" تحليل في ضوء تصريحات حكومة عدن"..

"تحولات إقليمية".. تأثير اغتيال "حسن نصر الله" على تهريب الأسلحة والخبراء إلى الحوثيين في اليمن

"في خضم التحديات التي تواجهها المنطقة، يبرز مشروع استقلال الجنوب كضرورة استراتيجية لحماية الأراضي الجنوبية من تهديدات الحوثيين المتزايدة. إن تحقيق الاستقلال يمكن أن يضمن استقرار المنطقة ويعزز من قدرة الجنوبيين على الدفاع عن أنفسهم، حيث أثبتت السنوات الماضية أن تجاهل المطالب الجنوبية يمكن أن يؤدي إلى تفاقم الأوضاع وانفجار النزاعات"

صورة وزعتها القيادة المركزية الأمريكية بتاريخ 15 فبراير 2024، تُظهر شحنة من الأسلحة قالت القوات الأمريكية إنها إيرانية الوجهة وكانت متجهة إلى المتمردين الحوثيين في اليمن — القيادة المركزية ال

عدن

تمهيد: جددت حكومة عدن المعترف بها دولياً مطالبها بضرورة وقف تهريب الأسلحة والصواريخ والطائرات المسيرة إلى الحوثيين في اليمن، والقادمة من إيران. يأتي ذلك في محاولة للاستفادة من التطورات الإقليمية والحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني، فضلاً عن اغتيال زعيم الذراع الإيرانية الأبرز، حسن نصر الله، الذي يُتوقع أن تؤدي عملية اغتياله إلى تحولات استراتيجية كبيرة وانعكاسات على الصراع في المنطقة، وخاصةً في اليمن الذي يعاني من الاضطرابات منذ عقود.

وأعلنت تل أبيب عن نجاحها في اغتيال حسن نصر الله، زعيم حزب الله الموالي لإيران، إثر عملية نوعية نفذت يوم الجمعة، 27 سبتمبر 2024، في مقر القيادة المركزية للحزب، وذلك بعد سلسلة من الغارات الجوية الإسرائيلية. جاءت هذه العملية كجزء من تصعيد التوترات بين إسرائيل وحزب الله، عقب تصاعد الاشتباكات على الحدود اللبنانية الإسرائيلية بعد الهجمات التي نفذتها حماس ضد إسرائيل في 7 أكتوبر 2023.

استهدفت الغارات الإسرائيلية مراكز القيادة والسيطرة الخاصة بحزب الله، مع تأكيد مصادر إخبارية على أن العملية كانت مدعومة بمعلومات استخباراتية دقيقة من الموساد الإسرائيلي. وفي هذا السياق، أكد وزير الداخلية في حكومة عدن، اللواء إبراهيم حيدان، أن الحوثيين يسعون إلى إعادة نشر الفوضى والدمار في اليمن، مستفيدين من الدعم الإيراني لتهريب الأسلحة والصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة.

وأوضح اللواء حيدان في تصريحات لموقع وزارة الداخلية أن تهريب الأسلحة يشكل تهديدًا مباشرًا لأمن واستقرار اليمن، مما يؤكد على ضرورة التخلص من القدرات العسكرية للحوثيين لتحقيق السلام والاستقرار. ووفقًا لحيدان، فإن هذا التحدي العسكري يتطلب تكاتف الجهود المحلية والدولية لتحديد مسارات الدعم العسكري الموجه للحوثيين والتصدي له، في إطار استجابة وطنية من قبل الحكومة اليمنية لمواجهة المخاطر الناتجة عن هذه الأنشطة.

يشن الحوثيون ما يدّعون أنها عمليات عسكرية ضد إسرائيل، مستهدفين خطوط الشحن في البحر الأحمر وخليج عدن، بدعوى وقف التصعيد الإسرائيلي ضد الأذرع الإيرانية في جنوب لبنان. 

تحاول حكومة عدن المعترف بها دولياً اتخاذ خطوات جادة نحو بناء تحالفات قوية مع الشركاء الدوليين، وتعزيز القدرات العسكرية المحلية لضمان سلامة وأمن المدن الجنوبية المحررة من الحوثيين. 

تستمر قضية التهريب الإيراني للأسلحة إلى اليمن منذ نحو ثلاثة عقود، لكنها ازدادت بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة، وذلك بسبب تراجع القبضة الأمنية والعسكرية للقوات المدعومة من السعودية، التي تشرف على موانئ محافظة المهرة، في ظل الصراع المستمر الذي يؤثر على الأمن والاستقرار في المنطقة. 

وفي تصريحاته الأخيرة، أشار وزير الداخلية اليمني، إبراهيم حيدان، إلى أن الانقلاب الحوثي أدى إلى تعطيل الحياة العامة وحرمان المواطنين من حقوقهم الأساسية، بالإضافة إلى نهب الثروات الوطنية وتفجير الحروب الأهلية. 

وأكد حيدان أن الحوثيين شكلوا تحالفات مع جماعات متطرفة وعصابات تهريب إيرانية، مما غمر اليمن بالأسلحة والمخدرات. هذه الأنشطة لا تهدد فقط الأمن الوطني لليمن، بل تمتد آثارها إلى الاستقرار الإقليمي، حيث تزايدت عمليات تهريب الطائرات المسيرة والصواريخ البالستية، مما يزيد من مستوى الخطر على جيران اليمن.

تشير هذه التصريحات إلى ضرورة التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة خطر التهريب وتأمين الحدود. ومع تزايد التهديدات الحوثية، يصبح من الضروري تبني استراتيجيات شاملة تتضمن تبادل المعلومات، وتعزيز القدرات اللوجستية، وتوفير التدريب المتخصص للقوات الأمنية. إن التصدي للتهريب الإيراني يمثل تحديًا رئيسيًا، يتطلب تنسيقًا فعالًا بين جميع الأطراف المعنية لتحقيق الاستقرار في المنطقة.

