خطوات أولى نحو تهدئة مستدامة..

اتفاق وقف إطلاق النار.. قطاع غزة يبدأ مرحلة جديدة بعد 15 شهرًا من الصراع الإسرائيلي

توصلت إسرائيل وحركة «حماس» إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل المحتجزين أُعلن عنه أمس بعد مفاوضات شاقة توسطت فيها مصر وقطر والولايات المتحدة، ومن المقرر أن يدخل حيز التنفيذ يوم الأحد المقبل.

فلسطينييون يعبرون عن فرحتهم بعد التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل في خان يونس جنوب قطاع غزة (إ.ب.أ)

غزة

أعلنت الأطراف المعنية مساء الأربعاء التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل وحماس بعد 15 شهرًا من الصراع العنيف الذي أوقع آلاف الضحايا وخلّف دمارًا هائلًا في قطاع غزة. يشمل الاتفاق مراحل متعددة تهدف إلى تهدئة الأوضاع وتحقيق بعض التخفيف الإنساني، لكنه يثير تساؤلات حول مستقبل غزة ومن سيشرف على إدارتها، خاصة مع استمرار وجود حماس كطرف أساسي في تنفيذ الاتفاق.

الاتفاق يتضمن مرحلة أولى تمتد لستة أسابيع وتشمل إطلاق سراح 33 رهينة بمعدل ثلاثة على الأقل أسبوعيًا، من النساء والأطفال والرجال فوق الخمسين عامًا، مقابل إفراج إسرائيل عن الأسرى الفلسطينيين، بما في ذلك الأطفال والنساء المحتجزين منذ السابع من أكتوبر 2023. كما ستبدأ إسرائيل خفض وجودها العسكري تدريجيًا على محور فيلادلفيا الحدودي مع مصر خلال هذه الفترة. تشمل المرحلة الثانية التي تبدأ في اليوم السادس عشر من الفترة الأولى، إطلاق سراح جميع الرهائن المتبقين بمن فيهم الجنود الإسرائيليون الذكور، مع انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية ووقف دائم لإطلاق النار. في المرحلة الثالثة، يتم البدء بإعادة إعمار غزة تحت إشراف مصر وقطر والأمم المتحدة، إضافة إلى إعادة جميع الجثث المتبقية.

ورغم مشاعر الفرح التي عمت شوارع غزة عقب الإعلان عن الاتفاق، يواجه القطاع كارثة إنسانية هائلة خلفتها الحرب، حيث تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 69% من المباني تهدمت أو تعرضت لأضرار جسيمة، بتكلفة تُقدر بـ 18.5 مليار دولار. إزالة 42 مليون طن من الأنقاض الملوثة بمواد خطيرة مثل الأسبستوس قد تستغرق 14 عامًا على الأقل. كما تعاني البنية التحتية من أضرار بالغة، حيث يعمل أقل من 25% من شبكة المياه مقارنة بما كانت عليه قبل الحرب، وتضررت 68% من شبكة الطرق. القطاع الزراعي أيضًا لم يسلم من آثار الحرب، حيث تعرضت نصف الأراضي الزراعية للتدمير، مما فاقم معاناة السكان الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي.

وفي الوقت نفسه، تستعد المنظمات الدولية لتوسيع نطاق المساعدات الإنسانية فور دخول الاتفاق حيز التنفيذ. منظمة اليونيسف أشارت إلى أن نحو مليون طفل فقدوا منازلهم، بينما انفصل 17 ألف طفل عن ذويهم أو فقدوهم. لجنة الإنقاذ الدولية أكدت أهمية تأمين تدفق المساعدات وتمويل عمليات الإغاثة بشكل مرن، بينما حذرت الأمم المتحدة من أن إعادة إعمار المنازل المدمرة قد تستغرق عقودًا وتستمر حتى عام 2040.

الاتفاق يشمل تبادلًا للأسرى، حيث سيتم إطلاق سراح ما بين 990 و1650 فلسطينيًا من بينهم نساء وأطفال، وسط آمال كبيرة من أهالي المعتقلين الذين يترقبون بفارغ الصبر عودة أبنائهم. من جهة أخرى، يشمل الاتفاق الإفراج عن رهائن إسرائيليين محتجزين لدى حماس، مع توقع أن تكون المرحلة الأولى حاسمة في بناء الثقة بين الطرفين.

رغم أن وقف إطلاق النار يشكل بارقة أمل، إلا أن الطريق نحو الاستقرار طويل ومعقد، حيث ستحتاج غزة إلى ترتيبات أمنية دقيقة وتمويل ضخم لإعادة الإعمار وتقديم المساعدات. التحديات الإنسانية والسياسية تبقى هائلة، ما يجعل مستقبل القطاع رهنًا بمدى التزام الأطراف المعنية بتنفيذ الاتفاق بشكل كامل ودون عوائق.

وأعلنت حركة حماس أن اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مع إسرائيل يمثل "محطة فاصلة من محطات الصراع"، معتبرة أنه إنجاز كبير للشعب الفلسطيني ومقاومته.

وفي بيان رسمي، أكدت الحركة أن "اتفاق وقف العدوان على غزة إنجاز لشعبنا ومقاومتنا وأمتنا وأحرار العالم، وهو محطة فاصلة من محطات الصراع مع العدو، على طريق تحقيق أهداف شعبنا في التحرير والعودة". وأشارت إلى أن الاتفاق جاء "انطلاقا من مسؤوليتنا تجاه شعبنا الصابر المرابط في قطاع غزة، بوقف العدوان الصهيوني عليه، ووضع حد لشلال الدم والمجازر وحرب الإبادة التي يتعرض لها".

وأعربت حماس عن تقديرها للمواقف الرسمية والشعبية التي تضامنت مع غزة، وقالت: "نشكر كل المواقف المشرفة عربيا وإسلاميا ودوليا التي وقفت إلى جانب شعبنا وساهمت في فضح الاحتلال ووقف العدوان". كما خصت بالشكر الوسطاء الذين بذلوا جهودا كبيرة لتحقيق الاتفاق، لاسيما قطر ومصر.

وكان الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب والرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، إلى جانب رئيس الوزراء القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، قد أعلنوا مساء الأربعاء التوصل إلى اتفاق بين إسرائيل وحماس لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى والرهائن، بعد جهود وساطة مكثفة.