"حروب الجيل الخامس ما بين إسرائيل وحزب الله"..
تفجير أجهزة البيجر: محاولة إسرائيلية لإخضاع حزب الله أم خطوة استراتيجية؟
"تفجير إسرائيل لأجهزة الاتصال التابعة لحزب الله في 17 أيلول/ سبتمبر لم يكن مجرد خطوة عسكرية، بل قد يعكس أيضًا ضغوطًا سياسية تحاول من خلالها الحكومة الإسرائيلية التأثير على الوضع في لبنان، خاصة في ظل الظروف الإقليمية المعقدة"
الملخص: شهد لبنان مؤخراً أحداثاً متسارعة أبرزها اغتيال زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله، وتفجيرات البيجر، والتي أطلقت شرارة نقاش واسع حول طبيعة الصراعات الحديثة، ودور التكنولوجيا فيها. هذه الحادثة، التي تعتبر نموذجاً لحروب الجيل الخامس التي تستهدف البنية التحتية الرقمية، أثارت تساؤلات حول القدرات الاستخباراتية المتقدمة التي تستخدمها أطراف الصراع، وكيفية اختراق أجهزة تعتبر آمنة مثل البيجر. كما أبرزت الحادثة الدور المحوري للقانون الدولي في مواجهة هذا النوع من الهجمات، والتداعيات الإنسانية والسياسية المترتبة عليها.
ويهدف هذا التقرير لفهم أعمق لطبيعة حروب الجيل الخامس، وكيفية تنفيذ مثل هذه الهجمات، وتداعياتها على الصعيدين الإقليمي والدولي. كما يسعى إلى تقييم نجاح هذه العملية، وتحديد المسؤولية القانونية والأخلاقية عن مثل هذه الأفعال.
وقد توصل لعدد من النتائج:
الكلمات المفتاحية: حروب الجيل الخامس- حرب إلكترونية- أمن سيبراني- استخبارات اغتيال حسن نصر الله
Summary:
Lebanon has recently witnessed a series of rapid events, most notably the "Pager Explosions," which ignited a wide-ranging debate about the nature of modern conflicts and the role of technology in these wars. This incident, seen as a model of fifth-generation warfare targeting digital infrastructure, raised questions about the advanced intelligence capabilities used by the parties involved and how supposedly secure devices like pagers were compromised. The event also highlighted the pivotal role of international law in addressing such attacks, along with the humanitarian and political repercussions that follow.
This report aims to provide a deeper understanding of fifth-generation warfare, the methods used in such attacks, and their implications on both regional and global levels. It also seeks to evaluate the success of the operation and establish the legal and ethical responsibility for such actions.
Key terms: Fifth-generation warfare - Cyberwarfare - Cybersecurity - Intelligence
المقدمة:
شهد لبنان مؤخراً تطورات أمنية متسارعة، أبرزها الهجمات الإلكترونية التي استهدفت شبكات الاتصالات عبر تفجير أجهزة البيجر. هذه الحادثة تكشف عن تحول جذري في طبيعة الصراعات المعاصرة، حيث باتت التكنولوجيا سلاحاً حربياً رئيسياً. وتطرح هذه الأحداث تساؤلات جوهرية حول طبيعة "حروب الجيل الخامس"، وآليات تنفيذها، وتداعياتها على الأمن القومي والاستقرار الإقليمي.
وفي هذا السياق، مازال حادث لبنان، إثر تفجيرات الآلاف من أجهزة البيجر، يثير العديد من التساؤلات حول كيفية يتم اختراق جهاز البيجر، خاصة أنه من الأجهزة الذكية الآمنة التي يصعب اختراقها مقارنة بالهواتف الذكية.
يتبادر إلى أذهاننا عدد من التساؤلات حول هذا التطور الخطير في مسار الصراع في المنطقة العربية
- ما هي حروب الجيل الخامس؟
- ما هي القدرات الاستخباراتية لإسرائيل وحزب الله؟
- تفجيرات البيجر وأجهزة الاتصال.. هجوم سيبراني أم ثغرة أمنية؟
- كيف نفذت الاستخبارات الإسرائيلية عملية “البيجر” ضد حزب الله؟
- ما الجدوى الاستراتيجية من عملية تفجيرات البيجر؟
- ـ هل تعد عملية تفجيرات “بيجر” نجاحا إسرائيليا أم فشلا في تحقيق الهدف؟
- هل يسمح القانون الدولي بتسليح الأجهزة الإلكترونية؟
- ما هي الموافق والردود من جراء هذا التفجير؟
أهمية هذه الأسئلة
تكتسب هذه الأسئلة أهمية بالغة في ظل التطور المتسارع للتكنولوجيا واستخدامها في الصراعات. فهي تدعونا إلى إعادة النظر في مفاهيم الأمن التقليدي، وتطوير استراتيجيات جديدة لمواجهة التهديدات الناشئة. كما تساهم هذه الأسئلة في فتح حوار حول الضوابط القانونية والأخلاقية التي يجب أن تحكم استخدام التكنولوجيا في الصراعات.
أهداف التقرير:
يهدف هذا التحليل إلى فحص هذه الأحداث بدقة، وتقييم القدرات التقنية والاستخباراتية التي مكنت من تنفيذ مثل هذه الهجمات، وتحديد الدروس المستفادة من هذه التجربة المريرة. كما يسعى إلى تقييم الآثار القانونية والأخلاقية لهذه الأفعال، ووضعها في سياق التطورات المتسارعة في مجال الأمن السيبراني."
المطلب الأول: ماهية حروب الجيل الخامس:
شهد العالم تحولات جذرية في طبيعة الصراعات والحروب خلال العقود الأخيرة. فبعد الحروب التقليدية ثم حروب العصابات وحروب الجيل الرابع، برز مفهوم جديد أثار اهتمام الخبراء والمحللين وهو "حروب الجيل الخامس". هذه الحروب ليست حروبًا تقليدية بالمعنى المتعارف عليه، بل هي صراعات تستخدم أدوات وأساليب جديدة تعتمد بشكل كبير على التكنولوجيا والمعلومات والتلاعب بالرأي العام.
هناك تطور كبير في شكل الحروب على مدار القرون الماضية، الجيل الاول من الحروب هو عبارة عن مواجهات مباشرة بين جيشين نظاميين والتي كانت سائدة في الحروب القديمة، ثم تطورت شكل الحرب حيث تم استخدام المدافع الحربية ليظهر الجيل الثاني، ثم تأتى في الحرب العالمية الثانية ليتم استخدام أسلحة حديثة وأدوات تجسس ليظهر الجيل الثالث، وأخيرا الجيل الرابع من الحروب والذي يعنى كيفية تجنب دولة ما لأكبر قدر ممكن الخسائر مع إيقاع الدول المعادية بأكبر الخسائر الممكنة حيث يتم استغلال نقاط الضعف وضرب الركائز الأساسية في الدول المعادية لتكبد الخسائر بها دون المواجهة المباشرة.