المقدمة 

تتزايد قضية تهريب الأسلحة إلى اليمن بشكل ملحوظ، مما يعزز من القدرات العسكرية لجماعة الحوثيين الموالية لإيران. يقع اليمن تحت طائلة البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يمنح المجتمع الدولي صلاحيات واسعة للتدخل في شؤونه. ورغم هذه الظروف، لم تنجح القوات المحلية المدعومة من السعودية بعد في وقف عمليات تهريب الأسلحة، التي تشمل الصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة القادمة عبر شبكات معقدة تمتد إلى عدة دول.

يعد تقاطع المصالح بين جماعة الإخوان المسلمين المتحالفة مع الرياض والحوثيين المتحالفين مع طهران أحد أبرز العوامل التي أسهمت في زيادة تدفق الأسلحة إلى الحوثيين في صنعاء. يضاف إلى ذلك وجود شبكات كبيرة من تجار الأسلحة الذين يملكون نفوذًا واسعًا في الجيش اليمني، مما يسهل لهم نقل الأسلحة من موانئ المهرة[1] إلى صنعاء عبر مناطق في محافظة مأرب، المعقل الرئيس لجماعة الإخوان.

لا يقتصر التهريب على الأسلحة فقط، بل يمتد أيضًا إلى المخدرات والشبو وغيرها من الممنوعات التي تهرب بشكل مستمر. هذا الوضع يضع المزيد من الضغط على المدنيين في اليمن، ويعقد جهود السلام، مما يستدعي استجابة دولية أكثر فاعلية. ينبغي تعزيز القدرات المحلية للقوات الجنوبية، وتكليفها بمهمة تأمين الحدود والموانئ البرية والبحرية، بهدف منع تهريب الأسلحة بشكل كامل.

إن التهريب ليس مجرد مسألة عسكرية؛ بل يتداخل مع الجوانب الاقتصادية والاجتماعية، مما يزيد من معاناة الشعب اليمني. لذلك، فإن هناك حاجة ملحة لوضع استراتيجيات شاملة تتجاوز الحلول العسكرية للحد من تداعيات التهريب على المنطقة بشكل عام.

المحور الأول: السياق السياسي والاستراتيجي للدعم الإيراني للحوثيين

 

الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن يأتي ضمن سياق سياسي واستراتيجي معقد، يهدف إلى تحقيق مصالح إيران الإقليمية والدولية، وتقويض النفوذ السعودي في المنطقة، حيث تسعى إيران لتعزيز نفوذها في الدول العربية، خاصة في ظل تنافسها مع المملكة العربية السعودية على زعامة المنطقة، من خلال دعم الحوثيين يسمح لطهران بامتلاك موطئ قدم في شبه الجزيرة العربية، بجوار الحدود السعودية الجنوبية.

كما أن جزء من سياسة إيران لخلق موازين قوى جديدة في المنطقة تضعف النفوذ السعودي، فاليمن يشكل أهمية استراتيجية للسعودية، وبالتالي فإن زعزعة استقرار اليمن وتهديد الحدود السعودية من قبل جماعة مسلحة مدعومة من إيران، يشكل ضغطاً كبيراً على الرياض.

ويشكل الدعم الإيراني للحوثيين يشكل جزءاً من استراتيجيتها المعروفة بـ "الحروب بالوكالة"، حيث تدعم طهران جماعات مسلحة شيعية في مختلف أنحاء المنطقة (مثل حزب الله في لبنان، والحشد الشعبي في العراق)، لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية دون تدخل مباشر.

 سعت إيران منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي إلى تزود الحوثيين بالسلاح، وخلال السنوات القليلة الماضية أرسلت طهران إلى صنعاء، صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، مزودة بتقنيات حديثة تمكن أذرعها المصنفة على قوائم الإرهاب الأمريكية، من شن هجمات على أهداف سعودية، مثل الهجمات على المنشآت النفطية. كما توفر إيران التدريب العسكري والتقني لعناصر الحوثيين، مما يساعدهم على تحسين قدراتهم القتالية.

 إن دعم إيران للحوثيين يوفر لها ورقة ضغط في المحافل الدولية، حيث تستخدم الأزمة اليمنية كجزء من استراتيجيتها الدبلوماسية لمواجهة الضغوط الغربية والعربية بشأن ملفها النووي ودورها الإقليمي، حيث تسعى لربط دعمها للحوثيين بملفات أخرى، مما يعزز من قدرتها التفاوضية.

ومؤخرا، استثمرت إيران الصراع الإسرائيلي مع حركة حماس الفلسطينية إلى تهديد أمن الملاحة في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، الذي يعد من أهم الممرات المائية في العالم، وهو ما كانت تعتقد أنه قد يعزز موقعها الاستراتيجي، ويمكنها من التأثير على الاقتصاد العالمي، خاصة فيما يتعلق بنقل النفط.

 الحوثيون ينتمون للطائفة الزيدية، وهي طائفة شيعية، رغم اختلافها عن الاثني عشرية التي تتبعها إيران. ومع ذلك، تعمل إيران على توظيف الأبعاد الطائفية لتعزيز نفوذها. تقديم إيران نفسها كمدافع عن الشيعة في المنطقة يساعدها في بناء تحالفات طائفية تخدم مصالحها الاستراتيجية، كما ان طهران تسوق مبررات أن دعمها للحوثيين يأتي ضمن سياق دعم "المقاومة" ضد النفوذ الغربي والعربي في المنطقة، مما يساهم في تعزيز صورتها كداعم للمقاومة ضد ما تصفه بـ "الهيمنة الأجنبية".

إن الدعم الإيراني للحوثيين أدى إلى تصاعد التوتر بين الرياض وطهران، مما زاد من تعقيد الأوضاع الإقليمية وخلق بيئة خصبة لمزيد من النزاعات العسكرية والسياسية، فعلى الرغم من ان الدولتين وقعتا اتفاقا برعاية صينية في مارس/ اذار من العام الماضي، ان الصراع بينهما لم يتوقف بما في ذلك صراع الحرب بالوكالة في اليمن او في المنطقة بشكل عام، لكن باتت مشكلة الحوثيين تهدد العالم أجمع، والرياض رغم مساعيها نحو التهدئة الا انها لا تعارض أي عمل عسكري يقضي على الحوثيين كجماعة وكيلة لإيران في المنطقة.

