لقاء استثنائي يعكس ملامح المستقبل في سوريا..
تحولات جديدة في المشهد السوري – اللبناني: زيارة جنبلاط وظهور الجولاني في دائرة الضوء
القيادة السورية الجديدة تخشى أن تتسع الاحتجاجات المطالبة بدولة مدنية، والتي بدأت تظهر الأسبوع الماضي في عدد من المدن.
تشهد الساحة السورية – اللبنانية تطورات لافتة مع زيارة الزعيم الدرزي اللبناني وليد جنبلاط والوفد المرافق له إلى دمشق، في خطوة تعكس توجهًا لدعم القيادة السورية الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد. تأتي هذه الزيارة بالتزامن مع أنباء عن لقاء نائب الرئيس السوري السابق فاروق الشرع مع زعيم هيئة تحرير الشام أبو محمد الجولاني، وسط مساعٍ لإعادة صياغة المشهد السياسي في سوريا بما يضمن قبولًا محليًا وإقليميًا للجولاني وهيئته المثيرة للجدل.
وتعد زيارة جنبلاط، التي شملت لقاءه مع الجولاني في القصر الرئاسي، أول لقاء يجمع بين زعيم لبناني ورئيس القيادة السورية الجديد. أكد جنبلاط خلال اللقاء أن الإطاحة بنظام الأسد تفتح الباب أمام علاقات جديدة وبناءة بين سوريا ولبنان. كما شدد على أهمية استقرار سوريا لضمان استقرار لبنان، داعيًا المجتمع الدولي لدعم القيادة السورية الجديدة.
من جانبه، أكد الجولاني أن سوريا لن تشهد استبعادًا لأي طائفة في العهد الجديد، مشيرًا إلى أن بلاده ستكون على مسافة واحدة من الجميع، مع تعهدات بحماية الأقليات الدينية والعرقية.
وعاد فاروق الشرع، نائب الرئيس السوري السابق، إلى الواجهة بعد غياب طويل، حيث يشارك في الحوار الوطني الذي تأمل القيادة السورية الجديدة أن يكون منصة لجمع مختلف الأطياف السورية. وجود الشرع يهدف إلى تعزيز مصداقية العملية السياسية وتبديد مخاوف الأطراف المطالبة بدولة مدنية.
الشرع، الذي تولى مناصب رفيعة مثل وزارة الخارجية ونائب الرئيس، سبق أن أعرب عن رفضه للحسم العسكري ودعا إلى تسوية سياسية شاملة. ويمثل دوره الحالي محاولة لتعزيز الوحدة الوطنية وتجنب الانقسامات الطائفية.
رغم التطمينات التي يقدمها الجولاني، تثير إمكانية فرض حكم إسلامي متشدد مخاوف داخلية وخارجية، خاصة في ظل وجود أقليات متنوعة مثل الدروز، الأكراد، المسيحيين، والعلويين. وتعكس هذه المخاوف تخوف القوى الأجنبية والسوريين من أن تؤدي سيطرة هيئة تحرير الشام إلى تغييرات جذرية في طبيعة الحكم في البلاد.
الزيارة تأتي في ظل علاقات تاريخية معقدة بين سوريا ولبنان، حيث لعبت دمشق دورًا كبيرًا في الحياة السياسية اللبنانية منذ دخول الجيش السوري إلى لبنان في عام 1976 وحتى انسحابه في 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري. وتعد تصريحات الجولاني، التي شدد فيها على احترام سيادة لبنان واستقلال قراره، محاولة لتخفيف التوترات بين البلدين وفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية.
ولم يقتصر دعم القيادة السورية الجديدة على جنبلاط، بل شمل زعيم حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، المعروف بمعارضته الشديدة للهيمنة السورية على لبنان. رحب جعجع بسقوط نظام الأسد، معتبرًا أن هذا التحول يمثل انتصارًا لضحايا الهيمنة السورية ولثورة الأرز التي ناضلت من أجل استقلال لبنان.
وتمثل هذه التحركات فرصة لإعادة ترتيب الأوراق في سوريا ولبنان، لكن الطريق لا يخلو من التحديات. المخاوف من استئثار هيئة تحرير الشام بالحكم ومن تصاعد التوترات الطائفية تبقى حاضرة. مع ذلك، يمكن أن تشكل جهود الشخصيات المخضرمة مثل فاروق الشرع ووليد جنبلاط نقطة انطلاق نحو حوار شامل يعزز الاستقرار في سوريا ويفتح أفقًا جديدًا للعلاقات مع لبنان.
في ظل هذا المشهد، يبقى السؤال مفتوحًا: هل ستنجح القيادة السورية الجديدة في كسب الثقة محليًا ودوليًا، أم أن المخاوف من سيطرة هيئة تحرير الشام ستظل عائقًا أمام تحقيق الاستقرار المنشود؟