التوترات الجيوسياسية..
الشرق الأوسط يدخل مرحلة جديدة من الأزمات الاقتصادية مع تصاعد المواجهات العسكرية
تواجه دول الشرق الأوسط والعالم تداعيات اقتصادية 'كبيرة' مع استمرار التوترات الجيوسياسية في المنطقة وتصاعد المواجهات العسكرية، وسط مخاوف متزايدة من اندلاع حرب شاملة.
تواجه دول الشرق الأوسط والعالم تداعيات اقتصادية "كبيرة" مع استمرار التوترات الجيوسياسية في المنطقة وتصاعد المواجهات العسكرية، وسط مخاوف متزايدة من اندلاع حرب شاملة. يأتي ذلك في وقت كان فيه الشرق الأوسط قد بدأ للتو التعافي من صدمات جائحة كورونا وتبعات الحرب الأوكرانية، إلا أن الأحداث المتسارعة منذ أكتوبر 2023 دفعت المنطقة إلى حالة من "عدم اليقين" وأعادت إشعال سلسلة من "الأزمات الاقتصادية"، بحسب ما يؤكده محللون اقتصاديون.
صندوق النقد الدولي حذر الخميس من تبعات تصعيد الصراع في المنطقة، إذ يجرى متابعة ما يحدث "بقلق بالغ"، بحسب ما عبرت المتحدثة باسم الصندوق، جولي كوزاك.
وأوضحت كوزاك أنه من السابق لأوانه التنبؤ بتأثيرات محددة على الاقتصاد العالمي، لكنها أشارت إلى أن اقتصادات المنطقة تعاني بالفعل بشدة.
هل المنطقة أمام أزمة اقتصادية؟
المحلل الاقتصادي المصري، وائل النحاس يرى أن الاقتصاد العالمي وليس اقتصادات المنطقة فقط تواجه بوادر الانكماش، وما يحدث في الشرق الأوسط قد تكون "سلاسل الإنتاج والتوريد" هي الأكثر تأثرا به.
ويوضح أن الاقتصاد العالمي منذ أزمة جائحة كورونا، وما تبعه من الحرب الأوكرانية، يعاني من صدمات متتالية، ولكن التصعيد في الشرق الأوسط، قد لا يكون تأثيره على الأسواق بحسب ما يتوقع البعض بتراجع كميات العرض من النفط والغاز بسبب ضرب المنشآت النفطية الإيرانية، بقدر التأثيرات التي ستطال حركة الشحن البحري التي تغذي 85 في المئة من حركة السلع والبضائع وحتى نقل النفط نفسه.
ويتخوف النحاس وهو خبير في الأسواق المالية العالمية، من نوع من "التضخم" الذي قد تواجهه بعض الدول، إذ أنه سيكون "تضخما مقاوما للتأثر بالأدوات النقدية أو المالية"، فرفع "أسعار الفائدة لن تكون الحل في كبح هذا النوع الزيادات في الأسعار".
يؤكد محافظو البنوك المركزية عادة أن دورهم هو النظر إلى ما هو أبعد من الصدمات غير المتوقعة التي يتعرض لها الاقتصاد والتركيز بدلا من ذلك على الاتجاهات العميقة والأساسية. إلا أنهم لا يستطيعون تجاهل الأحداث الجيوسياسية بالكامل، بحسب رويترز.
شهدت أسعار المواد الغذائية العالمية، في سبتمبر من عام 2024، أسرع زيادة لها خلال 18 شهرا، مع ارتفاع أسعار جميع السلع، حيث تصدر السكر هذه الزيادات، وفقا لتقرير منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة "الفاو".
وبلغ متوسط مؤشر "الفاو" لأسعار الغذاء، الذي يتتبع الأسعار العالمية لعدد من المواد الغذائية الأساسية، 124.4 نقطة في سبتمبر، مسجلا ارتفاعا بنسبة 3.0 في المئة مقارنة بشهر أغسطس، وزيادة بنسبة 2.1 في المئة مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي.
