معاناة مزدوجة..
الصحافيون اليمنيون في مواجهة الانتهاكات المستمرة: أزمة حقوقية وإعلامية
شهدت الأيام الأخيرة تصاعدًا في الانتهاكات، حيث تم تجميد نشاط نقابة الصحافيين اليمنيين، في وقت يعاني فيه الصحافيون من تهديدات مباشرة بالقتل، أو احتجاز تعسفي من قبل الأطراف المتنازعة.
يعاني الصحافيون اليمنيون من وضع مأساوي صعب، حيث يتعرضون لانتهاكات مستمرة سواء في المناطق الخاضعة لسلطة الميليشيات الحوثية أو تحت حكم الشرعية. في ظل غياب مرجعية حقوقية حقيقية تدرك دور الصحافة الحرة، يعيش هؤلاء الصحافيون في بيئة غير آمنة، تفتقر إلى الحاضنة المدنية التي تدافع عن حرية الرأي والتعبير. تزداد المخاطر على الصحافيين في هذا السياق، حيث يتعرضون للتهديدات والاعتقالات، مما يفاقم من معاناتهم ويضع قيودًا كبيرة على حرية الإعلام في البلاد.
وبينما أعلن في عدن عن تجميد نشاط نقابة الصحافيين اليمنيين، شهدت الأيام الماضية المزيد من انتهاك حقوق العاملين في قطاع الإعلام. ففي أوائل نوفمبر الجاري، قالت منظمة “رايتس رادار” لحقوق الإنسان، إن اليمن يحتل مراتب متأخرة في حرية الصحافة، إذ جاء في المرتبة 154 من أصل 180 دولة لعام 2024، وفقا لبيان مشترك وقعته 44 منظمة حقوقية.
وأضافت في بيان، بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب في الجرائم المرتكبة بحق الصحافيين، إن الصحافة في اليمن تمر بأسوأ مرحلة في تاريخها، و“خلال عقد كامل لم تتوقف الانتهاكات بحق الصحافيين، في ظل إفلات المرتكبين والمتورطين من العقاب،” مبرزة أن اليمن صنّف كواحدة من أخطر الدول في العالم بالنسبة إلى الصحافيين، وذلك بسبب ارتفاع معدلات العنف والانتهاكات التي يتعرضون لها، وساهم في حدته إفلات المرتكبين والمتورطين من العقاب.
وقبل أيام، تلقى فرع نقابة الصحافيين بتعز بلاغا من الصحافية هبة التبعي تفيد بتعرضها مع زوجها الكاتب صلاح الواسعي لحملة تحريض وتشهير واسعة وصلت حد التهديد بالقتل، وذلك على خلفية نشر صورة لهما في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك.
وتعرضت التبعي وزوجها لتهديد مباشر بالقتل من قِبل أشقائها، أحدهم يحمل رتبة ضابط ويعمل في الأمن المركزي التابع للحكومة المعترف بها دوليا.
واضطرت الصحافية وزوجها لمغادرة منزلهما في مدينة تعز والانتقال إلى مكان آمن، وفقا للبلاغ.
الصحافية هبة التبعي تعرضت مع زوجها الكاتب صلاح الواسعي لحملة تحريض وتشهير واسعة وصلت حد التهديد بالقتل
وأعربت نقابة الصحافيين اليمنيين عن قلقها الشديد لتدهور الوضع الصحي للصحافي فهد الأرحبي المحتجز لدى جهاز الأمن والمخابرات في محافظة عمران منذ 21 أغسطس الماضي على خلفية قضية نشر. وطالبت بالإفراج الفوري عنه وتوفير العناية الطبية له، وعبّرت عن خشيتها على حياته، محمّلة جماعة الحوثي مسؤولية تدهور حالته الصحية بعد ما تعرض له من أذى معنوي وجسدي ومادي خاصة بعد نقله من عمله وإيقاف راتبه ومستحقاته الأمر الذي ضاعف من معاناة أسرته وأبنائه المعيشية.
وفي السياق ذاته، اتسعت دائرة الداعين إلى إلغاء حكم الإعدام الصادر بحق الصحافي طه المعمري مالك شركتي “يمن ديجيتال ميديا” و”يمن لايف للإنتاج الإعلامي والبث الفضائي”.
ودعت نقابة الصحافيين الوطنية في بريطانيا والاتحاد الدولي للصحافيين جماعة الحوثي المصنفة دولياً في قوائم الإرهاب إلى إلغاء حكم بالإعدام أصدرته في 24 سبتمبر الماضي بحق المعمري.
وقالت المنظمتان إنه “في عام 2018، داهمت جماعة مسلحة مكاتب المعمري بحجة أن الصحافي دعم ‘العدوان‘ من قبل طرف في صراع مع اليمن”، مشيرتين إلى أن “الحكم قضى بمصادرة ممتلكات المعمري في اليمن والخارج” مع الإشارة إلى أن مالك المؤسسة الإعلامية يعيش في إسبانيا منذ عام 2015.
وقال أنتوني بيلانجر الأمين العام للاتحاد الدولي للصحافيين “ندين التكتيكات التي تنفذها السلطات الفعلية في صنعاء، بما في ذلك الحكم التعسفي ضد زميلنا المعمري، والذي لا يهدف إلا إلى منع الصحافيين من القيام بعملهم وتثبيط أصحاب وسائل الإعلام عن الاستثمار في صناعة الإعلام في اليمن.”
