موقف صريح ضد توسع الحرب وتأكيد على أولوية الأمن القومي..

في قمة عربية إسلامية بالرياض: السعودية تُشدّد على ضرورة احترام سيادة إيران

دعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى احترام سيادة إيران والامتناع عن مهاجمة أراضيها، مؤكداً على أهمية الحفاظ على استقرار المنطقة وتجنب التصعيد.

ولي العهد السعودي محمد بن سلمان

الرياض

دعا ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، يوم الاثنين، إسرائيل إلى الالتزام باحترام سيادة إيران وعدم مهاجمة أراضيها، في خطوة تُبرز رغبة المملكة في تهدئة التوترات الإقليمية وتجاوز الخلافات مع إيران، مع توجيه الأنظار إلى إسرائيل التي تسعى لحشد دعم إقليمي لتوسيع نطاق صراعها.

وتحدث ولي العهد السعودي بصراحة، في كلمته أمام القمة العربية – الإسلامية التي احتضنتها الرياض الاثنين، داعيا المجتمع الدولي إلى أن يُلزم إسرائيل بـ”احترام سيادة الجمهورية الإسلامية الإيرانية الشقيقة وعدم الاعتداء على أراضيها.”

ويهدف كلام الأمير محمد بن سلمان إلى بناء الثقة مع إيران وطمأنتها بأن سعي السعودية للحوار ليس ظرفيا وليس ردّ فعل على مواقف الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن، وأنه توجه حقيقي يريد بناء علاقات متينة ودائمة بما يخدم مصالح المملكة وأمنها القومي، وهو موقف سيساعد على نقل العلاقات بين الرياض وطهران إلى مستوى متطور من شأنه أن ينعكس إيجابيا على نقاط الخلاف الإقليمي، وخاصة في اليمن.

وتكمن أهمية الموقف السعودي المعارض للحرب على إيران في أن أغلب الدول الإقليمية ستتبناه بحكم مكانة المملكة الاعتبارية في المنطقة، دينيا وسياسيا واقتصاديا، ما من شأنه أن يكون محددا في أي تفاهمات قادمة بشأن الوضع في الشرق الأوسط بما في ذلك مساعي التطبيع بين السعودية وإسرائيل.

ومن الواضح أن السعودية تضع بهذا الموقف ضابطا لمسار التطبيع حتى لا يفهم في سياق محاصرة إيران وعزلها مثلما تنظر إليه إسرائيل.

وجاءت كلمة ولي العهد السعودي في توقيت مهم بالنسبة إلى العلاقات السعودية – الأميركية؛ عقب انتخاب دونالد ترامب الذي يعرف بموقفه المتشدد تجاه إيران وسعيه لعزلها، وكأن الهدف منها وضع الرئيس الأميركي الجديد أمام حقيقة تفكير السعودية الجديد، الذي يعطي الأولوية لمصالح المملكة وأمنها القومي على أي اعتبارات أخرى.

يقول الخبير في شؤون الشرق الأوسط في معهد “رويال يونايتد للخدمات” أتش. إي. هيليير إن العلاقات المستعادة بين الرياض وطهران أعادت تشكيل المشهد الدبلوماسي، والذي سيتعين على ترامب أن يأخذه في الاعتبار عندما يتولى منصبه مرة أخرى العام المقبل.

أهمية الموقف السعودي المعارض لاستهداف إيران تكمن في أن الدول الإقليمية ستتبناه بحكم مكانة المملكة في المنطقة

ويضيف هيليير أنه “من الواضح أن الرياض وطهران تعملان على تدفئة علاقتهما، وهذه بيئة إقليمية مختلفة تماما مقارنة بما كانت عليه عندما كان ترامب في منصبه آخر مرة.”

وتابع أن “ترامب قد يرغب في توسيع اتفاقيات أبراهام عندما يتولى منصبه العام المقبل، ولكن ما لم تغير إسرائيل مسارها بشكل جذري في المنطقة، فسوف يكون ذلك محفوفا بتحديات أكثر بكثير من المرة الأخيرة.”

وعلى الرغم من أن القضايا الخلافية لا تزال قائمة في العلاقة المعقدة بين السعودية وإيران، فإن التقارب يرقى إلى إنجاز دبلوماسي مميز للأمير محمد بن سلمان، الذي انتهج في السنوات الأخيرة نهجا دبلوماسيا إقليميا أكثر تصالحا.

وحافظت المملكة الخليجية والجمهورية الإسلامية على اتصال رفيع المستوى كجزء من الجهود الرامية إلى احتواء الحرب التي اندلعت في غزة في أعقاب هجوم حماس غير المسبوق على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر العام الماضي.

وأدى هذا التواصل الدبلوماسي إلى أول مكالمة هاتفية بين الأمير محمد بن سلمان والرئيس الإيراني آنذاك إبراهيم رئيسي، بعد مرور خمسة أيام فقط على اندلاع الحرب، والزيارة التي قام بها رئيسي إلى الرياض قبل عام لحضور قمة مشتركة للجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

وفي أكتوبر الماضي أعلنت السعودية أنها أجرت مناورات حربية مع إيران ودول أخرى في بحر عمان. والأحد وصل رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة السعودية فياض الرويلي إلى طهران، لإجراء محادثات مع المسؤولين الإيرانيين.

وأجرى ولي العهد السعودي والرئيس الإيراني الحالي مسعود بزشكيان مكالمة هاتفية الأحد، أي قبل يوم من القمة التي تعد قمة متابعة لتلك التي انعقدت في نوفمبر 2023.

وقال بيان صادر عن الحكومة الإيرانية إن بزشكيان لن يحضر بسبب “مسائل تنفيذية” ملحة، وسافر النائب الأول للرئيس محمد رضا عارف إلى الرياض بدلا منه. وغالبا ما وجدت المملكة ذات الغالبية السنيّة وإيران ذات الغالبية الشيعيّة نفسيهما على جانبين متعارضين من الصراعات الإقليمية، بما في ذلك الحرب السورية.

وفي عام 2015 حشدت السعودية تحالفا عسكريا لدعم الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا، بعدما استولى المتمردون الحوثيون المدعومون من إيران على العاصمة صنعاء وتقدموا نحو مدينة عدن الجنوبية.

وفي العام التالي قطعت الرياض وطهران علاقاتهما في أعقاب هجمات على بعثات دبلوماسية سعودية في إيران خلال احتجاجات على إعدام الرياض رجل الدين الشيعي البارز الشيخ نمر النمر. وفي مارس 2023 أعلنت الدولتان عن اتفاق تقارب بوساطة صينية.

وأثارت حرب غزة وامتدادها إلى لبنان بين إسرائيل وحزب الله المدعوم من إيران، مخاوف من اندلاع حريق إقليمي أوسع نطاقا. وتأتي كلمة الأمير محمد بن سلمان الاثنين لتؤكد أن السعودية تعارض تعريض أمن المنطقة للخطر تحت أي مسوغ.

وأطلقت إيران هذا العام صواريخ على إسرائيل في مناسبتين، ما دفع الدولة العبرية إلى الرد، وكانت آخر حلقات الفعل ورد الفعل في 26 أكتوبر عندما استهدفت منشآت عسكرية إيرانية.

وقبل الحرب في غزة كانت السعودية تجري محادثات حيال ما يسمى بالصفقة الكبرى التي كانت لتشهد اعترافها بإسرائيل في مقابل علاقات أمنية وثنائية أعمق مع الولايات المتحدة. وكان من شأن ذلك أن يبني على اتفاقيات أبراهام التي توسط فيها ترامب خلال ولايته الأولى.