الخبير الأردني في قطاع النفط، عامر الشوبكي وصف التداعيات الاقتصادية على الشرق الأوسط والعالم بـ "الخطيرة والكبيرة"، إذ ناهيك عن حالة "الترقب وعدم اليقين" مما يحصل عسكريا، هناك أيضا "ترقب وعدم يقين اقتصادي".
ويتفق بأن أي استهداف للمنشآت النفطية في إيران قد يؤثر في الدرجة الأولى على “سلاسل التوريد، خاصة إذا ما تم إغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره 20 في المئة من احتياجات العالم من منتجات الطاقة المختلفة”.
وقال: "نحن أمام أزمة اقتصادية أو تعميق للأزمة الاقتصادية المتواجدة حاليا".
ويلفت الشوبكي إلى أن هذا يعني بالضرورة "زيادة في أسعار الطاقة خاصة مع اقتراب فصل الشتاء إذ يرتفع الطلب"، ويشير إلى أنه، حتى لو حاولت الدول المنتجة للنفط الاعتماد على مضيق باب المندب أو محاولة تلافي المرور فيه، فهذا أيضا سيضيف من "تكاليف الشحن" والوقت.
خبير الطاقة المقيم في برلين، توماس أدونيل من أهمية خروج إيران من حسابات سوق النفط العالمية "إذ أن طهران تصدر نحو 1.7 مليون برميل يوميا من النفط، والسعودية يمكنها بسهولة إنتاج مليوني برميل إضافيين للتعويض".
ولفت أدونيل أن "الأزمة الحقيقية والخطيرة" تكمن في ضرب إسرائيل لمنشآت النفط الإيرانية إذا ما ردت طهران باستهداف "منشآت النفط في السعودية أو الإمارات".
وإذا ما استهدفت إسرائيل قطاع النفط الإيراني، من الممكن أن يدفع مثل هذا الهجوم إيران إلى ضرب منشآت لإنتاج النفط في السعودية وغيرها من دول الخليج، بحسب تقرير نشرته وكالة رويترز.
وقالت المتحدثة باسم صندوق النقد إن التأثير الرئيسي للصراع على الاقتصاد العالمي تجلى في ارتفاع أسعار السلع الأساسية، بما في ذلك النفط والحبوب، فضلا عن زيادة تكاليف الشحن، مع تجنب السفن هجمات حركة الحوثي اليمنية على الملاحة في البحر الأحمر.
وحض الرئيس الأميركي جو بايدن إسرائيل الجمعة على عدم استهداف منشآت نفطية إيرانية ردا على هجوم صاروخي نفذته طهران ضد إسرائيل، مؤكدا أنه يعمل على حشد دول العالم لتفادي اندلاع حرب شاملة في الشرق الأوسط.
من الأكثر تأثرا؟
ويرى النحاس أن التأثير على اقتصادات المنطقة يطال دول المنطقة مع بعض الفروقات، إذ قد يظن البعض أن الدول المصدرة للنفط، مثل دول الخليج، لن تتأثر، ولكنها قد تكون في مقدمة الدول المعرضة لصدمات "إذا ما تأثرت الممرات الملاحية ستواجه أوقاتا صعبا على صعيد المالية العامة، إذ قد تنخفض إيراداتها بشكل حاد".
وزاد النحاس أن التأثيرات على بعض الدول مثل "دول الطوق" (أي الدول المحيطة بالأراضي الفلسطينية) ستكون كبيرة، وعلى سبيل المثال ما تشهده مصر من انخفاض في إيرادات قناة السويس.
وأضاف أن "العديد من المشاريع الكبرى في المنطقة قد توقفت أو لم تعد لها الأولوية في الوقت الحالي، ناهيك عن إحجام الشركات العالمية الكبرى عن الاستمرار في مشاريعهم في الشرق الأوسط، وهو أمر بدأ يتنامى منذ أكتوبر 2023".