جماعة الحوثي عادت إلى ممارسة حملات مكثفة ضد الصحافيين والناشطين وأصدرت حكما بالإعدام مؤخرا على أحدهم
وبحسب مرصد الحريات الإعلامية في اليمن، فإن جماعة الحوثي عادت إلى ممارسة حملات مكثفة ضد الصحافيين والناشطين في المناطق الخاضعة لسيطرتها، حيث شنت اعتقالات واسعة ضد صحافيين وناشطين من بينهم الصحافي فؤاد النهاري ومحمد الصهباني وعبده المدان ومحمد المياحي بسبب منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي .
وأوضح المرصد أن ما يزيد من خطورة الوضع، أن المحكمة الجزائية الابتدائية المتخصصة في صنعاء، التي تسيطر عليها جماعة الحوثي، أصدرت حكما بإعدام الصحافي طه المعمري رميا بالرصاص ومصادرة ممتلكاته، بما في ذلك شركته “يمن ديجيتال ميديا”.
بدورها، أعلنت نقابة الصحافيين اليمنيين رفضها قرار وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في الحكومة المعترف بها دوليا إيقاف نشاط النقابات المهنية في العاصمة المؤقتة عدن.
واتهمت النقابة في بيان، وزارة الشؤون الاجتماعية في الحكومة اليمنية بعدم تهيئة الظروف اللازمة لعمل النقابات، وفي العديد من الحالات لم تسمح للنقابات بمباشرة أعمالها من مقراتها في عدن، وقالت إنها تتابع بقلق بالغ الإجراءات التضييقية على نشاطها وعلى العمل النقابي بشكل عام والذي كان آخره صدور مذكرة من وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بإيقاف نشاط النقابات المهنية وفي مقدمتها نقابة الصحافيين وما رافق هذه التوجهات من تحريض على القيادات النقابية بعدن وتهديد حياتهم وتعريضهم للخطر.
واعتبرت النقابة أن الإجراءات الإدارية المعلنة في حقها والنقابات المهنية لا تقوم على أساس دستوري أو قانوني أو ديمقراطي، ولا تهدف بحال من الأحوال إلى ما تزعم أنه إجراءات تصحيحية. إذ من المؤكد أن الوزارة والجهات المعنية لم تقم بتهيئة الظروف اللازمة لعمل النقابات العامة من عدن المعلنة عاصمة مؤقتة للبلاد، وفي العديد من الحالات لم يسمح للنقابات بمباشرة أعمالها من مقراتها في عدن.
اليمن يحتل مراتب متأخرة في حرية الصحافة، إذ جاء في المرتبة 154 من أصل 180 دولة لعام 2024
وكانت بعض المكاتب الحكومية الخاضعة لسيطرة أطراف متنفذة على الأرض أداة للسيطرة بالقوة المسلحة، على مقرات النقابات الرسمية، ومنها نقابة الصحافيين اليمنيين، واتحاد نساء اليمن، والاتحاد العام لنقابات عمال الجمهورية، الذي استبدل ونقاباته الفرعية، باتحاد تابع لطرف سياسي.
وقالت النقابة إنها باعتبارها مكونا نقابيا مهنيا معنيا بالدفاع عن الصحافيين وحماية حق حرية الرأي والتعبير تستغرب هذا العداء من قبل وزارة في الحكومة الشرعية وترى ذلك شبيها بما نفذته جماعة الحوثي بحق النقابة في صنعاء من إيقاف نشاطها والتضييق على عملها، وكأن أطراف الصراع متفقة في الحرب على النقابة والعمل النقابي وهي حرب بالتأكيد تستهدف الصحافيين وحرية الصحافة في اليمن وتقوض ما تبقى من هوامش مختنقة للعمل المدني والنقابي عموما.
وأشارت النقابة إلى أنه وفي ظل ظروف وأوضاع الحرب الدائرة في اليمن منذ نهاية مطلع العام 2015، تعرض الصحافيون لصنوف شتى من الانتهاكات كالتهديد بالسجن والاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والقتل والإعدام خارج القانون. وقالت “غير بعيد من هذا محاولة الاغتيال الآثمة التي طالت في صنعاء الزميل محمد شبيطة أمين عام النقابة، والأمين العام المساعد لاتحاد الصحافيين العرب إضافة إلى المخفيين منهم قسرا وأولئك الذين يحاكمون أمام محاكم مختصة بقضايا الإرهاب أو أمام لجان جهات لا تلتزم بقواعد المحاكمة العادلة ما يجعلها أقرب إلى لجان إعدام منها إلى المحاكم. وفي العديد من الحالات امتد الأذى الذي طال الصحافيين إلى عائلاتهم، وزملائهم، وأصدقائهم.”
وأكدت النقابة استمرارها في الدفاع عن الصحافيين في كل اليمن بمختلف توجهاتهم، وانتماءاتهم، انطلاقا من المسؤولية المخوّلة من الجمعية العمومية والنظام الداخلي، مجددة مواصلة عملها وجهودها لحماية وحدة النقابة والعمل النقابي حتى تنتهي الظروف القاهرة التي تشهدها الدولة وتتهيأ ظروف البلد لعقد مؤتمر عام يضمن فيه مشاركة أعضاء الجمعية العمومية بسلاسة وأمان ومناخ ديمقراطي، دون خوف أو تهديد، ودون تدخل القوى التي تتقاسم السيطرة والنفوذ على أنحاء البلاد.
وجددت مطالبتها للسلطات الأمنية بعدن والحكومة الشرعية بإعادة مقر النقابة المغتصب في عدن وإيقاف التوجه الظلامي الذي لا يتوافق مع تطلعات اليمنيين ونضالاتهم منذ قيام الثورة وحتى اليوم.