احتفالات وسط الركام..

الضاحية الجنوبية بين أنقاض الحرب وسردية "النصر": حزب الله يشيّع نصرالله

تسعى قيادة حزب الله إلى استغلال رمزية استشهاد نصرالله لتوجيه الأنظار بعيدًا عن الخسائر الفادحة وتكريس سردية "النصر" رغم حجم الكارثة الإنسانية والمادية التي ألمّت ببيئته الحاضنة.

محاولة بناء سردية "نصر" جديدة لحزب الله على أنقاض الضاحية الجنوبية.

بيروت

بعد حرب طاحنة تركت وراءها دمارًا واسعًا وخسائر كبيرة، يسعى من تبقى من قادة الصف الثاني والثالث في حزب الله إلى استعادة وحدة الصف الداخلي للحزب وترميم معنويات أنصاره. ووجد هؤلاء في إقامة جنازة شعبية للأمين العام السابق حسن نصرالله فرصة لتوحيد الأنصار وصرف أنظار اللبنانيين عن حجم الكارثة، مستغلين رمزية "الاستشهاد" لخلق سردية جديدة عن "النصر" على أنقاض الضاحية الجنوبية.

وأعلن مسؤول في الحزب، الأربعاء، أن التحضيرات جارية لتنظيم تشييع "استثنائي" لنصرالله الذي قُتل في غارة إسرائيلية استهدفت الضاحية الجنوبية في 27 سبتمبر. وقال محمود قماطي، نائب رئيس المجلس السياسي للحزب، خلال مؤتمر صحفي في الضاحية: "أجلنا تشييع سماحة الأمين العام لكي نقوم بتشييع لائق به وبشهادته، هو ورفيق دربه السيد هاشم (صفي الدين)"، رئيس المجلس التنفيذي للحزب الذي قُتل كذلك بضربة إسرائيلية.

وأكد قماطي أن التشييع سيكون شعبيًا ورسميًا وسياسيًا في آن واحد، بهدف تخليد رمزية نصرالله واستشهاده، في محاولة لإعادة جمع الأنصار تحت مظلة الحزب.

 

يحاول قادة حزب الله الناجون من الحرب استغلال التشييع لتخفيف الغضب الشعبي الناجم عن الخسائر الكبيرة في الأرواح والممتلكات، خاصة في الضاحية الجنوبية، حيث تعرّضت المنطقة لدمار شبه كامل بفعل الغارات الإسرائيلية. وتهدف هذه الخطوة إلى شد أنظار جمهور الحزب نحو رمزية نصرالله وخلق سردية عن "استشهاده" تُلهيهم عن تحميل الحزب مسؤولية ما جرى.

ورغم محاولات الحزب لإعادة إنتاج خطاب النصر، تشير أجواء ما بعد وقف إطلاق النار إلى تغييرات كبيرة في المزاج الشعبي والسياسي اللبناني. وبينما وُصفت لحظات إعلان الهدنة بالاحتفالية، فإن حجم الدمار والخسائر يصعّب على الحزب تكرار سرديات "الانتصار" السابقة، كما حدث بعد حرب 2006.

 

شهدت الضاحية الجنوبية، التي تُعتبر معقلًا أساسيًا لحزب الله، مظاهر احتفالية فور بدء سريان وقف إطلاق النار. ورفع أنصار الحزب أعلامه الصفراء وطافوا الشوارع المدمرة على دراجات نارية وسط إطلاق نار كثيف في الهواء. وقال نظام حمادة، وهو مهندس من سكان الضاحية: "نحن عائدون إلى هذه الضاحية البطلة... نشعر بالاعتزاز، انتصرت المقاومة".

وفي الوقت الذي انشغل فيه البعض بتفقّد منازلهم المدمرة، ركّز آخرون على المشاركة في التحضيرات للتشييع. وقالت ديالا، وهي إحدى المشاركات: "توجهت مباشرة إلى المكان الذي اغتيل فيه نصرالله... كان الظلام مخيمًا، لكنني أردت أن أكون هناك".

 

على الرغم من الدمار الهائل في الضاحية، يحافظ حزب الله على نفوذه القوي بين سكان المنطقة الذين يدينون له بالولاء، ويرون فيه المدافع عن "المقاومة" ضد إسرائيل. ومع ذلك، فإن الغضب الشعبي بسبب الحرب وما تبعها من خسائر قد يشكّل تحديًا كبيرًا للحزب في المرحلة القادمة، خاصة مع تعمّق الجراح المادية والمعنوية لدى اللبنانيين.

ويواجه الحزب صعوبة في احتواء الغضب الداخلي والخارجي مع استمرار تأثيرات الحرب، مما يطرح تساؤلات عن قدرة الحزب على إعادة بناء سرديته ومواصلة الهيمنة على المشهد السياسي والشعبي في لبنان.