ويظل الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن جزءا من استراتيجية إيرانية أوسع لتعزيز نفوذها في المنطقة وتقويض نفوذ خصومها، وعلى رأسهم السعودية. رغم أنه يمنح إيران نفوذاً في اليمن والبحر الأحمر، إلا أنه يزيد من تعقيد الصراع الإقليمي ويعزز من احتمالات التصعيد بين القوى الإقليمية والدولية.

تمتلك إيران أهدافا جيوسياسية في اليمن تكشف عن استراتيجية واسعة لتعزيز نفوذها في المنطقة، وهي جزء من طموحات طهران للهيمنة الإقليمية ومنافسة خصومها، وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية، ودعم الحوثيين وتزويدهم بالأسلحة الخطيرة يأتي في إطار هذه الأهداف المتعددة,

 دور الحوثيين كحليف إقليمي لإيران يتمثل في كونهم أداة فعالة لاستراتيجية طهران الإقليمية، حيث تستغلهم لنشر نفوذها في المنطقة، وخصوصًا ضد السعودية ودول الخليج. هذه العلاقة تتيح لإيران توسيع نفوذها من خلال الحوثيين على عدة مستويات، بما في ذلك العسكرية، السياسية، والاقتصادية. إليك كيف يتم استغلال الحوثيين لتحقيق هذه الأهداف:

فالحوثيون الذين يسيطرون على مناطق واسعة في شمال اليمن، على الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، منحوا طهران منصة قريبة جدًا من السعودية لتنفيذ هجمات وتهديد أمنها القومي، من خلال شن هجمات صاروخية وبالطائرات المسيرة على الأراضي السعودية، بما في ذلك المنشآت النفطية والمطارات، وهو ما خلق حالة من الضغط المستمر على الرياض ومثل تهديدًا مباشرًا لاستقرارها.

الحوثيون يمثلون تهديدًا مباشرًا ليس فقط للسعودية، بل لدول الخليج كافة. استمرار الصراع في اليمن يعني توجيه موارد دول الخليج إلى الدفاع عن مصالحها على حساب قضايا أخرى. إيران تستفيد من دعمها للحوثيين لإضعاف التحالفات الخليجية وإرهاق اقتصاداتها، مما يزيد من تراجع نفوذ هذه الدول في الملفات الإقليمية الأخرى.

ومن خلال دعم الحوثيين، تسعى إيران لخلق تأثير كبير على مضيق باب المندب، أحد أهم الممرات البحرية لنقل النفط والسلع في العالم، هذا التهديد يمثل ورقة ضغط استراتيجية لإيران في مواجهة القوى العالمية والإقليمية.

إن دعم إيران المستمر للحوثيين بالأسلحة والعتاد والتكنولوجيا العسكرية يسهم في إطالة أمد النزاع في اليمن.

 هذا النزاع يرهق التحالف العربي، بقيادة السعودية والإمارات، ويقلل من قدرتهما على تحقيق نصر حاسم أو استقرار طويل الأمد، بتلقيهم هذا الدعم، يواصل الحوثيون تنفيذ هجمات وإثارة التوترات، مما يُعقّد أي حلول سياسية للأزمة.

وتسعى إيران إلى نشر نموذج "الثورة الإسلامية" في العالم العربي. رغم أن الحوثيين يتبعون الطائفة الزيدية، إلا أن إيران تستغل هذا التحالف لتعزيز الفكرة القائلة بأنها المدافع عن الشيعة والمستضعفين في المنطقة. هذا الاستغلال الطائفي يساعد طهران في بناء تحالفات مع جماعات أخرى في دول مثل العراق ولبنان وسوريا، مما يعزز من وجودها الإقليمي، ومن خلال استغلال الحوثيين كحليف، تستطيع إيران مواجهة نفوذ القوى الغربية، خصوصًا الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، اللتين تدعمان السعودية والإمارات. الحوثيون يوفرون لطهران وسيلة للتأثير على الأوضاع في المنطقة دون الدخول في مواجهات مباشرة مع القوى الكبرى، مما يجعل من الصعب على الغرب تحجيم النفوذ الإيراني.

يمكّن لإيران من تشتيت جهود خصومها في المنطقة. السعودية والإمارات، اللتان تقودان التحالف العربي، تجدانه من الصعب التركيز على صراعات إقليمية أخرى أو تهديدات داخلية بينما تستمر الحرب في اليمن، مما يعطي إيران وقتًا ومساحة لتعزيز نفوذها في مناطق أخرى مثل العراق وسوريا ولبنان.

وتستغل إيران وجود الحوثيين كورقة ضغط في المحافل الدولية، خصوصًا في مفاوضاتها حول ملفاتها الحساسة مثل البرنامج النووي. الأزمة اليمنية توفر لإيران فرصة للتفاوض على حلول وسط أو تنازلات في ملفات إقليمية ودولية أخرى، مقابل تقليص الدعم للحوثيين أو الدفع نحو تهدئة الصراع في اليمن، والحوثيون يمثلون بالنسبة لإيران أداة متعددة الأغراض لتعزيز نفوذها الإقليمي في المنطقة، خاصة ضد السعودية ودول الخليج. من خلالهم، تحقق إيران أهدافًا سياسية وعسكرية واقتصادية، مما يعزز من قدرتها على الضغط على خصومها وإطالة أمد الصراع في اليمن والمنطقة، ويجعلها لاعبًا إقليميًا يصعب تجاهله.

 المحور الثاني: الأسلحة المهربة ونوعيتها المهربة إلى اليمن

إن عملية تهريب الأسلحة إلى اليمن يمثل أحد العناصر الرئيسية التي تغذي الصراع المستمر منذ العام 2004م، حين بدأت الأذرع الإيرانية قتالها ضد الحكومة اليمنية، وقد خلقت ست جولات من الصراع في جبال صعدة، الى مقتل أكثر من مائة ألف ضابط وجندي، بينهم قيادات عسكرية رفيعة، وقد تمدد الحوثيون نحو صنعاء في العام 2011م، حيث استغلوا الانتفاضة ضد الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، في الوصول الى العاصمة اليمينة دون أي قتال، قبل ان يستعدوا في صنعاء لمعركة الـ21 من سبتمبر/ أيلول 2014م.