تجلت حروب الجيل الخامس بوضوح في الحرب الأخيرة في غزة وكلك الحرب الإسرائيلية مع «حزب الله» اللبناني، فقد بدت تلك الحرب منذ بدايتها حرباً مختلفة جديدة - قديمة في فنّ الحروب ولكنها غير ظاهرة للعلن. تتكوّن من مجموعة حروب بما في ذلك استخدام القدرات التقليدية والتكتيكات والتشكيلات غير النظامية والعقوبات الأميركية وحرب المنصات الإلكترونية والحروب الإعلامية والبروباغندا وتغذية الانقسامات وسياسة الحصار وإشغال «العدو» من الداخل لإضعافه قبل الانقضاض عليه. إنها حرب الجيل الخامس... على «حزب الله».
المطلب الثاني: مقارنة بين عمليتي الاستخبارات الإسرائيلية وحزب الله
جدول رقم(1)
مقارنة بين عمليتي الاستخبارات الإسرائيلية وحزب الله
م | الوحدات الاستخباراتية الإسرائيلية | م | الوحدات الاستخباراتية لحزب الله |
1 | الوحدة 8200 “شموني ماتاييم” | 1 | الوحدة 1800 ـ حزب الله |
2 | برنامج بيغاسوس للتجسس (NSO GROUP) | 2 | “قوة الرضوان” هي الذراع النخبوية لحزب الله |
3 | “ليبرتاد” صندوق التجسس | 3 | وحدة الاستخبارات الأمنية والعسكرية” |
أولا: الوحدات الاستخباراتية الإسرائيلية وحدة الحرب الإلكترونية الإسرائيلية 8200
الوحدة 8200 “شموني ماتاييم” هي وحدة تابعة لهيئة الاستخبارات الإسرائيلية في جيش الدفاع الإسرائيلي، مسؤولة عن العمليات السرية، وجمع إشارات الاستخبارات (SIGINT)، وفك التشفير، والاستخبارات المضادة، والحرب السيبرانية، والاستخبارات العسكرية، والمراقبة. وتُذكر في المنشورات العسكرية كوحدة التجميع المركزية لهيئة الاستخبارات، وتُعرف أحيانًا بوحدة SIGINT الوطنية الإسرائيلية (ISNU)، وهي جزء من جهاز المخابرات العسكرية “أمان”.
فيما يلي بعض الحقائق حول وحدة الحرب الإلكترونية والاستخبارات المتخصصة في قوات الدفاع الإسرائيلية، المعروفة في إسرائيل باسم “شموني ماتاييم“، والتي تُعد جزءًا من مديرية الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية الوحدة 8200 تعادل وكالة الأمن القومي الأمريكية أو GCHQ البريطانية، وهي أكبر وحدة عسكرية منفردة في قوات الدفاع الإسرائيلية. وتعود جذورها إلى وحدات فك الشفرات والاستخبارات المبكرة التي تشكلت مع قيام دولة إسرائيل عام 1948.
تُعد أنشطة الوحدة غالبًا سرية للغاية، وتتراوح من استخبارات الإشارات إلى استخراج البيانات، إضافةً إلى الهجمات التكنولوجية. ومن العمليات التي يُزعم مشاركتها فيها، هجوم فيروس “ستوكسنت” بين عامي 2005 و2010 الذي عطّل أجهزة الطرد المركزي النووية الإيرانية، والهجوم الإلكتروني الذي استهدف شركة الاتصالات الحكومية اللبنانية “أوجيرو” عام 2017.
تتألف الوحدة 8200 من حوالي 5000 فرد من الجيش، وتُعد إسرائيل موطنًا لإحدى أكبر قواعد الاستخبارات في العالم. وقد أثمرت استثمارات إسرائيل في هذا المجال، كما يظهر من نجاحها في اعتراض واستخدام الاستخبارات السيبرانية ضد خصومها. أدى قرب إسرائيل من جيران يهددونها مثل غزة وإيران، والهجمات التي تشنها المنظمات، إلى تعزيز قدراتها الاستخباراتية السيبرانية من خلال وحدة 8200. يشمل ذلك استضافة إسرائيل واحدة من أفضل الصناعات السيبرانية في العالم، والتي تضم أكثر من 30% من شركات الإنترنت العالمية بقيمة تتجاوز مليار دولار.
وجود الوحدة 8200 وقدراتها السيبرانية المتقدمة في بلد صغير مثل إسرائيل يمثل فرصة فريدة للعلاقات الوثيقة بين القطاعين العام والخاص. ويدعم هذا أيضًا ما ذكره شون كوردي، الذي وصف الوحدة 8200 بأنها “مجتمع إسرائيلي عالي التقنية ومترابط بشكل كبير بين القطاعات الاقتصادية والعسكرية والحكومية والأكاديمية”. وأضاف كوردي أن “المجموعة الوطنية من خبراء الإنترنت في إسرائيل على اتصال وثيق بفضل فترة خدمتهم في الوحدة”.
- برنامج بيغاسوس للتجسس (NSO GROUP)
وجدت الشركة الإسرائيلية نفسها في قلب فضيحة تجسس عالمية خلال عام 2021، حيث أظهرت التحقيقات أن برنامج بيغاسوس، الذي صممته الشركة، سمح بالتجسس على ما لا يقل عن 180 صحفيًا، و600 شخصية سياسية، و85 ناشطًا حقوقيًا، و65 رجل أعمال في دول متعددة. بمجرد تنزيله على الهاتف الجوال، يتيح برنامج “بيغاسوس” الوصول إلى رسائل المستخدم وبياناته وصوره وجهات اتصاله، بالإضافة إلى تفعيل الميكروفون والكاميرا عن بُعد.
يُعتبر “بيغاسوس” أحد أخطر برامج التجسس وأكثرها تعقيدًا، ويستهدف بشكل خاص الأجهزة الذكية التي تعمل بنظام التشغيل “آي أو إس” (iOS) الخاص بشركة آبل، رغم وجود نسخة أخرى تستهدف أجهزة “أندرويد” لكنها تختلف بعض الشيء عن النسخة المخصصة لـ iOS.
أوضحت شركة “كاسبرسكي” (Kaspersky) المتخصصة في برامج الحماية من الفيروسات، أن “بيغاسوس” هو برنامج ضار معياري (modular malware)، أي يتكون من وحدات. يبدأ البرنامج بعملية مسح للجهاز المستهدف، ثم يثبت الوحدة الضرورية لقراءة رسائل المستخدم وبريده الإلكتروني، والاستماع إلى المكالمات، والتقاط صور للشاشة، وتسجيل نقرات المفاتيح، وسحب سجل التصفح، وجهات الاتصال.