وحذر الخبير الشوبكي من تعميق الأزمة التي تعانيها قطاعات الطيران والسياحة، والتي بدأت منذ جائحة كورونا، ولم تستطع التعافي منها".
وقالت المتحدثة باسم صندوق النقد الدولي، كوزاك إن الناتج المحلي الإجمالي في غزة انخفض 86 في المئة في النصف الأول من العام الجاري، في حين من المرجح أن الناتج المحلي الإجمالي للضفة الغربية في الفترة ذاتها تراجع 25 في المئة، مع وجود احتمالات لحدوث مزيد من التدهور.
وأضافت أن الناتج المحلي الإجمالي لإسرائيل انكمش بنحو 20 في المئة في الربع الأخير من 2023 بعد اندلاع الصراع، ولم تشهد البلاد سوى انتعاش جزئي في النصف الأول من العام الجاري.
وفي إشارة إلى الغارات الجوية الإسرائيلية على جماعة حزب الله المسلحة المدعومة من إيران في لبنان، قالت كوزاك "التصعيد الأخير للصراع يؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الكلي والاجتماعي الهش بالفعل في البلاد".
وأضافت "ألحق الصراع خسائر بشرية فادحة بالبلاد، وأضر ببنيتها التحتية".
أسواق المال
كبير المحللين في مجموعة "سي أف أي" المالية، مهند عريقات تخوف من أثر التوترات الجيوسياسية على أسواق الأسهم العربية خاصة الخليجية، التي بدأت تشهد تراجعا بأكبر وتيرة أسبوعية مقارنة بالشهور السابقة.
وقال إن التراجع الجماعي لأسواق الأسهم العربية، زادت نسبته عن 2 في المئة لمعظمها، فيما كان السوق السعودية الأكثر تراجعا بنسبة بلغت 3.4 في المئة، ومن ثم سوق أبوظبي وبنسبة 3 في المئة، الكويت 2.7 في المئة، دبي 2.55 في المئة وأخيرا السوق القطرية التي تراجعت بـ 1.1 في المئة، لتتخلى بذلك عن مكاسب سابقة امتدت لأسابيع.
وتحدث عريقات عن التقلبات في حركة أسعار الذهب، وقال إنه كان "الأكثر استقرارا من بين الأصول المتداولة، رغم تقلباته ما بين الصعود بسبب المخاوف جيوسياسية، وما وارتفاع الدولار الأميركي بأكثر من 2 في المئة".
وأنهى الذهب تداولات الأسبوع الماضي مستقرا قرب مستويات 2652 دولار للأونصة، وهي مستويات مرتفعة، وهو مرشح لتحقيق المزيد من المكاسب فيما لو نجح بتجاوز قمته السابقة قرب 2685، ولكنه قد يواصل التراجع فيما لو تراجع دون مستويات الدعم الحالية والهامة 2600 دولار للأونصة.
وحتى الآن تقتصر التبعات خارج منطقة الشرق الأوسط على أسواق المال حيث يلجأ المستثمرون إلى استثمارات الملاذ الآمن. واستفاد الدولار من الهجوم الصاروخي الإيراني على إسرائيل مع تداول مؤشر العملة الأمريكية الذي يقيس أداءها مقابل اليورو والين وأربع عملات رئيسية أخرى بالقرب من أعلى مستوياته في ثلاثة أسابيع، بحسب تقرير لوكالة رويترز.
وستكون التداعيات الاقتصادية أوضح في حالة الحرب الشاملة التي تتضمن هجمات أوسع على البنية التحتية للطاقة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط والخليج بالإضافة إلى المزيد من الاضطرابات في طرق التجارة عبر البحر الأحمر.
وقدرت شركة أكسفورد إيكونومكس أن مثل هذا السيناريو من شأنه أن يرفع أسعار النفط إلى 130 دولارا ويقلص نمو الناتج المحلي العالمي العام المقبل بنحو 0.4 نقطة مئوية، والذي يتوقعه صندوق النقد الدولي حاليا عند 3.3 في المئة.