وتفيد معلومات - حصلت عليها صحيفة اليوم الثامن - بتقديم إيران مجموعة واسعة من الأسلحة التي تختلف من حيث الحجم والنوع والتعقيد، عبر طرق عديدة، ومن تلك الأسلحة "الصواريخ الباليستية" التي تمثل واحدة من أخطر الأسلحة التي تصل إلى أيدي الحوثيين، وتنوعت عملية التهريب بين "تهريب قطع وتقنيات تمكن الجماعة اليمنية المسلحة من تصنيعها محليًا.

وقد أظهرت صورا بثت على الانترنت استخدام الحوثيين لصواريخ إيرانية، في هجمات ضد السعودية، ومنها "صواريخ قيام"، وهي أحدى الصواريخ الباليستية الإيرانية التي يُعتقد أنها نُقلت للحوثيين عبر طرق التهريب وأبرزها من موانئ المهرة.

كما زودت إيران أذرعها اليمنية بقطع وتقنيات جديدة للتعديل على صواريخ  "سكود" السوفييتية"، القادرة على الوصول إلى أهداف بعيدة داخل الأراضي السعودية.

ومن الأسلحة المهربة إلى صنعاء "الطائرات بدون طيار"، والتي تمثل أداة فعالة استخدمها الحوثيون لتنفيذ هجمات دقيقة على المنشآت النفطية والمطارات السعودية، هذه الطائرات تأتي من إيران بشكل مباشر، والتي استخدمها الحوثيون في هجمات تجاه الجنوب او تجاه السعودية والإمارات.

ومن هذه الطائرات، ما يمكنها التحليق لمسافات طويلة ومهاجمة الأهداف بدقة، وقد استُخدمت في الهجمات على منشآت شركة أرامكو السعودية.

اما على صعيد تسليح الافراد، فقد شكلت الأسلحة الخفيفة والمتوسطة جزءًا كبيرًا من الشحنات المهربة إلى اليمن، ومنها بنادق هجومية، مدافع رشاشة، قذائف آر بي جي، ومدافع هاون، وهي أسلحة تُستخدم في المعارك اليومية بين الحوثيين والقوات اليمنية المدعومة من التحالف العربي.

وتشير التقارير إلى أن إيران زودت الحوثيين بأنظمة صواريخ أرض-جو متقدمة وأنظمة صواريخ محمولة (MANPADS)، بما في ذلك نسخ مهربة من صواريخ "سام" الإيرانية المعروفة باسم "صياد 2 سي" (Sayyad-2C)، إضافةً إلى معدات تعقب الطيران السلبي.

ولم يكن التسليح الإيراني الوحيد الذي عزز من قدرة الحوثيين، فبعد سيطرتهم على صنعاء في سبتمبر/ أيول 2014، استولى الحوثيون على معظم مخزون صواريخ "سام" السوفيتية القديمة والرادارات المرتبطة بها، بما في ذلك طرازات SA-2 وSA-3 وSA-6 وSA-9. ومع ذلك، هذه الأسلحة لم تشكل تهديداً كبيراً لطائرات التحالف بسبب قدمها، وتعرض العديد من مواقعها للتدمير من قبل التحالف بحلول منتصف أبريل/نيسان 2015.

وطور الحوثيون -بتقنيات إيرانية - بعض الصواريخ المتبقية مثل SA-2 إلى صواريخ باليستية قصيرة المدى تحت اسم "قاهر 1" و"قاهر 2". 

وقام خبراء من حزب الله اللبناني ارسلتهم إيران الى صنعاء، بتطوير حلول مبتكرة مثل تعديل صواريخ جو-جو روسية الصنع (R-27 وR-73) لتحويلها إلى صواريخ أرض-جو. 

 وي أغسطس /آب 2019، كشف الحوثيون عن نظامي دفاع جوي جديدين: "فاطر 1" الذي يعتقد أنه نسخة معدلة من SA-6 السوفيتي، و"ثاقب 1" الذي قد يكون نسخة معدلة من صواريخ جو-جو روسية، مثل R-27T. وقد استُخدما في إسقاط طائرات بدون طيار أميركية ومقاتلات تابعة للتحالف.

وتشير العديد من التقارير إلى دعم إيراني مباشر لتطوير هذه الأنظمة، بما في ذلك تهريب صواريخ متقدمة مثل "صياد 2 سي" إلى اليمن، ويظل مشروع تطور الدفاعات الجوية للحوثيين نتيجة مباشرة للتعاون والدعم الإيراني، وهو ما يشكل تهديداً متزايداً على عمليات التحالف في اليمن والمنطقة.

ويعتقد أن الحوثيين تمكنوا من الحصول على أنظمة دفاع جوي محمولة على الكتف (MANPADS) من طراز "إيغلا" الروسية الصنع أو نسخ إيرانية مشابهة.

وشكلت عملية تهريب الألغام البحرية جزءا آخر من المجهود العسكري الحوثي، وتهدف هذه الألغام إلى تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر، تُزرع هذه الألغام في المياه القريبة من مضيق باب المندب، وهو أحد أهم الممرات المائية في العالم.

المحور الثالث: التكنولوجيا الإيرانية تعزز القدرات العسكرية للحوثيين في اليمن

تلعب التكنولوجيا الإيرانية دورًا حاسمًا في تطوير وتعزيز القدرات العسكرية للحوثيين، خاصة في مجال الصواريخ الباليستية والطائرات المسيّرة، حيث تعتمد طهران على تقنيات متقدمة لنقل وتعديل الأسلحة المهرّبة إلى اليمن، مما يمكّن الحوثيين من تنفيذ هجمات دقيقة على أهداف حيوية، فالصواريخ الباليستية التي يستخدمها الحوثيون في هجماتهم على المملكة العربية السعودية أو البحر الأحمر، تعتمد إلى حد كبير على التقنيات الإيرانية، حيث تمتلك خبرة واسعة في تطوير الصواريخ الباليستية، وهي تقوم بتزويد الحوثيين بهذه الأسلحة أو بنقل التكنولوجيا التي تتيح لهم تصنيع نماذج محلية منها، بواسطة خبراء من حزب الله.