عُقد مؤخرًا في باريس اجتماع رفيع المستوى بين مسؤولين إسرائيليين وفرنسيين لتهدئة التوترات الناجمة عن المعلومات التي كُشفت حول برنامج بيغاسوس، وذلك وفقًا لما أعلنته الرئاسة الفرنسية في 22 أكتوبر 2021، مؤكدة تقارير صحفية. وفي هذا السياق، قال لوران ريشار، مدير منظمة “فوربيدن ستوريز” غير الحكومية، إن أرقام هواتف الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون وعدد من أعضاء حكومته كانت على قائمة الأهداف المحتملة لبرنامج بيغاسوس، الذي استخدمته بعض الدول للتجسس على شخصيات بارزة.
يستطيع “بيغاسوس” أيضًا الاستماع إلى الملفات الصوتية المشفرة وقراءة الرسائل المشفرة بفضل قدرته على تسجيل نقرات المفاتيح وتسجيل الصوت، مما يمكّنه من سرقة الرسائل قبل تشفيرها والرسائل الواردة بعد فك تشفيرها.
- “ليبرتاد” صندوق التجسس
أعلن الموساد في 27 يونيو 2017 عن إنشاء صندوق “ليبرتاد” بهدف الوصول إلى تقنيات وأفكار جديدة في مجال التجسس. الغرض من إطلاق الصندوق بناء قدرة ابتكارية والحفاظ على تفوقه التكنولوجي وتعزيزه، وذلك من خلال الاتصال بالشركات المدنية الناشئة في مجال التكنولوجيا المتطورة، وتقديم أفكار جديدة في (5) مجالات، منها التقنيات الروبوتية المبتكرة، الطاقة، والتقنيات المبتكرة لتشفير المعلومات بسرعة عالية، سقف التمويل الذي يمنحه للمشروع الواحد يشمل نحو (570) ألف دولار.
ثانيا: الوحدات الاستخباراتية لحزب الله
يعد استخدام حزب الله للاستخبارات ضد إسرائيل جزءًا مهمًا من استراتيجيته الشاملة لمواجهة التهديدات الإسرائيلية وتعزيز نفوذه في المنطقة. يعتمد حزب الله على سبع طرق رئيسية لجمع المعلومات الاستخبارية، منها:
- “الوحدة 910” : هي وحدة نخبوية تابعة لحزب الله اللبناني، ترتبط ارتباطًا وثيقًا بإبراهيم عقيل، الذي يُعتقد أنه كان قائدها الفعلي حتى قُتل في 20 سبتمبر 2024. يُنظر إلى هذه القوة على أنها تهديد كبير من قبل الجيش الإسرائيلي، خاصة على حدوده الشمالية، حيث تعتبرها إسرائيل إحدى أهم الوحدات القتالية لحزب الله المدربة بشكل جيد والمجهزة بترسانة ضخمة من الصواريخ والأسلحة الأخرى. لطالما اعتبرت إسرائيل حزب الله العدو الأكثر شراسة على حدودها، ويرى المسؤولون الإسرائيليون أن “قوة الرضوان” تشكل خطرًا استراتيجيًا خاصًا. حزب الله استخبارات ـ الشاباك الإسرائيلية المهام وخطط مستقبلية لمحاربة حماس.
- “قوة الرضوان” هي الذراع النخبوية لحزب الله
تزعم العديد من التقارير أن “قوة الرضوان” هي الذراع النخبوية الجديدة لحزب الله، وتعتبر واحدة من أكثر وحداته فاعلية وقوة نارية. هذه الوحدة تضم نحو 2500 مقاتل من النخبة المدربة تدريبًا عاليًا. وتلقى مقاتلوها تدريبهم المتقدم من “كتيبة الصابرين” للكوماندوز، التي تنتمي إلى فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني (IRGC). يُنظر إلى إيران على أنها الداعم الرئيسي لحزب الله، ليس فقط على المستوى العسكري، بل أيضًا من الناحية الأيديولوجية والمالية.
“قوة الرضوان”، التي كانت تُعرف سابقًا بـ”وحدة التدخل”، تأسست تحت قيادة عماد مغنية، الذي كان يُعرف بالاسم الحركي “الحاج رضوان”. وقد لعبت هذه الوحدة دورًا بارزًا في العمليات الهجومية لحزب الله، وخاصة في محاولات التسلل إلى الأراضي الإسرائيلية. حسب تقديرات عسكرية إسرائيلية، فإن “قوة الرضوان” تركز على عمليات التسلل واحتلال مناطق داخل إسرائيل، في مسعى لخلق ما يسمى “صورة نصر”، إضافة إلى استهداف وإضعاف القوات الإسرائيلية داخل لبنان.
- الوحدة 1800 ـ حزب الله
في البداية، كانت “الوحدة 1800” مسؤولة عن الأنشطة الاستخباراتية والعملياتية في البلدان المجاورة لإسرائيل، بما في ذلك بين الفلسطينيين. لاحقًا، تم تطوير الوحدة 133 التي تركز على شن هجمات داخل إسرائيل وجمع المعلومات الاستخبارية اللازمة لتلك العمليات. حزب الله.
حزب الله يولي أهمية كبيرة لفصل المهام بين الوحدات المختلفة لتأمين الكفاءة والأمان، حيث لا يتم تكليف مقاتليه بأدوار مزدوجة في العمليات والاستخبارات معًا، بل يتم اختيار الأشخاص بعناية وفقًا لمهاراتهم. كما يستثمر الحزب بكثافة في تدريب مقاتليه على المهارات المتخصصة مثل تصنيع المتفجرات واستخدام الأسلحة، مع توجيه المجندين الجدد إلى وحدات الاستخبارات قبل إلحاقهم بوحدات العمليات.
كيف استطاعت إسرائيل اختراق العمليات الاستخباراتية لحزب الله
شهد لبنان شهد يومَي 17 و18 أيلول/ سبتمبر موجة من التفجيرات، استهدفت أجهزة اتصال محمولة، بما في ذلك أجهزة نداء آلي (بيجر)[1] وأجهزة لاسلكي، يستخدمها عناصر من حزب الله، على نطاق واسع، للتواصل بينهم. وأدت هذه العملية الإرهابية الواسعة النطاق إلى مقتل ما لا يقل عن 39 شخصًا، وإصابة آلاف آخرين" واتهم حزب الله إسرائيل بتدبير التفجيرات التي شملت مواقع متعددة في أنحاء لبنان، وتسببت في فوضى واسعة، في حين أشارت إسرائيل إلى "مرحلة جديدة" من المواجهة، قد تكون مقدمة لصراع أوسع وأكثر عنفًا.
بدأت موجة التفجيرات التي استهدفت أجهزة نداء (بيجر) يستخدمها عناصر حزب الله، في وقت واحد تقريبًا، في لبنان وسورية بعد ظهر يوم 17 أيلول/ سبتمبر" وكان الحزب قرر التحول إلى استخدام أجهزة النداء هذه باعتبارها وسائل أكثر أمنًا للتواصل بين عناصره ومقاتليه لأنها لا تتضمن تقنية تحديد المواقع GPS، ولتكون بديلًا من الهواتف النقالة التي تم حظر استخدامها نتيجة اختراق إسرائيل لها؛ ما مكنها من استهداف المئات من عناصر الحزب وقادته الميدانيين منذ اندلاع المواجهة بين الطرفين في 8 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، في إطار ما أسماه حزب الله "جبهة إسناد غزة". وشهد اليوم التالي موجة تفجيرات ثانية، استهدفت هذه المرة أجهزة اتصال لاسلكية يدوية يستخدمها عناصر وقيادات ميدانية من الحزب في مناطق مختلفة.
وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن التفجيرات، خاصة أن دبلوماسيين دوليين ومنظمات حقوقية عبّروا عن إدانتهم للعملية باعتبارها عملًا عشوائيًا مدانًا، ينتهك قوانين الحرب، فإن مصادر أمنية وإعلامية ومسؤولين إسرائيليين ألمحوا إلى أن الجيش الإسرائيلي، بالتعاون مع جهاز المخابرات الخارجية، "الموساد"، يقفان وراء العملية. وقد شكلت الحادثة بالنسبة إلى حزب الله أكبر خرق أمني منذ نشأته مطلع الثمانينيات، وزادت من المخاوف بشأن توسيع الحرب، خاصة بعد أن توعد الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، بالرد على ما اعتبره "مجزرة" ارتكبتها إسرائيل، قبل ان تقتله تل أبيب في عملية نوعية قالت إنها نفذتها بعدما راقبته لأعوام طويلة.
وأعلنت إسرائيل، اغتيا حسن نصر الله، زعيم حزب الله، في 26 سبتمبر 2024 بواسطة سلاح الجو الإسرائيلي. وفقًا للتقارير، تم استخدام قنابل مخصصة لتدمير الملاجئ تحت الأرض في عملية استهدفت مقر حزب الله السري في بيروت. هذا الحدث ترك تأثيرًا كبيرًا على حزب الله، وهو تنظيم مدعوم من إيران، مما أدى إلى ردود فعل واسعة النطاق في المنطقة، حيث شهدت إسرائيل احتفالات بينما سادت مشاعر الحزن في أجزاء من العالم العربي.
وشغل نصر الله دورًا محوريًا في قيادة حزب الله لأكثر من 30 عامًا، حيث حوله إلى قوة شبه عسكرية وسياسية رئيسية. يُعتبر اغتياله ضربة كبيرة للتنظيم، رغم أنه لا يُنظر إليها على أنها نهاية قاطعة له. يرى المحللون أن حزب الله سيستغرق بعض الوقت للتعافي، وأن هذه العملية كشفت عن ضعف التنظيم أمام إسرائيل، مما قد يؤدي إلى المزيد من عدم الاستقرار في المنطقة.
قامت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية “بإخفاء متفجرات في (5000) جهاز اتصال من صنع أوروبي قبل أشهر من تفجير أجهزة حزب الله”، كما تم الكشف عن “رسالة نصية مشفرة تسببت في الانفجارات”.
أكد مصدر أمني لبناني إن “الموساد قام بحقن لوحة داخل أجهزة اتصالات تحتوي على مادة متفجرة تتلقى شفرات. من الصعب جدا اكتشافها بأي وسيلة. حتى باستخدام أي جهاز أو ماسح ضوئي”. زعم المصدر أن حزب الله طلب أجهزة الاتصال من شركة تايوانية تسمى “Gold Apollo”، لكن المسؤولين التنفيذيين هناك قالوا إن الأجهزة تم تصنيعها وبيعها بموجب ترخيص من قبل “BAC Consulting ” في بودابست، المجر.
ويرى “إيليا جيه ماجنييه”، وهو محلل كبير للمخاطر السياسية ومقره بروكسل، في وقت لاحق إنه تحدث مع أعضاء حزب الله الذين فحصوا أجهزة الاتصال التي فشلت في الانفجار. ويبدو أن أجهزة الاتصال تلقت رسالة خطأ مشفرة تم إرسالها إلى جميع الأجهزة مما تسبب في اهتزازها وإصدارها صافرات لمدة 10 ثوانٍ تقريبا. استخبارات- جهاز “أمان” الإسرائيلي ـ المهام والخطط المستقبلية وعندما ضغط المستخدم على زر جهاز النداء لإلغاء التنبيه، انفجرت المتفجرات – وهو التصميم الذي من شأنه أن يضمن أن يكون جهاز النداء ممسكا به من قبل المستخدم في وقت الانفجار لإحداث أقصى قدر من الضرر. تمثل العملية التي استمرت شهورا من قبل الموساد والجيش الإسرائيلي خرقا أمنيا غير مسبوق لحزب الله، الذي تعهد بالرد على إسرائيل ومواصلة دعمه لحليفته حماس وسط الحرب المستمرة في غزة.
جاء في بيان لحزب الله “ستستمر المقاومة اليوم، مثل أي يوم آخر، في عملياتها لدعم غزة وشعبها ومقاومتها وهو مسار منفصل عن العقوبة الرد التي يجب أن تنتظرها إسرائيل. وقال مسؤول أمني أمريكي إن الهجوم كان مخططا له في وقت لاحق كجزء من “هجوم شامل” ضد حزب الله، لكن إسرائيل اختارت تفجير الأجهزة في وقت مبكر وسط مخاوف من أن الجماعة اللبنانية أصبحت على علم بالخطة.
قال المصدر لوكالة “أكسيوس” شريطة عدم الكشف عن هويته “كانت تلك اللحظة ـ تفجير أجهزة الاتصالات ـ تستخدمها أو تخسرها”. وقد أفسحت سلسلة الانفجارات، التي بدأت في 17 سبتمبر 2024 ، المجال لحالة من الذعر والفوضى على نطاق واسع في جميع أنحاء الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان وحتى في سوريا. استخبارات ـ الموساد المهام واستراتيجية تعقب عناصر حركة “حماس”
وأكدت إيران في وقت لاحق أن سفيرها في لبنان، مجتبى أماني، أصيب. وأصيب أكثر من 2800 شخص في النهاية في الانفجارات. وكانت قد أشارت التكهنات الأولية في أعقاب الانفجارات إلى أن عملية اختراق إسرائيلية ربما تكون قد أثقلت كاهل بطاريات أيون الليثيوم التي تغذي أجهزة النداء، والتي يمكن أن تحترق بدرجة حرارة تصل إلى 590 درجة مئوية (1100 فهرنهايت) عند إشعالها.
ولكن مجموعة من المصادر الأمنية والخبراء توصلوا منذ ذلك الحين إلى أن الانفجارات كانت ناجمة عن عملية إسرائيلية عطلت سلسلة التوريد وأدخلت متفجرات في أجهزة النداء التي تم تنشيطها عن بعد لاحقا بواسطة رسالة الخطأ المشفرة. وأوضح ضابط سابق في مجال إبطال مفعول القنابل في الجيش البريطاني أن الجهاز المتفجر يحتوي على خمسة مكونات رئيسية: حاوية وبطارية وجهاز تشغيل ومفجر وشحنة متفجرة.
