تقارب غامض ومواقف متناقضة..
وسائل الإعلام الغربية والجولاني.. تبييض صورة أم إعادة تأهيل؟
برزت رؤية "سوريا الجديدة" التي تقوم على معاداة النفوذ الإيراني والانفتاح على مختلف الأطراف الإقليمية والدولية، بما في ذلك إسرائيل.
تشهد وسائل الإعلام الغربية حملة واسعة لإعادة صياغة صورة أبو محمد الجولاني، زعيم هيئة تحرير الشام، كزعيم جديد لسوريا يتمتع بالبراغماتية والاعتدال. ركزت التقارير الإعلامية والمقابلات على تبييض تاريخه المثير للجدل، مع إغفال ماضيه العميق المرتبط بتنظيم القاعدة وداعش. وأصبح الجولاني يظهر كسياسي ذكي وقائد قادر على توحيد سوريا، وسط تجاهل المخاوف المحلية والدولية من توجهاته المتشددة.
ووصفت وسائل إعلام غربية مثل واشنطن بوست الجولاني بأنه "زعيم براغماتي وجذاب"، بينما قدمته سي إن إن على أنه "ثوري يرتدي سترة"، في إشارة إلى تحوله من قائد لجبهة النصرة إلى زعيم هيئة تحرير الشام. وأجرت معه مقابلات حصرية ركزت على الجانب الإنساني من شخصيته، متجاهلة ماضيه القتالي.
على الرغم من أن مكتب التحقيقات الفيدرالي كان يعتبره أحد أخطر الإرهابيين في العالم في عام 2013، تغيرت النبرة بشكل ملحوظ، خاصة بعد زيارة وفد أميركي رفيع المستوى إلى دمشق، حيث تسارعت المحاولات لإزالة هيئة تحرير الشام والجولاني من قوائم الإرهاب.
عمل الجولاني خلال السنوات الأخيرة على تغيير صورته العامة، محاولاً النأي بنفسه عن ارتباطاته السابقة بالقاعدة وداعش. وأعاد تسمية قواته من جبهة النصرة إلى هيئة تحرير الشام عام 2017، مع التأكيد على أن الهيئة تتبنى أيديولوجية مختلفة "تحترم التنوع السوري". ومع ذلك، ما زالت هناك شكوك محلية ودولية تجاه هذه التصريحات.
بينما يؤكد الجولاني أنه لا ينوي الدخول في صراعات مع إسرائيل، يشير مراقبون إلى التناقض بين هذا الموقف والسياسات الإقليمية لهيئة تحرير الشام. إذ لم تُظهر الهيئة أي معارضة للغارات الإسرائيلية على سوريا، حتى عندما استهدفت مواقع عسكرية إيرانية وحزب الله.
على المستوى المحلي، يخشى السوريون من أن يمثل صعود الجولاني عودة لنظام حكم إسلامي متشدد يعيد تجربة طالبان في أفغانستان. أما على الصعيد الدولي، فتبدو محاولات تلميع صورته جزءاً من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل المشهد السوري بما يخدم مصالح الدول الغربية وإسرائيل.
وأشار تقرير لموقع كونسورتيوم نيوز إلى أن إسرائيل كانت داعماً غير مباشر لبعض فصائل المعارضة السورية منذ بداية الأزمة. ويُلاحظ أن المجموعات الإسلامية المتطرفة، بما فيها هيئة تحرير الشام، تجنبت المواجهة المباشرة مع إسرائيل، مما يثير تساؤلات حول طبيعة العلاقة بين الطرفين.
رغم الجهود الغربية لتقديمه كزعيم معتدل، يواجه الجولاني تحديات كبيرة في الداخل السوري، بما في ذلك بناء الثقة مع المكونات المختلفة من الشعب السوري، وضمان ولاء الفصائل المسلحة التابعة له. كما يبقى موقفه من القضايا الإقليمية، مثل الصراع مع إسرائيل ووجود القوات الإيرانية، موضع تساؤل.
بينما تعمل وسائل الإعلام والحكومات الغربية على إعادة تأهيل صورة الجولاني، يبقى السؤال حول مدى قدرته على تحقيق الاستقرار في سوريا من دون العودة إلى نهجه المتشدد. وفي حين يحظى بدعم إعلامي غربي قوي، يظل التحدي الأكبر في إقناع الشعب السوري والعالم بأن هذا التغيير حقيقي ومستدام.