اليمن بؤرة ارتدادية جديدة..

ارتدادات الزلزال السياسي في الشرق الأوسط: ماذا يحمل عام 2025؟

يلوح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب الذي يستعد لدخول البيت الأبيض في العشرين من يناير الجاري بأنه سينهي سريعا الفوضى في الشرق الأوسط لصالح التركيز على التهديد الصيني الأكبر للمصالح الأميركية.

ترك مشكلة الحوثيين دون علاج وعدم التعامل مع الملف النووي الإيراني هما مقامرة ذات عواقب وخيمة.

واشنطن

رغم تعدد النقاط الساخنة على الساحة الدولية، يظل الشرق الأوسط محورًا رئيسيًا للسياسة الخارجية الأميركية، حيث تستمر تداعيات هجوم 7 أكتوبر 2023، الذي قادته الفصائل الفلسطينية المسلحة بقيادة حركة حماس ضد إسرائيل، في إعادة تشكيل المشهد الإقليمي. وصف ضابط استخبارات إسرائيلي متقاعد ذلك الهجوم بأنه "زلزال قوي"، مشيرًا إلى أن المنطقة ستتعامل مع ارتداداته لفترة طويلة.

ففي أقل من عام، شهد الشرق الأوسط تحولات جذرية أعادت ترتيب موازين القوى. نجحت إسرائيل في القضاء على القدرات القتالية لحركة حماس واغتيال قادتها، وتوجيه ضربات موجعة لحزب الله اللبناني، بما في ذلك اغتيال أمينه العام حسن نصر الله. إلى جانب ذلك، انهار نظام بشار الأسد في سوريا، مما ترك فراغًا سياسيًا كبيرًا وحالة من الانشغال الداخلي لدى الحكومة السورية الجديدة. ورغم التوصل إلى اتفاقيات لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله، واقتراب توقيع اتفاق مماثل في غزة، لا تزال الهزات الارتدادية تهدد الاستقرار الإقليمي.

ومع بداية عام 2025، تتجه الأنظار إلى اليمن كبؤرة محتملة لهزات ارتدادية جديدة. شهدت الأسابيع الأخيرة تصعيدًا حوثيًا كبيرًا، حيث شن الحوثيون المدعومون من إيران أكثر من 200 هجوم صاروخي و170 هجومًا بالطائرات المسيرة على إسرائيل. 

كما استهدفت هذه الهجمات السفن الإسرائيلية والغربية في البحر الأحمر، مما أثر على حركة التجارة العالمية. وردًا على ذلك، تعهد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باتخاذ إجراءات صارمة قد تشمل ضرب الموانئ اليمنية ومطار صنعاء، بهدف تقويض القدرات الحوثية وقطع الإمدادات الإيرانية. ومع ذلك، فإن الجغرافيا اليمنية المعقدة والبعد الجغرافي يجعل من الصعب على إسرائيل شن حملة عسكرية فعالة كتلك التي نفذتها في غزة ولبنان.

ورغم خسائرها الإقليمية، لا تزال إيران تمثل تهديدًا مستمرًا للمنطقة. ضاعفت طهران نشاط برنامجها النووي، مع تقارير تشير إلى اقترابها من امتلاك قنبلة نووية، مما يضعها في مواجهة مباشرة مع إسرائيل والدول الغربية. وفي حين تعتزم إدارة ترامب المنتخبة العودة إلى سياسة "أقصى الضغوط" عبر العقوبات، فإن التأثير المتوقع لهذه السياسة قد لا يكون سريعًا بما يكفي لمنع إيران من تحقيق أهدافها النووية.

وفي سوريا، لا تزال الأوضاع غير مستقرة. تواجه الطائفة العلوية احتجاجات متزايدة ضد الحكام السنة الجدد، مما يهدد بإشعال صراع طائفي جديد. وفي شمال البلاد، يستمر القتال بين الجيش الوطني السوري الموالي لتركيا وقوات سوريا الديمقراطية الكردية. هذه الصراعات تزيد من تعقيد المشهد السوري وتجعل من الصعب تحقيق الاستقرار على المدى القريب.

وعلى الرغم من تعهد الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب بتوجيه اهتمام الولايات المتحدة نحو منطقة آسيا والمحيط الهادئ، إلا أن الشرق الأوسط سيظل يفرض نفسه كعائق أمام تحقيق هذه الرؤية. تحتاج إسرائيل إلى دعم أميركي مستمر للتصدي لهجمات الحوثيين، كما أن تأمين حركة الملاحة في البحر الأحمر يتطلب وجودًا عسكريًا أميركيًا دائمًا. وفي حال تصعيد الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية اليمنية، قد تترتب على ذلك كارثة إنسانية تهدد استقرار دول الجوار وإمدادات الطاقة العالمية.

ويشير المحللون إلى أن تجاهل التحديات الإقليمية في الشرق الأوسط قد يؤدي إلى تفاقم الفوضى. ترك تهديد الحوثيين دون معالجة فعالة يعني تعريض أحد أهم ممرات التجارة العالمية للخطر. فشل التعامل مع الملف الإيراني يفتح الباب أمام سباق تسلح نووي جديد، بينما يتيح ترك سوريا دون استقرار المجال لعودة تنظيم داعش والجماعات الإرهابية.

الشرق الأوسط اليوم يقف أمام مرحلة زلزال سياسي وأمني ممتد، حيث تعيد القوى الإقليمية والدولية ترتيب أولوياتها في مواجهة تحديات متزايدة التعقيد. وبينما تسعى إدارة ترامب لتحقيق رؤيتها في الانسحاب من المنطقة، فإن الهزات الارتدادية المستمرة تفرض نفسها كعائق مستمر، مما يجعل استقرار المنطقة هدفًا بعيد المنال في الوقت الراهن.