وأوضح الضابط السابق، الذي تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته لأنه يعمل الآن كمستشار في الشرق الأوسط، أن “جهاز النداء يحتوي على ثلاثة من هذه المكونات بالفعل”. “لن تحتاج إلا إلى إضافة المفجر والشحنة”
أكد “كارلوس بيريز”، مدير الاستخبارات الأمنية في شركة “TrustedSec”، إنه بحلول وقت الهجوم، “كانت البطارية نصف متفجرة ونصف بطارية فعلية على الأرجح”. وقال “شون مورهاوس”، الضابط السابق في الجيش البريطاني وخبير التخلص من الذخائر المتفجرة: “بالنظر إلى الفيديو، فإن حجم التفجير مماثل لذلك الذي تسبب فيه صاعق كهربائي وحده أو صاعق يشتمل على شحنة شديدة الانفجار وصغيرة للغاية”.
تابع “مورهاوس” إن هذا يشير إلى تورط جهة فاعلة تابعة لإسرائيل. وأضاف أن وكالة الاستخبارات الخارجية الإسرائيلية، الموساد، هي المشتبه به الأكثر وضوحًا في امتلاك الموارد لتنفيذ مثل هذا الهجوم. وقال حزب الله في بيان: “بعد التدقيق في كل الحقائق والمعطيات الحالية والمعلومات المتوفرة حول الاختراق. نحمل العدو إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذا الاختراق الذي استهدف المدنيين أيضا”.
وكان قد أعد حزب الله خطة حرب في فبراير 2024 تهدف إلى معالجة الثغرات في البنية التحتية للاستخبارات في الجماعة. وكان نحو (170) مقاتلاً قد قُتلوا بالفعل في ضربات إسرائيلية مستهدفة على لبنان، بما في ذلك قائد كبير ومسؤول كبير في حماس في بيروت. وفي 13 فبراير 2024، حذر الأمين العام للجماعة “حسن نصر الله” أنصاره بشدة من أن هواتفهم أكثر خطورة من الجواسيس الإسرائيليين، قائلاً إنهم يجب أن يكسروها أو يدفنوها أو يحبسوها في صندوق حديدي. بدلاً من ذلك، اختارت الجماعة توزيع أجهزة النداء على أعضاء حزب الله عبر فروع الجماعة المختلفة – من المقاتلين إلى المسعفين العاملين في خدمات الإغاثة.
أشارت التقارير الأولية إلى أن أجهزة النداء التي طلبها حزب الله تم توريدها من قبل شركة تايوانية تسمى “Gold Apollo”. لكن المسؤولين التنفيذيين قالوا إن الشركة لم تفوض سوى علامتها التجارية على الأجهزة، وأنها تم تصنيعها وبيعها من قبل شركة “BAC Consulting KFT” المجرية.
وورد في بيان: “أقامت شركة “Apollo Gold Corporation” ترخيصا طويل الأمد للعلامة التجارية الخاصة والتعاون الإقليمي مع BAC”. “وبموجب الاتفاق، فإننا نسمح لشركة “BAC” باستخدام علامتنا التجارية في مبيعات الإنتاج في مناطق محددة، ولكن تصميم وتصنيع المنتجات يتم بالكامل من قبل BAC.” وصرح “هسو تشينج كوانج” رئيس شركة “Gold Apollo” هذا أن شركته لديها اتفاقية ترخيص مع “BAC” على مدى السنوات الثلاث الماضية، لكنه لم يقدم دليلاً على العقد.
أعلن الموساد في 27 يونيو 2017 عن إنشاء صندوق “ليبرتاد” بهدف الوصول إلى تقنيات وأفكار جديدة في مجال التجسس. الغرض من إطلاق الصندوق بناء قدرة ابتكارية والحفاظ على تفوقه التكنولوجي وتعزيزه، وذلك من خلال الاتصال بالشركات المدنية الناشئة في مجال التكنولوجيا المتطورة، وتقديم أفكار جديدة في (5) مجالات عام 2017، منها التقنيات الروبوتية المبتكرة، الطاقة، والتقنيات المبتكرة لتشفير المعلومات بسرعة عالية، سقف التمويل الذي يمنحه للمشروع الواحد يشمل نحو (570) ألف دولار.
من المحتمل بعد التصعيد الحالي مع حزب الله، أن تكون هذه بداية للعديد من العمليات السرية الإسرائيلية لملاحقة قيادات حزب الله على المستوى الإقليمي. وقد يدفع ملاحقة إسرائيل إلى قيادات “حزب الله”، إلى استهداف “حزب الله” للمصالح الإسرائيلية.
وأعلنت شركة Gold Apollo التايوانية أنها باعت رخصة تصنيع أجهزة النداء لشركة مجرية. من جانبها، صرحت المديرة التنفيذية لشركة B.A.C Consulting لقناة NBC الأمريكية بأن شركتها كانت مجرد وسيط لمعدات الراديو. ووفقًا لصحيفة “نيويورك تايمز”، كانت B.A.C Consulting جزءًا من شبكة شركات يُزعم أن إسرائيل هي المصنعة الحقيقية لهذه الأجهزة.
ومع ذلك، صرح زولتان كوفاكس، المتحدث باسم الحكومة المجرية، أن "أجهزة النداء التي تم تسليمها إلى حزب الله لم تدخل المجر أبدًا". وكشف أيضًا أن شركة BAC Consulting عملت وسيطًا فقط ولم تشارك في التعامل مع الأجهزة. وذكر كوفاكس أيضًا على وسائل التواصل الاجتماعي أن أجهزة الأمن الوطني المجرية تتعاون مع شركاء دوليين للتحقيق في الأمر.[2]
انفجرت مئات أجهزة الراديو في لبنان بضغطة زر واحدة، وهو ما اعتبره الخبراء تفوقًا واضحًا للموساد على حزب الله. رغم عدم وجود تأكيد رسمي، فإن الهجوم المنسق على أعضاء حزب الله يُعتقد أنه يحمل بصمة واضحة للموساد. وصرح شلومو شبيرو، أستاذ في جامعة بار إيلان في تل أبيب، لموقع تي أون لاين: “معظم الناس في الشرق الأوسط يعتقدون أن إسرائيل وراء ذلك، وأنا واحد منهم”. وأوضح أن الموساد هو الجهة الوحيدة القادرة على تنفيذ عملية بهذه الدقة.
ويشير الخبير شبيرو إلى أن هذه العملية تطلبت شهورًا من التحضير، وكان التحدي الأكبر هو تهريب آلاف الأجهزة إلى حزب الله دون أن يثير ذلك أي شكوك. ويعتقد أن الأجهزة لم تكن مجرد أفخاخ مفخخة، بل ربما استخدمها الموساد أيضًا للتنصت على اتصالات حزب الله. ويصف العملية بأنها ضرب “عصفورين بحجر واحد”، معتبرًا هذا الأسلوب شكلاً جديدًا وغير مسبوق من أشكال الحرب.
أثار الموساد ضجة كبيرة عندما اختطف أدولف أيخمان، النازي المختبئ في الأرجنتين، عام 1960. ومنذ ذلك الحين، تعقب الموساد وقتل العديد من أعداء إسرائيل. ومع أن قائمة عمليات الاغتيال طويلة، إلا أن استخدام الأفخاخ المتفجرة ضد آلاف الأشخاص في نفس الوقت يمثل مرحلة جديدة في هذا الصراع. بعد هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، كثف الموساد عملياته ضد أعداء إسرائيل. وكان رئيس المخابرات الإسرائيلية، ديفيد بارنيع، قد هدد في يناير من العام الحالي 2024 بالقبض على المسؤولين عن الهجوم “أينما كانوا”، مؤكداً أن الأمر سيستغرق وقتاً. استخبارات ـ كيف نفذت الاستخبارات الإسرائيلية عملية “البيجر” ضد حزب الله؟
العمليات الإسرائيلية الاستباقية الإستراتيجية
من جانبه، يشكك يوسي ميلمان، مؤلف متخصص في المخابرات الإسرائيلية، في جدوى الهجوم من الناحية الإستراتيجية. ففي حين أن الهجوم أظهر قدرة إسرائيل على ضرب قلب حزب الله، إلا أنه لا يغير الصورة الاستراتيجية العامة بشكل كبير، وفقًا لميلمان الذي وصف الهجوم بأنه “علامة على الذعر”. بالمقابل، يصف شبيرو النهج الإسرائيلي بأنه دقيق للغاية، مؤكدًا أن الأجهزة التي استُخدمت في الهجوم كانت تُستخدم حصريًا لأغراض إرهابية، وأنها ساعدت إسرائيل في الوصول إلى أهم الشخصيات في حزب الله.
توقيت الهجوم يثير أيضًا العديد من التساؤلات. يفسر سايمون فوكس، خبير شؤون الشرق الأوسط، التوقيت بأنه مرتبط بانتهاء المعارك في غزة، مما دفع إسرائيل إلى تحويل انتباهها نحو إيران وحزب الله. ويشير إلى أن حزب الله قد وضع كل أوراقه على الطاولة. من جهة أخرى، تشير تقارير أخرى إلى أن توقيت الهجوم كان بسبب مخاوف إسرائيل من اكتشاف حزب الله للأجهزة التي تم التلاعب بها، مما دفعها إلى تنفيذ الهجوم في الوقت المناسب.
توقيت الهجوم:
تدور الاحتمالات بشأن توقيت حصول التفجيرات الخاصة بأجهزة الاتصال الخاصة بحزب الله حول احتمالين رئيسَين:
الأول، أن إسرائيل قررت تفجير هذه الأجهزة بصفة مستعجلة يوم 17 أيلول/ سبتمبر بعد أن بدأت الشكوك تساور جهات أمنية في حزب الله بشأنها، فسارعت إلى تفجيرها حتى لا تخسر العملية التي كانت معدّة أصلًا، بحسب بعض التقديرات، لشلّ منظومة القيادة والسيطرة لدى الحزب عشية هجوم كبير محتمل على لبنان وقد يفسر ذلك وقوع التفجيرات بعد يوم واحد فقط من التقاء المبعوث الأميركي أموس هوكشتاين، المسؤول عن ملف المفاوضات بين لبنان وإسرائيل، بكل من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الحرب يوآف غالانت، في محاولة جديدة من إدارة جو بايدن لمنع حصول تصعيد كبير بين إسرائيل ولبنان، قد يتحول إلى حرب إقليمية واسعة، لا تريدها واشنطن قبل أسابيع قليلة من انتخابات رئاسية حاسمة. لكن استمرار حزب الله في توزيع أجهزة البيجر حتى قبل أيام قليلة من عملية التفجير، بحسب مصادر إعلامية مختلفة، يضعنا أمام الاحتمال الثاني، أكثر ترجيحًا، يقول إن إسرائيل تعمدت تفجير أجهزة الاتصال لدى الحزب في هذا الوقت تحديدًا، حتى يرضخ للضغوط التي تمارسها عليه عبر هوكشتاين، لفك الارتباط بين جبهة لبنان وجبهة غزة. خصوصًا بعد أن قرر مجلس الوزراء الأمني المصغر في إسرائيل (الكابينت) جعل إعادة المستوطنين إلى منازلهم في الشمال هدفًا رئيسًا للحرب. وعشية هذه العملية غير المسبوقة في النوع والحجم، تسابق غالانت ونتنياهو في إصدار بيانات تتحدث عن انتقال مركز ثقل العمليات العسكرية شمالًا، وإعادة المستوطنين إلى مناطقهم. وقد جرت ترجمة هذه التصريحات من خلال نقل الفرقة 98، من قطاع غزة إلى الحدود مع لبنان لتنضم إلى تشكيلات أخرى، بما فيها الفرقة 36، المتمركزة في الشمال في مواجهة حزب الله.
سيناريوهات الاختراق الأمني:
السيناريو الأول يؤكد: الأجهزة صُممت عمدًا للانفجار عند تشغيلها غموض كبير وراء واقعة تفجيرات البيجر، فكيف تم اختراق هذه الأجهزة في يد أعضاء جماعة حزب الله، في وقت واحد، بهذه الآلية، فهل تم استهداف الأجهزة خلال عملية التوريد وتم وضع مواد متفجرة بداخلها، أم أن الخدعة كانت في عملية التصنيع، ما يشير إلى تواطؤ الشركة التايوانية المصنعة، أم حدث اختراق للموجات انتهت بتفجير الأجهزة من خلال ثغرة فنية.
السيناريو الثاني: إشارة مشفرة عبر الراديو وراء حادث تفجيرات البيجر وفي سيناريو آخر، ورد في تقرير نشر في وكالة voanews، أكد أن انفجار أجهزة البيجر لدى جماعة حزب الله، وقع عند تلقي إشارة مشفرة تنتقل عبر تردد الراديو، وقد تم توصيل أجهزة النداء المزورة لحزب الله بنظام نداء لاسلكي يتم فيه إرسال إشارات مشفرة عبر تقنية التردد اللاسلكي، أو RF، من أجهزة الإرسال إلى أجهزة النداء، والتي لا تستطيع إلا استقبال وفك تشفير إشارات RF.".\
السيناريو الثالث:: اختراق سلسلة التوريد وزرع المتفجرات بالأجهزة يؤكد أن الأزمة بدأت من التسلل في مرحلة سلسلة التوريد بالمتفجرات، حيث تم إدخال 3 جرامات من PETN، في أجهزة النداء، و رباعي نترات بنتا إريثريتول أو PETN، وهي مادة كيميائية مستقرة نسبيًا تستخدم كمتفجرات منذ الحرب العالمية الأولى.[3]
المطلب الثالث: القانون الدولي والردود على التفجير الإلكتروني
من الذي جهز أجهزة الاتصال التي انفجرت في معاقل جماعة حزب الله في لبنان؟ وكيف ينبغي لنا أن ننظر إلى الهجوم في سياق القانون الدولي؟ لا يزال هناك الكثير من عدم اليقين حول الانفجارات المتعددة لأجهزة النداء واللاسلكي في لبنان في سبتمبر 2024. ما نعرفه حتى الآن هو أن 37 شخصًا على الأقل قتلوا، وأكثر من 3000 جريح وأن الحرب بين إسرائيل وحزب الله في لبنان تصاعدت مرة أخرى.
بدأ مكتب المدعي العام في تايوان تحقيقًا في الشركة التي صنعت الأجهزة، في أعقاب تقرير يفيد بأن جهاز المخابرات الإسرائيلي زرع متفجرات صغيرة في أجهزة النداء التي أمر طلبيتها حزب الله.
كيف دخلت المتفجرات إلى أجهزة النداء؟
حتى الآن، لم تعلق الحكومة الإسرائيلية على الانفجارات، ولم تعلن مسؤوليتها عن الهجمات. وتستمر التقارير المربكة والمتناقضة في التداول، بما في ذلك بعض التقارير التي تشير إلى أن شركة في بلغاريا كانت متورطة أيضًا في تصنيع أجهزة النداء المتفجرة – وهو ادعاء نفته السلطات البلغارية. قال هيلموت أوست، أستاذ القانون الدولي في جامعة برلين الحرة، إن تقييم الهجمات صعب للغاية. وأضاف “في القانون الدولي، يجب عليك أولاً تحديد طبيعة الصراع. هل هو صراع مسلح دولي أم غير دولي؟ وعلى الرغم من طبيعته العابرة للحدود في هذه الحالة، فإن الأمر ليس واضحًا تمامًا. الصراع المسلح الدولي هو صراع بين القوات المسلحة لدولتين. […] حزب الله ليس القوة المسلحة للبنان”.
منذ السابع من أكتوبر من العام 2023، عندما شنت جماعة حماس هجمات كبرى من قطاع غزة، أكدت إسرائيل مرارًا وتكرارًا على حقها في الدفاع عن النفس. ولكن هل يمتد حق إسرائيل في الدفاع عن النفس إلى الهجمات ضد حزب الله؟
وقال أوست: “في القانون الدولي، يفترض حق الدفاع عن النفس أنك تدافع عن نفسك ضد هجوم مسلح، وأن الهجوم مستمر. بطبيعة الحال، يطلق حزب الله الصواريخ على الأراضي الإسرائيلية. ولكن منذ فترة طويلة كانت هناك أيضًا عمليات عسكرية إسرائيلية في لبنان. ومن الصعب تحديد متى بدأ الصراع الحالي على وجه التحديد. تظل العديد من الأشياء غير واضحة في ضباب الحرب”. ومع ذلك، أكد أوست أن القانون الإنساني الدولي يحظر ما يسمى “الهجمات العشوائية”. وأوضح: “الهجمات محظورة أيضًا إذا كان من المتوقع أن تؤدي إلى سقوط ضحايا وإصابات بين المدنيين على مستوى غير متناسب مع الميزة العسكرية المتوقعة”.
“لا يزال مقاتلو حزب الله أهدافًا عسكرية مشروعة” يمكن أن ينطبق هذا بالفعل على حالة أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكية – قالت وزارة الصحة اللبنانية إن الأطفال قتلوا وأصيبوا أيضًا في الانفجارات. وقال ستيفان تالمون، أستاذ القانون الدولي بجامعة بون، إن أحد المبادئ الأساسية للقانون الدولي هو أن الضربات العسكرية يجب أن تستهدف المقاتلين، ويجب أن تفعل ذلك بدقة قدر الإمكان.
وقال تالمون : “لا يزال مقاتلو حزب الله أهدافًا عسكرية مشروعة عندما لا يكونون في ساحة المعركة، حتى عندما ينسحبون إلى ثكناتهم أو أماكن نومهم”. ويتفق ماركو ساسولي، أستاذ القانون الدولي بجامعة جنيف، مع وجهة نظر مماثلة. وقال “من منظور القانون الدولي الإنساني، فإن السؤال الرئيسي هو ما إذا كان الأشخاص الذين قتلوا أهدافًا مشروعة. سيكون هؤلاء إما مقاتلين في صراع مسلح أو جماعة مسلحة. أولئك الذين يؤدون وظيفة قتالية مستمرة يمكن مهاجمتهم.”
كما لفت أوست الانتباه إلى حكم آخر من أحكام القانون الدولي: “هناك قواعد محددة في القانون الدولي تغطي أسلحة مثل هذه”. “إن هذه التعريفات مستمدة من البروتوكول الثاني لاتفاقية الأمم المتحدة لعام 1996 بشأن بعض الأسلحة التقليدية. وإسرائيل ملزمة أيضاً بهذا البروتوكول. وهو يتضمن بنداً يحظر استخدام الأفخاخ المتفجرة التي تتكون من أشياء متحركة غير ضارة على ما يبدو ومصممة خصيصاً لاحتواء المتفجرات. ومن المؤكد أن أجهزة النداء وأجهزة الاتصال اللاسلكية يمكن أن تندرج تحت هذا التعريف”.
ويدرك أوست تمام الإدراك أن التحذيرات بشأن انتهاكات القانون الدولي من غير المرجح أن تردع إسرائيل أو حماس أو حزب الله عن اللجوء إلى أشكال متزايدة التطرف من الحرب. ومع ذلك، فقد أصر على أنه من المهم وجود قواعد دولية، حتى لو تم انتهاكها بشكل متكرر وصارخ. وقال: “لا يمكننا أن نتوقع من القانون الدولي أن يصنع المعجزات. إذا تم تعريف تصرفات إسرائيل على أنها انتهاكات للقانون الدولي، فإن هذا يعني أن إسرائيل لن تكون قادرة على ارتكاب المعجزات”.
“إن القانون الدولي لن يجبر الحكومة على تغيير سلوكها. ولكن هناك قيمة في الحفاظ على المعايير القانونية. وإذا تخلينا عن هذا الأمر تماماً، فسوف يكون لدينا عدد أقل من الأدوات التي يمكننا من خلالها وضع معايير موضوعية نسبياً لكيفية تصرف البلدان في أوقات الحرب”. وخلص إلى أن الشركاء الدوليين يستطيعون على الأقل الرجوع إلى القانون الدولي كوسيلة لممارسة الضغط على الأطراف المتحاربة، لحملها على تعديل تصرفاتها.[4]
شهد لبنان شهد يومَي 17 و18 أيلول/ سبتمبر موجة من التفجيرات، استهدفت أجهزة اتصال محمولة، بما في ذلك أجهزة نداء آلي (بيجر) وأجهزة لاسلكي، يستخدمها عناصر من حزب الله، على نطاق واسع، للتواصل بينهم. وأدت هذه العملية الإرهابية الواسعة النطاق إلى مقتل ما لا يقل عن 39 شخصًا، وإصابة آلاف آخرين" [5]واتهم حزب الله إسرائيل بتدبير التفجيرات التي شملت مواقع متعددة في أنحاء لبنان، وتسببت في فوضى واسعة، في حين أشارت إسرائيل إلى "مرحلة جديدة" من المواجهة، قد تكون مقدمة لصراع أوسع وأكثر عنفًا.