وتُستخدم تقنيات تطوير هذه الصواريخ الباليستية الإيرانية في تعديل الصواريخ التي تُطلق من اليمن. تتضمن هذه التقنيات أنظمة دفع متقدمة تتيح للصواريخ التحليق لمسافات أطول والوصول إلى أهداف دقيقة، من توجيه دقيقة تعتمد على أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الصناعية، مما يعزز من دقة الهجمات الصاروخية.

وتقول معلومات حل عليها معد التقرير إن إيران لا ترسل دائمًا الصواريخ كاملة، بل تزود الحوثيين بقطع غيار وتقنيات تمكّنهم من تجميع وتطوير الصواريخ محليًا. يُعتقد أنهم يستفيدون من ورش عمل سرية لصناعة هذه الأسلحة، مستعينين بخبرات إيرانية ومن حزب الله في تقنيات الإنتاج والصيانة.

وقال إعلام حوثي إن الطائرات بدون طيار (المسيّرة) أصبحت سلاحًا أساسيًا في ترسانة الجماعة، وتعتبر إيران أحد المزودين الرئيسيين لهذه التكنولوجيا. تتميز الطائرات المسيّرة التي تستخدمها الجماعة بالقدرة على تنفيذ هجمات دقيقة بعيدة المدى، ويعود هذا إلى اعتماد الحوثيين على التكنولوجيا الإيرانية المتقدمة.

وتعتمد الطائرات المسيّرة على تقنيات متقدمة في التحكم عن بُعد والتوجيه الذاتي، وهي تتيح للحوثيين تنفيذ هجمات من مسافات بعيدة دون الحاجة إلى تدخل مباشر. تُستخدم أنظمة اتصالات مشفرة تمنع اعتراض أو تعطيل الطائرات أثناء الهجوم.

وهناك تقارير تشير إلى استخدام إيران تقنيات الذكاء الاصطناعي لتحسين استهداف الطائرات المسيّرة. هذه التكنولوجيا تمكن الطائرات من تفادي الدفاعات الجوية واختيار الأهداف بدقة أكبر.

إن إيران لا تدعم الحوثيين فقط بالأسلحة المادية، بل توفر لهم أيضًا تقنيات في مجال الحرب الإلكترونية لتعطيل أنظمة الاتصالات والرادارات السعودية.

وتقوم إيران بتزويد الحوثيين بأجهزة تشويش قادرة على تعطيل أنظمة تحديد المواقع التي تعتمد عليها القوات السعودية، ما يجعل الطائرات بدون طيار والصواريخ أكثر فعالية في الوصول إلى أهدافها، وسعى صحافيون إلى تشكيل لجنة أهمها "أدوات إلكترونية تمكنهم من التلاعب بأنظمة الدفاع الجوي واختراق الشبكات الإلكترونية المعادية".

وإلى جانب إرسال التكنولوجيا والعتاد، تُقدّم إيران للحوثيين برامج تدريبية متقدمة، سواء من خلال إرسال خبراء إيرانيين إلى اليمن، أو عن طريق استضافة مقاتلي الحوثي في إيران لتلقي التدريب في مواقع عسكرية، ويتضمن التدريب تعليم تقنيات تجميع الصواريخ وتصنيع الطائرات المسيّرة، حيث توفر إيران لخبراء الحوثيين تدريبات على كيفية إطلاق الصواريخ والطائرات بدقة، واستخدام تقنيات التوجيه الذاتي والاستفادة من الظروف الجوية لتحسين الفعالية الهجومية.

المحور الرابع: طرق تهريب الأسلحة وقطع الصواريخ والطائرات المسيرة 

تهريب الأسلحة إلى الحوثيين يتم عبر عدة طرق بحرية وبرية معقدة، وتلعب الشبكات المحلية والدولية دورًا مهمًا في هذه العمليات، فالتهريب البحري يعتبر من أهم وسائل نقل الأسلحة إلى الحوثيين، ويتم عبر استخدام قوارب صغيرة وسفن تجارية في البحر الأحمر وخليج عدن، السفن الصغيرة تُستخدم غالبًا للمرور دون لفت الأنظار، حيث تنقل الأسلحة من موانئ إيرانية مثل "بندر جاسك" و"بندر عباس" عبر بحر العرب وخليج عدن إلى السواحل اليمنية، وترسل طهران شحنات أسلحة تشمل صواريخ باليستية، طائرات بدون طيار، ومكونات أسلحة أخرى، تُنقل في بعض الأحيان عبر السواحل الإفريقية وخاصة من الصومال، وهي تتطلب اعتراضات بحرية دورية لمنع وصول هذه الأسلحة.

بعد وصول الأسلحة إلى السواحل اليمنية، تبدأ شبكات تهريب محلية بنقلها عبر المناطق الجبلية الوعرة من السواحل إلى مناطق سيطرة الحوثيين. تتمتع هذه الشبكات بقدرات عالية على التحرك في الطرق الصعبة وتفادي السلطات المحلية. الطرق البرية تستخدم لنقل الأسلحة عبر الحدود مع عمان أو من مناطق سيطرة الجماعات الأخرى التي تتعاون مع الحوثيين، مما يصعّب من مراقبتها واعتراضها.

القوات الأمريكية وحلفاؤها، بما في ذلك البحرية الأمريكية، يلعبون دورًا في محاولة اعتراض شحنات الأسلحة هذه، ولكن مع الموارد المحدودة والتحديات المتعلقة بالمراقبة الجوية والبحرية، يبقى من الصعب منع جميع عمليات التهريب، مما يعزز قدرة الحوثيين على الاستمرار في عملياتهم العسكرية.

واستطاع الحوثيون الحصول على أسلحة متطورة عبر تهريبها أو تعديلها محليًا، وقد شملت هذه الأسلحة صواريخ باليستية وطائرات مسيّرة يتم استخدامها في الهجمات ضد الشحن التجاري، لا سيما في البحر الأحمر وخليج عدن، وغالبًا ما تتضامن حركات المقاومة الإيرانية في عملياتها.

وسعت إدارة بايدن منذ وصول الرئيس الأمريكي إلى الحكم لتكثيف جهودها لرصد ومنع تهريب الأسلحة الإيرانية إلى اليمن، جراء تصاعد العنف الذي يشنه الحوثيون ضد السفن التجارية، وقد وجه التحالف الأمريكي البريطاني ضربات عسكرية ضد قواعد ومخازن أسلحة للحوثيين.

 وقد تمحورت الجهود الأمريكية في رسم خرائط للطرق البحرية التي تستخدمها طهران وإيقاف الشحنات أثناء عبورها، ضمن استراتيجية أوسع تتضمن عقوبات وضغوط دبلوماسية، لكنها تواجه تحديات في ظل محدودية الموارد العسكرية.

 وأشار مسؤول دفاعي أمريكي إلى أن هذه الجهود تتطلب تعاونًا مكثفًا مع مجتمع الاستخبارات الأمريكي لتحديد مسارات التهريب والوقوف على كيفية ظهور تلك الطرق المائية.

رغم نجاح الجهود الأمريكية في إحباط العديد من الهجمات، إلا أن الحوثيين لا يزالون يشكلون تهديدًا مستمرًا للسفن التجارية، مستفيدين من طرق التهريب التي تمر عبر إيران ومنطقة القرن الأفريقي، بحسب تقارير أممية.

 وتتضمن الأسلحة المهربة مكونات صواريخ باليستية وطائرات مسيرة، ما يضفي تعقيدًا على جهود الولايات المتحدة وحلفائها في احتواء هذا التهديد.

إن الحملة الأمريكية لمراقبة تهريب الأسلحة تواجه تحديات بسبب قلة الموارد والقدرة على تغطية المنطقة الجغرافية الواسعة التي تشمل البحر الأحمر وخليج عدن، مع تحذيرات من أن التهديد الحوثي قد يتصاعد في المستقبل المنظور ما لم يتم تعزيز التعاون الدولي لمكافحته.

المحور الخامس: التداعيات الإقليمية والدولية لتهريب الأسلحة

 إن عملية تهريب الأسلحة إلى اليمن له تداعيات إقليمية ودولية خطيرة تؤثر على الأمن والاستقرار في المنطقة، حيث يؤدي تهريب الأسلحة إلى تفاقم الأزمات، تشير تقارير إلى أن الأسلحة المهربة قد ساهمت في تصعيد الهجمات الحوثية في البحر الأحمر وهو مل يمثل تهديدًا للأمن البحري، حيث يستفيد المهربون من حركة الملاحة البحرية الكثيفة في المنطقة. 

إن هذا النشاط يضع ضغوطًا إضافية على الدول التي تحاول حماية سواحلها من الأنشطة غير القانونية، مما يؤدي إلى تفاقم المخاطر على الشحن الدولي

هذه الديناميكيات تشير إلى أن تدفقات الأسلحة من اليمن ليست مجرد قضية محلية، بل لها تأثيرات عميقة تتجاوز الحدود، مما يفرض على المجتمع الدولي اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة هذه التهديدات.

تعد تهديدات الملاحة البحرية في البحر الأحمر نتيجة لتهريب الأسلحة والصواريخ الباليستية من المسائل الحيوية التي تؤثر على الأمن الدولي والتجارة العالمية. هذه التهديدات، التي تتصدرها أنشطة الحوثيين، تمثل تحدياً خطيراً للنقل البحري في المنطقة.

فمنذ نهاية عام 2023، زادت هجمات الحوثيين على السفن التجارية في البحر الأحمر، مما ألقى الضوء على المخاطر التي تواجه الملاحة الدولية. الحوثيون، الذين يتلقون دعماً من إيران، يستخدمون الصواريخ الباليستية والطائرات بدون طيار ضد السفن التجارية، مما يتسبب في تعطيل حركة المرور البحرية التي تعتبر حيوية للتجارة العالمية. وقد قامت الولايات المتحدة بتنفيذ عملية "حماية الازدهار" لتعزيز الأمن في هذه المنطقة الاستراتيجية، لكن هذه الجهود لم تكن كافية حتى الآن لردع الهجمات الحوثية.

والبحر الأحمر هو نقطة عبور مهمة لنقل النفط والغاز، حيث يتم استخدام قناة السويس بشكل متزايد لتدفقات الطاقة بين الشرق الأوسط وأوروبا. أي اضطراب في حرية الملاحة هناك يمكن أن يكون له عواقب وخيمة على أسعار النفط والأمن الاقتصادي العالمي.

لذا، يُعتبر الوضع في البحر الأحمر مثالاً واضحاً على كيف أن الأنشطة غير المشروعة مثل تهريب الأسلحة يمكن أن تؤثر على استقرار الملاحة البحرية وتؤدي إلى أزمات دولية أوسع. 

المحور السادس: الجهود الدولية والإقليمية لوقف التهريب

لقد ظلت الجهود الدولية والإقليمية لوقف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن، متواصلة رغم تصاعد التهديدات الأمنية للملاحة البحرية في البحر الأحمر، حيث نفذت الولايات المتحدة، عمليات اعتراضية لوقف شحنات الأسلحة من إيران. على سبيل المثال، في يناير 2024، قامت قوات البحرية الأمريكية بعمليتين لاستهداف قوارب تهرب أسلحة إلى اليمن، بما في ذلك مكونات للصواريخ الباليستية.

وقد أكدت تقارير أن هذه العمليات تشير إلى استمرار إيران في انتهاك الحظر المفروض بموجب قرار مجلس الأمن رقم 2216، الذي يمنع توفير الأسلحة للحوثيين.

على الجانب الإقليمي، دعا رئيس المجلس الرئاسي اليمني، رشاد العليمي، المجتمع الدولي إلى تكثيف جهوده لمواجهة محاولات إيران لتهريب الأسلحة. وقد أشار إلى أن الهجمات الحوثية على السفن التجارية تؤثر بشكل كبير على الظروف المعيشية للناس في اليمن وعلى الاقتصاد الإقليمي. 

