من مواجهة النزاعات إلى تعزيز التعاون..

الاستقرار الإقليمي في رؤية 2030: أزمة قطر والحرب في اليمن.. تحديات سياسة "صفر مشاكل"

في تحول جذري لسياساتها الخارجية، تسعى المملكة العربية السعودية إلى تحقيق الاستقرار الإقليمي كعنصر أساسي في تنفيذ رؤية 2030 الإصلاحية الطموحة. إذ اعتمدت المملكة نهج "صفر مشاكل مع الجيران" تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، مستهدفةً تخفيف التوترات مع الدول المجاورة وتعزيز التعاون الاقتصادي والدبلوماسي.

الرياض تسعى لخلق بيئة أكثر استقرارا لإصلاحاتها الداخلية الطموحة.

الرياض

تدرك المملكة العربية السعودية أن الاستقرار الإقليمي يعد عنصراً حيوياً لتحقيق رؤية 2030 الطموحة، لذا شهدت سياستها الخارجية تحولاً ملحوظاً نحو تصفير المشكلات مع جيرانها. يعكس غصن الزيتون الذي رفعته المملكة هذا التحول الدراماتيكي في نهجها الدبلوماسي، الذي يجمع بين الحزم والبراغماتية، رغم أن سعيها لتحقيق الانسجام الإقليمي يواجه تحديات وفرصاً جديدة.

على مدى السنوات الأخيرة، خضعت السعودية، التي اعتُبرت لاعباً مهيمناً في الشرق الأوسط، لتحول كبير في سياستها الخارجية. ووفقاً للباحث والأكاديمي الباكستاني نوشروان عادل، فإن النهج التقليدي للمملكة كان يتسم بموقف حازم يركز على تأمين مصالحها في منطقة مضطربة، لكن تحت قيادة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، تم الانتقال نحو سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” التي تهدف إلى تقليل التوترات وتعزيز الاستقرار الإقليمي.

السياق التاريخي

على مدار عقود، كانت السياسة الخارجية للسعودية تتشكل من خلال عوامل رئيسية، منها كونها منتجاً رئيسياً للنفط ودورها كمهد للإسلام، ومنافستها مع قوى إقليمية مثل إيران. تاريخياً، اتسمت المملكة بملكية محافظة ذات سياسة خارجية حذرة، لكنها اتخذت إجراءات حازمة في مواجهة التهديدات لأمنها.

على الرغم من تحالفها التقليدي مع القوى الغربية، وخاصة الولايات المتحدة، إلا أن الاضطرابات التي شهدتها المنطقة، مثل الربيع العربي وصعود إيران، ضغوطاً هائلة على نهج المملكة. ونتيجة لذلك، يمثل التحول إلى سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” إعادة معايرة مهمة لاستراتيجيتها الخارجية.

التقارب السعودي - الإيراني

إن مبدأ “صفر مشاكل” ليس جديداً على الشرق الأوسط، فقد تم استخدامه في تركيا في بداية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. تسعى المملكة العربية السعودية إلى التحول من المواجهة إلى الحوار والدبلوماسية، حيث تلعب أجندة الإصلاح في رؤية 2030 دوراً حاسماً في هذا التوجه الجديد.

تسعى رؤية 2030 إلى تنويع الاقتصاد السعودي بعيداً عن النفط وتعزيز مكانتها كمركز للتجارة والسياحة. ولتحقيق هذه الأهداف، تدرك المملكة أهمية الاستقرار الإقليمي، وبالتالي تسعى سياسة “صفر مشاكل” إلى إصلاح العلاقات المتصدعة وبناء تحالفات جديدة.

تقوم السعودية بزيادة جهودها الدبلوماسية لحل النزاعات، بما في ذلك تعزيز العلاقات مع دول كانت متوترة معها، مثل إيران وقطر. ومن خلال تعزيز التعاون الاقتصادي، تأمل المملكة في تقليل احتمالية الصراع وتعزيز الفوائد لجميع الأطراف.

الصراع في اليمن

تُعد الحرب في اليمن من أبرز القضايا التي تهم السياسة الخارجية السعودية. فمنذ عام 2015، شاركت المملكة في صراع دعم الحكومة اليمنية ضد الحوثيين. لكن ضمن سياسة “صفر مشاكل”، تسعى السعودية إلى إيجاد حل سلمي، حيث انخرطت في مفاوضات مع الحوثيين، مما أدى إلى وقف إطلاق النار ومحادثات سلام.

التحديات والفرص

رغم التحولات الإيجابية، يواجه نهج “صفر مشاكل” تحديات كبيرة. التوترات الطائفية والمنافسات الإقليمية قد تعرقل جهود المصالحة. ومع ذلك، توفر السياسة القائمة على عدم وجود مشاكل فرصاً كبيرة للسعودية، حيث يمكنها التركيز على إصلاحاتها المحلية وتعزيز النمو الاقتصادي.

باختصار، يمثل تحول المملكة إلى سياسة “صفر مشاكل مع الجيران” انحرافاً عن نهجها السابق، مع التركيز على الحوار والتعاون بدلاً من الصراع. بينما تبقى التحديات قائمة، فإن النجاحات المبكرة في تحسين العلاقات مع إيران وقطر واليمن تقدم الأمل في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة.