تداعيات وتوقعات الجولة الثالثة..

تنامي الدور التركي في القرن الأفريقي: استراتيجية أنقرة وسط التنافس الإقليمي والدولي

تسعى تركيا جاهدة إلى إعادة تموضعها كقوة متوسطة الحجم ذات تأثير متزايد في النظام العالمي المتعدد الأقطاب، مستفيدة من موقعها الجغرافي المتميز وتطور صناعاتها الدفاعية. من خلال توسيع علاقاتها الاقتصادية والعسكرية مع عدد من الدول، خاصة في أفريقيا والشرق الأوسط، تعمل أنقرة على تعزيز نفوذها الإقليمي والدولي، في ظل تنافس القوى الكبرى على موارد وأسواق جديدة. هذه الجهود تأتي في وقت يشهد فيه النظام العالمي تحولات جيوسياسية مهمة، ما يضع تركيا أمام فرصة استراتيجية للعب دور أكبر في تشكيل المستقبل العالمي.

تركيا تسعى إلى إعادة تموضعها كقوة متوسطة الحجم مؤثرة في عالم متعدد الأقطاب.

أنقرة

مع اقتراب موعد الجولة الثالثة من محادثات الوساطة التركية بين الصومال وإثيوبيا المقررة في 17 سبتمبر 2024 بالعاصمة أنقرة، وتزامناً مع تصاعد نشاط القوى الإقليمية والدولية المتنافسة في منطقة القرن الأفريقي، تُطرح تساؤلات حول التحديات التي يواجهها النفوذ التركي في هذه المنطقة الإستراتيجية، لا سيما في ظل مؤشرات على تصاعد هذا النفوذ خلال الأشهر الأخيرة.

السياسة الخارجية التركية تجاه منطقة القرن الأفريقي، التي تشمل الصومال وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا، لم تكن بمنأى عن التوترات الجيوسياسية والانقسامات التي تشهدها دول المنطقة. هذا في ظل التنافس الدولي والإقليمي المتزايد لتعزيز الحضور على البحر الأحمر، الذي يواجه تغيرات متسارعة. تركيا تسعى من خلال توقيع اتفاقيات التعاون الدفاعي، والوساطة، والاستثمارات في مجالات الطاقة والنفط، إلى ترسيخ نفوذها كقوة فاعلة في القرن الأفريقي.

وتشير الباحثة في الشؤون الأفريقية إيمان الشعراوي، في تقرير نشره مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أن المساعي التركية تثير تساؤلات حول حدود هذا الدور وقدرة أنقرة على الوفاء بالتزاماتها في ظل التحديات الإقليمية والدولية المتزايدة.

تصاعد النفوذ التركي

هناك عدة مؤشرات على تصاعد النفوذ التركي في منطقة القرن الأفريقي مؤخراً. ففي فبراير 2024، وقعت تركيا والصومال اتفاقية إطارية للتعاون الدفاعي والاقتصادي تهدف إلى بناء قدرات البحرية الصومالية وحماية الموارد الطبيعية في المياه الصومالية من الأنشطة غير القانونية، كتهريب المخدرات والأسلحة والإرهاب. هذه الاتفاقية تمتد لعشر سنوات، وبعدها يُفترض أن تتولى البحرية الصومالية حماية مياهها.

كما وقعت تركيا في فبراير الماضي ثلاث اتفاقيات تعاون مع جيبوتي، تشمل التعاون في التدريب العسكري والتعاون المالي العسكري وتقديم مساعدات نقدية. تركيا سعت أيضاً لتصدير أسلحتها إلى دول القرن الأفريقي، مثل الطائرات بدون طيار التي استخدمتها القوات الصومالية ضد حركة الشباب الإرهابية، وأفيد بأن القوات الإثيوبية استخدمتها في حربها مع التيغراي.

وفي مارس 2024، تم توقيع اتفاقية تعاون بين تركيا والصومال لاستكشاف وتطوير وإنتاج النفط في المناطق البرية والبحرية الصومالية. كما أعلنت تركيا عن إرسال سفينة التنقيب "عروج ريس" لاستكشاف النفط في سبتمبر الجاري.

دوافع أنقرة

تحظى منطقة القرن الأفريقي بأهمية إستراتيجية كبرى؛ إذ تربط بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، وتُطل على البحر الأحمر، الذي تمر عبره نسبة كبيرة من التجارة العالمية. هذه المنطقة أصبحت ساحة للتنافس الإقليمي والدولي، لا سيما مع ازدياد أهمية البحر الأحمر بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة والهجمات الحوثية التي تهدد الملاحة الدولية.

تركيا ترى في القرن الأفريقي منطقة ذات أهمية لتعزيز وجودها الإقليمي، خصوصاً بعد افتتاح قاعدة عسكرية كبيرة في الصومال عام 2017، وتوقيع اتفاقية لبناء منطقة اقتصادية حرة على البحر الأحمر في جيبوتي. ورغم أن الشركات الدفاعية التركية صغيرة مقارنة بنظيراتها الغربية، إلا أن تركيا تسعى للتموضع كمورد رئيسي للأسلحة في أفريقيا، خاصة مع تصاعد الطلب على الطائرات التركية بدون طيار.

التحديات والمنافسة

رغم الطموحات التركية، تواجه أنقرة تحديات عدة. إذ تشهد المنطقة تنافساً شديداً بين القوى الكبرى مثل روسيا والصين، بالإضافة إلى أن الصراعات الداخلية في دول القرن الأفريقي تؤثر على استقرار المنطقة، مما قد يعوق تنفيذ اتفاقيات التعاون الدفاعي التي تسعى تركيا إلى إبرامها.

أيضاً، التحركات المصرية الأخيرة في الصومال قد تفرض على تركيا تنسيقاً أكبر مع القاهرة، خاصة في ظل التحسن الملحوظ في العلاقات بين البلدين، والذي تُوّج بالزيارة التاريخية للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي إلى أنقرة في سبتمبر الجاري.

على الرغم من هذه التحديات، يبدو أن القرن الأفريقي سيظل محوراً مهماً في السياسة الخارجية التركية، خاصة مع تزايد التعاون في المجالات الأمنية والعسكرية مع دول المنطقة.