علاوة على ذلك، يقوم المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، بجهود لحث الأطراف المتنازعة على الدخول في حوار يهدف إلى خفض التصعيد. وهذا يشمل أيضا المناقشات مع الحوثيين والمسؤولين العمانيين حول طرق التقدم في العملية السلمية.

وتلعب الأمم المتحدة  دورًا مركزيًا في محاولة وقف تهريب الأسلحة إلى الحوثيين في اليمن، من خلال فرض عقوبات على الجهات التي تدعم هذه الأنشطة. وفقًا لتقرير من لجنة الخبراء التابعة للأمم المتحدة، هناك أدلة متزايدة على أن إيران تزود الحوثيين بكميات كبيرة من الأسلحة والمكونات العسكرية. يُنصح مجلس الأمن بضرورة الضغط على إيران للامتثال لقرارات الأمم المتحدة التي تحظر تصدير الأسلحة إلى الجماعات المسلحة، بما في ذلك الحوثيون.

تقول السعودية، إنها تساهم أيضًا في هذه الجهود من خلال عمليات اعتراض شحنات الأسلحة. يتم ذلك من خلال البحرية والموانئ اليمنية الخاضعة لسيطرة قوات محلية مدعومة من قبل الرياض، وتقول وسائل إعلام سعودية إن القوات السعودية قامت بضبط عدة شحنات من الأسلحة، وعملت على تعزيز قدرات القوات البحرية المحلية في المنطقة لمراقبة ومنع عمليات التهريب.

 إن العقوبات المفروضة على إيران لها كان يمكن ان يكون لها تأثيرا ملحوظا في الحد من قدراتها على تهريب الأسلحة. على الرغم من ذلك، تشير تقارير إلى أن إيران لا تزال تجد طرقًا للتهريب، مما يستدعي ضرورة تعزيز العقوبات والرقابة. العديد من الدول الغربية، مثل فرنسا وألمانيا، أكدت أن العقوبات ستبقى سارية حتى عام 2023 لمنع تصدير الأسلحة إلى إيران، الأمر الذي من شأنه أن يقلل من دعمها للحوثيين.

وتستمر هذه الجهود الدولية والإقليمية كجزء من استراتيجية شاملة للحد من النزاع في اليمن وتعزيز الأمن الإقليمي، ومع ذلك، تبقى التحديات قائمة بسبب تعقيدات الصراع والتدخلات الخارجية.

المحور السابع: مستقبل الصراع في اليمن ودور التهريب

يعد الصراع في اليمن من أعقد النزاعات الإقليمية، حيث يعكس تفاعلات محلية وإقليمية، فمع تصاعد التوترات، فإن مستقبل الصراع يعتمد بشكل كبير على عدة عوامل، منها دور إيران ودعمها للحوثيين، يُتوقع أن يستمر الصراع حتى مع جهود التفاوض، لأن هناك عدم توازن كبير في القوى، حيث يتمتع الحوثيون بدعم عسكري مستمر من إيران، مما يعقد إمكانية الوصول إلى حل سياسي شامل، لكن بعد عملية اغتيال إسرائيل لزعيم حزب الله، يمكن ان يحدث فارقا في مستقبل الصراع، ولكن يعتمد الأمر بشكل رئيسي على استراتيجية السعودية ورؤيتها للحل الأزمة اليمنية، فالرياض تسعى إلى إدارة الأزمة بحيث لا تخرج الأمور عن نطاقها، ففي الوقت الذي تدعم فيه جهود الحرب على الحوثيين، تفتعل الرياض بعض الازمات لعرقلة المجلس الانتقالي الجنوبي، من الذهاب صوب الاستقلال الثاني للدولة الجنوبية.

لكن عملية اغتيال حسن نصر الله، يمكن ان يحدث فارقاً، فالزعيم الروحي للحوثيين، وصاحب اليد الطولى في صناعة قوة الحوثيين، قتل في عملية إسرائيلية، ومحاولة الحوثيين الانتقام لقتله قد يدفع تل ابيب الى القيام بخطوات انتقامية تجاه الأذرع اليمنية لإيران، وعدم الانتقام، يعني اهتزاز الثقة الشعبية التي اكتسبها الحوثيون باسم محاربة إسرائيل والدفاع عن فلسطين.

تحتاج السعودية إلى وقف عملية تهريب الأسلحة من الموانئ الجنوبية في المهرة، من خلال السماح بنشر قوات محلية جنوبية لمنع تهريب الأسلحة صوب الحوثيين.

إن عملية اغتيال حسن نصر الله، يمكن ان تدفع الحوثيين الى تقديم تنازلات مرحلية، لكنهم بكل تأكيد سيحاولون تحقيق مكاسب مؤجلة، من بينها رغبتهم في العودة إلى الجنوب من بوابة مشروع الوحدة اليمنية السلمي الذي قضت عليه حرب صيف العام 1994م، وهو المشروع الذي يمثل حافزا لعودة الحوثيين الى خليج عدن وشريط بحر العرب، والسعودية لا تريد الوقوف في صف المجلس الانتقالي الجنوبي، خشية حدوث ردة فعل من قبل الحوثيين وحلفائها المحليين في مارب وتعز.

لكن يظل من الممكن وقف تدفق الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، فهناك حاجة ملحة لتعزيز الرقابة الدولية على تهريب الأسلحة، ويمكن فعل ذلك من خلال تعزيز التنسيق بين الدول المعنية، بما في ذلك الولايات المتحدة ودول الخليج، لمراقبة السواحل والحدودـ، دعم قدرات المجلس الانتقالي الجنوبي في مكافحة التهريب، بما في ذلك توفير التدريب والتكنولوجيا اللازمة لرصد ومنع عمليات التهريب، وتطوير آليات للإبلاغ عن التهريب وتعزيز المشاركة المجتمعية في محاربة هذه الأنشطة، حيث يجب على المجتمع الدولي اتخاذ خطوات لزيادة الضغط على إيران لوقف دعمها للحوثيين، بما في ذلك العقوبات الاقتصادية أو الدبلوماسية، من خلال هذه السياسات، يمكن تعزيز الجهود الرامية لتحقيق الاستقرار في اليمن وتسهيل الوصول إلى حل سياسي دائم.