ادانات
وعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعلن مسؤوليتها عن التفجيرات، خاصة أن دبلوماسيين دوليين ومنظمات حقوقية عبّروا عن إدانتهم للعملية باعتبارها عملًا عشوائيًا مدانًا، ينتهك قوانين الحرب، فإن مصادر أمنية وإعلامية ومسؤولين إسرائيليين ألمحوا إلى أن الجيش الإسرائيلي، بالتعاون مع جهاز المخابرات الخارجية، "الموساد"، يقفان وراء العملية. وقد شكلت الحادثة بالنسبة إلى حزب الله أكبر خرق أمني منذ نشأته مطلع الثمانينيات، وزادت من المخاوف بشأن توسيع الحرب، خاصة بعد أن توعد الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، بالرد على ما اعتبره "مجزرة" ارتكبتها إسرائيل.
الاستنتاجات العامة:
1- أن حروب الجيل الخامس هي شكل جديد من الصراعات يتجاوز القوة العسكرية التقليدية، ويركز على استهداف البنية التحتية المعلوماتية والاجتماعية والاقتصادية للدول. وتعتمد هذه الحروب على مجموعة متنوعة من الأدوات، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية، والتضليل، والحروب النفسية، والتأثير على الرأي العام.
2- القدرات الاستخباراتية لإسرائيل وحزب الله متطورة للغاية، وتشمل جمع المعلومات، وتحليلها، وتنفيذ عمليات سرية. تتمتع كلتا الجهتين بخبرات واسعة في مجال الحرب الإلكترونية والاستخبارات السيبرانية.
3- تفجيرات البيجر كانت هجوماً سيبرانياً استهدف شبكة اتصالات حزب الله. تمكنت الاستخبارات الإسرائيلية من اختراق هذه الشبكة وإرسال إشارات مزيفة تسببت في انفجار الأجهزة، مما أدى إلى خسائر مادية وبشرية.
4- عملية تفجيرات البيجر نفذت من خلال زرع برمجيات خبيثة في أنظمة حزب الله، مما سمح للاستخبارات الإسرائيلية بالتحكم عن بعد في الأجهزة المستهدفة.
5- الجدوى الاستراتيجية لعملية تفجيرات البيجر تكمن في إضعاف قدرة حزب الله على التواصل والتنسيق، وإلحاق خسائر مادية وبشرية به. كما أنها رسالة تحذيرية إلى الجماعات المسلحة الأخرى.
6- نجاح عملية تفجيرات البيجر يعتمد على المعايير التي يتم استخدامها للحكم عليه. من حيث التأثير على حزب الله، يمكن اعتبارها نجاحاً، ولكن من حيث الأهداف طويلة الأمد، فإن تقييمها أكثر تعقيداً.
7- القانون الدولي لا يحظر بشكل صريح تسليح الأجهزة الإلكترونية، ولكن هناك اتفاقيات دولية تحاول تنظيم استخدام التكنولوجيا في الصراعات المسلحة.
8- المواقف والردود على تفجيرات البيجر كانت متباينة. إسرائيل احتفلت بالعملية، بينما ندد حزب الله بها واعتبرها عملاً إرهابياً. المجتمع الدولي أدان الاستخدام المفرط للتكنولوجيا في الصراعات المسلحة.
الخاتمة:
مع أن العملية الأمنية الإسرائيلية، التي استهدفت شبكة اتصالات حزب الله، لا تمثل تغييرًا استراتيجيًا في موازين القوى مع الحزب الذي ما زال يمتلك مخزونًا كبيرًا من الصواريخ القادرة على إحداث دمار كبير في إسرائيل، فإن الاختراق مثّل، في المقابل، ضربة كبيرة لمنظومة اتصالات الحزب وجهازه الأمني يتطلب منه العمل على تحديد مساحة الخرق وإصلاحه. علاوة على ذلك، وضعت العمليةُ الحزبَ أمام اختبار صعب، فإن هو تجنب القيام برد يتناسب مع ما اعتبره أمينه العام، في خطابه يوم 19 أيلول/ سبتمبر، ضربة أمنية غير مسبوقة للبنان والمقاومة، فإنه يفتح الباب أمام مزيد من التصعيد الإسرائيلي ضده، والاستباحة غير المقيدة للبنان، كما حصل في الغارة التي نفذتها إسرائيل واستهدفت بها اجتماعًا لقيادات حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت يوم 20 أيلول/ سبتمبر 2024، وأدت إلى مقتل عدد منهم، أبرزهم إبراهيم عقيل، قائد العمليات الخاصة في الحزب. وإن هو قام بالرد، كما توعد، فإنه يغامر بدخول مواجهة عسكرية متأخرة مع إسرائيل التي يبدو أنها تفرغت الآن لمواجهة أرادتها في لبنان، وفق توقيتها. لكن الأهم من ذلك أن إسرائيل تجاوزت في الحرب الجارية كل القيود في البحث عن وسائل مبتكرة واستخدامها لقتل الخصم أو إصابته، أو بث الرعب في حاضنته الاجتماعية من دون النظر إلى أي اعتبارات أو الالتفات إلى أي مواقف أو عواقب، وهو أمر يسترعي بالفعل التوقف عنده والتفكير في نتائجه.
ما هي أجهزة البيجر؟ وسيلة اتصالات في التسعينات تحولت لأداة هامة للتواصل بين حزب الله ، أما عن أجهزة البيجر، فإنها عبارة عن أجهزة نداء، كانت منتشرة على نطاق واسع في تسعينيات القرن العشرين قبل ظهور الهواتف المحمولة، وهى أجهزة أساسية تتلقى رسائل قصيرة عبر ترددات الراديو، ورغم أن هذه الأجهزة أصبحت قديمة إلى حد كبير، إلا أن الجماعات التي تسعى إلى إيجاد بديل منخفض التقنية للهواتف الذكية لا تزال تستخدمها، والاستخدام الغريب لأجهزة النداء من قِبَل حزب الله يرجع إلى إعطاء الجماعة الأولوية للأمن وإخفاء الهوية، على عكس الهواتف الذكية الحديثة، تعمل أجهزة النداء بتكنولوجيا أبسط، مما يجعل تعقبها أكثر صعوبة.
هوامش
[1] https://www.youm7.com/story/2024/9
[2] ينظر: “Walkie-talkies Yesterday, Fridges Tomorrow?”
[3] https://www.youm7.com/story/2024/9/20
[4] رابط مختصر ..https://www.europarabct.com/?p=96934
[5] الأبيض قدم حصيلة إجمالية ليومي الخرق الأمني المعادي: 37 شهيدًا و2931 جريحًا"، وزارة الصحة العامة- الجمهورية اللبنانية، 19/9/2024، شوهد في 22/9/2024، في: https://n9.cl/zu7v0