتأجيل التفاوض، وهذا التأجيل غير محدد ولا نعرف الفترة الزمنية له، ولا أحد يعلم هل سيكون التأجيل لفترة زمنية طويلة، أم أنه مرهون بما سوف تؤول إليه الأوضاع في المنطقة"، لافتا إلى أنّه "لم يصدر عن فصائل المقاومة أي رد على بيان الخارجية العراقية".
وخلص الخبير العراقي إلى أنّه "بناء على المعطيات المتوفرة سابقا والأحداث الجارية حاليا يمكن الجزم بوجود اتفاق ما بين الفصائل والحكومة العراقية والجانب الأميركي على إصدار بيان الخارجية العراقية".