 

المحور الثامن: خلاصة وتوصيات

 

إن وقف تهريب الأسلحة الإيرانية يمثل كخطوة أساسية لتحقيق الاستقرار في المنطقة، حيث يشكل تهريب الأسلحة، إلى الحوثيين وتنظيم القاعدة، عنصراً حيوياً في استدامة الصراع، حيث يوفر للحوثيين والجماعات الجهادية الأخرى، القدرة على تنفيذ عمليات عسكرية معقدة، مما يعيق جهود السلام ويزيد من الأعباء الإنسانية.

واستقرار هذا الجزء المهم من المنطقة يعتمد على تحقيق توافق بين القوى المحلية والدولية، وتوفير بيئة آمنة تعزز من جهود الحوار والمصالحة، مع التأكيد على ضرورة دعم استقلال مستعجل للجنوب، كخطوة استراتيجية تعمل على وقف تدفق الأسلحة إلى الحوثيين، بما قد يساهم في تقليل التوترات العسكرية ويساعد في بناء الثقة بين اطراف الصراع الاقليمية، فالجنوب المحرر من الحوثيين قبل نحو عقد زمان، بحاجة إلى منح سلطاته "المجلس الانتقالي الجنوبي"، قدرة أوسع على الحكم ولو كان في البداية "منحه حكما ذاتيا"، شريطة سحب أي قوات يمنية لا تدين بالولاء للمجلس الذي يمتلك حاضنة شعبية كبيرة ترتكز بشكل أساسي على عدالة قضية وطنية مصيرية.

ان منح الجنوب الاستقلال او الحكم الذاتي قد يساهم بشكل كبير في زيادة ضغط القوى اليمنية الشمالية على الاذرع الإيرانية، فالجنوب الذي أصبح وطنا بديلا لقوى يمنية مناهضة للحوثيين، حين يذهب نحو الاستقلال أو الحكم الذاتي يمكن ان يمنح القوى اليمنية قدرة أكبر على التحرك صوب صنعاء لاستعادتها من قبضة الاذرع الإيرانية.

وقد يتطلب الأمر تكثيف الجهود الدولية لفرض عقوبات على إيران لمنعها من دعم الحوثيين، مما سيساهم في خفض القدرات العسكرية للحوثيين، مقابل رفع القدرات العسكرية لمجلس القيادة الرئاسي المدعوم من السعودية.

إن على المجتمع الدولي مهمة تكثيف دعم مبادرات السلام التي تعزز الحوار بين جميع الأطراف المحلية في اليمن، بما في ذلك تقديم الدعم الإنساني والاقتصادي لتحسين الظروف المعيشية، وهذا يتطلب أيضا تعزيز التنسيق بين الدول المعنية، لفرض حلول مستدامة تفتح المجال أمام تحرك محلي حقيقي ينهي خطر الميليشيات المسلحة على المنطقة والعالم، حيث يمكن للمجتمع الدولي أن يسهم في إيجاد حلول مستدامة للصراع في اليمن، مما سيؤدي إلى تحقيق استقرار أوسع في المنطقة، واستقلال الجنوب ربما يشكل حجر الزاوية في تحقيق ذلك.

إن اغتيال حسن نصر الله، زعيم حزب الله، له تأثير كبير على مسار تهريب الأسلحة والخبراء إلى الحوثيين في اليمن، يُعتبر نصر الله شخصية محورية في محور المقاومة الذي يتضمن إيران وحزب الله والحوثيين والفصائل العراقية، لذا فإن غيابه قد يغير التوازن في العلاقات العسكرية والسياسية بين هذه الفصائل، وهو ما يجب الاستفادة منه لتحقيق الاستقرار وحماية الممرات الحوثية.

إن اغتياله يمثل ضربة قوية لمحور المقاومة المدعوم من إيران. حزب الله كان يفتخر بقدراته العسكرية، بما في ذلك ترسانته من الصواريخ والطائرات بدون طيار، وبدون قيادته القوية، قد يجد الحزب نفسه في حالة من الفوضى وعدم الاستقرار، مما يؤثر على دعمه للحوثيين في اليمن.

فبعد اغتياله، سيكون أمام إيران خيار صعب: إما الرد العسكري الذي قد يؤدي إلى تصعيد كبير في المنطقة، أو التحلي بضبط النفس من أجل الحفاظ على استقرار علاقاتها مع القوى الدولية. أي رد فعل قد يكون له تأثير مباشر على إمدادات الأسلحة للحوثيين، إذ ستسعى إيران لاستعادة هيبتها وقدرتها على الدعم العسكري للحوثيين، وهذا يتطلب الاستعداد لكل الاحتمالات مع التأكيد ان القوى المناهض للمشروع الإيراني في المنطقة باتت أقوى بعد تصفية حسن نصر الله، الذي لعب دورا مهما في بناء قدرات الحوثيين من خلال التسليح والتدريب وارسال الخبراء لإدارة الحرب ضد الجنوب او في الداخل اليمني.

إن التعجيل بفرض حلول سريعة ومستدامة في اليمن والجنوب يمكن ان يحدث الآن في الوقت الذي ينشغل فيه حزب الله وإيران في إعادة تنظيم صفوف الأذرع المحلية في لبنان، فالحوثيون، الذين يعتمدون على دعم إيران وحزب الله، قد يواجهون تحديات في الحصول على الأسلحة والخبراء العسكريين الذين كانوا يأتون من لبنان.، في حالة انقطاع هذا الدعم، قد يضطر الحوثيون إلى البحث عن مصادر بديلة، مما قد يزيد من صعوبة عملياتهم العسكرية، ولكن لا بد من وضع في الاعتبار خيارات أكثر قدرة على مواجهة الخطر الحوثي، ويتمثل هذا في خلق دولة قوية في الجنوب قادرة على حماية الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عدن.

إن اغتيال نصر الله ليس مجرد حدث سياسي بل له تداعيات استراتيجية على تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، وقد يؤثر على مجمل الصراع في اليمن والمنطقة ككل.